|
الراقصون على سجادة الصلاة
محمد قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 4209 - 2013 / 9 / 8 - 13:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الراقصون على سجادة الصلاة
محمد قاسم
الدجل هو الصفة الأزلية التي تعكس بأقسى معانيها صورة (المنافق) الذي يخلع عباءة الحياء ويلبس بـــــــدلاً عنها يــــونيفورم الضعـــة والضحك عـلـــــى ذقـــون الجهلــــة. وعندمــــا يتصدر بــــــــعض رجـــــال الديـــن كل مشهد سياسي وأجتماعي بغياب منطق القانون وغياب جوهر العقل في التفكير الصحيح.يصبح هؤلاء جــــزء من محرك تاريخي صنعته ذائقة مسكونة بالغيبيات ومعبأة بشتى أنواع الأفكار المتأرجحة بين الأسطورة والخرافة. لقد أنتج عراق ما بعد التغيير أنماطاً من السياسيين يتصدرهم بطبيعة الحال بعض رجال الدين بــــل ويتميزون عنهم بقدرتهم على اقناع قطاع عريض من الجماهير المنومة مغناطيسياً بقوة حناجرهم وصخبها وبأمكانية غســل العقول بمنظفات المذهبية واللعب على وترها الرخو. ورجل الدين – الأسلامي تحديداً- يعرف مصادر فكره جيداً ويضيف عليها من ملح شطارته رشة مغازلة لينتج لاحقاً أفيوناً مغرياً يحقن بـــــه عقول القطيع الصدئة. وهـــــذا بالضبط ما يحصده في العراق ، أمتيازات خارقة للعادة جعلت منه كينونة منفردة لها سعادتها الخاصة بها والتي بنيت على حطام مجتمع نائم لا يكترث بحياة مدنية كريمة قدر ما يهمه بذل الغالي والنفيس مــن أجـــــــل أرضاء نرجسية رجل الدين . ومن عيوب أي مجتمع لايحترم قيمه الأنسانية خضوعه المفرط لأرادات تجار الأديان وأنجراره المهين نحـــــو غرائزهم التي وصلت لأقصى درجات السادية والأنحطاط. ولا يكفي هؤلاء تعبئة عقول القطيع بالكراهية وأنتاج سموم الحقد المذهبي بل تمادوا في سرقة اموال الفقراء ، تارة من خلال استغلال الأنساب (لمحمد وآل محمد) في تطوير انماط من الشعوذة بمقابل مادي مجزي وتارة بتسخير بركات تلك الأنساب في ارضاء كبتهم الجنسي والضحك على المعوزات والجاهلات بالتقرب من بركاتهم . وليس اقسى من تلك الشيطنة التي انجبت لنا ساسة يلبسون العمائم ويطلقون اللحى ويتبركون بالتسبيح الـــــذي لا يفارق ألسنتهم سوى شيطنة قادتهم الذين أزكمت روائحهم انوفنا ووصل غيهّم الى أقصى ما وصل أليه من ترويع ونفاق وقهر. بل وصل دجلهم الى العبث بمشاعر الناس من خلال خطبهم المنبرية الساذجة التي هــي حتماً تنطلي على القطعان التي كرست وجودها كله لتصديق أكاذيبهم. واليوم أنطوت صفحة المناداة بألغاء رواتب الرئاسات الثلاث وأعضاء البرلمان. تفرق المتظاهرون وعادوا مــن حيث جاءوا يجرون اذيال الوجع الذي لا ينقطع . وبتفرقهم هذا تهللت أسارير عمائـــــم السياسة وتنفسوا الصعداء وناموا على مخدات الريش يحلمون بأرقام الأرصدة وبأسماء البنوك وأطمئنوا على رائحة الدولارات التـي سوف لن تفارق دواليبهم وسيبقون يشمونها حتى وهم في قبورهم. خرج علينا المالكي ببيان ( عزا الشامتات ) يؤكد فيه تضامنه مع مطالب المتظاهرين وسكتت ألسنة قائمة متحدون ومن على شاكلتهم ، ولـــــم نعد نسمع لعمار الحكيم صراخاً يقنعنا فيه بمصداقية قائمته في الأستغناء عن رواتبهم التقاعدية ، وأما مقتدى الصدر فهو غير معني بمــا يحدث حتماً بحكم تقاعده المبكر عن عالم السياسة. المعممون والمعممات في البرلمان العراقي كثر ومن مختلف الألوان والمشارب . يــخافون الله ويحسبون للشعب ألف حساب ، هكذا كان الناخب يفترض. ولكن واقع الحال أفرز عاهات سياسية أغراهم المال السحت وهرعــــوا أليه بكل طاقتهم وطاقة مليشياتهم وبالتالي صنعوا لأنفسهم رباً على مقاسهم ، يعبدونه ويسيرون بـــأمره ويطبقون شريعته التي تناسبهم والتي تحاكي نرجسيتهم المتأصلة في نفوسهم. فقناعة هؤلاء بأن تخمتهم هي من صميم مبدأ يؤمنون به ويعتقدون بأحقيتهم في الأستحواذ على تلك المنافع من باب التوجيه الرباني والرســـالي بأعطاء الأجير حقه قبل أن يجف عرقه. لكن حق الأجير البرلماني عندنا فاق الخيال ، فالأجير عاطل عـــن العمل ومعطل للحياة ويتقاضى عن هذه المهنة الغير شريفة أجوراً مجزية . مايؤلم هو تكريس الساسة المعممين لجلّ خطبهم الرنانة في المناداة بالعدالة الأجتماعية وتقليص الفوارق الطبقية. بل ويتجرأ بعضهم على أستحمار الناس بدعوته للتنازل عن أمتيازات ممثلي كتلته في البرلمان العراقي . وهــــذه ليست مفارقة بقدر ماهي سمة هؤلاء في الوصول الى غايات خبيثة من خلال نفاق سيء فيه من الوصولية وفيــه من الكذب ما يثير الغثيان. وبمظاهرات 31آب أنكشفت حقيقة هؤلاء وبانت عوراتهم وأنفضح خبثهم جهاراً . فقد توقف الزمن وأخرست ألسنتهم وأنطفأ نور عيونهم الحولاء ولم يعد فيهم من يرى جوع الفقير وآلام الجريــــــــح ودموع الثكالى.
