|
المترحمون على الطغاة
احمد عبدول
الحوار المتمدن-العدد: 4200 - 2013 / 8 / 30 - 23:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تتفق سائر الأمم والشعوب منذ فجر السلالات البشرية على جملة من المسلمات وحزمة من البديهيات التي تخضع بدورها إلى المنطق السليم والفكر القويم والتي تتضافر على دعمها ، عدة قرائن ودلائل ومؤشرات ولعل أبسط وأيسر تلك المسلمات والبديهيات التي تتفق بشأنها سائر الأمم والشعوب قديمها ومعاصرها هو أمر الاتفاق والتعاضد والتكاتف على موضوعة إدانة الشر والتنديد بالأشرار أيا كانت قومياتهم أو أديانهم أو مذاهبهم، في الوقت الذي تتفق فيه عامة الأمم وكافة الملل والنحل على التبجيل والحفاوة والتكريم للأخيار من أهل العقول النيرة والقلوب النقية والأيادي البيضاء أيا كانت قومياتهم أو أديانهم أو مذاهبهم ، قضية التنديد بأصحاب الشر والتمجيد بأصحاب الخير تعد امرأ طبيعيا قد وعته البشرية حتى خلال حقبة ما قبل نشوء المجتمعات المتطورة نسبيا (البدائية ) إذ ان الإنسان يحس بمقدار ذلك الأذى الذي يترتب على تلك الأفعال المشينة والشريرة وهو لذلك يشجب فاعليها ويلعن مرتكبيها وبما انه يشجب مثل تلك الأفعال بحقه فأنه لا شك يشجبها ويستنكرها بحق الآخرين من أبناء جنسه . لقد توحدت سائر الأمم والشعوب على إدانة الشر وتسمية الأشرار بأسمائهم وأفعالهم وما خلفوه وراء ظهورهم من تركات وأزمات كما توحدت على تخليد الأخيار والشرفاء وتسميتهم بأسمائهم وأفعالهم وما أسسوا له وقدموا لأجله من خير وبناء ورفاه وعمران لذلك نرى ان كل شعب من شعوب الأرض له قادته ورموزه وكتابه ومفكريه وفلاسفته الذين يعتز بآثارهم ويجدد ذكراهم ويهتدي بهداهم ويهرع على خطاهم في الوقت الذي نجد فيه تلك الشعوب تستذكر ماضي طغاتها وتقلب أسفار قتلتها من الحكام والجلاوزة والأباطرة والأكاسرة والفراعنة لتلعنهم وتذم أفعالهم وتحذر من مغبة الإذعان لأمثالهم وبالتالي فأنها تقدم لمستقبلها باتجاه ما يمنع ويعيق مثل هؤلاء من الوصول إلى سدة الحكم وتسلم زمام الأمور . هكذا هي سيرة الأمم والشعوب في كل زمان ومكان وسوف تبقى مثل تلك السيرة فاعلة ما بقي الليل والنهار , فطاغية مثل الفرعون في مصر القديمة كان موضوع إجماع واجتماع من قبل أبناء الشعب آنذاك على ظلمه وتجبره وعلوه في الأرض علوا كبيرا كذلك الحال بالنسبة لنيرون الذي احرق روما القديمة بسبب غروره وعنجهيته وما أصيب به من داء الغرور والتكبر وليس ببعيد عن هؤلاء فرانكو في اسبانيا وشاوشسكو في رومانيا إلى اخر أسماء أولئك الذين أذاقوا شعوبهم وبال المر والأذى لتتفق رعاياهم على مقدار ما اجترحوه من ظلم وتعسف وتجبر . هذا هو حال سائر الأمم والشعوب مع كل طغاتها ومستعبديها إلا ان الحال ينقلب رأسا على عقب بالنسبة للبلدان العربية لا سيما في العراق حيث يقع الخلاف والاختلاف حول طغاة وعتاة فاقوا قدماء الطغاة ومحدثيهم بما أقدموا عليه من فظائع يندى لها جبين الإنسانية جمعاء .ولعل هذا الأمر يعد أهم وابرز أسباب تراجع الواقع العراقي السياسي والاجتماعي القديم والمعاصر , حيث أصيب العراقيون بداء الخلاف والاختلاف حول شخصيات موغلة في القبح وهم اليوم (أي العراقيين ) لا يستطيعون فكاكا من تبعات وادران ذلك الداء العضال ما لم يقفوا أمام أنفسهم وأمام التاريخ وأمام ضمائرهم وأمام انهار الدماء الزكية التي سالت على أيدي أولئك الطغاة وذلك لأجل ان يحددوا مواقفهم بدقة وحرص ومسؤولية من أولئك الطغاة ومن دار في فلكهم وسار في ركابهم .