يوسف عمر حسام
الحوار المتمدن-العدد: 4208 - 2013 / 9 / 7 - 13:12
المحور:
الادب والفن
تجليات وغربة 87و5 الرصاصي
استيقظ بتثاقل من فراشه على صوت المنبه ونظر إلى الساعة وكانت تشير إلى السابعة اسكت
المنبه......؟ تمطى وتثاؤب بملل معهود وانزل قدميه من السرير ببطء ..نزع منامته بحركات
ثقيلة وبطيئة كأنه يسحب طنا من الثياب .... تلفت ونظر حوله بهدوء وارتدى ملابسه كما يفعل
كل يوم ولأكثر من 30 عاما عقيمة -----هم همهم منذ ذلك اليوم أوه الهي وتنهد بعمق وانسحاق
وبداء على وجهه ثقل السنون واليأس المعتق فيه من دهور وعاد يهمهم بألم: لا حياة لا أمل ويوم
أخر يتكرر كباقي الأيام ولاشيء يهتز ,لاشيء يحدث كل شيء منظم كعربة حصان يقودها حصان
تسير على درب إسمنتي ..طق طق طق .. الكل نحو الهاوية.
خرج إلى الشارع إلى حيث تنتظره الحافلة التي تقله عادة كل صباح إلى مقر عمله ؟؟؟ وفجأة بدا
الاهتمام يبدو عليه واخذ يرتب هندامه بسرعة غير معهودة منه
قدمت الحافلة ..تسارعت دقات قلبه وبدا فرح يسري ويرقص في داخله ؟؟ سيراها ككل
يوم ..جميلة ورائعة وبديعة ووو.... الخ من الأوصاف التي خمرها وعتقها الحرمان واليأس ,في
قراره نفسه كان يعلم بان الأمر كله كذبة كبرى أخرى يخدع بها نفسه ليطيل إحساسه بالحياة التي
تموت كل يوم حوله .....صعد إلى الحافلة وجلس بهدوء ...تلفت ...وجوه مكدودة
تعبة ..صفراء ..مملوءة بالإصباغ كأنهم ذاهبون إلى جنازة ؟؟؟
وبدأت الأحاديث والمجاملات السخيفة التافهة وفي داخله عالم جميل يموت كل لحظة ..يتكسر ؟
يتكسر على مهل تحت أقدام النذالة والخيانة والتفاهة والتكرار والموت المجاني ,
شاهد طيورا تحلق ..جميلة وحرة وهمس لنفسه أه لو كنت مثلها ولكن سحقا ...
استجمع كل قواه والتفت إليها بابتسامة أودعها كل ما يستطيع إن يحملها من عواطفه المكبوتة
والمنهكة ؟؟؟؟؟ نظرت إليه شزرا وباستنكار ؟؟؟ الهي ؟؟شهق ودارت عيناه واسود الجو واكفهر
وغطت الغيوم السوداء السماء ......سقطت الطيور محترقة بصاعقة ... كان ذلك في عام الذئب.
تبخر المدعو 78و5 فجأة .... تناقل الموظفون ذلك بدهشة وريبة ...وبهمس .
تساءل المسوؤل الكبير والمحترم ؟؟ جدا جدا ؟؟والبريء كالحمل يا للعجب كيف يتبخر 87و5
وهو الرجل الذي قد من معدن صلب ؟؟
رد عليه المحاسب الدقيق والعلمي جدا؟؟:اعتقد أن السبب هو الحرارة التي حولنا ومعنا وهي
كالبركان الذي يذيب أقوى المعادن وحتى يجعلها تتبخر ؟؟
وبعد أكثر من ثلاثة أعوام من الحريق الكبير واختفاء 87و5 .... اخذ يظهر للناس شبح أعاد
للناس ذكرى 87و5 التي نسوها ,شبح ينظر أليهم بعيون ممتلئة حزنا وكمدا واتهاما .
