|
العِلاّقة بين الرواية العربيةِ الجديدة والفيلمِ العربي
ليث عبد الكريم الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1203 - 2005 / 5 / 20 - 09:24
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تتجلى العلاقة بين الرواية والفيلم كجزء من مشكلة البحث عن مصادر تحرك الماكينة الإنتاجية السينمائية، وتقيم علاقة ما مع جمهور يبحث عن ( الولادات الجديدة ) في السينما، بعد أن أدمن وحفظ عن ظهر قلب كثير من ( أكليشيهات ) الأفلام العربية. من هنا، فأن الرواية كانت وستظل معينا لا ينضب للفيلم العربي، خاصة في ظل غياب سينما تحاكي الاهتمامات التجريبية الجديدة، تضفي على التجربة السينمائية أبعادا فنية وجمالية تأخذ بيد الفيلم العربي نحم العالمية. ومهما كانت ملامح الرواية العربية الجديدة، فإنها بشكل أو آخر تأثرت بالتيارات الروائية الأدبية الأخرى التي بدأت تجتاح أوربا أواخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين، ورغم أن التأثر كان متأخرا نسبيا، فان رواية جيل الستينات جاءت ثائرة على تقاليد الكتابة الواقعية التي ميزت رواية الخمسينات، وتشكلت في إطار طليعي منفتح على تجارب الرواية الجديدة في فرنسا وأمريكا. فتبنت الرواية أساليب جديدة في الكتابة مثل: تعدد وجهات النظر وتفكك البنية السردية الخطية ومراوغة القارئ ومصاحبة البطل المضاد … إلى آخر هذه التقنيات المعروفة التي تعتمد بالأساس على قلب الرؤية الموضوعية للعالم واستبدالها برؤية متشظية لعالم غير مفهوم. أما بالنسبة للسينما فان التطورات التي شهدتها الرواية أضفت ملامح جمالية و فنية على طبيعة الفيلم العربي، نتيجة إعداد هذه الروايات للسينما. وبسبب التيارات التجارية الموغلة في القدم في السينما العربية، فقد جاءت بعض الروايات العربية المعدة بليدة لا تحمل أي ملمح من ملامح التغيير في الأدب العربي، بل هي محظ تشويه لكبريات الروايات العربية. إلا أن ظهور بعض التكتلات الثقافية المتأثرة أصلا بأبعاد هزيمة حرب عام 1967 وبالتيارات السينمائية العالمية، كان له الأثر الأبرز في دعم الفيلم العربي. فظهرت في تموز/ يوليو 1969 ( جماعة السينما الجديدة ) على يد جيل من المخرجين الشباب المناهضين للسينما المباشرة، والذين حرصوا على إقامة علافة بين الواقع والسينما بهدف ربط السينما بمسيرة الفرد في المجتمع، ورصد التغييرات والتطورات التي يشهدها الواقع، وخلق وعي سينمائي جديد يعارض زيف التيار التجاري، الذي حول السينما إلى مجرد وسيلة رخيصة للترفيه لا علاقة لها من قريب أو بعيد بدور الفن الاجتماعي والحضاري. أرست ( جماعة السينما الجديدة ) ثقافة سينمائية جادة، وحية ذات طابع تقدمي، فقدمت بداية فيلم ( أغنية على الممر ) عام 1972 لمخرجه ( علي عبد الخالق )، عن نص مسرحي كتبه ( على سالم ) وأعده ( مصطفى محرم )، عن قصة خمسة جنود يحتجزون في ممر بالصحراء بعد أن يستشهد جميع زملائهم أثناء حرب 67 وينقطعون عن العالم بعد أن يتلف جهاز اللاسلكي، محمد أكبرهم سنًا فلاح يترك أرضه ليزرعها أولاده، حمدي الفنان الذي يحلم بالارتقاء بالأغنية بعيداً عن الابتزاز ، وشوقي الذي ينشد المثالية ومسعد العامل البسيط الذي يحلم بالاستقرار مع زوجته، أما منير فهو انتهازي. يتعرضون لهجوم بطائرات العدو ليستشهد ثلاثة منهم… هذا الفيلم كان بمثابة شهادة ميلاد للجماعة، وإثباتا لقدرة الشباب على التعبير عن ما يجيش في صدر الشعب من إيمان بضرورة مواصلة المعركة، واتبع الفيلم بعمل أخر وهو( الظلال على الجانب الآخر ) عرض عام 1975 عن رواية لـ ( محمود دياب )، أعدها وأخرجها الفلسطيني ( غالب شعث ) الذي يتناول الواقع المصري قبل عام 1967 مباشرة من خلال أزمة أربعة أصدقاء في كليه الفنون الجميلة يعيشون معا، محمود شخصية عابثة لا يجد البديل لما يرفضه، مصطفى يعيش في عالم القيم، أما عمر فهو شاب فلسطيني يستعد لمشروع تخرجه عن المقاومة ورابعهم بكر يحمل أصالة الصعيد القادم منه ويتابع قضايا بلاده السياسية، تتورط زوزو مع محمود الذي تحبه وتحمل منه ولكنه يتخلى