لقد أصيب العديد من العراقيين اليوم بداء الترضي والترحم حول شخصيات من نمط (صدام حسين ) في الوقت الذي ما تزال أجساد ضحاياه غضة طرية وهي تنام تحت أديم العراق من شماله إلى جنوبه وقد اختلطت عظامهم وتكدست أعدادهم وتباينت مذاهبهم وأجناسهم وأعمارهم وقومياتهم وثقافاتهم . للأسف الشديد ان شخصية مثل (صدام حسين ) أصبحت اليوم موضع اخذ ورد وشد وجذب من قبل بعض العراقيين على الرغم من إنهم حديثوا عهد بما اجترحه هذا المعتوه بحق مصير بلد بأكمله مثل العراق . ان شخصية مثل (صدام )لا يمكن الخلاف والاختلاف حولها في أي شعب من شعوب الأرض , إلا ان الأمر عندنا سوف يأخذ بعدا أخرا حيث يكون (صدام )مادة قابلة للنقاش والمحاججة والملاججة بين هذا الطرف أو ذاك .ولا شك ان اختلاف العراقيين حول هكذا نمط من الشخصيات سوف يدخلهم نفق التباعد والتناكف والتجاذب حتى يرث الله الأرض ومن عليها . الاختلاف حول هكذا نمط من الشخصيات سوف يجعل الخلاف حول ما دون هكذا شخصيات أمرا في غاية اليسر والسهولة لينعكس كل ذلك على واقع الأمة معرضا إياها الى التمزق والتفرق والتجزؤ وبالتالي الضعف والتقهقر والتبعية , من هنا يتوجب على جميع العراقيين ان يتبرءوا من جميع طغاتهم وظلمتهم وقاتليهم لكي يكونوا بحق شعب من شعوب الأرض القابلة للبقاء , أما بخلاف ذلك فان مفردة شعب سوف لن يكون لها معنى دقيقا وواضحا بل إنها سوف تصبح اقرب إلى الوهم منها إلى الحقيقة والكذب منها إلى الصدق . بعد مرور أكثر من عشر سنوات على رحيل (صدام )غير مأسوف عليه بعد مرور أكثر من عشر سنوات على رحيل (صدام )الذي دشن سني حكمه بالظلم والحروب والقتل والتهجير والتصفيات الدموية التي ابتدأها في سن الثامنة عشرة من عمره وذلك عندما سلمه خاله (طلفاح ) سلاحا آليا لاغتيال (سعدون التكريتي )الذي كان معروفا بميوله إلى الحزب الشيوعي العراقي آنذاك ,بعد مرور أكثر من عشر سنوات على تبيان سائر جرائر ومجازر ومخازي (صدام ) فاننا وللأسف الشديد نجد من يزين أعماله ويلتمس له أعذاره ويجمل مواقفه متذرعا بمنطق المفاضلة ملتحفا برداء المقارنة بين (صدام )كشخص سيء ومسيء وبين من هو اشد سوءا منه ممن يحظر بين أظهرنا اليوم من قادة وسياسيين حسب ما يرى هؤلاء المترحمون على صدام ظلما وتجبرا . وقد نسي هؤلاء المتباكون ان الظلم واحد وان الشر واحد وأننا يجب ان لا نبرر ولا نفاضل ولا نقارن بين ظلم واخر وظالم وسواه من الظلمة .ان جل هؤلاء الذين يذهبون لهكذا منطق هم بالأساس ممن كان يدور في فلك السلطة ويسير في ركاب الطغاة لذلك فهو لا ينفك عن تسقيط الجميع وبلا استثناء في عيون الرعية لكيما تسهل عليه مهمة تزيين صورة رمزه السياسي مجددا وتلك لعمري آلية خبيثة وأسلوب عمل جبان . لنفترض جدلا ان منطق هؤلاء يعد منطقا مقبولا مبررا إلى حد ما إلا ان أمر المقارنة والمفاضلة بين سيء وأخر اقل منه أو أكثر سوءا يبقى امرا غير قابل للخضوع لأي منطق فالشخص السيئ يبقى سيئا في كل زمان ومكان ولا مجال بعد ذلك لان نترحم أو نترضى على هذا الطاغية أو غيره متذرعين بما نمر به من ظروف أمنية وسياسية خانقة إنما جاءت بالأساس على خلفية ما أفرزته سياسات (صدام ) وانعكاساتها على المجتمع العراقي برمته .