صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 4197 - 2013 / 8 / 27 - 21:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فتاوى محاربة الشيوعية لن تجديكم نفعاً ايها السادة ، فاتعظوا من التاريخ إن كنتم تفقهون
فتوى جديدة في إعلانها قديمة في محتواها أطلقها ، أو في الحقيقة جددها، السيد مرتضى القزويني . ولو كان السيد قد نطق بما ينفع الناس لباركنا له قوله ، خاصة وهو يحسب نفسه من أولئك الذين افاض الله عليهم بنعمة تقديم المشورة لمن يحتاجها والنصح لمن يرجوه بغية لم الشمل الوطني في هذه الظروف العصيبة التي يمر به وطننا ، وأقول وطننا ، إذ ربما يعني هذا الوطن لديه شيئاً . السيد القزويني لم يتعظ بتجربة من سبقوه من الملالي والأئمة والمراجع والعلماء ، لا بالعراق فقط ، بل وفي جميع المجتمعات الإسلامية التي دعاها هؤلاء إلى الإقتتال فيما بينها حينما طلبوا منها التصدي لجزء من هذه المجتمعات لا لشيئ إلا لأن هذا الجزء يحمل فكراً سياسياً غير الفكر الذي يتبناه هؤلاء السادة . الدعوة إلى ألإقتتال أو القطيعة هي نوع من الفتنة الإجتماعية التي يعتبرها الدين الذي يدعي هؤلاء الإنتماء إليه أشد من القتل. هل يأستم أيها السادة ، أعداء الشيوعية الجدد من إمكانيات الجدل السياسي العلمي والنقاش المبدئي الواعي الملتزم بإحترام الرأي الآخر والتعامل معه من منطلق مقارعة الحجة بالحجة ضمن الضوابط الأخلاقية والقيم الإجتماعية والقوانين المرعية التي لا تشرع للعنف ولا ترسخ قمع الآخر المنافس سياسيآ والمختلف فكريآ ؟؟ ظواهر ألإختلاف بالرأي لابد منها في أي مجتمع يسعى للسير ضمن الركب العالمي المتحررلضمان عيش أفضل وحياة أسعد لكل مواطن يتعامل مع هذا المجتمع على أساس ضوابط العقد ألإجتماعي الذي تشكل الظواهر أعلاه قاعدته العريضة التي يتحرك عليها الجميع .
أما اللجوء إلى القمع والعنف وتوظيف السلاح قبل الفكر والإرهاب والتهديد والوعيد بالإقصاء والمقاطعة والإفناء لمنازلة الخصم السياسي والتحايل أو ألألتفاف على مبادئ العمل الديمقراطي الذي تستغل لتكريس اللاديمقراطية ونشر وتعميق الفردية التي ستساهم بفتح الطريق أمام الديكتاتورية القمعية , فتلك أمور لا يمكنها أن تنسجم مع التطور الإجتماعي والإقتصادي والثقافي والسياسي لمجتمع القرن الحادي والعشرين . ولا تنسجم أيضاً ، ايها السادة ، مع ما تطرحونه انتم انفسكم على الجماهير حول التغني بالديمقراطية ومناصرتكم لها وعملكم على تحقيقها في العراق الجديد ، فهل كلامكم هذا عن قناعة حقة ..أو أنه كذب على هذه الجماهير التي تدعونها اليوم إلى أن يقاطع الصديق صديقه والأخ أخاه والواالد ولده ، ثم تضعون عقاب الله بديلاً لمن لا يلتزم بذلك....من أعطاكم هذا الحق ، مولانا القزويني ، لكي توزعوا عقاب الله حسب اهوائكم...؟ وهل ان هذا التحريض على الفتنة الإجتماعية من واجب رجل الدين حقاً ...؟؟ وهل انكم تعملون ببعض الكتاب ونتسون البعض الآخر حينما نص القرآن الكريم على حرية الإيمان والكفر . فقد جاء في تفسير الطبري للآية 29 من سورة الكهف { فَمَنْ شاءَ فَلْـيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْـيَكْفُرْ } يقول: من شاء الله له الإيـمان آمن، ومن شاء الله له الكفر كفر، وهو قوله: { وَما تَشاءُونَ إلاَّ أنْ يَشاءَ اللّهُ رَبْ العَالَـمِينَ }
كما ان القرآن الكريم لم يكره الناس على الدين حينما قال " لا إكراه في الدين". الآية 256 من سورة البقرة .
