|
الإخوان والعسكر يفسدون الثورة
توفيق السالمي
الحوار المتمدن-العدد: 4204 - 2013 / 9 / 3 - 21:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الإخوان والعسكر يفسدون الثورة لمحة تاريخية يذكر التاريخ أن اليمين متعاقد دوما مع إفساد تقدم التاريخ وكبح حركته المتوثبة إلى الأمام ومحاولة إرجاعه إلى الوراء ، ومن ثمة جاءت معرة اليمين الكبرى وهو أنه رجعي، ومن ثمة أيضا جاءت صفة الثوريين بأنهم تقدميون . فالتقدميون الثوريون يقفون دائما في المعسكر المقابل يدفعون التاريخ إلى الأمام من خلال تطوير المؤسسات نحو استيفاء دورها في تحقيق الحرية والمساواة، حرية الإنسان والمساواة بين الأفراد في المجتمع كما المساواة بين الجنسين. يذكر التاريخ مثلا أن بورقيبة قد ألغى المجلس القومي التأسيسي بعبارته الشهيرة " قولوا ما تريدون وسأفعل أنا ما أريد" وإذا كان خطأ المجلس التأسيسي قد مر في سياق السكات الاعلامي ولم يهتم بأمره أحد، فإن إفساد الجمهورية أمر قد تناطحت في شأنه التيارات والأفكار بل والرجال والنساء أيضا. لقد أفسد بورقيبة البرلمان من خلال السيطرة عليها وجعله بلون واحد ومنع تسرب المعارضة إليه بل وإعلان نظام الحزب الواحد بعد حل الحزب الشيوعي التونسي المنافس الوحيد للحزب الدستوري إلى حدود سنة 1963 واستفراده بالحياة السياسية إلى حدود سنة 1983 سنة الاعتراف القانوني بحركة الديمقراطيين الاشتراكيين وعودة الحزب الشيوعي للنشاط . كما أفسد بورقيبة النظام الرئاسي بإعلانه الرئاسة مدى الحياة ملغيا بذلك رأي الشعب وكل المؤسسات الدستورية ومكرسا بيعة سخيفة أفتى له بوجودها سدنة المعبد الاشتراكي الدستوري في مؤتمر المنستير. ولم يتوقف الإفساد البورقيبي عند هذا الحد، بل تجاوزه لما ليس له به صلة حيث أفسد الاشتراكية في عيون الناس عندما انتهج سنة 1969 نهجا من اللخبطة السياسية والاقتصادية سماها الاشتراكية، وليست هي من الاشتراكية في شيء، بل هي وجه من وجوه من السخف البورقيبي المحض . وليس الأمر خصوصية تونسية بل إن اليمين الليبرالي سواء في مصر أو في الجزائر قد أفسد الكثير من القيم والتصورات التي ابدعتها البشرية حيث تقمص اسماءها وعاث في الأرض فسادا. فالتجربة الناصرية التي تبنت الاشتراكية والمقاومة قد أفلست أيما إفلاس بعد زيارة خليفة عبد الناصر للكيان الصهيوني وعقد اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979، ومثلها التجربة الاشتراكية في الجزائر وتجربة العقيد القذافي في ليبيا. لقد كان اليمين على مر تاريخه كيانا سياسيا لا برنامج له ولذلك ظل طوال عقود يخبط بين الاشتراكية والليبرالية ولم يكن ليبراليا تام الشروط ولم يكن اشتراكيا بل كان مسخا لا هوية له، كما التجأ اليمين السياسي في كل مأزق من مآزقه المتكررة إلى توظيف الدين وتلاعب كثيرا بمشاعر الناس الدينية في مواجهة خصومه. فقد واجه اليساريين بتهمة الكفر وهم يكشفون عمالته للامبريالية ومتاجرته بجهد المواطنين إرضاء لأسياده الذين أمنوا له وصوله إلى السلطة، ثم يواجه مزاحميه من المتدينين بتهمة التطرف. لقد أفسد اليمين على مر تاريخه السياسي كل شيء فلم تسلم من إفساده قيم الجمهورية ولا سلم منها الدين . الثورة