ان الترحم والترضي والتماس الأعذار لرجال وما هم برجال من نمط (صدام )والسفاح (ناظم كزار )و(محمد حمزة الزبيدي )صاحب مقولة لا شيعة بعد اليوم وهو المتحدر من أسرة شيعية كذلك المجرم (حسين كامل )الذي خاطب الإمام الحسين وهو يقف قبالة ضريحه المقدس قائلا (أنت حسين وأنا حسين )أبان الانتفاضة الشعبانية عام 1991 رجال من هكذا صنف يجب ان لا يخضعوا لمعادلة الترحم والترضي والتماس الأعذار فتلك لعمري طامة كبرى وجريرة عظمى ترقى إلى أبشع وأقذر ما أقدم عليه أولئك الطغاة ان لم تكن عملية الترحم تلك تفوق ما أقدموا عل ارتكبوه بحق رعاياهم من ظلم وتعسف وجرائم يشيب لها الصغير ويهرم الكبير ويكدح مؤمن حتى يلاقي ربه . لذا يتوجب على جميع أبناء الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه مرورا بوسطه ان يتكاتفوا ويتسالموا على أمر البراءة والتنديد بصدام ومن على شاكلته أيا كان اسمه أو رسمه أو هويته أو قوميته أو مذهبه أو طائفته ,أما إذا بقي العراقيون مختلفون وهذا هو حالهم منذ ان خلق الله الأرض وبث فيها أرزاقها فانهم لا محال سوف لا يشهدون تقدما ولا يحرزون اجتماعا ولا يقيمون دولة ولا يشيدون نظاما ولا يجنون غير الويل والثبور والخذلان .ان عملية الترحم والترضي لا تكون إلا مع من طاب منبتهم وحسنت شمائلهم وعرفت أنسابهم واحسابهم ممن انحدروا من حجور طابت وطهرت ونفوس أبية وأنوف حمية أما أولئك الذين لا يعرف لهم حسب ولا يستدل لهم على نسب ممن اختلف القوم حول إبائهم واشتد الخلاف بخصوص منبتهم فانهم لا يستحقون من شعوبهم سوى البراءة والتنديد والتجريم والقصاص العادل .أخيرا فاننا عندما نحاجج أولئك المترحمون على صدام وأمثاله فان هؤلاء يلوذون متسترين بالقول الذي جاء فيه (ان الله قد أوجب الرحمة للإحياء والأموات )هكذا وبكل سهولة يريد منا أولئك المترحمون ان نصدق دعواهم ونقبل تأويلاتهم التي ما انزل الله بها من سلطان وإلا فالقول واضح كل الوضوح بشمول الأحياء والأموات برحمته التي وسعت كل شيء لكن هذا لا يعني ان يكون الطغاة والمجرمون ضمن أولئك الذين سيظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ولو كان الحال كما يقولون وكما يذهبون لوجدنا الله وقد ترحم على شخصيات من نمط فرعون وقارون وجالوت أم ان القوم لديهم قران اخر غير ما هو مجموع بين اظهرنا أو ان الأمر قد اختلف عليهم فلم يعودوا يميزون بين الحق والباطل والأسود والأبيض والغث والسمين ولو أني خيرت ان ادخل الجنة التي تأوي شخصيات من نمط (صدام وكزار والزبيدي وأبو مصعب الزرقاوي وأمثالهم لرفعت يدي الى الله صارخا باكيا لكيما يدخلني ناره خالدا مخلدا فيها فذلك أفضل لي حالا وأعظم مئالا وأحسن عاقبة ومنقلبا من اخلد في جنة يستوطنها الطغاة ويفترشها العتاة ويتقلب على أرائكها المعتوهين من سائر الأمم والشعوب .
#احمد_عبدول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقدة الهلال
-
رسالة عاجلة الى السيد رئيس الوزراء
-
شيوخ الظل
-
حديقة الدار
-
دماء العراقيين هل تحتاج إلى فتوى لتحريمها ؟
-
رجل دين ، رجل سياسة
-
هل تقف امريكا وراء تقسيم العراق؟
-
هل من معجزة؟
-
وماذا عن المرجعية ؟
-
ما الذي يجري في العراق واقعا ؟
-
هل تعيد المصافحة للعراقيين قتلاهم؟
-
مزامير الاغنياء
-
الصحابة في ميزان علي ( عليه السلام )
-
الشعوب ليست قطيعا
-
البعث مرة اخرى
-
شعب الله الثرثار
-
الطائفية السياسية ..بين الواقع والشعار
-
علي بن ابي طالب رائد المصالحة التاريخية
-
ثنائية الخوف والطمع
-
موتانا وموتاهم
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|