فلاح صبار
الحوار المتمدن-العدد: 1201 - 2005 / 5 / 18 - 09:23
المحور:
الادب والفن
"قالت الصوفية : إن الغناء يرقق القلب، ويبعث الحزن والندم على
المعصية، ويهيج الشوق إلى الله تعالى، ولهذا اتخذوه وسيلة لتجديد
نفوسهم، وتنشيط عزائمهم، وإثارة أشواقهم، قالوا: وهذا أمر لا يعرف
إلابالذوق والتجربة والممارسة."
( 13 )
موقف الإسلام من الغناء والموسيقى 1 :
لقد بدأت مرحلة جديدة في مسيرة الغناء العربي والموسيقى عند ما ألقى الإسلام بظلاله على المنطقة العربية وتمكنه من تنظيم الحياةالإقتصادية والدينية و الإجتماعية العربية دينيا ودنيويا. ان أهم وظيفة بعد فكرة التوحيد التي تدعو لها جميع الأديان هي وضع القواعد الشرعية التي تأخذ صفة القانون الناظمة للحياة الإجتماعية ونشر المبادئ المثالية الراقية التي قد تكون موجودة في كثير من أساطير الشعوب وفي الفلسفات القديمة كالدعوة لعمل الخير واحقاق الحق والإنصاف والسلام بين الشعوب. إلا ان قضية الموسيقى والغناء في الإسلام, بقيت مسألة عصيّة على الحسم, استنادا الى الآراء الفقهية المتعددة المتناقضة لدى القائمين على الشأن الديني. فقد ظل الفقهاء يتناقشون ويتجادلون زمنا طويلا في هذه المسألة , هل الغناء والموسيقى حرام أم حلال؟ فيمر الزمن متسارعا ولازالت القضية عالقة , والحلول بين بين..!! فمن قائل انها محرمة قطعيا, أو انها أمر غير محبب إلا بشروط مقيدة إرتأها الفقهاء انفسهم , ومنهم من يقول بحلّها , وكل فريق يستند بذلك الى الأحاديث النبوية التي هي المصدر الثالث للتشريع الإسلامي بعد الكتاب الحكيم والسنة النبوية.. مع توفر القناعة بوجود الكثير من الشك والتشكك في صحة هذا الحديث أو ذاك من حيث تواترة و إنقطاع سنده أو الشك في مصداقية راويته.
جاء في العقد الفريد لإبن ربه :" قال بعض أهل التفسير في قول الله تبارك وتعالى: "يزيد في الخلق ما يشاء": هو الصوت الحسن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري، لما أعجبه حسن صوته: لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود".
وزعم أهل الطب أن الصوت الحسن يسري في الجسم ويجري في العروق، فيصفو له الدم،ويرتاح له القلب، وتهش له النفس، وتهتز الجوارح، وتخف الحركات. ومن ذلك كرهوا للطفل أن ينوم على أثر البكاء حتى يرقص ويطرب.
ويقول شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي : ان الغناء ليس حراما على إطلاقه أو حلالا على إطلاقه.. وأن العبرة بالمعنى ... وكان النبي حينما كان يحفر الخندق هو وأصحابه في غزوة الأحزاب يرددون بعض الأغاني بغية طلب العون والمدد .
ويقول السيد محمد حسين فضل الله : ليس كل الأغاني محرمة,فالمحرّم منها ما كان بحسب مضمونه باطلا أو كان لحنه مثيرا للشهوات متناسبا مع أجواء أهل المعاصي .وجاء في تعليمات الديانة المندائية : كل شيء في هذه الحياة له متضاد ووجهين، فأما أن يكون لصالح الخير والفائدة أو يكون لصالح الشر والخطيئة .. فلذلك إذا كان الغناء يبغي إفساد الإنسان وينمي عنده الشعور الخاطئ والابتعاد عن الدين فهو محرم جدا .. أما إذا كان لتعبير عن مشاعر إنسانية ودينية راقية ، فلا باس به, لان الترتيل والإنشاد المعروف دينيا ما هو إلا نوع من أنواع الغناء.
و بالرجوع الى صدر الإسلام نلاحظ ان الفقهاء وصلوا إلى رأيين:
1- تحريم مطلق ..إستنادا الى بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية .
2- رأي يقول به.. دون تحليل او تحريم وبالاستناد أيضا الى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
بعض أدلّة القائلين بتحريم الغناء:
أولا : اتفا ق أئمة المذاهب الأربعة في تحريم الغناء.
1- مذهب الحنفية : يقرر الحنفية في كتبهم أن سماع الغناء فسق وأن التلذذ به كفر، وقد نص الحنفية أن التغني حرام في جميع الأديان، وكيف يبيح الله ما يقوي النفاق ويدعو إلى الرذيلة والفاحشة.
2- مذهب المالكية: سئل الإمام مالك عن الغناء فقال: ( إنما يفعله عندنا الفساق )، وسأل رجل الإمام مالك عن الغناء فقال مالك: ( إذا جيء بالحق والباطل يوم القيامة ففي أيهما يكون الغناء )، قال السائل: في الباطل، قال مالك: ( والباطل في الجنة أو في النار )، قال: في النار، قال: ( اذهب فقد أفتيت نفسك).
3- المذهب الشافعي: قال الإمام الشافعي: من استكثر منه فهو سفيه تُرد شهادته.
