|
أزمة قوى التيار الديمقراطي في العراق
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1203 - 2005 / 5 / 20 - 11:02
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
لا شك أن هناك أزمة حقيقية تواجهها القوى اليسارية والعلمانية والديمقراطية في العراق. وهذه الأزمة مستفحلة تحمل في طياتها مخاطر جسيمة على مستقبل الديمقراطية في العراق الجديد. لذلك فهي تحتاج إلى دراسة معمقة بموضوعية وعقلانية، لمعرفة أسبابها، بعيداً عن العواطف والمبالغة والتهويل، من أجل إيجاد العلاج الناجع لها. أولا، أزمة اليسار: لا شك أن اليسار، وخاصة الحركة الشيوعية العراقية، تمر في صعوبات لن تنفرد بها القوى اليسارية العراقية وحدها فحسب، بل هي عالمية وشاملة. لذا فأزمة اليسار العراقي هي جزء من أزمة اليسار في العالم ككل. فمنذ انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط المعسكر الاشتراكي، راح اليساريون يسألون أنفسهم ويعيدون النظر في معتقداتهم السياسية والفكرية ومسلماتهم الأيديولوجية، لماذا جرى كل هذا ؟ لذا فقد حصلت هزة عنيفة في قناعات الكثيرين من اليساريين وبذلك انتهت الرومانسية الثورية بل وحتى كلمات مثل الثورة والشيوعية والاشتراكية وحتى اليسارية، فقدت بريقها وراح يتجنب الكتاب المحسوبين على اليسار ذكرها في أدبياتهم. وبالمقابل، حصل مد ديني وخاصة في البلدان الإسلامية، وبين المهاجرين المسلمين المقيمين في الدول الغربية، أدى إلى تفشى التطرف الأصولي والإرهاب الإسلامي. وهذا يكشف لنا أن الحرب الباردة بين المعسكر الغربي (الرأسمالي الديمقراطي) والمعسكر الشرقي (الشيوعي) كانت سبباً في لجم المد الإسلامي الأصولي وتحجيمه وحجبه وأبقته تحت الغطاء طيلة الفترة الحرب الباردة، لأن الشيوعية العالمة وبقيادة الاتحاد السوفيتي، كانت تمثل العدو المشترك للمعسكر الغربي والإسلاميين معاً. ولكن ما أن انتهت الحرب الباردة هذه في صالح الغرب حتى انتهت الهدنة بين الغرب والإسلاميين وحاول الإسلاميون ملء الفراغ الذي تركه زوال الخطر الشيوعي. ومن هنا برز مصطلح (صراع الحضارات) ليحل محل الحرب الباردة، والذي لقي رواجاً واسعاً ودعماً كبيراً من الإسلاميين المتطرفين الذين أدعوا أنهم فعلاً حلوا محل الاتحاد السوفيتي في مواجهة الغرب "الكافر" وأنهم وحدهم يشكلون الآن خطراً على الحضارة الغربية وهم يتباهون بذلك! وأعلنوا شعارهم الانتحاري (دار حرب ودار سلام، إما هم وإما نحن!).
ثانيا، أزمة القوى العلمانية الديمقراطية: ونتيجة لانهيار المعسكر الاشتراكي، تزعزع إيمان الكثيرين من اليساريين بمستقبل الحركة الشيوعية مما أدى إلى انحسار شعبية الأحزاب اليسارية، ليس في العراق فحسب بل وفي كل أنحاء العالم. لذا فإن ما أصاب الحزب الشيوعي العراقي من ضعف انسحب سلباً على القوى الديمقراطية العلمانية العراقية الأخرى والتي معظمها تقف على يسار الوسط، لأن أغلب هذه القوى تأسست من أناس كانوا في الماضي أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي، ونتيجة للانهيارات السياسية والضربات التي أصابت العراق عموماً والحزب الشيوعي خصوصاً، حصلت انشقاقات داخل الحزب، كانت نتيجتها تفريخ تنظيمات شيوعية صغيرة، لا حول لها ولا قوة، إضافة إلى ولادة تنظيمات ديمقراطية صغيرة خرجت من تحت عباءة الحزب، أدت إلى تفتيت القوى الديمقراطية وضعفها. وكرد فعل لجور النظام البعثي الفاشي في العراق وتبنيه سياسة طائفية وعنصرية ضد مكونات الشعب العراقي واضطهاد الشيعة والأكراد خاصة، حصل استقطاب قومي ومذهبي أدى إلى تنشيط الأحزاب الإسلامية والقومية على حساب الأحزاب اليسارية والعلمانية الديمقراطية. فغالبية الشعب العراقي وخاصة العرب الشيعة وجدوا خلاصهم وملاذهم في الأحزاب الشيعية، كما وجد الكرد خلاصهم بالانتماء إلى أحزابهم القومية الكردية. وانسحب هذا على مكونات الشعب العراقي الأخرى مثل التركمان واالكلدان والآشوريين، حيث تأسست أحزاب عديدة لهذه المكونات القومية. وكانت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 30 كانون الثاني/يناير من هذا العام، أبرز دليل على ما نقول والذي كشف ضعف قوى التيار الديمقراطي نتيجة تشتتها واستقطاب الجماهير إلى الأحزاب الدينية والقومية. كما لعبت الأحزاب والتنظيمات العلمانية الديمقراطية دوراً مهماً في تفاقم ضعفها، حيث عملت على تفتيت قواها ورفضت توحيد صفوفها في تحالفات جبهوية وخوض الانتخابات في لوائح موحدة. فنزل الحزب الشيوعي بقائمة خاصة به رافضاً التحالف مع (التجمع القاسمي الديمقراطي)، كما نزلت الأحزاب الكلدو-آشورية بأربعة قوائم متنافسة فيما بينها. ونفس الكلام ينطبق على الأحزاب الديمقراطية الليبرالية الأخرى مثل جماعة الباجه جي وسعد صالح جبر والملكية الدستورية وغيرها من التنظيمات الديمقراطية، مما أدى إلى حرمان الكثير منها من الفوز حتى ولو بمقعد واحد في الانتخابات. ليس هذا فحسب، بل وشكلت جماعة كنا نحسبهم على الحزب الشيوعي العراقي، قائمة لخوض الانتخابات بشكل مستقل. طبعاً أصيبت هذه الجماعة بخسارة فادحة وإلحاق الضرر بقائمة الحزب الشيوعي. ولذلك فالقوى الديمقراطية فشلت في استيعاب متطلبات المرحلة وتبني ستراتيجية موحدة للم شملها ولعب دورها بشكل مؤثر.
