أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - محمد عبد المجيد - أنا أعرف، إذن فأنا جاهل!














المزيد.....

أنا أعرف، إذن فأنا جاهل!


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 4207 - 2013 / 9 / 6 - 16:48
المحور: الصحافة والاعلام
    


أنا أعرف، إذن فأنا جاهل!
مصانع الخبر مثل بيوت الأزياء التي توحي لك بأنك حر في اختيار ما ترتديه بعدما مارست حريتك في شراء ما ترغب به من محل ذهبت إليه بمحض إرادتك، فدلتك عيناك على ما سيتم تعليقه لاحقاً في دولاب ملابسك أو على جسدك، وهل هناك فارق؟
المضحك هي قناعاتك اليقينية أن كل خطوات شراء ملابسك وأزيائك المنتقاة بعناية وإرادة هي بدافع شخصي دون تدخل قوى خارجية، ملموسة أو غير مرئية، في اختياراتك!
كذلك مصانع الخبر فالمواد الأولية موجودة مسبقاً، والعقل المدبر أو المحرك أو المفبرك أو المخطـِّط لا يحيد عن هدفه إلا إذا غيرت الرياح مصالحه، فتتغير اتجاهاته.
تجلس أمام الشاشة الصغيرة مرات عدة في اليوم الواحد، وتـُـلصق مؤخرتك في المقعد المفضل لديك، ويُخرج من الشاشة قاريءُ النشرة يديه بخفة لا متناهية فيمدّها ناحية رقبتك ليربط السلسلة بمهارة فائقة بحيث لا تشعر بها أو تختنق بعُقدتها وإلا غضب منك أصحاب مصانع الخبر.
لكن لا تنس فأنت حر تماما في أن تشرب قهوة أو ترتشف قدحا من الشاي بالنعناع، وأنت حر في أن ترفع قدميك فوق مسند أو تحررهما فوق أرض الغرفة! وأنت حر في أن تتابع الخبرين الأولين في القناة الفضائية المفضلة لديك أو في قناة أخرى يُزيد حُسن المذيعة وجمالها ورقتها ولمعان شفتيها التصاقك بالمقعد، ولكن لا يهم فالخبران متشابهان تماما، أما الثالث والرابع فقد ترك لك صاحب مصنع الأنباء حرية متابعة أي منهما وفقا لطائفتك أو عقيدتك أو حزبك أو اهتماماتك المسموح لك بها.
تصبح المتابعة عادة، وتتحكم العادة في نوبات الجوع المعرفي لديك، وفي كل الأحوال فأنت حتى لو تضورت جوعاً فسيتم تلقينك بنفس طريقة عمل الملقن تحت خشبة المسرح ولن ينتبه الجمهور إلى علو صوته.
تبدأ مرحلة الإدمان، ويسرق التلفزيون من وقت الكتاب، ويوحي لك بأن الصورة خبر، ثم يقنعك أن الخبر معرفة، وأخيرا تتجمع في جعبتك جبال هائلة من الأخبار المماثلة، نوعا وكماً ومادة، لغزل البنات وهو يذوب تحت لسان طفل فيعود إلى أهله فرحا بوجبة الطعام الدسمة التي ابتلعها، وهضمها قبل أن ينتهي من اللعب!
أنت لا تختار أخبارك لتعرف، ولكن الأخبار تختارك لتتورم بها تحت عناوين جذابة توشي، كذباً، بقدرتك الهائلة على بناء أرضية صلبة للنقاش والحوار والجدال.
الخبر الأول عن سوريا، والثاني عن العراق، والثالث عن الرئيس الأمريكي والرابع عن مصر أو اليمن أو السعودية، ولا مانع من لعبة الكراسي الموسيقية فتحل أخبار دولة مكان أخرى، لكن يظل الخبر كما رسمته الأيدي المصنـِّـعة والمخطـِّـطة فالفضائيات تستجيب، وتربح، وتصمت عن مصدر الخبر.
ثلاثة من الأخبار الأربعة الأولى مليئة بالآكشن، ففيها قتل وانفجارات وسيارات مفخخة وكيماويات ورعب إسرائيلي وعضلات إيرانية مفتولة وخطبة عثمانية ينسى العالم بها الرجل المريض ومرور حاملة طائرات في الطريق إلى مياه دافئة وتهديد رجل مختبيء في كهف بجبل في أفغانستان ثم إيحاء بأن الحرب الباردة لم تنته بعد.
يأتي ضيوف الفضائيات وقد انتفخت صدورهم وتضاعف يقينهم أنهم يعرفون فقد تابعوا الأخبار الأربعة الأولى في قنواتهم المفضلة، وقرأوا فيسبوكيات وتويتريات وبعض الصحف الالكترونية.
الغريب أن سؤالا مفاجـِـئاً للمثقف والقاريء ومدمن الأخبار عن أهم أحداث موريتانيا والصومال والجزائر وماليزيا والكونغو وكوستاريكا والتصحر والتغيرات البيئية والمناخ في الشمال وانقراض بعض الحيوانات وسرطان الثدي والحياة اليومية في كوريا الشمالية وعدد الذين ماتوا من التعذيب في السجون العربية لعام 2012 وملايين غيرها من الأخبار المعلوماتية التي لم تقترب منها الشاشة الصغيرة ولم يكترث لها صانعو الخبر هناك .. في مكان ما، يفغر السؤالُ فاه الذي زعم معرفة تلفازية اقتربت به من مستوى العلماء.
تواضعوا بهذا القدر من المعرفة، يرحمكم الله، فكلنا مربوطون بنفس المقعد، والسلسلة ذاتها، وسيدنا الذي هناك، في مصانع الخبر، يتحكم في مساحة التجويف في جماجمنا.
كلنا كونتاكينتيون بصورة أو بأخرى، وقد نعيش ونموت دون أن نصافح سيدنا الذي هناك في مكان ما.
عندما يبحث الخبر عنك فيجدك في انتظاره، فأنت لا تعرف ولو كنت تعرف، وعندما تبحث عنه في غفلة عن أباطرة مصانع الخبر، فأنت في الجانب الآمن واليقيني من المعرفة.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 6 سبتمبر 2013



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيارة المفخخة ليست مفاجأة!
- لماذا ساءتْ أخلاقُ الإنترنتّيين؟
- استرداد أموال المصريين خط أحمر!
- حفارو القبور ينتظرون السوريين!
- لماذا تراهن قطر على الحصان الخاسر؟
- الاستعمار الجديد يقرأ في الكتب المقدسة!
- رسالة تحريض إلى السيسي!
- حوار بين سمكتين في قاع البحر!
- لا تفرحوا بالسيسي الآن!
- لا أُصَدّق أنكَ لسْتَ قاتلاً!
- الخطاب الذي قد يُلقيه مرسي!
- حوار بين إخوانجي و .. فلولي!
- مصر في 30 يونيو .. الاحتمالات المتوقعة!
- حوار بين مواطن مصري و .. الرئيس القادم!
- خرافة سحب الثقة!
- تساؤلات لا تبحث عن اجابات!
- ألف ليلة و .. ليلة، يرويها طائر الشمال
- رسالة مفتوحة إلى أحبابنا .. شركاء الوطن!
- تحيتي إلى الثيران!
- سيدي الذئب .. الحِمْلانُ تشكرك!


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - محمد عبد المجيد - أنا أعرف، إذن فأنا جاهل!