رمضان سيد
الحوار المتمدن-العدد: 4204 - 2013 / 9 / 3 - 22:12
المحور:
الادارة و الاقتصاد
البنك الاحتياطي الامريكي الذي يصدر الدولار ليس بنكا حكوميا كما يعتقد معظم الناس و انما عبارة عن اتحاد لاكبر البنوك الامريكية. الحكومة الامريكية لا تملك البنك الاحتياطي الامريكي بل ان العكس هو الصحيح فان هذا الاتحاد البنكي هو الذي يمتلك الحكومة الامريكية عمليا, حيث لا يصل الى الحكم اي حزب او رئيس لا يتمتع بالدعم الكامل من قبل هذه الطغمة البنكية.
الطغمة المالية التي تتحكم بالعالم تستطيع ان تطبع الدولار في الحسابات كما تشاء. تصور اذا كانت لديك القدرة على كتابة اي رقم في حسابك الخاص ليصبح هذا الرقم رصيدك الفعلي, هل ستكون بحاجة الى نهب ذهب جيرانك؟ كلا بالتاكيد. انت بمقدورك شراء ما تريده من الذهب بالارقام التي تطبعها في حسابك الخاص. هل سيكون لديك اهتمام بالسوق و الربح؟ كلا لانك تحصل على ما تريد من ثروات بالنقر باصابعك على لوحة مفاتيح لتطبع على شاشة صغيرة ما تريد من النقود.
حسنا لماذا اذن يكون من مصلحة هذه العصابة البنكية نهب دول مثل العراق و افغانستان مثلا للاستيلاء على مواردهم؟ و اذا لم يكن الجشع و جمع الثروات هو ما يدفعهم الى عمل ذلك فما هي دوافعهم؟
البنوك و الطغمة النقدية التي تدير كوكبنا لا تسعى الى الحروب بسبب جشعها او رغبة منها بزيادة ثروتها. هذا التحليل الكلاسيكي الذي كان صحيحا في الماضي لم يعد صحيحا منذ عقود طويلة. هذه الطغمة المالية لم يعد لديها ارتباط مباشر باقتصاد السوق و قوانينها لانها ببساطة تمتلك العالم و تطبع نقودا من لا شئ. ان هذه البنوك اصبحت مسؤولة عن بقاء و استمرار اقتصاد السوق الذي يعد الطريقة الوحيدة التي يعرفها هؤلاء للحياة على سطح كوكب الارض. فاذا كان لا بد للعالم ان يكون راسماليا, و اذا لم تكن هنالك طريقة اخرى لتنظيم المجتمع فان كل ما يقوم به هؤلاء ليس سببه سلوك انحرافي و سادية او صهيونية اجرامية مرضية او ما شابه ولكنها اجراءات اضطرارية اجبارية لا بد لهم من القيام بها لابقاء اقتصاد السوق و حمايتها من الانهيار الكامل.
ان الاتمتة و تطور وسائل الانتاج و تضخمه دفع الاقتصاديين الراسماليين الى تشريع القوانين البنكية التي نعمل بها اليوم حيث تم فصل الدولار و العملات الاخرى عن الذهب و اصبح بمقدور البنوك اقراض الاموال مئات المرات اكثر من احتياطياتها و هذا يعني عمليا لمن لا يريد الدخول في تفاصيل معقدة انتاج النقود من لا شئ تقريبا. هذه الخطوة كانت اجبارية و اضطرارية و لم تاتي جراء ضعف اخلاقي او سياسة خاطئة. و قد اصبحت الراسمالية مدمنة حتى الموت على مواصلة خلق النقود من لا شئ لان التوقف عن ذلك سيؤدي الى الانهيار الاقتصادي.
عندما تواصل طبع النقود دون ان يؤدي ذلك الى النمو و زيادة الانتاج ستتدهور قيمتها الى الصفر و هي العملية التي تسمى انهيار العملة. التضخم او غلاء الاسعار او فقاعة اسعار العقارات هي تسميات اخرى لشئ واحد هو تدهور قيمة العملة.