ما العمل؟ (العلاج!) يجب على قوى التيار الديمقراطي استيعاب الدرس القاسي من هزيمتها في الانتخابات الأخيرة ودراسة أسباب الهزيمة. يجب أن يعلموا جيداً أن هناك أهدافاً بعيدة المدى وأهدافاً آنية. قال الراحل هارولد ويلسون، زعيم حزب العمال البريطاني مخاطباً بعض منتقديه من اليساريين في حزبه: "ليس عيباً لأي حزب سياسي ان يختار النقاء الايديولوجي الا ان عليه حينذاك ان يفهم ان هذا النقاء قد يحوّله من حزب سلطة الى ناد ثقافي غاية ما يستطيع خوضه الجدل العقيم." لذلك إذا أراد الحزب الشيوعي وقوى التيار الديمقراطي اليساري أن يكون لهم دور فاعل في العراق يجب عليهم أن يكونوا واقعيين وقريبين من فهم واحتياجات الجماهير وتأجيل الأهداف بعيدة المدى مثل إقامة النظام الشيوعي والاشتراكي والتركيز على النظام العلماني الديمقراطي والعدالة الاجتماعية في الوقت الحاضر وعدم التضحية بأهداف المرحلة الراهنة الملحة في سبيل أهداف بعيدة المدى و حتى مشكوك من تحقيقها، وهي لا تغني ولا تسمن من جوع على أي حال. لذلك أعتقد أنه ينبغي على كافة قوى التيار الديمقراطي، ومنها الحزب الشيوعي وتنظيمات الكلدو-آشوريين الديمقراطيين والتجمع القاسمي الديمقراطي وغيرهم من المحسوبين على اليسار الديمقراطي، توحيد صفوفهم في جبهة وطنية وديمقراطية موحدة، تخوض الانتخابات القادمة في قائمة واحدة، تجمعها أهداف مشتركة يمكن تلخيصها بالشعار التالي: (الوطنية العراقية والعلمانية الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية). فالأهداف الآنية الملحة هي تخليص العراق مما يهدده من التقسيمات الطائفية والعرقية وتحقيق النظام الديمقراطي وأن تخوض الانتخابات في قائمة واحدة. فلو اتبعت قوى التيار الديمقراطي هذه الأفكار يمكن أن يكون لها دور مؤثر في البرلمان القادم والتأثير في توجيه مسار العراق باتجاه ديمقراطي يحافظ على وحدته أرضاً وشعباً وينقذه من خطر التقسيم الطائفي الذي يهدد مستقبله. فهل من مجيب؟ أم كلامنا هذا مجرد صيحة في واد؟
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مخاطر الحرية المنفلتة
-
شاكر الدجيلي ضحية القرصنة السورية
-
الفتنة أشد من القتل... تضامناً مع العفيف الأخضر
-
تحليل نتائج الانتخابات البريطانية الأخيرة
-
حكومة الوحدة الوطنية وإشكالية المحاصصة
-
فوز بلير التاريخي انتصار للديمقراطية
-
المحاصصة شر لا بد منه!!
-
حملة الانتخابات البريطانية والقضية العراقية
-
محنة العراق وبن سبأ الإيراني
-
فتنة المدائن صناعة بعثية
-
هل البعث قابل للتأهيل؟؟؟
-
ملاحظات سريعة في ذكرى سقوط الفاشية
-
مغزى عولمة تشييع البابا يوحنا بولس الثاني
-
علاقة سلوك البشر بالحيوان في الرد على بن سبعان
-
لماذا الأردن أخطر من سوريا على العراق؟
-
تحية للمرأة في يومها الأغر
-
سوريا والإرهاب
-
أعداء العراق في مأزق
-
اختيار الطالباني رئيساً ضرورة وطنية
-
من وراء اغتيال الحريري؟
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|