عباس العنبكي
الحوار المتمدن-العدد: 1201 - 2005 / 5 / 18 - 11:02
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بكل ماتعنيه الحرية والتحرير من معاني، تصرف السيد الحاكم المدني بول بريمر ومجلس قضاؤه الذي عينه في العراق، من اجل بناء العراق الجديد الديمقراطي الحر الفدرالي التعددي الواحد الموحد المستقل حقا وصدقا. ولم يبق قيد لم يحطمه ،سواء كان القانون أو سيادته واستقلال القضاء وولايته العامه ودليل المحاكمات العادلة وناموسه، بل حتى مايسمى بالمعايير الدولية النموذجية الملائمة للاصلاح. ويشهد القاصي والداني على السعادة التي يرفل بها العراقيون اليوم والتي تجد سندها بالامر الاول لرسول الحرية بريمر المنشور بالوقائع العراقية الذي منح السلطات الثلاثة للسيد الديمقراطي.كيف لا وهو سليل الاباء المؤسسين لدستور اكبر واقوى دولة ومع ذلك هي مازلت ديمقراطية دون ان يصيبها الغرور.
كان الجسم القضائي العراقي في كنف النظام السابق يشكو عللا في بعض مفاصله،البعض سببه مصالح النظام مثل تشكيل المحاكم الخاصة والدائرة القانونية بديوان رئاسة النظام والبعض الاخر سببها البعض ممن حمل صفة قاضي وهو لا يجيد فن القضاء وإنما فن تقديم الخدمات من اجل مكرمة أو منصب او جاه وكان يقدم النصيحة للنظام وان كانت سيئة لارضاء ولي النعمة وحسب. واصبح خرق استقلال القضاء بتراس رئيس النظام السابق لمجلس القضاء شرفا واستحضارا لصدر الاسلام بخطاب محكمة التمييز لرئيس النظام حينها.بيد ان اعضاء الجسم الاخرى واصلت العمل في حدود حل المنازعات بين الافراد الواقعة خارج مصلحة النظام.
وعندما سقط النظام وانتشر وباء وهم التحرير والديمقراطية والاصلاح ايقن الكثيرون ان الجسم القضائي سيشفى من علله على يد أمهر جراحي القضاء الامريكي وعلى اقل تقدير سيكون أحسن حالا وان الاوراق لن تخلط ويوم الحساب ات و كل نفس مرهونة بما كسبت. وبات نجاح العملية مؤكدا لانها تتم برعاية كادر عراقي له باع في خدمة النظام السابق خبر العلة وسببها حريص على اجتثاثها شغله الشاغل الثرثرة المخلصة من اجل (العراق الجديد).وغدت كل الافواه تلوك بعبارة اصلاح القضاء العراقي وقرعت الصحافة(الحرة غير الموجهة) طبول الاصلاح وصار من الحياء والجهل ان لا تهتز الارداف لتاكيد هويتها الديمقراطية.
بيد ان قلة من ذوي الخبرة في حال الرعية والراعي الذين يعرفون ان قدرهم هو السمسرة بين الشعب وصاحب الجلالة السلطان وهو قدر يحفظ السمعة والمنصب والمال ادركوا بحدسهم المهني كذبة الاصلاح لان تغيير الحال من المحال ولا فرق بين بريمر وصدام الا الجلباب اما الشعب وساسته (العظماء ) فهم يزدردون خبيث الاكل اذا قدم لهم بصحن جميل براق مثل صحن الاصلاح.وان امضى سلاح هو سلاح اللعب على الحبلين. واستبدلوا في الحال أوسمة مولاة النظام السابق بقبعات معارضي النظام السابق وركضوا الى مقام امام الحرية في فندق شيراتون شفيعهم قريب مقيم في امريكا او معارض موعود بمنصب منهم.
وبجرة قلم وهي سنة قالها صدام واقرها بريمر بات مفسدي النظام السابق مصلحي جديد النظام وابرمت الصفقة والمتضمنة،على مستشاري النظام السابق الصنعة ولقوات التحالف اجر الاصلاح. واصدر الحاكم المدني امرا بتشكيل لجنة للمراجعة القضائية برئاسة ديتو ضابط في الامن الامريكي وعسكري اخر امريكي وطبيب نفساني بريطاني ومحامي عراقي ليس له في المحاماة ذكر ومحامي عراقي اخر كان ابنه في مكتب النائب الاول طه رمضان،وباسم العراق الجديد باشرت اللجنة مشوار الاصلاح.وبجرة قلم وهي سنينة دستور حقوق الانسان في العراق عزلت اللجنة مائة وثمانين قاضيا وعينت العشرات ممن هم خارج الخدمة وخلاف الشروط كلها من بينهم عضوا اللجنة وشكلت مجلسا للقضاء، وفي محكمة التمييز عينت اعضاء، وصار القضاء مرعى لرعاة العدالة الامريكان.