كانت دعوة عمار الحكيم لنواب كتلته بالتنازل عن رواتبهم التقاعدية مكشوفة وليست بحاجــــــة لعدسة مجهرية تقرأ دوافعها والغاية من أطلاقها. فالأ مر يكون في غاية البساطة أذا ما توفرت للحكيم الرغبة الصادقة مــع النفس أولاً ومع الشعب ثانياً في أنتاج فعل شريف يريح نفوس البسطاء . والشيء نفسه ينطبق علــــــــــى مقتدى الصدر وعراب كتلته بهاء الأعرجي. لكن ومن دون زيادات لغوية أقول لقد فشل هؤلاء في تمثيل دور الشرفاء ، لأن سيدهم المخرج فاشل أيضــــــــاً. وعجزت فيهم النخوة عن سماع صراخ الشعب المحتضر الذي يئن من وجع أكاذيبهم . لقد كانت مظاهرات يــــوم السبت 31آب فرصة تاريخية لمدعيّ الدين ولابسي عمامة التقوى للنزول الى الشارع ودعوة أتباعهم للأحتجـــاج على الظلم والحرمان. والسؤال ، لماذا لم يخرج عمار الحكيم أو مقتدى الصدر ويدعون مريديهم للتضامن مـــــع الأصوات المبحوحة والألسنة العاجزة ؟ لماذا لم يخرج التيار الصدري للتظاهر ولماذا أقفل المجلس الأعلـــــــــى أبوابه الضخمة دون صراخ المتظاهرين؟ لقد كشفت التظاهرات زيف الشعارات وفضحت كم النفاق . فليس لدى التيارات السياسية الدينية القدرة علـى خلع العمائم وحلق اللحى ، فهي سلاحهم البديل أو الأحتياطي الذي يستحوذون بواسطته على المغانم والمكاسب وليـس ببعيد عنهم بعض التيارات العلمانية النائمة نومة أهل القبور – الحزب الشيوعي – مثلاً. لــــــم يخرج للتظاهر أذاً سوى شباب غيور مستقل عن كل عمامة وعن كل لحية وعن كل سياسي منافق.وبخروجهم اختبأت الجرذان فـي جحورها وغاب التيار الصدري والمجلس الأعلى والحزب الأسلامي ومنظمة بدر وحزب الفضيلة وحـــــزب الله وحزب عصائب أهل الحق ومن على شاكلتهم . والأدهى من ذلك غاب صوت مرجعيات النجف في الوقت الــذي أنتظرنا فيه موقفاً حقيقياً منها يتمثل بأضعف الأيمان بفتوى تحرم رواتب تقاعد البرلمانيين. في لقاء متلفز مع صلاح العبيدي الناطق بأسم التيارالصدري سأله فيه مقدم البرنامج عـــــن مصادر تياره المالية فأجاب الشيخ بكل ثقة أن الجزء الأكبر منها يتمثل بأستقطاع نسبة من رواتب وزرائهم ونوابهم وممثليهم فـــــــــي مجالس المحافظات . وبهذا كشف الشيخ عن حقيقة مروعة تفسر أدمان التيارات الدينية المشاركة فــــــــي العملية السياسية على نهب أموال الشعب العراقي بأخسّ الوسائل وأكثرها أنحطاطاً. وبالتالي فأن هـــــــــذه التيارات غير مستعدة للتخلي عن منافعها ومنافع أتباعها حتى لو خرجت ألف مظاهرة وحتى لو جاع الشعب كله ولحس تــراب الأرض وحتى لو نامت أراملنا في احضان الغرباء وحتى لو داح ايتامنا في الشوارع وناموا على الأرصفة . فهي تيارات عاقرت خمر الدجل وانكبت على شرعنة اموال الحرام وبالتالي فهي صورة ملوثة لواقع مؤلم.
#محمد_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البعث الشيعي والبعث السني
-
هل ستنمو لحية مصر؟
-
العرب يصنعون موتهم
-
مسلمة الحنفي _ كتاب في ثقافة الكبار
-
لم ألكيل بمكيالين يارئيس أئتلاف دولة القانون
-
الحركة الكردية في سوريا بين الفوضى المبرمجة وأزمة التجديد
-
ايران..اصبح العنوان الابرز في المنطقة
-
الحوار السوري الاسرائيلي وماهية فرصة السلام المتوقعة
-
هل الكرد عامل تمزق في المنطقة ام عامل استقرار
-
تركيا تحاول وقف رزنامة الزمن
المزيد.....
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
-
عاجل .. صافرات الانذار تدوي في حيفا الآن وأنباء عن انفجارات
...
-
أوستن: القوات الكورية الشمالية في روسيا ستحارب -قريبا- ضد أو
...
-
ترامب يكشف أسماء جديدة رشحها لمناصب قيادية في إدارته المقبلة
...
-
البيت الأبيض يبحث مع شركات الاتصال الاختراق الصيني المشتبه ب
...
-
قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|