4- المذهب الحنبلي: يقول الإمام أحمد: إن الغناء لا يعجبني ، إنه ينبت النفاق بالقلب، والغناء باطل والباطل في النار.(عن موقع اسلامي متشدد)
ثانيا:
آ - استدل المحرمون بما روى عن ابن مسعود : أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالى: (ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين)
(سورة لقمان/ 6) وفسروا لَهْو الحديث بالغناء.
ب - واستدل البعض بقوله تعالى في مدح المؤمنين: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) (سورة القصص/55) والغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه.
ت - واستدل البعض بحديث: "كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة: ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه" رواه أصحاب السنن الأربعة، والغناء خارج عن هذه الثلاثة.
ث - روت السيدة عائشة : "إن الله حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها"، ويقول الغزالي: "إن هذا الحديث يشير إلى قيان الحانات وحدهن"، وروى بن جابر عبد الله: أن النبي قال: "كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى".
ج - لقد حرّم الغناء بعض الإمامية وهو ثابت عندهم استنادا الى الكتاب والسنة كما ورد في كتاب "الدر المنثور" للشهيد الثاني الشيخ علي بن محمد بن الحسن ت 1104هج , والشيخ مرزا ابراهيم الأصفهاني قاضي عسكر نادر شاه, والمازنداني ت 1173 هج . وحلله السيد ماجد البحراني ت1028هج, والسيد محسن الفيض الكاشاني ت 1091 هج.
ولقد وردت الى مكتب آية الله العظمى السيد علي السيستاني الكثير من الأسئلة التي تتعلق بالموسيقى والغناء من قبل العامة والخاصة , وأرى من المفيد الإشارة لها لكونها تقف في المنطقة الوسطى التي لاتوجب التحريم القطعي او الإباحة, ولكون هذه الفتاوى يمكن اعتبارها تقف موقف الحياد الذي اعتبره هنا ايجابيا. والأسئلة مفادها :
- هل يجوز سماع وترديد الاغاني الهادئة والحزينة والتي لا يوجد بها ضجة ؟
- ما هو حكم الاستماع الى المواويل؟وعن حكم الاحتفال في الاعراس بالاغاني و استخدام الطبول والدبكة ؟
- ما حكم الأغاني في لیلة الزفاف بالنسبة للنساء و كذلك الرجا ل ؟ و كذلك الطبل أو الدف و ما شابه ؟
وكان جواب آية الله السيد السيستاني على هذه الأسئلة وغيرها الكثيرمما يرد لمكتبه , ما معناه :
ان الأغاني ان کانت لهوية ومناسبة لمجالس اللهو والطرب فلا یجوزالاستماع اليها , و يجوز الإستماع الى المواويل مالم تكن بكيفية تناسب هذه المجالس, و الأحوط تركه.
ولا یجوز الغناء و الضّرب علی الطّبل, و استثنی بعض الفقهاء غناء النساء لیلة الزفاف بشرط عدم التكلّم بالباطل , و عدم دخول الرجال علی النساء. و لكن هذا الأستثناء مشكل .و اما الضرب بالآت الموسيقي فإن لم يكن بنحو يناسب مجالس اللهو و اللعب فلا مانع منه.
ح - واستدل البعض بالحديث الذي رواه البخاري عن النبي قال: " ليكونن قوم من أمتي يستحلون ... الحر والحرير والخمر والمعازف". والمعازف: الملاهي، أو آلات العزف.
وهناك الكثير ممن افتوا بتحريم الغناء والموسيقى , انطلاقا من معتقده المذهبي ومفسرا النصوص والأحاديث كما يرى , وانطلاقا من زاويته العائلية الخاصة أحيانا .
استراحة:
- عن أبي العيناء قال:
كان المدني في الصف من وراء الإمام، فذكر الإمام شيئاً فقطع الصلاة وقدم المدني ليؤمهم، فوقف طويلاً، فلما أعيا الناس سبحوا له وهو لا يتحرك فنحوه وقدموا غيره، فعاتبوه فقال:
ظننته يقول لي: احفظ مكاني حتى أجيء.
***
- وعن محمد بن خلف قال:
مر رجل بإمام يصلي بقوم فقرأ: آلم غلبت الترك، فلما فرغ قلت:
يا هذا، إنما هو "غلبت الروم" فقال:
كلهم أعداء لا نبالي من ذكر منهم.
***
وعن مندل بن علي قال:
خرج الأعمش ذات يوم من منزله بسحر، فمر بمسجد بني أسد وقد أقام المؤذن الصلاة، فدخل يصلي، فافتتح الإمام الركعة الأولى بالبقرة ثم في الركعة الثانية آل عمران، فلما انصرف قال له الأعمش:
أما تتقي الله ، أما سمعت حديث رسول الله ( ص) : "من أم الناس فليخفف فإن خلفه الكبير والضعيف وذا الحاجة". فقال الإمام قال الله عز وجل:
"وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين".
فقال الأعمش: أنا رسول الخاشعين إليك بأنك ثقيل.
عن اخبار الحمقى والمغفلين
ابن الجوزي
- جاء رجل الى بعض الفقهاء, فقال له:
أنا أعبد الله على مذهب ابن حنبل, وأني توضأت وصليت, فبينما انا في الصلاة إذ أحسست ببلل في سراويلي يتزلق فشممته فإذا رائحته كريهة خبيثة. قال الفقيه:
عافاك الله , خريت بإجماع المذاهب.
المستطرف في كل فن مستظرف
الأبشيهي
يتبع
#فلاح_صبار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