الثورات العربية وثقافة التغيير

فتحي الدويهش

الحوار المتمدن-العدد: 4203 - 2013 / 9 / 2 - 20:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

لم يكن سقوط عدد من النظم الديكتاتورية الشمولية في كثير من دول العالم منذ نهاية الحرب الباردة يعني بناء نظم ديمقراطية فيها، نتيجة التوترات والممارسات السياسية التي أعقبت هذه العملية ، بسبب غياب الممارسات الديمقراطية والمشاركة وتضييق الخناق على المعارضة والقوى القادرة على نقد الجماعات الحاكمة، وكذلك غياب ضمانات تلزم النخب السياسية التي تصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات باحترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين ، كل ذلك أعاق بناء الديمقراطية وساهم في بناء نموذج للدولة السلطوية في العديد من دول العالم النامي ، فترسخت بذلك ممارسات للعنف والاغتيالات السياسية والقمع وغيرها من الممارسات الديكتاتورية عوض المشاركة الديمقراطية بمفهومها التعددي، لذلك من الخطاء التسرع في اعتبار ان مجرد سقوط الدكتاتوريات "ثورة" إذا لم يصحب هذا السقوط تغيير جدري وشامل للبنية الاجتماعية والسياسية والثقافية. وهذه العملية (التغيير) من المستحيل أن تكون سريعة كما هو الوضع في حال السقوط . انه من الخطاء الاعتقاد بان الثقافة السياسية والاجتماعية في دول الربيع العربي مستعدة لقبول هذا التغيير، وان هذا التغيير سوف يكون سريعا في حالة قبوله. لان بناء ثقافة الديمقراطية ليست بالمهمة السهلة سهولة إسقاط الأنظمة، وبالتالي ليست سريعة وجاهزة وتعتبر مهمة إسقاط الأنظمة الدكتاتورية أسهل بكثير من عملية بناء الثقافة الديمقراطية المبنية على احترام التعددية وإدارة الخلاف وتقبل الفكر المخالف لذلك فان الحكم على نجاح ثورات العربية او فشلها مازال بعيدالمنال. وعلينا ا ن ننتظر المزيد من الوقت حتى يمكننا إصدار مثل هذه الأحكام، و من الخطاء أيضا الاعتقاد ان الثورات سريعة الحدوث وسريعة الانتهاء وهي مجرد تغيير للنخبة الحاكمة.. هذا اقرب إلى الانقلابات منه إلى الثورات. الثورات هي عملية اجتماعية مكونة من مركبات عديدة منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية تتفاعل كلها مع بعضها كما يحدث في عالم الكيمياء لكي تعطي في المحصلة تفاعلا كيميائيا ينتج مواد جديدة.. وهي لا تأتي عن طريقة الصدفة او المصادفة .. ولكنها نتاج عمليات مركبة من الوعي الجماعي عند الأفراد والجماعات وهي عبارة صيرورة تاريخية حتمية لا يمكن منعها او إيقافها او التحكم في مسارها كما أنها ليست وليدة اللحظة اوهي عبارة عن ردات فعل بل هي عملية تراكمية.. إن التحولات الشاملة التي نشاهدها وكأنها تحدث فجأة، هي في الحقيقة نتيجة لسلسلة متصلة من العمليات التي تحدث تحت السطح وخارجه، تلتقي معا ًفي لحظة حرجة، يتم فيها التغيير المفاجئ، وما يحدث من تحولات اجتماعية يشبه تماماٌ ما يحدث تحت سطح الأرض من تفاعلات كيماوية واندماج وانفصال بين مواد حساسة، تؤدي إلى اختلال وانشطار ونوبات، تعطي من الطاقة ما يحدث الهزات الأرضية العنيفة والصدوع والفوالق، التي تحول قيعان البحار والمحيطات إلى قمم جبال.

#فتحي_الدويهش (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات