|
المقاومة عبر الابداع: قراءة فى رحيل المرافئ القديمة لغادة السمان
لمياء لطفى
الحوار المتمدن-العدد: 1201 - 2005 / 5 / 18 - 12:22
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
فى مراحل تفتح وعييى السياسى المبكر اعتقدت مثل كثيرون أن النضال السياسى هو الاشتراك فى الأحزاب السياسية المعلنة أو حتى الجماعات السرية المحظورة وارتبط هذا المعنى بما تقوم به هذه المجموعات من إصدار بيانات أو تنظيم مظاهرات وغيرها من أشكال النضال وفجأة يتسلل إلى صوت عزه بلبع يحمل أشعار نجم والحان إمام ليفتح القلب لوسائل أخرى للنضال السياسى ربما كانت أوسع انتشارا واكبر تأثيرا انه الإبداع الغناء والشعر والرواية والقصة والرقص كل أشكال الإبداع الفنى الذي يحمل رسالة محددة هي رفع الوعى من أجل تغيير حياة الناس للأفضل ومن عزة بلبع وإمام ونجم إلى غادة السمان وسلوى بكر أحلام مستغانمى،......... والعديد من الأسماء التي ملأت ليالى وتفتح معها امامى العديد من صور النضال وتعرفت معها على شعوب واناس شاركتهم آلامهم وأحلامهم وآمالهم فى مستقبل مشرق بعيدا عن تعقيدات كتب التاريخ وجفاف كلماته وانتقائية مؤرخيه، وقد تصدت العديد من الكاتبات النسويات لقضايا وطنهن ومجتمعهن وسعين عبر الكتابة إلى كشف زيف المجتمع وانتقائيته وأسباب هزائمه المتكرره، فالمتابع لكتابات غادة السمان، وأحلام مستغانمى، وهالة البدرى، وسلوى بكر، وسحر الموجى والعديد والعديد من الأسماء، سيجد أن قضايا الوطن تحتل بعدا كبيرا من ابداعهن والحقيقه لن تتحمل هذه الورقه تحليل كل هذه الاعمال سيتطلب الامر ساعتها رسالة دكتوراه لذلك سأسعى لتحليل عمل واحد لأديبه عربية هي غادة السمان وسأتناول مجموعتها القصصية رحيل المرافئ القديمه، وهى فى نظرى من أكثر الاعمال الادبية التي سعت إلى التغيير والتي ناضلت من خلالها الكاتبة من أجل تغيير وضع الوطن ووضع المرأة بل وضع كل المقهورين.
هزيمة الوطن ومبضع الأدب " منذ ثمانية أعوام .. منذ هجرنا دمشق عرفت الدنيا ولم أعرف الطمأنينة أو اليقين.. كنت أراها هكذا من قمة قاسيون، تماما كهذا المشهد، مضيئة وطيبة، وكان اليقين يملأنى بالمرافئ كلها، اليقين بالحب والرجل والوطن والمستقبل.. أى عذاب كانت الطبيعة تختزن لى.. أى عذاب" الدانوب الرمادى ص 25انه عذاب اكتشاف الحقيقه اكتشاف ان ما كنا نؤمن بصدقه هو محض كذب وما كنا نؤمن بقدسيته هو محض وهم "يا سيدى المحترم..حولت حنجرتى إلى مومس، وشاركت فى تحويل مؤسسات الاعلام فى بلادى إلى بيوتات للعهر.." الدانوب الرمادى ص 36هكذا تحدث البطلة حازم أحد أبطال قصتها المسئول الاعلامى الكبير والذى كان يكتب بنفسه نص بيانات الانتصارات الكاذبة والتى كانت تقرأها البطلة باعتبارها صحيحة- والذى جعلته تمثيلا للسلطة فى بلدها .. وتضع يدها على أسباب الهزيمة بمنتهى الواقعية " ولكننى لم أكن أدرى أن أشد الذبذبات الصوتية فتكا، هى تلك التى يكتبها موظفوا اذاعة مأجورون، واقرأها أنا وأمثالى من الحناجر الغبية" الدانوب الرمادىص9 "ثم صمت الجميع حين وقف كاتب مقال مهنته العلاقات العامة، يحاضر عن الهزيمة وعن حاجتنا إلى الالتصاق بالغرب ولعق حذاء امريكا"حريق ذلك الصيف ص 69 "لماذا التفكير فى بلادى مرادف للعمالة أنا أفكر، فأنا عميل؟!.." " الدانوب الرمادى ص12 " تجنبى مواضيع الجنس والدين والسياسة، والا كان مصير كل ما تبعثين به كمصير قصيدتك "المسترجلة " هذه، أى عدم النشر" " الدانوب الرمادىص21 "وذات يوم طلب منى العميد عطا ان اعد له معلومات حول الأمية فى البلاد العربية.. وبدأت أجمع المعلومات.. هالتنى الاحصاءات، والنسبة المرتفعة للأمية: 90%. وفى المساء حين ذهبت إلى جريدة الحزب لأكتب التهبت النار فى جرحى غير المندمل، اذ وعيت ان الناس الذين اريد ان اخاطبهم هم الذين يعجزون عن قراءة سطورى.." حريق ذلك الصيف ص74 إن الأسباب هى فساد البعض وجهل البعض والاتهامات الباطلة والجاهزة بالعمالة لكل من يجرؤ على التفكير وفرض تابوهات يجب عدم الخوض فيها على الجميع. هكذا لم تكتف غادة برصد ما يحدث للوطن من هزيمة ولكنها أخذت على عاتقها تحليل أسبابها. ومن هزيمة 67 إلى ثورة اليمن تنتقل غادة فى قصتها الساعتان والغراب تتحدث غادة عن ثورة اليمن ذاكرة الكثير من التفاصيل عن الثورة وتأخذ القارئ فى بانوراما سريعة لمدن اليمن وقراها وعذابات ابنائها فى ظل فقر خلفه الاستعمار "وفى الأسابيع القليلة التالية واجهت الحقيقة، الوجه المأساة، الوجه الشرس الذى يفرض كفاحا معادل الشراسة.. واجهت جحيم عدن بعد ان قرأت الكثير عن أساطير جناتها" الساعتان والغراب ص 132الا انها تحتفل بالناس بقوتهم واصرارهم فتقول على لسان فضل المناضل والقائد الثورى " أنت يا عايدة قادمة من بلاد مأساتها التخمة التكنولوجية والتخلف الانسانى.. هنا نواجه العكس، لدينا تخلف تكنولوجى ولكن انساننا ما يزال انسانا بالمعنى الأصيل للكلمة، لا بمعنى بشر المجتمعات الاستهلاكية.." الساعتان والغراب ص133 وتتناول غادة فى قصتيها جريمة شرف وأرملة الفرح انفصال الطبقة البرجوازية بقضية الفقراء بل واحيانا متاجرة هذه الطبقة بقوتهم وحريتهم.