كانت هناك اعتراضات خجولة وخائفة مورثة،الا ان ردها كان مقنعا وعلميا منها،هل يمكن لرضيع الدستور الامريكي الحاكم المدني ان يخرق سيادة القانون وهو ممنوع بموجب المادة 54 وغيرها من تغيير وضع القضاة في الاراضي المحتلة؟ ولكن هو ليس احتلالا بل تحرير وان السيد الحاكم المدني هو القانون والاصل القانون وليس سيادته واذا حضر الماء بطل التيمم.ولكن حظرتشكيل اللجان مبدا اقرته الامم المتحدة لانه سلب للولاية العامة للمحاكم وهي سنة الاباء المؤسسين لامريكا. الا ان هذه اللجنة ليست حزبية او اسلامية او شعبية انما قضائية والعبرة بالفاظ لا للمعاني وهي مقولة ديمقراطية وليس العكس الذي اورده القانون المدني العراقي المقبور.
رحم الله قرقوش، كان يراعي المحاكمة دون الحكم ،وعقوبته فردية. اما فولتير لجنة المراجعة ومجلس القضاء الصالح فهو لا يراعي محاكمة ولا حكم ،عقوبة بلا محاكمة او علنية او دفاع، وحكمه بلا ادلة، تسبيبه عقوبة وعقوبته تسبيب، وعقوباته جماعية او ليس الاصل ان كل عراقي الا ما رحم ربي، مذنب بالرشوة والفساد وعلاقته بالنظام السابق حتى تثبت برائته.بجرة قلم ان كنت بعثيا او عاملا في المحاكم الخاصة او مع اجهزة النظام واجهزة امنه ونلت مكارمه السخية وشاركت في قمع الانتفاضة الشعبانية فانت صالح للقضاء الجديد،وان لم تكن لك ناقة او جمل مع النظام السابق ولم تكن بعثيا او صداميا فانت فاسد ومرتشي وتعزل من القضاء وتحرم من كل حق تقاعدي لان فيك بذرة للرفض والروافض ليسوا ديمقراطيين. واصلح ديتو ما فات على صدام.
الرشوة جناية والفساد جنحة وهو امر لا تقضي به الا المحاكم ووفق الاختصاص النوعي والمكاني، ولا يمكن منح هذه السلطة للجنة سواء شكلها الحاكم المدني او لجنة من مجلس قضاء عينه الحاكم المدني او غيره، ولا يحق لاي كائن وان كان رئيسا للدولة او القضاء او سلطة تشريعية سلب هذه الولاية من المحاكم ذلك هو مفهوم استقلال القضاء خالد الذكر الذي تلوك به الالسن كثيرا ويرد ذكره بمناسبة او غير مناسبة في قرارات ومبادئ ومواثيق البلدان والامم والمنظمات.ولكن اذا كان المصلح حبيبا فبين الاحباب تسقط الاداب او اذا غاب الوعي وانشغل الساسة بقطف ثمار الحرية وكان الجلاد لطيف المنطق ناعم الملمس والضحية فض لا خبرة له بمخاطبة الادنى للاعلى وموصوما بعار الجريمة فان كل شئ جائز وعلى الضحايا ان يسلموا بما صار اليه سقراط. والعزل والعار اخف وقعا من جرع السم.
وبعد ان اتم الحلفاء تحرير العراق،ونام شهريار، باشررعاة البقر وبهمة ومساعدة النشامى من سماسرة النظام السابق الانتهازيين بتبديل ماكنة الدولة ودمقرطة ديكتاتوريتها وتصفية خابطها وتطهير ادارتها واجتثاث فسادها واصلاح قضائها، واصابوا الهدف رغم الارتجال، فرب رمية بلا رامي، وراعوا كل قواعد العدالة،فالعدل لديهم هو ماكان عادلا اليهم وما فيه مصالحهم كما يراه (بوليمارخس) هي نفع الاصحاب ومضرة الاعداء.
ورحم الله ابو العلا المعري عندما قال:
مل المقام فكم اعاشر امــــــــــة امرت بغير صلاحها امــراؤها
ظلموا الرعية واستباحوا كيدها وعدوا مصالحها وهم اجراؤها
عباس العنبكي
#عباس_العنبكي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