|
اهانة القرآن بين الفضيحة والادانة
ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)
الحوار المتمدن-العدد: 1201 - 2005 / 5 / 18 - 12:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد تحول خبر "اهانة القرآن" الى فضيحة سياسية وموجة عارمة من المواجهات بين قوى "الامن والشرطة" والمواطنين الذين احتجوا بأثر سماع خبر عن "اساءة" الى القرآن من جانب "المحققين" الامريكيين "لنزلاء" سجن غوانتانامو. وبغض النظر عما اذا كان فعل هؤلاء المحققين او السجانين قد جرى فعلا بالطريقة التي جرى تصويرها ام لا، فان مضمون القضية هو دون شك اوسع واعقد ما يبدو للوهلة الاولى. انه يتضمن على قدر كبير من سوء الفهم، وعلى قدر مماثل من الفضيحة. انه سوء فهم لمضمون الحدث وفضيحة للرؤية الاسلامية اولا وقبل كل شئ. طبعا ان ذلك لا يقلل من رداءة العمل وسوء نيته واشارته الى طبيعة الخلل في البنية الذهنية والثقافية لاولئك الذين قاموا به. الا ان مضمونه السياسي يقوم اولا وقبل كل شئ في اشارته الى هشاشة الوعي السياسي والاجتماعي الاسلامي المعاصر في تعامله مع قضايا من هذا القبيل. فمن الناحية العقائدية والايمانية لا يضر القرآن شيئا ان جرى رمي مخطوط منه في نار او مزبلة. اذ لا يرمى في الواقع سوى الورق. وهي قضية قد اثير حولها الجدل الكلامي (اللاهوتي الاسلامي) منذ قرون عديدة خلت، انتهت الى ادراك عقلاني دقيق يقول حتى من وجهة نظر اولئك الذين قالوا بازلية "كلام الله"، بانه لا علاقة للورق والحروف المكتوبة عليها به. بمعنى ان كلام الله ازلي ابدي بينما المخطوط في المصاحف من فعل البشر. وهي خطوط يمكن ان يرسمها البر والفاجر. اما اولئك الذين قالوا بحدوث "كلام الله"، بمعنى انه حادث في الزمن، اي نتاج ظرف تاريخي ومحكوم به من حيث المظهر والصيغة، فانهم ارادوا بذلك القول، بان حقيقة معناه تقوم في رمزيته لا غير. وهو الامر الذي يعطي للانسان امكانية التفاعل الحر معه انطلاقا من ان حقيقة الانسان ارادة. وحقيقة الارادة المثلى تقوم في التشبه بالله من حيث كونه مصدر العقل والفضيلة، او المنطق والاخلاق. وقد حكمت هاتين الرؤيتين مواقف وافعال القوى الاجتماعية والسياسية والفكرية، مع ان الغلبة عموما كانت للفكرة القائلة بان كل ما في القرآن مقدس، من هنا ضرورة تقديس او احترام وتبجيل كل شئ له علاقة به سيان كان ذلك المكان او الورق او الغلاف. وهي رؤية نفسية يمكن تحسس معناها ضمن تقاليد التقليد، وبالاخص ما هو مميز لنفسية العوام وذهنية السلفية الجامدة. وهي نفسية وذهنية اكثر من عبر عنها اولئك الذي كانوا على استعداد للتضحية بانفسهم من اجل "خبر" غير موثق عن اساءة الى "كتاب الله"، كما نراه في الفعل الهمجي من جانب الاجهزة القمعية في الرد على مشاعر المؤمنين الصادقة في الاحتجاج على ما وجدوا فيه اهانة لمعتقداتهم. وفي كلا الحالتين نقف امام ظاهرة الانحطاط العقلي والثقافي للدولة والقوى التقليدية. بمعنى اننا نقف امام ظاهرة سيادة النص المقدس في الرؤية العقلية مع غياب تام للعقلانية، واستفحال للنفسية الاجتماعية التقليدية في ظل غياب شبه تام للرؤية الاجتماعية. ان سيادة المقدس في الموقف من النص، ايا كان شكله ونوعه، هو مؤشر على جمود الفكر وانحطاط الذهنية الثقافية التي لا تدرك الحقيقة البسيطة القائلة، بان النصوص ايا كانت حالما ترتقي الى مصاف المقدس، فانها يمكن ان تكون مصدرا للارهاب والجريمة. بمعنى انها لا تفعل في نهاية المطاف الا على ايقاف حرية الفكر في التعامل مع ابداع الماضي. بينما حقيقة الابداع هي رؤية حرة للاحتمالات المستقبلية. ومن ثم لا يعني الوقوف عند حدود المقدس في النص ايا كان والعبودية التامة له بما في ذلك لحروفه المطبوعة على ورق قد يكون مستوردا ومطبوعا على آلات