قيم وبرنامج الثورة في تعريفها العام هي الحركة الاجتماعية التي تهدف إلى تغيير شامل للمجتمع يترتب عنها الاستجابة لحاجات الناس التي من أجلها قد ثاروا. والثورة في تونس لم تشذ عن هذا التعريف فقد كانت في البداية ثورة شعبية تستهدف التغيير وإن افتقدت للقيادة السياسية وهذا أمر إيجابي وليس سلبيا، فقد انتفض الشعب لوحده متوسلا تجربته اليومية ووعيه الحسي وبقياداته الميدانية التي انتهجت سبيل التجربة والخطأ، وهو يرنو اليوم بعد مراكمة تجربة أولى إلى الانطلاق من جديد. لقد كان شعار الانتفاضة الأولى: شغل حرية كرامة وطنية، وهو شعار يختزل المعاناة كما يختزل الحلول. فالشغل والدخل المحترم الذي يضمن حياة كريمة بعيدا عن جحيم الضرورة القاتل هو المطلب الأساسي ولذلك احتل رأس الشعار. وكانت الحرية بمعناها العام مطلب الجماهير الثاني وهي حرية الانسان وتخلصه من عبوديته الظاهرة والمستترة. ولا يمكن البلوغ إلى هذه الحرية دون تضمين لها في قانون قوانين البلاد وهو الدستور. وللحرية تفريعات متعددة فهي حرية الضمير والمعتقد وهي حرية التعبير وهي حرية الصحافة وهي حرية التنظم وهي الحريات الأكاديمية وغيرها .. أما الجزء الثالث من الشعار فهو الكرامة الوطنية والمقصود بذلك كرامتنا الجماعية، كرامة وطننا، فليس للوطن كرامة دون استقلال فعلي عن المراكز الامبريالية التي وقعت مع بورقيبة في 20 مارس 1956 اتفاقية لم تستوف استقلالنا الحقيقي ولم تضمن لنا كرامة فعلية على أرضنا، فلسنا أسياد أرضنا بعد وليس لنا حق التصرف الاقتصادي والسياسي. ولذلك رفعت الجماهير شعار الكرامة الوطنية . إفساد اليمين الإخواني للثورة . لن أكرر أمام القارئ ما صار من تحصيل الحاصل بل أذكر فقط أن الإخوان قد تنكروا لأمرين أساسيين على الأقل وأقروا أمرا ثالثا يمكن من خلالها فهم علاقة الإخوان بشعار الثورة. الأمر الأول هو رفضهم دسترة حق الشغل. والمقصود بدسترة حق الشغل، وهو المطلب الذي ترفعه القوى الثورية في المجتمع، أن يتم التنصيص في الدستور على أن تضمن الدولة لكل فرد من أفرادها حقه في أن يكون له شغل. لقد رفض الإخوان وضع هذا الحق في الدستور لأن وضعه يستوجب تغيير طبيعة الدولة تغييرا استراتيجيا ويجعل الاقتصاد في خدمة المواطن ويجعل العمل واجبا تجاه المجموعة . إن هيكلة الاقتصاد لتحقيق هذا الهدف الاجتماعي سيؤدي بالضرورة إلى المساس بمصالح أصحاب رؤوس الأموال لا فقط في تونس بل وفي العالم أيضا وهو ما يرفض اليمين الإخواني المساس به، فرأس المال العالمي مستفيد أيما استفادة من خياراتنا الاقتصادية وهو يكدس الأموال على حساب قوة عمل التونسيين التي تباع له، في ظل احتياطي من قوة العمل المعطلة عن العمل، بسعر زهيد وبخس. والدولة التونسية بخياراتها الليبرالية البورقيبية والنوفمبرية القديمة وبلبوسها الديني الحالي لا تفعل غير أنها تحرس واقع سرقة بلادنا من قبل الامبرياليين ووكلائهم المحليين. لكل ذلك يمكننا القول إن اليمين الإخواني قد أفسد على التونسيين ثورتهم عندما رفض التنصيص في الدستور على حق الشغل لكل مواطن تونسي وهو أول مطالب الثورة. ثاني الأمرين هو رفض الإخوان دسترة تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني. إن