|
اللاجئون السوريون والضربة العسكرية: متى تنتهي المأساة؟
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 4212 - 2013 / 9 / 11 - 20:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعيداً عن السياسة: اللاجئون السوريون والضربة العسكرية: متى تنتهي المأساة؟
مع ترقّب ضربة عسكرية أمريكية لسورية تتعاظم مأساة اللاجئين، حيث تبحث مئات الآلاف من العوائل السورية عن ملجأ آمن في إحدى دول الجوار، إضافة إلى النزوح الجماعي لمناطق كاملة بسبب ما لحقها من تدمير، وهو أمر سبق أن تم التحذير منه من جانب منظمات إنسانية دولية وإقليمية، خصوصاً بعد فشل أو تقاعس المجتمع الدولي من القيام بمسؤوليته إزاء اللجوء والنزوح الجماعي، ولا سيّما في مساعدة الدول المضيّفة. تخطّى عدد اللاجئين السوريين المليوني إنسان حسب ما أعلنت عنه المفوضية العليا للاجئين، فقد كان العدد لما قبل عام يبلغ 230.671 لاجئاً (مسجّلاً)، علماً بأن عدد غير المسجلين يبلغ أضعاف هذا الرقم، سواء في دول جوار سوريا أو غيرها. وقد ارتفع هذا العدد بعد انضمام مليون وثمانماية ألف لاجئ خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، مع أعداد أخرى غير مسجلة، وحسب بعض التقديرات أن عدد اللاجئين السوريين تجاوز الأربعة ملايين وأن الضربة العسكرية الأمريكية، إذا ما حصلت يمكن أن تزيد العدد، حيث من المحتمل أن ينضم نحو ربع مليون لاجئ ما بعدها إضافة إلى ثلاثة أرباع المليون من النازحين، وتتدفق أعداد اللاجئين اليوم على (العراق) ولا سيما إقليم كردستان ولبنان، وعلى الأردن وتركيا، إضافة إلى مصر ودول أخرى. وقالت انجلينا جولي مندوبة المفوضية العليا للاجئين أن " العالم يجازف بتغاضيه الخطير عن الكارثة الإنسانية السورية" ويقدّر أن يتضاعف عدد اللاجئين السوريين، طالما لا يوجد هناك أفق في حل للأزمة، لا سيّما وقد وصل الحل السياسي (السلمي) إلى طريق مسدود، كما أن الطريق العسكري (العنفي) وصل هو الآخر إلى طريق مسدود حتى الآن، ولهذا فإن مأساة اللاجئين أخذت بالتفاقم وتنذر بعواقب وخيمة، خصوصاً، بتدهور الأوضاع، وفي ظل استمرار وتصاعد الحرب النفسية والحصار الاقتصادي والصدام المسلح، بما فيه احتمال تكرار الضربات العسكرية من الجو والبحر، فضلاً عن احتمالات تأمين ملاذات آمنة Save haven أو حظر جوي No Fly Zone، كما حصل في النموذج العراقي، طالما بقيت القوى الدولية على خلاف كبير حول التوصّل إلى حل لإنهاء النزاع الداخلي السوري، بما فيه تغذية أطراف النزاع بالسلاح وأنواع الدعم المختلفة. حتى الآن هناك مشكلة لوجستية تتعلق بضعف الإمكانات المادية لتأمين المستلزمات الأولية الإنسانية للاجئين لدى دول الجوار، فلا المنظمات العالمية وحدها قادرة، ولا دول الجوار التي تعاني هي بدورها من الكثير من الاحتياجات والتحديات، ناهيكم عن استنزاف جزء مهم من طاقاتها، ولا المجتمع الدولي يتحمّل مسؤوليته إزاء هذه الكارثة الإنسانية. وما يعاظم المأساة السورية هو أن أكثر من 52% من اللاجئين هم من الأطفال دون السابعة عشر من العمر. ولعلّ حجم هذه المأساة أخذ في الاتساع بخصوص النازحين داخل سوريا، ووفقاً لإحصاءات تعود إلى نهاية شهر آب (أغسطس) الماضي 2013 نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن عددهم بلغ أربعة ملايين