مستوردة ايضا من "دار الكفر" هو دليل على انعدام ابسط مقومات العقلانية والفكر الحر. ان الاحداث التي اثيرت حول خبر متعلق باساءة الى كتاب (القرآن) هو دليل على سوء العقل والوجدان، ومؤشر على عمق الانحطاط الثقافي وضيق الحرية وانعدام العقلانية. وهي نواقص ينبغي البحث عنها اساسا في "عالم الاسلام". بمعنى لا ينبغي البحث عنها في "نفسية الغرب" و"صراع الحضارات" وما شابه ذاك. انها تتضمن اشارة الى هذه الجوانب وقد تعبر عن العناصر السلبية التي مازالت تحكم تصرفات ورؤى واحكام "قوى غربية" الا ان حقيقة مضمونها يقوم في نفسية المسلمين المتحجرة وصراعهم الجزئي مع النفس. بمعنى عدم تكامل صراعهم مع النفس بالشكل الذي يكفل تحريرها من اسار النص ايا كان. فالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والاخلاقي العام للعالم الاسلامي يكشف عن ظواهر كبرى وجوهرية تدل على مدى وحجم الاستهانة الدائمة واليومية شبه الشاملة بحقيقة الافكار الكبرى في القرآن نفسه الداعية للعدل والمساواة والحق. كما نرى مختلف ظاهر الامتهان الدائم لقيمه الانسانية مثل الدعوة للتعارف والانفتاح على الاخرين، ولقيمه الاجتماعية مثل الدعوة للوحدة والالفة، ولقيمه الاخلاقية مثل عدم الاعتداء وحل الخلافات بالتي هي احسن وما شابه ذلك. كما نرى تطويعه اليومي والدائم بطريقة تجعل منه شريعة القتل الفردي والجماعي من خلال تقديس الارهاب والقمع لكل من يخالف "القرآن والسنة"، اي لتصوراتهم التي تجعل من ادراكهم الخاص للنصوص نصا مقدسا اضافيا. كما نرى ذلك في اشكال التفسير المتنوعة والمختلفة والتي تشترك في الوقت نفسه بجعل القرآن قراءة خاطئة لمعنى الحياة وقيمة الانسان ومستقبل المسلمين. واخيرا نراه في التأويل المفتعل الذي يجعل من القرآن سلطان المستبدين وقامع الحرية. هنا ينبغي البحث عن الاساءة الفعلية للقرآن وليس في رمي نسخة مطبوعة منه في مكان ما ايا كان هذا المكان. مع انه فعل لا مبرر له ويدل على سخافة وتفاهة من قام به مسلما كان ام غير مسلم، مؤمنا ام ملحدا. انطلاقا من ان احراق الكتب ورميها في المزابل دليل على ان من يقوم به هو جزء من مزبلة الرذيلة او نار الخطيئة
#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)
Maythem_Al-janabi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحجاب - غطاء لغنيمة الجهاد والاجتهاد الذكوري
-
العلاقة الشيعية الكردية – زواج متعة ام حساب العد والنقد
-
إشكالية الحزب والأيديولوجيا في العراق المعاصر
-
من جلالة الملك الى العم جلال
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق 4 من 4
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق -3 من 4
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق 2 من 4
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق - 1 من 4
-
فلسفة الثقافة البديلة والمثقفين في العراق
-
هل العراق بحاجة إلى قضية كردية؟
-
العمران الديمقراطي في العراق (4-4) فلسفة الثقافة البديلة
-
العمران الديمقراطي في العراق (3-4) المجتمع المدني ومهمات بنا
...
-
انتخاب الطالباني: مساومة تاريخية أم خيانة اجتماعية للقيادات
...
-
العمران الديمقراطي في العراق (2-4) الدولة الشرعية - البحث عن
...
-
العمران الديمقراطي في العراق (1-4) التوتاليتارية والدكتاتوري
...
-
الإصلاح والثورة في العراق – البحث عن توازن واقعي
-
الراديكالية العراقية - التيار الصدري وآفاقة المسدودة - الحلق
...
-
الراديكالية الشيعية المعاصرة وآفاق البدائل السياسية في العرا
...
-
الاعلام العربي وإشكالية الأمن والأمان والحرية والاستبداد في
...
-
الراديكالية والرؤية المأزومة في العراق – 2-4
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|