عنها في حين يتعاطف معها زملاؤه، تتحطم مثاليات مصطفى عندما تستسلم زميلته شهيرة التي يحبها لمحمود، من هنا نجد أن الهدف الأساس لهذه الجماعة كان خلق سينما واقعية، لها هدف واضح مرتبط بالجماهير مع الرغبة في خلق وعى سينمائي مناهض للفكر التجاري المنتشر. أتاح نجاح وانتشار ( جماعة السينما الجديدة ) ظهور تكتلات وجماعات أخرى كـ ( جماعة السينمائيين التسجيليين المصريين ) و ( جمعية نقاد السينما المصريين )، مما أدى إلى ظهور أفلام عربية جديدة ذات خصائص جديدة سواء من حيث المستوى الفني أم من حيث التوجهات الفكرية، فانصب التجديد بالأساس في السينما، على المضمون، باتجاه الرغبة في الفضح السياسي والاجتماعي، مع التأكيد على رؤية المخرج الخاصة في مقابل قيود الشباك والتحرر من بعض التقاليد على مستوى الشكل مثل التصوير خارج الأستوديو والنهايات المفتوحة وغيرها. لقد قدمت الأفلام المأخوذة عن روايات نمطا مختلفا آخر عما اعتاد عليه الجمهور في الأفلام الكلاسيكية المصرية المعتمدة على الغناء ونمطية الأداء ونقل الأشكال المسرحية، وحلت محلها الموضوعات المتكاملة التي تقدم أناسا عقلانيين لهم قضايا تجاه الحياة والوطن ولديهم أفكارهم وأيدلوجياتهم، وامتزجت قصة الحب بالواقع الاجتماعي و المتغير السياسي. إذ كان الفيلم السياسي أحد اوجه التجديد في نتاج هذا الجيل السينمائي، إلا انه كان نتيجة اتجاهات فردية، لم تكن مرتبطة بأية قوى سياسية منظمة، أي إنها لم تكن مرتبطة بأي نوع من الفعالية السياسية المنظمة والتقدمية على صعيد المجتمع. ثم أن هذه الأفلام عبرت في واقع الحال عن مواقف فئات برجوازية غير ثورية في طبيعتها. وبالتالي، فان الخلفيات الأيدلوجية التي استندت إليها لم تكن بمنأى عن الطروحات الأخلاقية العامة في مجال الفهم السياسي، وما من شك أن الرقابة شكلت حائلا دون ازدهار هذا النوع من الأفلام . من هنا يبرز توجه جديد للفيلم العربي مبتعدا عن توجه الرواية، وهو إدراكها لحساسية رؤية المتلقي. فكان الشكل الاجتماعي الجماعي، ذو البعد السياسي المستتر هو الأقرب للخطاب السينمائي، بينما الشكل السياسي المنصب على أزمة المثقف في مواجهة المجتمع بسلطاته المختلفة هو سمة الخطاب الأدبي. وعلى هذا فأن الروايات التي اعتمدتها السينما كانت مما يطبع بنمط مكرر من المعالجة والسرد يقوم على مسحة من التسطيح والإغراء وبضاعة الجسد ومخاطبة الغرائز والتركيز على الإثارات التي تتناسب مع متلقين محددين ينشدون تلك الإثارة، فأفرغت تلك الروايات من محتواها الفكري واجتثت اغلب أحداثها بداعي أن ( الجمهور عايز كده ). فكانت روايات ( إحسان عبد القدوس ) و( نجيب محفوظ ) الأكثر إعدادا للسينما نتيجة تقديمهم حكايات ميلودرامية كانت فيها المرأة هي العمل الحاسم في التحول الاجتماعي والسياسي، فكانت حكايات رواياتهم مكررة لأشكال من العلاقات بين الرجل و المرأة، وهذا للأسف ناجم عن اختلاف الوعي بالدور الطليعي للأدب عن السينما، فكان الأديب يملك سلطة داخل المجتمع، بعيد عن الجمهور غير مفهوم غالبا، نتيجة تبنيه تقنيات كتابية وقيم جديدة، محاولا بها الرفع من شأن المجتمع والارتقاء به. على العكس من السينمائي، فأن السينما كانت مرتبطة لدى الجمهور بالمتعة، ما أن يحتل المشاهد مكانه في قاعة العرض، ينتظر من الصورة شئ يختلف في جوهره عن واقعه المعاش . أن هذه الأسباب وأخرى غيرها، أدت وبصورة جبرية إلى ابتعاد السينما عن الواقع وهموم الإنسان العربي، والوصول إلى سينما عربية تنطلق من التراث العربي وتستند إليه، فجاءت الأفلام العربية المقتبسة وغير المقتبسة وخاصة في مصر، لخدمة أهداف فردية، بالدرجة الأولى، تخدم توجهات القائمين عليها، وهو ما نجده واضحا في تيار ( سينما المقاولات ).
#ليث_عبد_الكريم_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السينما الإيرانية تكسر حاجز الصمت وتثير أسئلة قلقةمن (سعيد)
...
-
مشروع شامل للتكفل بقطاع السينما
-
وقوف على أطلال السينما العراقية
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|