|
من رفع القران الى ترشيح جمال مبارک: کلمة حق يراد بها باطل
نزار جاف
الحوار المتمدن-العدد: 1201 - 2005 / 5 / 18 - 05:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
موجة الحمية الاسلامية التي إعترت العالم الاسلامي على خلفية ماورد من أنباء عن تدنيس المصحف الشريف في غوانتانامو، رافقته إشارات قوية من القاهرة عن نية الرئيس المصري حسني مبارک لترشيح إبنه جمال لمنصب الرئاسة. هذان الحدثان وإن إختلفا في شکليهما إلا إنهما يتشابهان و يلتقيان في مضمونيهما، إذ أن کلاهما يسيران في درب واحد و صوب هدف واحد وهو تکريس ماهو سائد تحت أي شعار و بأي ثمن. أن المشکلة لاتکمن في التعامل المخل للأمريکان مع القران الکريم، بقدر مايکمن في التعامل الخاطئ للنظام العربي الرسمي"بقنواته الاعلامية أيضا" مع جوهر و ماهية الحدث ذاته. وکما أقام الاعلام العربي الدنيا و لم يقعدها على فضيحة سجن أبو غريب، هاهو أيضا يثير زوبعة هوجاء حول موضوع تدنيس القران الکريم في معتقل غوانتانامو. ولکنني أتسائل، ياترى لو لم تنقل قنوات إعلامية أمريکية بحد ذاتها تلک المسألتين، فهل کان بمقدور الاعلام العربي أن يصل إليهما و حدث الذي يحدث الان؟ إن الموقف بحاجة لشئ من المراجعة العقلية على ضوء المنطق، إذ أن کل الذي کانت تثيره أجهزة الاعلام العربية"وحتى اليسارية المعادية لأمريکا"، حول تبعية الاعلام الامريکي و عدم مصداقيته في نقل الحدث، هاهو الاعلام العربي بکل ماأوتي من قوة و نشاط يعتاش على الاخبار المتسربة من قبل قنوات أمريکية 100%. إنهم يتحدثون عن ممارسات محددة قد تمت في وقت معين بغوانتانامو وإنتهت، لکنهم لايتحدثون عن فظائع جرت و لاتزال تجري في غياهب السجون و المعتقلات في أغلب البلدان الاسلامية! إنهم إذا کانوا يتصورون جلادي التعذيب النفسي و الجسدي في تلک السجون من صنف أفضل من الذي يوجد في غوانتانامو، فلبأس التصور. لقد تسنى لي الالتقاء مع الکثيرين من الذين کانوا معتقلين في سجون النظام البائد في العراق"ومن ضمنهم أخي" فتحدث الجميع عن فظائع و أهوال يندى لها الجبين الانساني، ومن ضمن الذي تحدثوا عنه، کان تمزيق المصحف الشريف ذاته ودوسه بالاحذية أمام أعين المنتمين لجماعات إسلامية. ناهيک عن الذي کانوا يفعلونه بأخوات و بنات و أمهات و زوجات المعتقلين أمام أعينهم لإنتزاع الاعترافات، والشرع الاسلامي يؤکد على حرمة الکرامة الانسانية و يمنحها الاولوية على کل شئ آخر. وهذه الحقيقة کانت معروفة لدى الکثيرين و أغلب الظن أن کل العراقيين کانوا يعلمون علم اليقين ميکافيلية النظام البعثي في تعامله مع کل المعطيات الذاتية و الموضوعية من أجل ضمان ديمومة بقاءه. ولست أرى جلادي النظام البعثي البائد في العراق کانوا زمرا من الاوباش و شذاذي الآفاق في حين أدع خيالي سارحا ليصور لي جلادي الانظمة الدکتاتورية الاخرى" أو على أقل تقدير النسخة السورية من البعث العراقي" بأنهم مجموعة ملائکة ترفق بالمعتقلين و ترشدهم الى سواء السبيل! وأعود الى بداية حديثي الذي ربطت فيه بين موضوع تدنيس القران الکريم في غوانتانامو و موضوع ترشيح السيد جمال مبارک لمنصب الرئاسة في مصر، إذ مما لاشک فيه أن موضوعا کالذي حدث في غوانتانامو هو بمثابة إحدى أطواق النجاة للعديد من الانظمة المستبدة و ترى فيه فرصة سانحة للخلاص بجلدها من المسلخ الذي يعد?