لا نريد ، مولانا السيد ، أن نرسم لكم في هذه العجالة بعض معطيات التاريخ البشري ، ولا نريد أن نذهب بكم بعيداً إلى أغوار هذا التاريخ ، ولكننا نقول لو تفضلتم وتعمقتم بدراسة وتحليل الفكرألإنساني الذي تبلوركواقع ملموس بعد الحرب العالمية ألأولى على الأقل ، لوجدتم أن هناك ظاهرة مشتركة جمعت بين ألأضداد على إختلاف مشاربهم الفكرية ومناهلهم الفلسفية وعقائدهم الدينية ومواقعهم الجغرافية . وقد يعجب المرء أشد العجب أحيانآ حينما يرى ظاهرة إجتماع ألأضداد هذه تكاد تكون متشابهة إلى حد بعيد بأساليبها رغم إبتعاد منفذي هذه ألأساليب وربما عدم معرفتهم ببعضهم البعض أيضآ. ألظاهرة العجيبة الشبه هذه في كل زمان ومكان هي ظاهرة العداء للشيوعية كنظام إقتصادي إجتماعي ومنطلقاتها الفلسفية ذات الطابع ألإرشادي العام . لم يختلف جوهر الفكر المعادي للشيوعية لدى النازية عن مثيله الفاشي أو عن الجوهر الميكافيلي وما يماثله لدى البعثفاشية بالعراق أو لدى التوجه المتخلف عن ألركب الإجتماعي الحضاري العالمي المتلبس بالدين كنظام الطالبان ألإرهابي الوهابي . إن ألأسس التي إنطلق منها هذا الفكر هي نفسها سواءً أكان ذلك في ألمانيا أو إيطاليا أو شيلي أو العراق او إيران أو أفغانستان او السعودية . ولم يقتصر هذا الفكر وأسسه التي إستند عليها على جيل بذاته أو طبقة بعينها , بل أن التواصل بالعمل ضمن هذه الوتيرة بذات الوصفات الجاهزة لكل قطر والمناسبة لكل عمروالملائمة لكل بيئة , طالما أن ألأمر يتعلق بالعداء للشيوعية ومحاربتها كفكر وكمبدأ وكفلسفة إجتماية، أعطت للتوجه المعادي للشيوعية زخمآ لم يتوان المنخرطون فيه عن التفاخربهذا الفكر غير آبهين بمصدره الذي لم يروا فيه صفة ألإستيراد تلك التي طالما لصقوها بالفكر الشيوعي .
لو أن أحفاد هتلر وموسوليني وبينوشت وملا عمرونوري السعيد وصدام الذين يريدون اليوم مواصلة رفع رايات العداء للشيوعية بالعراق هم جهلاء وبسطاء فقط , لهان ألأمر ولتدبرنا أمرهم بالتعليم والتثقيف وتكرار التعليم والتثقيف حتى يعوا من أمرهم شيئآ . إلا أنهم جهلاء ويدعون العِلم أيضآ أولئك الذين يخططون وينفذون حملة العداء للشيوعية التي ظهرت بوادرها هنا وهناك خاصة بين أوساط أُولي ألأمر الداخلي العراقي من بعض مريدي الإسلام السياسي. وكذلك بين أوساط القابعين وراء الكواليس ممن يوفرون الدعم المادي والغطاء الشرعي الذي تعودنا على سماعه بمختلف لغات العالم وفي حقب تاريخية مختلفة لشراء بعض المنفذين الذين لا يستعصي الحصول عليهم اليوم مقابل قليل من المال تحت هذه الظروف ألإقتصادية التي يمر بها الوطن المثخن الجراح . المخططون للبدء بنشر هذا الفكر الأهوج ، فكر محاربة الشيوعية ، الذي أثبت التاريخ سقوطه وفشله وعدم جدواه وشمولية إجراءاته القمعية التي تبدأ بالشيوعيين لتنتهي بكل ما يمس حرية ألإنسان , جهلاء حقآ ليس في مفصل واحد من مفاصل حياتهم التي لا يعون كنهها أصلآ في عالم القرن الواحد والعشرين ، الذي سوف لن يعيقه تخلف بعض العقول عن كنس هذه الأفكار وإزاحتها عن طريق البشرية التي لا مجال فيها بعد ألآن لتنابلة الفكر وعديمي القابلية على الحركة والسير نحو التاريخ البشري الذي سيكتسح كل من يقف أمام عجلته .
