|
عليكِ يا سوريا السلام
فاهان كيراكوسيان
الحوار المتمدن-العدد: 4203 - 2013 / 9 / 2 - 11:21
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
عليك يا سوريا السلام، و نِعْمَ البلد لِ العدو لا أعتقد بِ أنّ هناك سوريّ واحد سَ يكرّر تلك الكلمات أعلاه، و التي قالها هرقل بعد إقراره بِ الهزيمة أمام الغزو الإسلامي الذي كانت طلائعه في سنة ( 633) حيث وجهت إلى سوريا ثلاث سرايا، قاد الأول عمرو بن العاص و تولّى الثانية يزيد ابن أبي سفيان و ترأس الثالثة شرحبيل بن حسَنَة، و كان حامل اللواء في سرية يزيد أخوه معاوية المؤسس العتيد لِ الدولة الأموية في دمشق، و تم إخضاع سوريا كلها من الجنوب إلى الشمال خلال سبع سنوات ( 633- 640)، و تم إخضاع مصر بين ( 640- 646). إن الفتوحات الاسلامية التي تمت في القرن الأول تعتبر من حيث الخطورة التاريخية- كما يقول الدكتور فيليب حتّي- في منزلة فتوحات الاسكندر، و هذان هما الحدثان البارزان في تاريخ الشرق الأدنى السياسي و الحضاري قديما، فَ في غضون ألف سنة التي تلت فتوحات الاسكندر، كانت الحياة الحضرية في سوريا و البلدان المجاورة تتحول نحو الغرب عبر البحر و تتسم بِ طابعه؛ أمّا بعد الفتوحات الاسلامية، فَ قد اتجه هذا التحول شرقا عبر الصحراء، و لم تلبث آخر الصلات بِ روما و بيزنطة أن انفصمت، و أنشئت مكانها صلات جديدة بِ مكة و المدينة، لكن هذه الصلات الجديدة و تلك الطريق الصحراوي كانت قد انقطعت و انسدت إبّان سقوط الامبراطورية العثمانية، حيث تدحرجت دمشق و بيروت إلى حضن سوريا الأم، و منذ ذاك التاريخ / بداية 1920/ راحت الحياة الحضرية في سوريا تتحول مجددا نحو البحر هاربة من شواظ رمال الصحراء. إن هذا التحول لم يكمل سنته المائة. إننا نشهد غزاة الصحراء ينقضون- كما الضواري- على روح الشام و وردها و ياسمينها، لِ تحويل الحياة الحضرية في سوريا مرة أخرى إلى الشرق و عبر سراب الصحراء. هرقل غادر سوريا تاركا إياها لِ عدوّه، فعل ذلك لأنه لم يكن سوريّا، فَ هو الآخر غازٍ و مستعمر مثل الغزاة و المستعمرين الجدد الذين ألحقوا به هزيمة ناجزة. فَ الطرفين غزاة تصارعوا على سوريا لِ استعمارها و إذلال شعبها الملوّن بِ أطياف قوس قزح المتحضر. هرقل ألقى السلام على سوريا و غادرها لأنه غريب لا يهمه أمر سوريا و لا حضارتها و لا ثقافتها، لذا سلّمها ل الغزاة البدو. أمّا اليوم، فَ الغزاة كُثر و هم يشحذون سكاكينهم و يسنّون أنيابهم لِ تمزيق سوريا كيانا و روحا و ثقافة. إن غزوات اليوم ليست كَ الأمس. اليوم يبحث الغازي، أو يذهب مباشرة لِ نتيجة غزوته، و نتائج الغزوات هي دائما بِ المحصلة واحدة؛ فقط العمليات الاجرائية هي التي تختلف بين غازٍ و آخر، و من بين الغزاة هناك الأصيل و البديل، المعلم و الأجير، الموجّه و العميل. فَ الكل يعمل من أجل مصلحة دولته، أي أنّ نتيجة الغزوات هي رزمة من المصالح، و التي تشمل المادية بِ كلّ تجلياتها، و الروحية. و لِ كي يبقى المستعمر منتصرا، يتوجّب عليه تدمير مؤسسات الدولة المستعْمَرَة و نظمها الثقافية و القيمية و أن يحيلها إلى دولة فاشلة، أو بِ الأحرى إلى لا دولة، و أن يزرع فيها ألغاما مجتمعية كفيلة بِ أن تجعلها في حالة أل لا استقرار، أو في حالة الاحتراب الداخلي كلما اقتربت من التصالح و الاستقرار. في حالة سوريا، الوضع استثنائي، فَ سوريا يُراد منها اقتلاع ياسمينها و وردها الجوري، و زرْع