ه الامريکان لها عبر مشروع الشرق الاوسط الکبير. ومما لاشک فيه أن الجمل الذي يحمل بضاعة معينة بإستطاعته أن ينقل بضاعات اخرى! وهذا بالضبط مافعل? الرئيس حسني مبارک في حديثه مع صحيفة" السياسة" الکويتية حين إتهم حرکة"کفاية"بأنها تعمل لمصلحة جهات خارجية(وهو تلميح واضح الى الولايات االمتحدة الامريکية". السيد مبارک يدري يقينا و قبل غيره أن حرکة "کفاية" رد فعل منطقي لإخفاق و فشل السياسة التي ينتهجها منذ24 عاما في مصر، وهو تعبير عن حالة من الاستياء الجماهيري من الحالة البيروقراطية السائدة في ظل نظام لازال يستظل بالقوانين الطارئة. والحق أن رفع المصحف الشريف في معظم مظاهرات التنديد بالذي جرى في غوانتانامو، يدعوني لتذکر حادث آخر و في زمن آخر، أيام حدوث الانتفاضة الشعبانية في العراق، والذي حمل خلاله المنتفضون صور آية الله الخميني في کل مکان. رفع تلک الصور کان کافيا لمنح تأشيرة بقاء اخرى للنظام الدکتاتوري ببغداد، وهو جاء کشهادة سوء إدارة رفعت بوجه القوى الاسلامية الشيعية العراقية التي إستبقت الواقع و لم تستقرأ بواطن الامور. ونفس الامر يتکرر الان برفع المصاحف الشريفة في الکثير من المظاهرات المنددة بالفعل الامريکي في غوانتانامو، والذي في باطنه دعوة صريحة للإبقاء على الکثير من الانظمة التي"إنقطعت بها السبل"، ويقينا أن دمشق جذلة من الذي يجري وقد تکون طرفا من تلک الاطراف التي تطبل و تزمر للمأزق الامريکي في غوانتانامو. ولکن تقليد رفع المصاحف الذي بدأ في حروب الامام علي مع معاوية أبن أبي سفيان، وکان المبادر الاول الى إعادة الحياة إليه جماعة الاخوان في مصر، هو تقليد قد لا يکون موفقا في الوصول الى الاهداف الاستراتيجية، وإذا ماتتبعنا التأريخ السياسي للاخوان في مصر، فإننا سوف نجد أمامنا حالة من عدم الاهلية لتبني و قيادة الازمة. وفي هذا الخضم بادر الرئيس مبارک ليلعب في وقت قد يکون ثمينا بالنسبة لعمر نظامه السياسي. وحقيقة أن الرئيس المصري کان ذکيا حين إستغل فرصة المأزق الامريکي في غوانتانامو ليضيف ثقلا آخرا على القدم الامريکية الغارقة في الوحل الاسلامي، لکن هذا الذکاء لم يکن متوقدا مافيه الکفاية ليدري أن الثمن الذي دفعه الامريکان في "أبو غريب" سوف لن يکون مغايرا للذي سوف يدفعونه في غوانتانامو. وبعدها سوف يکون التفرغ "لفتح الحسابات" مع کل الأطراف التي طبلت و زمرت لقضية يرسم ظاهرها شکل الحق فيما لا يدل باطنها على شئ غير الباطل!
#نزار_جاف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة و الجنس..حکاية الورقة و التوت
-
ترکيا و إعادة محاکمة اوجلان: خيارين لا ثالث لهما
-
الاسلام السياسي و الارهاب:الدوافع و المبررات
-
الرفسنجاني مجددا..فشل البدائل أم اللاخيار؟
-
ولاية الفقيه..وجه آخر للإستبداد
-
الکورد و الاستفتاء في الصحراء الغربية
-
المرأة و الدين ...الخطيئة و الکمال
-
الکورد و التيار الصدري..نقيضان وإن إجتمعا
-
قسم البشير بين التنفيذ و إعادة التأويل
-
أشبعناه سبا و فاز بالابل
-
کرکوک.. لاتتعطل فيها لغة الکلام
-
النظام العربي الرسمي و سراب الاصلاح الذاتي
-
المرأة و التکنلوجيا..صراع الحديد و الاحاسيس
-
أوقفوا العنف النفسي ضد المرأة
-
إشکالية الحرية والانظمة الفکرية ـ الاجتماعية في المنطقة
-
الانثى و الحضارة
-
الکورد..إنفصاليون أم يطلبون حقوق مشروعة؟
-
الحکم السوري : تعددت الاسباب والموت واحد
-
الکورد بين التأريخ و العرق و الدين
-
ترکيا و الهم الکوردي : قواعد اللعبة قد تکتمل بإستثناءاتها
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|