وقد توصلنا الى هذه المعادلة البسيطة التي حيرت جميع الاقتصاديين في العالم:
الاستمرار في ضخ الدولار = انهيار قيمة الدولار = انهيار الاسواق
التوقف عن ضخ الدولار = انهيار الاسواق = انهيار قيمة الدولار
حسنا نحن قلنا ان هذه البنوك لم تعد مهتمة بالارباح لانها تمتلك العالم تقريبا هم لا يلعبون داخل النظام الراسمالي بل يمتلكون و يديرون هذا النظام و من واجبهم العمل على استمراره باي ثمن. كيف يمكنهم انقاذ الدولار و اليورو من السقوط اذن؟
ينبغي ايجاد غطاء مادي لدعم العملة لكي يكون بوسعهم الاستمرار في طبعها دون ان يؤدي ذلك الى انهيارها. حتى تصبح المعادلة كالتالي:
الاستمرار في ضخ الدولار و اليورو في الاسواق + ايجاد الغطاء من الذهب الاسود المعادن المخدرات من افغانستان, العراق, ليبيا, السودان, نيجيريا, افريقيا الوسطى, سوريا, ايران, ... الخ = انتعاش الاقتصاد في امريكا و الصين و اوروبا و باقي الدول الصناعية ولو بشكل وقتي. وهو ما يوصف بتأجيل الازمة الى المستقبل.
كان على الراسمالية ايجاد ضحايا سيتم نهب ثرواتهم المادية لاستخدامها كسند و غطاء مادي للدولار و اليورو. فالراسمالية بمقدورها ان تعيش و تبقى برغم انهيار دول مثل افغنستان و نايجيريا و العراق و ليبيا و ليبيريا و سوريا و ايران و غيرها لكنها لا تستطيع الاستمرار اذا انهار الدولار و اليورو.
الصين تعيش اقتصاديا على مبيعاتها للعالم و انهيار الدولار سيؤدي الى انهيار اقتصادياتها هي الاخرى, لذلك فهي لا تجد ما يكفي من الشجاعة للوقوف بوجه هذه اللعبة برغم عدم ارتياحها للامر. اما روسيا فان اعتمادها على اسواقها الداخلية و الاقليمية يجعلها اقل تاثرا بذلك و هي تتخوف من العواقب الغير معروفة لانهيار الدولار و لكنها تتخوف ايضا من هذه الضواري الجائعة و لا تعرف الى لى اي مدى يمكن ان يسير هؤلاء.
اذن فان الحروب التي تقودها الطغمة البنكية بواسطة الجيش الامريكي هدفها انقاذ النظام الراسمالي من الانهيار الوشيك و ذلك بغرض ايجاد غطاء لعملة يتم طبعها بدون غطاء لادارة عجلة الانتاج الراسمالي. هذه الطغمة البنكية تفعل ذلك لانها لا تجد طريقة اخرى للمحافظة على النظام الراسمالي من الوقوع في انهيار اجتماعي عالمي شامل. هم فقط لا يعرفون طريقة اخرى للحياة غير الراسمالية و ليست لديهم حلول اخرى المأزق الذي يعيشونه, و من يريد بقاء نظامنا الاجتماعي الحالي عليه تحمل عواقب هذا البقاء.
الطريقة الوحيدة لتجنب الكوارث البشرية التي ستحصل في المستقبل هي يقظة البشر لتغيير نظامنا الاجتماعي عبر اعادة تصميم عالمنا. الراسمالية التي تبدو وكانها عملاق كبير و جبار في مركز قوتها و ثقلها لا تتجاوز بضعة مئات من رجال الاعمال الذين يملكون ارقام الكترونية طبعوها في حساباتهم و اوراق نقدية عديمة القيمة و هم لا يحكمون هذا العالم سوى بالاعتراف و الثقة التي نمنحها نحن لهذه الارقام الوهمية. انهم اقوياء فقط بمقدار اعتقادنا نحن بقوتهم و اذكياء فقط بمقدار جهلنا نحن بحقيقتهم.
عندما ترفض البشرية هذا النظام و تلتف حول المطالبة باقامة نظام اجتماعي جديد سيتبخر جبروتهم و تتلاشى قوتهم وتتفكك مؤسسات نظامهم حتى يكون من الصعب علينا تصديق ذلك. ان الطغمة البنكية الجبارة التي تدير هذا العالم عبارة عن ارقام الكترونية في شبكة كومبيوترية و شبح موجود في اوهامنا نحن وحسب. عندما نتخلص من اوهامنا سيزول هذا الشبح ...
نحن يمكننا ان نسمي اعمال السطو هذه بالصهيونية او اي شئ اخر ولكن ليس هذا المهم. المهم ان نعلم بان اسباب الحروب ليس حب هؤلاء باليهود و لاجل الانتقام من العرب. ولكن عندما يكون عليك ان تضحي باحد لاجل بقاء الاخرين فانك سوف لا تختار اقرب الناس اليك بل العكس. مصر مثلا لا تمتلك لحسن حظها ثروات معدنية و خامات نفطية و غيرها لذلك فهم يهتمون بعدم خروجها عن الطاعة ولكنهم لا يدمرونها مثل العراق و سوريا.. هم بحاجة الى فرائس سمينة لكي يغذوا نظامهم الذي يكاد ينهار.
#رمضان_سيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