ازدواجية المجتمع نسبح ليل نهار فى نهر من ازدواجية المعايير وبذكاء الأديبة تلتقط غادة هذه الاذدواجية وتتحدث فى مجموعتها بجرأة تعودناها منها عن جرائم الشرف تذكروا أننا نتحدث عن عام 1972 حتى نتأمل ذكاء هذه المرأة وانتباهها المبكر لقضايا مجتمعها "اذن بيروت تتحدث عن فضائحى! وانفجرت اضحك.. " شرف البنت" عندهم قبل "شرف الارض".. وهزيمة الوطن: الفضيحة الكبرى، يتخدرون عنها باختراع فضائح صغيره يتحدثون عنها بحسد.." الدانوب الرمادى ص22 الشرف تذكروا أن الكاتبة تفرد لهذا الموضوع قصة كاملة هى عذراء بيروت "انكم لا ترون فى العهر فظاعة الا حينما يتجسد فى جسد امراة، أما عهركم فى السياسة والأخلاق والممارسات كلها فانكم تمرون به دون أن يرف لكم جفن يا سيدى المحترم.."الدانوب الرمادى ص36 "يغلى دمكم لمرأى امرأة توسخ جسدها وذاتها كى تصير مثلكم وتنتمى اليكم، وتجنون امام جسدها المستباح، ولا تحسون بشئ أمام جسد الوطن المستباح.. وطنى غانية التاريخ.." الدانوب الرمادى ص37 انه التلهى عن قضايا ضخمة بقضايا صغيرة ولكن فى الثانية يمكننا الالقاء بدماء كبش فداء لتنتهى مسئوليتنا. وفى قصتها عذراء بيروت تتحدث عن فتاتين فقدا عذريتهما دون زواج ويصبح هناك طريقان تختار الأولى عدم التستر على ما فعلت فيعلم أهلها ويقتلونها وتختار الأخرى أن تلعب لعبة المجتمع بسلاحه وطريقته "أما بالنسبة إلى فهذا الثوب الأبيض ليس كفنى، انه ثوب الجلاد الذى يرتديه حين ينفذ حكم الاعدام فى شخص ما.. وانا سانفذ احكاما كثيره على طريقتى.. واذا كانت علياء استساغت دور الضحية فأنا أفضل دور الجلاد.. واذا كانت قد هربت قرفا، فها أنا اغطس بكليتى فى المستنقع وأقبل اللعبة ضمن شروطها القذرة، شروطهم، وأنتصر أيضا" عذراء بيروت 1973 ص160 وتموت الأولى وتفوز الثانية بعريس كهل غنى ورغم معرفة أمها قبل دقائق قليلة من الزفاف بما فعلته ابنتها وانها قامت بعملية ترقيع لغشاء بكارتها الا انها تتغاضى عن فعلتها طالما لن يعرف المجتمع وطالما أصبحت ابنتها زوجة لرجل غنى وتعد الفتاة العده لبدء حياة جنسية حرة بعد الزواج و تعرف أمها أيضا وتتغاضى أيضا انها مقاييس المجتمع وتدعو غادة إلى تغيير نظرة المجتمع لمفهوم الشرف فتقول على لسان لين احدى بطلات قصتها "أعتقد أن الرجل العربى سيتزوج من الآن فصاعدا على يدى كاهن وطبيب خبير يفحص له طالبضاعة"!.. ولكن يوم يتقن الطب اجراء هذه العملية، وهو يوم قريب جدا، سيكون على الرجل العربى أن يعيد النظر فى مقاييسه الاخلاقية كلها التى يقيم بها المرأة "الشريفة" وغير "الشريفة".. ص158 انها مجموعة قصصية خرجت للنور سنة 1973 ولكن القضايا التى تناولتها لازالت متجدده لذلك ادعو إلى اعادة قراءتها لأنه نضال بالكلمة سيعيش طويلا لأنه بات فى حضن الابدع
#لمياء_لطفى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قتل النساء فى ظل غياب القوانين
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|