أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبدالخالق حسين - مخاطر الحرية المنفلتة















المزيد.....

مخاطر الحرية المنفلتة


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1201 - 2005 / 5 / 18 - 12:19
المحور: الصحافة والاعلام
    


الحرية المطلقة لا يعرفها إلا الحيوان في الغابة. ولذلك هناك ما يسمى بشريعة الغاب حيث تكون الحيوانات الضعيفة عرضة للافتراس من قبل الحيوانات القوية. ولهذا ناضل الفلاسفة في عصر الأنوار والنهضة من أجل وضع قوانين متقدمة تنظم حياة البشر في المجتمعات المتحضرة. وهذه القوانين هي نوع من العقد الاجتماعي بين الحاكمين والمحكومين لضمان السلام الاجتماعي. لذا ففي المجتمعات البشرية، تتناسب الحرية طردياً مع ثقافة المجتمع وتطوره الحضاري ومدى شعور الأفراد والجماعات بالمسؤولية. فكلما كان الشعب متخلفاً تقلصت مساحة الحرية المتاحة له. وبالعكس، كلما تطور المجتمع في السلم الحضاري، كلما توسعت رقعة الحرية ومعها بدرك معظم أفراد المجتمع مسؤوليتهم إزاء المجتمع وإزاء بعضهم البعض. ومن هنا نعرف أن الحرية والمسؤولية وجهان لعملة واحدة، أي لا حرية بدون الشعور بالمسؤولية واحترام حرية الآخرين.
هذه المقدمة أسوقها وأنا أتأمل حرية النشر والتعبير المنفلتة في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية الديمقراطية، حيث بلغت حداً ربما تتناسب ما بلغت إليه شعوب هذه الدول من تطور، فعندما تقرأ خبراً مثيراً وفظيعاً تنظر جماهير هذه البلدان إليها بروية، دون أن تهتز أو تقدم على تدمير ذاتها ومهما كان الخبر كاذباً أم صحيحاً. ولكن شعوبنا الشرقية وبالأخص الإسلامية منها، مازالت تعيش في سن المراهقة الحضارية، محرومة من الحرية ولا تعرف كيف تمارسها كنتيجة لتخلفها في السلم الحضاري، فما أن تقرأ خبراً مثيراً حتى تطلق العنان لعواطفها ومشاعرها المنفلتة وتنزل إلى الشوارع صارخة بالويل والثبور وعظائم الأمور وتكون النتيجة وبالاً عليها.
قبل أيام نشرت مجلة نيوزويك الأمريكية تقريراً، مشكوك بصحته منذ البداية، "حول إلقاء المصحف الشريف في المرحاض وفتح الماء عليه من قبل محققين أمريكيين في معتقل غوانتانامو." لا شك أن هذا الخبر مثير وجارح لمشاعر أكثر من مليار مسلم في العالم إن حصل التدنيس فعلاً. ولكن قبل التأكد من صحة التقرير خرجت في أفغانستان مظاهرات صاخبة غاضبة مثيرة للشغب، أدت إلى صدامات مسلحة مع قوات الشرطة أودت بحياة 16 شخص. كما حصلت ردود أفعال أقل عنفاً في مناطق أخرى من العالم مثل الباكستان والأردن. لقد استغلت القوى المعادية لأمريكا وخاصة الأحزاب الإسلامية الأصولية، هذا التقرير، فحركت الجماهير المسلمة في شتى أنحاء العالم وشنت حملة ضد أمريكا وحربها على الإرهاب ومشروعها لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط.
وبعد كل هذه الاضطرابات والخسائر في الأرواح التي سببتها مجلة النيوزويك الأمريكية، تراجعت الصحيفة بشكل كامل عن تقريرها السابق وقالت إن تحقيقا أجراه الجيش الأمريكي لم يتوصل لنتائج تؤكد ما جاء في التقرير، واعتذرت عن نشره.
والسؤال هو لماذا تقدم صحيفة مشهورة ذات انتشار واسع في العالم مثل مجلة "النيوزويك" لتلفيق هكذا خبر مثير وبشكل استفزازي؟ ألا يدرك المسؤولون في المجلة المخاطر الجسيمة الناتجة عن نشر مثل هذا الكذب وتأثيره المدمر على الشعوب الإسلامية ناهيك عما يحققه الإرهاب من فائدة؟ هناك عدة أسباب وراء هذا التقرير الكاذب، منها، عامل الإثارة بغية زيادة مبيعات الصحيفة، ولكن الأهم هو أن أمريكا، كغيرها من الدول الديمقراطية الغربية، هي دولة مؤسسات وقوى سياسية متنافسة على النفوذ والكسب السياسي والمادي. وقد تلجأ هذه القوى المتصارعة إلى أساليب غير شريفة من الكذب والافتراء من أجل تحطيم الخصم. وإلا فما فائدة الإدارة الأمريكية من قيام بعض جنودها بأعمال لا إنسانية ضد عدد من سجناء أبي غريب في العام الماضي ونشر الصور المقززة في وسائل الإعلام العالمي على أوسع نطاق؟ أعتقد جازماً أن هذه الأعمال في سجن أبي غريب ونشر التقرير الكاذب عن تدنيس القرآن الكريم في معتقل غوانتيناموا، هي جزء من الصراع بين القوى المتنافسة في أمريكا ذاتها والتي تعمل ضد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، حتى ولو صبت هذه الأعمال في خدمة الإرهابيين وإلحاق أشد الأضرار بالشعوب الغربية ذاتها. فالمتصارعون على النفوذ والكسب السياسي مصابون بقصر نظر لا يبالون بمغبة أعمالهم والمخاطر الناجمة عنها والتي يجلبونها على شعوبهم والشعوب الأخرى وبالأخص الشعوب الإسلامية.
فمن السهولة جداً تحريك الجماهير في المجتمعات الإسلامية ضد مصالحها وتطورها كجزء من المنافسة الشرسة بين القوى السياسية المتصارعة. ففي عهد ثورة 14 تموز العراقية عام 1958 وما أعقبها من صراع عنيف بين الشيوعيين من جهة والقوميين والبعثيين والإسلاميين من جهة أخرى، أدعى البعثيون أن الشيوعيين مزقوا القرآن الكريم في إحدى مظاهراتهم. بطبيعة الحال كان الخبر كاذباً ولا أساس له من الصحة، إذ ما فائدة الشيوعيين من تمزيق القرآن؟ وقد ناقش هذه التهمة وفندها بشكل مقنع، الأستاذ حسن العلوي في أحد كتبه وهو بعثي سابق وكان من ألد أعداء الشيوعيين في تلك الفترة. لكن الفرية أدت مفعولها في وقتها في تشويه سمعة الشيوعيين وإدخال عدد منهم في السجون.
وذات الفرية تتكرر اليوم من قبل الإسلامي الأصولي المتطرف، الشيخ راشد الغنوشي على المفكر العفيف الأخضر متهماً إياه بأنه هو مؤلف كتاب (المجهول في حياة الرسول) لتحريض السلفيين الإرهابيين على قتله. إن الغنوشي أساء إلى الحرية التي وفرتها له بريطانيا "الكافرة" التي آمنته من خوف وأطعمته من جوع، فيستغل هذه الحرية لممارسة التحريض على قتل المفكرين. وهذا يكشف لنا مدى المخاطر التي تهدد حياة المفكرين الأحرار من أنصار الديمقراطية والعلمانية والليبرالية في البلدان العربية خاصة والإسلامية عامة.
إن المسؤولين في مجلة "نيوزويك" ليسوا سذجاً إلى هذا الحد عندما نشروا التقرير الكاذب عن تدنيس المصحف الشريف في معتقل غوانتينامو، بل لهم أغراض سيئة وبعيدة المدى أهمها خلق المشاكل أمام إدارة الرئيس بوش وهي تخوض حرباً ضروس ضد قوى الإرهاب الإسلامي العالمي الشرس. يقال أن الديمقراطية لها أسنان من حديد. فهل من الإنصاف السماح للمفترين بنشر الأكاذيب وتعريض حياة الشعوب إلى الخطر بحجة حرية النشر؟ أم هناك ضوابط توقف المسيء عند حده لتحفظ أمن الشعوب وحياة المفكرين الأحرار من المسيئين للحرية؟



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاكر الدجيلي ضحية القرصنة السورية
- الفتنة أشد من القتل... تضامناً مع العفيف الأخضر
- تحليل نتائج الانتخابات البريطانية الأخيرة
- حكومة الوحدة الوطنية وإشكالية المحاصصة
- فوز بلير التاريخي انتصار للديمقراطية
- المحاصصة شر لا بد منه!!
- حملة الانتخابات البريطانية والقضية العراقية
- محنة العراق وبن سبأ الإيراني
- فتنة المدائن صناعة بعثية
- هل البعث قابل للتأهيل؟؟؟
- ملاحظات سريعة في ذكرى سقوط الفاشية
- مغزى عولمة تشييع البابا يوحنا بولس الثاني
- علاقة سلوك البشر بالحيوان في الرد على بن سبعان
- لماذا الأردن أخطر من سوريا على العراق؟
- تحية للمرأة في يومها الأغر
- سوريا والإرهاب
- أعداء العراق في مأزق
- اختيار الطالباني رئيساً ضرورة وطنية
- من وراء اغتيال الحريري؟
- بريماكوف الأكثر عروبة من العربان!!


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبدالخالق حسين - مخاطر الحرية المنفلتة