كثر الحديث عن هذا الشبح مما استدعى تدخل الجهات المعنية وصاحبة العلاقة وكلفت مستشفى
الإمراض العقلية الباطنية بالموضوع وأرسلت الخبير بالأرواح الشيخ أبو السوء ليلي لتقصي
الحقائق . وبعد دراسات مكثفة وجهد جهيد ومصاريف باهضة؟؟ رفع الشيخ تقريره المبجل
والمنزه عن الخطاوالمملوء بالأرقام والمعادلات والدوال ؟؟
بعد اجتماع اللجنة الموقرة والدراسات المستفيضة تبين لنا ماياتي :
بما أن طقس بلادنا حارقا ولا يستطيع احتماله إلا أصحاب الأرواح الخفيفة ( الغازية ) وبما أن
المدعو 87و5 كان من الذين يعيشون غربة جسدية وروحية عن بلادنا العزيزة ( حفظها الله من
كل مكروه ونصرها على القوم الظالمين ) وتركيبه جسمه كانت من الرصاص فقد أثرت عليه
حرارة الجو خلال سنين عديدة ووصلت به إلى درجة التحول إلى غاز الميثان وبما أننا نعيش في
بحبوحة من توفر هذه المادة لذا نقترح إعادة تعبئة هذا الغاز في اسطوانات الغاز التي لا روائح
لها وتوزيعه على المواطنين ليستدل على الغاز ومكان 87و5 في آن واحد وحتى يعلم كل من
تسول له نفسه بالتبخر بأنه متابع وسيقبض عليه عاجلا أم آجلا وليكون عبرة لكل من اعتبر .
مع فائق تقديرنا واحترامنا ......
لجنة تقصي الحقائق حول اختفاء 87و5 وكل المتبخرون... ودمتم للنضال
توقيع الشيخ أبو السوء ليلى
بعد إطلاع المجلس المريخي والصحة الغير جسمية على التقرير انتابتهم الدهشة والريبة , إذ
كيف يعقل أن يتبخر شخص قدماه من الرصاص وصبره اكبر من الجمال في عصر السلالم النازلة
والبراكين المطفأة والنضال والبنطال وقد زادت قناعتهم بان في الأمر شيئا ؟؟
بعد سماع رأي خبير المتزحلقات الصابونية حول تجسدات 87و5 والكآبة الباطنية المتعلقة
بالتنفس ألدخاني وعن كراماته كشرب الماء القراح في زمن الويسكي وتدخين ورق الأس في
عصر المارلبورو وشم الورد في زمن العطور الفرنسية وسماع الموسيقى والفن العالمي في زمن
أغاني البرتقالة ؟؟. لذلك قررت اللجنة الغير موقرة تشكيل لجنة ( علنية )لدراسة الكذبة؟؟ من
أسفلها للوصول إلى الزيف الأكبر .وقامت كذلك اللجنة بدراسة لغازات المدينة وسواقيها
المكشوفة ,واستنطقت حتى البلابل المحلقة باعتبارها قريبة من حالة الطيران للمدعو 87و5 وتم
تحليل الملابس في معامل روميوراش للعلوم الأرض سماوية في جنجونتاون. وقد كونت النتائج
والتحريات كتابا يتكون من آلاف الكلمات والأرقام ومعزز بالصور مستعينين بارقى العقول
الالكترونية وخلاصة هذا التقرير هي :
المدعو 87و5 كان إنسانا عاديا بدرجة مقرفة ومخزية ولم تكن له أي كرامات كتغريد الحمير أو
نهيق البلابل أو المشي على الماء أو شفاء الأصحاء ولم تكن ليه حتى أحلام يقظة ولم يشارك في أي
نشاط سياسي أو مدني . لذلك اعتبر 87و5 خطرا على الصحة العامة واعتقال كل من يثبت تورطه في
إشاعة الفتنة والتحدث عن 87و5 سرا وشطب اسمه من السجلات العسكرية ( باعتبار إن
الحال العراقية كلها عسكرتاريا ) .
بعد أيام وجدت الشرطة المحلية 10 جثث طافية على الماء مرمية بالرصاص وعليها أثار تعذيب
وكلها تحمل اسم 87و5 الرصاصي.
#يوسف_عمر_حسام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