وخمسة وعشرون ألف نازح. وبهذا المعنى يكون أكثر من ربع سكان سوريا يتوزعون بين اللجوء والنزوح (أكثر من ستة ملايين)، يضاف إلى ذلك أن عموم السكان يعانون من تأثيرات الحرب الداخلية والنزاع المسلح وارتفاع نسبة الجريمة والتطرف والتعصب والعنف، ولا سيّما إزاء المجموعات الثقافية الدينية والإثنية، وما حصل في الشهر الماضي (آب- أغسطس) ومطلع شهر أيلول (سبتمبر) سواءً استخدام السلاح الكيمياوي أو مهاجمة الكنائس والأديرة وقتل رجال دين ومواطنين مسيحيين في مدينة معلولة، الاّ إحدى إنعكاسات الأزمة السورية المستفحلة والتي أدّت إلى تمزيق الكيان المجتمعي والوحدة الوطنية وارتفاع منسوب العنف والارهاب. ولهذا وصف المفوض الأعلى للاجئين انطونيو غوتيريس في بيان له حول اللاجئين السوريين سورية بقوله: أصبحت مأساة هذا العصر الكبرى، هي كارثة إنسانية مشينة مع ما يواكبها من معاناة وعمليات تهجير لم يشهدها التاريخ الحديث. وبعد هل هناك ضوء في نهاية النفق، لا سيّما من الناحية الإنسانية وانطلاقاً من اللوائح الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها حقوق اللاجئين؟ وإذا أردنا الخوض في هذا الموضوع، فمن زاويته الإنسانية وحتى بعيداً عن السياسة، وإن كان موضوع اللاجئين يقع في صلبها، خصوصاً البحث في السبل الكفيلة لحل الأزمة السورية. وإذا كانت أرقام اللاجئين السوريين مخيفة، خاصة بحجم تأثيراتها على دول الجوار، في الجوانب الصحية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والأمنية والمالية وسوق العمل وارتفاع معدّلات الجريمة والتطرّف، فإن علينا معرفة نتائجها الآنية والمستقبلية على المجتمع السوري، وعلى مجمّعات اللاجئين أنفسهم، لا سيّما أوضاع الأطفال والنساء بشكل خاص، إضافة إلى الشباب، وخاصة بانعدام فرص العمل والدراسة والحياة الطبيعية. وحسب القانون الدولي الإنساني واتفاقيات حقوق اللاجئين منذ العام 1933 والعام 1951 وملحقها العام 1967 حيث توسعت حقوق اللاجئين، يعتبر اللاجئ بشكل عام هو: كل شخص اضطرّ إلى ترك وطنه الأصلي والعيش خارجه بسبب الاضطهاد سواءً العرقي أو الإثني أو الديني أو بسبب الجنسية أو الانتماء إلى مجموعات اجتماعية معينة أو بسبب آرائه ومعتقداته السياسية، وهو غير قادر على الانتفاع أو الحصول على حماية بلده من جانب سلطاتها المختصة، وغير قادر على العودة إليه بسبب الخوف من الاضطهاد. للاجئ حقوق اجتماعية وسياسية ومدنية، مثل الحق في العلاج والتعليم والعمل وممارسة حقوقه المدنية، إضافة إلى الحق في الحصول على حماية حياته وأمنه، ولكن للأسف فإن الكثير من البلدان لا تؤمن المستلزمات الضرورية لممارسة هذه الحقوق، أما لعدم احترامها الكامل لحقوق الإنسان أو لعدم قدراتها الاقتصادية والمادية أو لنقص في قوانينها وآلياتها للحماية. ولم تدرك الكثير من الحكومات والجماعات السياسية مخاطر الأزمة المستفحلة في سوريا إنسانياً، خصوصاً وأنها تمثل تحدياً على جميع الجوانب السياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية، سواءًَ على أوضاع الحاضر أوضاع المستقبل. وتعتبر منطقتنا بالأساس الأكثر سخونة في العالم إزاء قضايا اللاجئين، ولا سيما في العقد ونيّف الماضي، سواء عدد اللاجئين أو المستلزمات غير المتوفرة لهم. فحتى الآن هناك مئات الألوف بل ملايين