إنهم جهلاء سياسيآ لأن عقولهم لا ترقى إلى فهم الحقائق المرتبطة بتاريخ النضال السياسي العراقي وموقع الحزب الشيوعي العراقي المتصدر في هذا النضال دومآ. ليس هناك أية حقبة سياسية في تاريخ العراق السياسي الحديث منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى يومنا هذا, طالت هذه الحقبة أم قصرت , لم تتسم بنضال الشيوعيين العراقيين وبعطاء الشيوعيون فيها الضحايا على ساحة النضال الوطني العراقي الذي يعترف به أعداء هذا الحزب قبل أصدقاءه . إن جهل هؤلاء أو تجاهلهم لهذه الملاحم البطولية من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي إنما هو جهل مطبق بتاريخ العراق الحديث, فكيف يسولون لأنفسهم ألإنتماء إلى تربة هذا الوطن وهم يجهلون مفاصل تاريخه الحديث ولا يعلمون كم من الدماء الزكية التي سالت دفاعآ عن عزة وكرامة هذه ألأرض الطيبة , شكلت دماء الشيوعيين العراقيين وتضحياتهم قسمآ كبيرآ منها , فارتبط وجودهم بوجود العراق وتاريخهم بتاريخه . إن العودة إلى ممارسة سياسة ألأجداد القدامى ضد الحزب الشيوعي العراقي هو إعتداء على التاريخ النضالي للوطن العراقي برمته. إلا أن هؤلاء الجهلاء في واد والوطن في واد آخر .
إنهم جهلاء إجتماعيآ ايضاً لأنهم لا يرون ولا يريدون أن يروا ما لهذا الحزب وتاريخه النضالي الحافل من مكانة في قلوب الجماهير وبين طبقات المجتمع المسحوقة التي نذر الحزب الشيوعي العراقي نفسه لخدمتها والدفاع عن مصالحها وعكس إرادتها على سوح النضال المتعددة . لقد مرت فترات إضطهاد وجور ودكتاتورية بغيضة على الشعب العراقي كان فيها الشك ,مجرد الشك, بالتعاطف مع الحزب الشيوعي العراقي , وليس ألإنتماء للحزب , يوقع بصاحبه في غياهب السجون تصل إلى فقد الحياة أحيانآ , ناهيك عن النفي والإبعاد والتشريد وحتى ألحكم بالإعدام وملاحقة العائلة برمتها. فهل لمثل هؤلاء من المخططين والممولين والمنفذين لعودة حليمة إلى عادتها القديمة بتوجيه النار إلى مَن لا يتبادر إلى ذهن أي عراقي مهما كان بسيطآ , أللهم إلا مَن فقد البصر والبصيرة , أن يشك مجرد الشك بإخلاصهم المتناهي للوطن وليس لغير الوطن , هل يمتلك هؤلاء ألجهلاء أية معلومات عن مدى إلتصاق أفكار هذا الحزب بالجماهير الكادحة المسحوقة وعمق النضال الذي يخوضه في سبيلها...؟ إلا أن هؤلاء اليوم في واد والجماهير الكادحة المسحوقة في واد آخر بعد أن إمتلأت جيوبهم قبل بطونهم بما يجب ان يكون من نصيب هذه الجماهير اولاً وليس من نصيبهم هم. إن مخططاتكم التي تتدارسونها ألآن لوصل ما إنقطع من ألإرهاب البعثفاشي ضد الشيوعيين ومن ثم ضد كل القوى التقدمية المخلصة للوطن , سوف توصلكم إلى نفس النهاية التي آل إليها من سبقوكم في هذه الجرائم , فهلا تتعظون بمن سبقوكم ...؟
إنهم جهلاء فكريآ لأنهم لا يملكون الحجة التي يمكنهم أن يقارعوا بها مَن يخالفهم سياسيآ . إنهم لا يملكون المنطق الذي يستطيعون به إيصال أفكارهم , إن كانت عندهم أفكار حقآ , للجماهيرالتي بدأوا يشعرون بلفظها لهم رغم ما ينشروه من شعارات براقة , يؤول بريقها إلى الزوال والإختفاء يومآ بعد يوم . إنهم لا يعون شيئآ من المسميات والمصطلحات التي يتداولها أهل الفكر والعلم حينما يتعلق ألأمر بهذه المشكلة الوطنية أو تلك وبهذا المشروع السياسي ألإجتماعي أو ذاك . لذلك فإنهم لا يجدون في مستودعات أفكارهم المظلمة سوى أطروحات العنف وإستعمال القوة التي يؤمنون بها , كوسيلتهم الوحيدة التي يمتلكونها , لإيصالهم إلى التحكم برقاب الناس وتقرير طبيعة حياتهم حسب ما يرونه هم وليس حسب ما يراه ألإنسان السوي وما يدعو له أهل العلم والمعرفة . إلا أن هؤلاء في واد وأهل العلم والمعرفة في واد آخر .