أشواك السِلاء في حدائقها العامة و متنزهاتها، يُراد منها التصحّر و الركوع تحت عباءة شيوخ الرمال. إن جوهر القضية ليس في شكل و طبيعة النظام، و إنما في الثقافة الاستراتيجة لِ النظام؛ فَ هذا النظام فاسد، ديكتاتوري، قمعي، مخابراتي و تسلّطي، نظام همّه الأول و الأخير الاستحواذ على خيرات البلاد، نظام قيمه الأخلاقية و الإنسانية فاسدة و منحطة، إنه يقمعك، يعتقلك، يغيّبك في ظلمة زنزاناته، و يعدمك حياتك، يفعل كل ذلك وفقا لِ قانون الثورة( الإنقلاب العسكري) و ليس وفْق شرع الله و كتابه الفضائي؛ فَ الثقافة الاستراتيجية لِ هذه الأنظمة الشمولية الاستبدادية ليست رجعية ظلامية، إنها ثقافة علمانية، إنها لا تتدخّل في تفاصيل حياتك الخاصة و الشخصية/ إلاّ ما كان لها علاقة بِ السلطة و النظام الحاكم/ إنها لا تفرض عليك أنواع المأكولات و المشروبات الأرضية و الروحية و الفلكية، و لا كيف تأكل و تشرب و كيف تمارس الحبّ مع زوجتك، و بِ أيّ رجْلٍ تدخل الحمّام، و نوع اللباس و العقال التي عليك ارتداءها. إنّ ثقافة الأنظمة الشمولية ثقافة علمانية غير مدنية، أيْ لا حرية لِ الكلمة و الصحافة و الأحزاب و التظاهر و الإضراب...إلخ، فَ هذه الأنظمة سقوطها حتمي، و إنْ طال الزمن قليلا، لأنها- و بِ كلّ بساطة- لم تعد تصلح لِ هذا العصر المؤتمت علميا، لذا يُفضّل التعامل معها من قِبَل شعوبها بِ تعقّل و مسؤلية مرهفة تجاه الوطن/ الدولة/، و أن يكون العمل( النضال) مدنيا سلميا ديمقراطيا لِ الحصول على مكاسب تهمّ الشعب كله. الخطأ، لا بل الكارثة، هو أن تصفع النظام، لأنك تكون بِ فعلتك تلك قد دخلت في ملعبه هو، و وقتها لا ملامة، فَ الأقوى سَ يقضي على الأضعف، و لن يقبل بِ وجود حَكَم لِ النزال، و لن يعترف بِ النظام العالمي، لأن توائمه ( النظام السوري في حالتنا) يسرحون و يمرحون في الجوار القريب و البعيد و لم يتم وضعهم تحت المجهر، لماذا هي غير مدرجة في قائمة دول الربيع – أو ربما الخريف- العربي؟! و مجدَّدَا، المسألة السورية و المطلوب منها هو: ضرورة و وجوب تغيير وجهها إلى الشرق. لذا نرى الوكلاء ينفقون دون حدود، و يصدّرون شيكات بيضاء ممهورة بِ الخاتم الأميري و الملكي ذي اللون البترولي إلى معلميهم و مشغّليهم أصحاب الأساطيل و البوارج و الغواصات النووية التي سَ تطلق الورود و الرياحين على بلاد الشام، و نراهم يتململون في عباءاتهم و يتلمسون رؤؤسهم كلما طال زمن التدخل، يتكئون على الوسادات المزركشة تحت الخيم المصنوعة من جلود البعير و الضباع و الأفاعي، يتبادلون أطراف الأحاديث، و يعيدون تقييم طبيعة بلاد الشام، و يؤكدون على صحة رؤيتهم و هدفهم لِ جزئين من بلاد الشام( سوريا و لبنان)، و يعيدون حكاية انتصار غزوة خالد بن الوليد، و الكلمات الأخيرة التي قالها هرقل و هو يغادر سوريا، و يتساءلون فيما بينهم، إذا ما كان هناك أحدا في سوريا( أو بِ الأحرى) إذا كان هناك سوريّا واحدا يمكنه أن يتنازل عن بلده و يسلّمها لنا و يقول ما قاله هرقل؟؟ " عليكِ يا سورية السلام، و نِعْمَ البلد هذا لِ العدو " ربما يخيب أمل الصحراء في الامتداد إلى مدائن و فيافي و حدائق الشام. فاهان كيراكوسيان/ سوريا 02/أيلول/2013 [email protected]
#فاهان_كيراكوسيان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرائق الشرق
-
خلاص دمشق في أل - مو معقول
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|