دسترة تجريم التطبيع الذي ترفعه القوى الثورية في المجتمع ليس عداءا عقائديا مرضيا لليهود كما يسوق له اليمين الديني في خطابه ويأتي عكس ما يقوله في ممارسته اليومية، بل هو عداء للمشروع الامبريالي في المنطقة. إن الإطاحة بالمشروع الامبريالي في فلسطين هو خطوة مهمة على درب تحقيق الاستقلال الوطني الفعلي. إنه لا استقلال ما لم تتم إعادة صياغة العلاقة مع مراكز رأس المال العالمي على قاعدة المصلحة الوطنية، ولن نتمكن من تحقيق ذلك ما لم نقاوم هذا المشروع ونضربه في مقتل. إن "إسرائيل" هي الشرطي الحامي للهيمنة الامبريالية على شعوبنا ولذلك تجد لكل الدعم من أمريكا، ولذلك أيضا تمولها ولا تستعمل الفيتو في مجلس الأمن إلا من أجلها. إن تجريم التطبيع مع هذا الكيان الغاصب هو رفض لهذا المشروع وتمسك بالسيادة الوطنية وبكرامة التونسي والعربي عموما. غير أن اليمين الإخواني يرفض هذا التجريم وينخرط صاغرا في عمالة المشروع الامبريالي وخدمته في مقابل مساعدته على الوصول إلى سلطة لا تصلح لغير لعق بقايا الصحون والتقاط الفتات من على طاولات الاستعماريين. إن عدم التنصيص على تجريم التطبيع هو رفض لمطلب مركزي لانتفاضة الشعب التونسي : الكرامة الوطنية. في مقابل الرفض يصر اليمين الإخواني على دسترة المساس بالمقدسات دون تحديد ولا تعريف . فما المقصود بالمقدسات ؟ المقصود ظاهرا هو كل ما يتصل بالدين الإسلامي من ذات إليهية ووحي ونبي وقرآن، غير أن هذا الأمر يبدو في واقع الناس مسقطا. فمن من التونسيين يمكنه أن يمس بالذات الإلهية ومن منهم قد صدق أقوال عبد الله بن أبي السرح عندما شكك بالوحي وهو أحد كتبته؟ ومن من التونسيين يمكنه أن يمس بالقرآن إلا في فبركات الإخوانيين الإعلامية ؟ إن الإصرار على دسترة عدم المساس بالمقدسات رغم عدم الحاجة الفعلية إليها ينبئ أن شيئا ما يحاك ضد الشعب التونسي. فإذا كانت حاجة دسترة عدم المساس بالمقدسات غير ملحة إلحاح دسترة حق الشغل فلماذا يضر عليها اليمين الإخواني؟ إن عدم المساس بالمقدسات ليس إلا بوابة لتأويل أي قول في اتجاه جعله ماسا بالمقدسات. وكل قول في مجتمع متدين هو بالضرورة مساس بالمقدس، فيصبح الحديث عن دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس مساسا بالمقدسات على خلفية عدم اعتراف ابن باز السعودي بذلك في القرن الواحد والعشرين( أنظر الأدلة النقلية والحسية الصفحة 21 وما بعدها )، ويصبح الحديث في المسائل الطبيعية والطبية وحتى الرياضية ضربا من المساس بالمقدسات. إنه في النهاية مساس بحرية التعلم وحرية التفكير وحرية التعبير عن حقائق العلوم، وهو ما يعني تعطيلا للمطلب الثالث من مطالب الثورة : الحرية . واضح إذن أن المشروع اليميني الديني لا يعدو أن يكون سوى إجهاضا للثورة وإفساد لها وخدمة للمشروع الإمبريالي في المنطقة واعتداء على طموحات التونسيين في الشغل والحرية والكرامة الوطنية. وما يصح على تونس يصح على مصر . إفساد العسكر للثورة . لا يقل إفساد العسكر للثورة عن إفساد الإخوان لها فالجهاز العسكري هو أحد أجهزة الدولة مثله في ذلك مثل الجهاز الإعلامي والجهاز المدرسي والجهاز الثقافي وغيره من الأجهزة التي عددها وحلل أدوارها