لا نريد أن نستطرد لإثبات جهل هؤلاء وتخلفهم الفكري الذي لا يصعب على الطفل إثباته . إلا أننا نريد أن نقول لهم كلمة واحدة , ربما لا يفهمونها أيضآ , ولكننا نقولها مع ذلك للتاريخ . لقد تكالبت قوى عاتية , ولعشرات من السنين دون ملل أو هوادة , تفوقكم عدة وعتادآ بآلاف المرات, على الحزب الشيوعي العراقي محاولة النيل منه ومن نضاله الوطني وتاريخه المعمد بدماء شهداءه وتضحيات مناضليه , فماذا جنت هذه القوى الآثمة الشريرة....؟ إنها لم تجن غير الذل والهوان ولم تحصد غير ألإنحطاط وولوج دروب الخيانة والرذيلة ولم تجد مهربآ لها من غضب الجماهير ولعنة التاريخ ألأبدية التي آلت بها إلى جحور الفئران وإنتهت بها إلى القتل العشوائي لإهلنا في الوطن , وظل الحزب الشيوعي العراقي رافع الهامة ماشيآ على درب العراق , يستعيد عافيته كل مرة من سلسبيل دجلة والفرات ومن نسيم زاخو والفاو ومن بذل وعطاء كل المخلصين للعراق أولآ وللعراق أخيرآ وليس لغير العراق . فهل أنتم بذلك معتبرون أيها ألجهلاء . ما أكثر العِبَر وما أقل ألإعتبار . أما العبرة ألأخيرة التي تتعامون عنها دوماً فإنها تتعلق بسلوك الشيوعيين الذين جربتموهم حينما إشتركوا في بعض المؤسسات الهامة في الدولة العراقية الجديدة مع مَن يدعون التدين من المحوقلين المسبحين وربما بعضهم من اصدقاءكم ايضاً ، مولانا القزويني، فماذا كانت النتيجة التي لا تريدون التطرق إليها لأن العداء للشيوعية قد افقدكم ، سيدي الكريم ،الكيل بمكيال الصدق والحق . النتيجة هي ان خرج الشيوعيون بعد خدمة طويلة في هذه المؤسسات بأيادي بيضاء ناصعة البياض ولم تُسجل اية مثلبة على اي منهم ، بل بالعكس فإنهم إكتسبوا الشكر والتقدير لإخلاصهم في العمل من اجل الشعب والوطن فقط ، في الوقت الذي كان يجب ان تطبق القصاص فيه ، مولانا الفاضل ، على بعض مَن يدعون إنتماءهم إلى الدين إلا انهم يسرقون وينهبون ويزورون ويقتلون ويضطهدون ويقترفون الجرائم التي لا صلة بها بكل تعاليم الدين الذي يتبجحون دوماً بالإنتماء إليه ، أليس هؤلاء من المنافقين؟ فأين انت منهم سيدي الفاضل ؟
التاريخ لا يرحم ، ومن يزرع الفتنة اليوم بين اهل الوطن الواحد، مهما لبست هذه الفتنة من ثوب براق ، فسوف لن يحصد غداً سوى لعنة هذا التاريخ.
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