من اللاجئين والنازحين العراقيين والسودانيين والصوماليين واليمنيين، وبعد انضمام ملايين اللاجئين السوريين إليهم أصبحت الكارثة شاملة، وأصبحت المنطقة مرجلاً يغلي، بل يهدّد بالانفجار في كل ما يتعلق بقضايا الأمن والإرهاب والعنف والتطرّف، التي يسبّبها تفاقم أعداد اللاجئين والحالة المأساوية التي يعيشونها، يضاف إلى ذلك وجود نحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني منذ العام 1948 والعام 1967. وإذا ما أريد وضع حد لقضايا العنف والارهاب، فلا بدّ من وضع قضية اللاجئين في رأس قائمة الأولويات للتحدّيات العربية التي تحتاج إلى حلول ناجعة وسريعة وناجزة، والأمر له علاقة بأمن كل بلد وبالأمن القومي أو الاقليمي، فضلاً عن تأثيراته على السلم والأمن الدوليين، وهذا يحتاج إلى جهود دولية، بما فيها للمنظمات الدولية والدول الصناعية المتقدمة، إضافة إلى الدول العربية الميسورة، لوضع برامج طويلة الأمد لمعالجة هذه الظاهرة وتخصيص موارد مالية كافية. وقد بحث المؤتمر الدولي للمانحين الذي انعقد في الكويت برئاسة بان كي مون الأمن العام للأمم المتحدة مسؤولية المجتمع الدولي، خصوصاً بتقديم مليار ونصف مليار دولار في صورة مساعدات إنسانية للاجئين السوريين ، إضافة إلى النازحين. ولتأمين ذلك فلا بدّ من إزالة جميع العراقيل التي تحول دون تمتّع اللاجئين والنازحين السوريين بالحماية الدولية اللازمة، سواءً ما يتعلق بتأمين متطلبات الانتقال ولمّ شمل العائلات، إضافة إلى بناء القدرات بين الدول الحاضنة التي تتعرض فيها أنظمة اللجوء إلى خطر شديد بسبب تدفق أعداد أكبر من طالبي اللجوء. والأمر يتطلب عدم إعادة أحد من طالبي اللجوء قسراً، بما فيهم من رفضت طلبات لجوئهم، خصوصاً باستمرار الأوضاع الحالية والنزاع المسلح، وهذا يحتاج إلى الإبقاء على الوضع القانوني لطالبي اللجوء وتوفير الاعتمادات المالية لمساعدة الدول المستفيدة والمؤسسات الدولية، وتستطيع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحكم تجاربها وخبرتها أن تقدّم الكثير من المساعدات والخبرات على هذا الصعيد. ومرّة أخرى خارج نطاق السياسة، إذا كانت واشنطن تفكر في ضربة عسكرية لسورية، فعليها التفكير بالجانب الإنساني الذي يتعلق باللاجئين والنازحين، وإنها تتحمل المسؤولية السياسية لا عن الضربة العسكرية وتداعياتها فحسب، بل عن أوضاع اللاجئين والنازحين أيضاً!
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ساعة الصفر السورية في واشنطن!
-
هل المسيحيون أقلية مضطهدة؟
-
أوراق خيرية المنصور وشجرة يوسف شاهين
-
الرسالة الأمريكية لسورية!
-
خريطة التغيير العربية: إضاءات في أطروحات مغايرة!
-
تكلفة العدالة الانتقالية !!
-
عنصرا اليقظة: الحرّية والقانون
-
المبدع في حضوره وغيابه
-
وجها الإرهاب: القاعدة ونظام المحاصصة!
-
الجامعة وهجرة العقول!
-
تصادمت السياسات فانفجر الدم
-
مثقف اليوم
-
العراق ومشاريع التقسيم!
-
آفة التمييز العنصري: هل من علاج؟
-
لاهاي وهاجس العدالة!
-
نشيد موطني والأَخوَان فليفل
-
45 مليون لاجئ يؤرقون العالم
-
مكبّ النفايات الأمريكية
-
العدالة الانتقالية: مقاربات عربية للتجربة الدولية!
-
العدالة الانتقالية: عفو مستتر أم آلة انتقام؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|