لويس ألتوسير. والعسكر جهاز حارس لمصالح الطبقات المستفيدة من تنظيم المجتمع على شكله الحالي. وإذا كانت الدولة في مصر خاصة هي دولة عمالة بامتياز منذ 1979 على الأقل فإن هذا الجيش ليس سوى الأداة القوية التي حمت العملاء وكرست واقع قمع الشعب المصري سواء عبر افتكاك 40 % من ثروته لفائدة هذا الجيش أو عبر استعماله في القمع المباشر لتحركات الشعب المصري. والجيش المصري اليوم يساعد على إعادة صياغة المنظومة الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل من كوادره جزءا من البورجوازية العميلة في مصر، ولأن اليمين الإخواني قد أفسد ما أفسد حد إمكان دفع الاقتصاد إلى الانهيار التام، فقد تحرك الجيش "لإنقاذ الاقتصاد" وهو في الحقيقة ينقذ مصالحه المهددة. غير أن هذا الجيش وهو ينقذ الاقتصاد قد أفسد الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية وقد كان عليه وهو صاحب التأثير القوي أن يلزم اليمين الإخواني بتحبير دستور ديمقراطي علماني حقيقي ويترك الاختيار إلى الشعب، فمن يستطيع الكثير وهو قلب نظام الحكم يستطيع القليل وهو إلزام الحاكم بالنهج الديمقراطي ولكن الجيش لم يفعل شيئا من ذلك بل اتجه مباشرة إلى الاستحواذ على السلطة عبر التجييش الإعلامي والترهيب والتخويف، وهو لا يختلف في ذلك عن اليمين الإخواني سواء في مصر أو في تونس. فالشعبان المصري والتونسي ليسا رهينة عند أحد ومن يتعداهما على هذا النحو هو في واقع الأمر عدو لهما. لقد منح العسكر مادة دعائية كبيرة لليمين الإخواني فتم إخراجه في ثوب الديمقراطي الشعبي الشرعي المغلوب على أمره بقوة العسكر وهو ما سيستثمره لاحقا ليسهم في مزيد تزييف وعي الناس ودفعهم في معارك وهمية لن تتقدم بهم شبرا نحو مطالبهم في الشغل والحرية والكرامة الوطنية. وفي المقابل سيستمر الجيش في العزف على وتر التخويف والترهيب من خطر إخواني لا يمكنه أن يستفحل وأن يتطور إلا في ظل واقع النهب والسرقة والفساد. فمن يريد أن يتقي خطر الأخونة والوهبنة فما عليه إلا الاتجاه رأسا لتغيير المنظومات الاقتصادية والسياسية والتعلايمية على وجه الخصوص وتحرير الإنسان تحريرا حقيقيا ، وقتها فقط يمكن أن تجد الحركات الدينية تاريخا وتراثا مضحكا. أما العنف والقتل فلن يزيد إلا في تأجيج مشاعر الثأر من المجتمع والاتجاه نحو العمل السري، وهو الوضع الذي تبحث عنه الصهيونية والامبريالية. خلاصة القول هي أن اليمين الإخواني وهو غارق في وحل وهمه الأيديولجي وتجديفه خارج تاريخ المجتمعات قد بعثر أوراق الشعبين المصري والتونسي على درب ثورتهما وأكمل الجيش الإجهاض على ما تبقى من أحلام الحرية والديمقراطية والمساواة . توفيق السالمي باحث في الحضارة العربية الاسلامية – جامعة القيروان . تونس [email protected]
#توفيق_السالمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
-
تحقيق لأسوشيتد برس: حملة قمع إسرائيلية ضد الفلسطينيين المقيم
...
-
خبير فرنسي: هذه هي الإدارة الأكثر معاداة للفلسطينيين في التا
...
-
واشنطن بوست: معاد للإسلام يعود للبيت الأبيض
-
ثورة طبية.. الذكاء الاصطناعي يضمن الجراحة في 10 ثوان
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|