|
علاقاتٌ تاريخيةٌ بين الانتاجِ والسكان
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4197 - 2013 / 8 / 27 - 08:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كانت العلاقة فريدة استثنائية بين العرب والدين. الحياة الصحراوية لعبت دوراً كبيراً في تشتت العرب، وجاء تقاربهم بعد قرون من العيش فيها. وعبرت اللغاتُ العربية عن ذلك التنامي التوحيدي المعيشي الاقتصادي الديني المتصاعد. وذروة التوحد اللغوي كانت في اللهجة القرشية كما كانت ذروة التوحد في الإسلام المكي. كانت القواعد السكانية العربية قد اتسمت بروح الغزو والإغارة وتعدد الزوجات والثأر وعقاب الجرائم الجسدي، وكان هذا جزءًا من الحياة الرعوية الطويلة، وهي سماتٌ دخلتْ في الدين، مثلما كانت جزءًا من حياة الرعاة في المنطقة الشاسعة بين الصين وأفريقيا، ولهذا كان تمدد العرب في هذا الإقليم الصحراوي الشاسع حيث قرناؤهم من الرعاة الذين وجدوا في تعاليمهم الدينية تعبيراً عن علاقاتهم الاجتماعية، فحافظوا على لغاتهم الخاصة واتقنوا العربية. التوحيد على مستويي القومية واللغة كان له أن يتبدل مع ضخامة الأرض التي انتشر فيها العرب، وغدت بلداناً متعددة، حيث لم تنصهر الأقاليم المختلفة، وبقيت الحدود بين الدول القديمة وقومياتها، فالحكمُ المركزي كان محدوداً ومؤقتاً، وكان الحفاظ على الوحدة قد تم عبر مذهب مركزي، وهو المعبرُ عن عادات الرعاة المتوارية الداخلة في التكوين الحضري الجديد. فيما كان المعبر عن جذور الزراعيين والحضارات القديمة هي المذاهب الإسلامية الإمامية والأديان الأخرى. إنهاك القوى المسيطرة على الحكم للموارد وأهمالها للأقاليم كان له أن يضعف الجانبين الديني التوحيدي واللغوي التوحيدي. فجوانب العقلانية في الدين ثم في المذاهب الكبرى التوحيدية تدهورت لصالح النصوصية الفقهية الحَرفية والتغريب الصوفي، ليؤدي هذا كذلك إلى تدهور اللغة العربية الفصحى لصالح العاميات التي كان لا بد منها للعلاقات بين الناس المفتتين سياسياً، فراحت تعبر عن الانقسامات السياسية الجغرافية بين المناطق العربية الموحدة سابقاً. كما بقيت لغات القوميات التي لم تتعرب كالفرس والبربر وغيرهم والتي استعادت حضورها، كما تضاءلت علاقات اللهجات بالعلوم والمعرفة عامة. الحفاظ على مستويات البداوة والعالم الريفي التي عاش فيها المسلمون عبر الأحكام الفقهية القديمة والعادات غدت تعبيراً عن مستويات ضعف في التطور وقادت لتخلف في الحياة الاقتصادية الاجتماعية العربية خاصة. إن تعدد الزوجات والإكثار من النسل الذكوري خاصة هو استجابة لضراوة الصحراء، لكن حين تنمو المدن ويتطور الانتاج يغدو ذلك إضعافاً للتطور وانهياراً له. حينئذ تتجه الأفكار المحافظة إلى عدم إعادة النظر في قانون السكان هذا، ويغدو إزدهار الأفكار غير العقلانية والاعتماد على القَدر والحظ وعدم مراجعة البذخ وعدم قراءة مستوى الانتاج النازل توجهاً إلى الانهيار السياسي والفوضى. هنا يمكن ملاحظة تصاعد التيارات المضادة للعقلانية كالصوفية والغيبيات المتطرفة والنصوصية المذهبية الجامدة وهجوم المغول والصليبيين وتدهور البلدان العربية والإسلامية وتبعيتها وتخلفها. ولهذا حين تقوم النهضة العربية الحديثة بنشر العلوم والتوجه نحو تغيير حال الأسرة الممتدة بأسرة صغيرة متقدمة والدعوة للديمقراطية والمدنية داخل العائلة والسلطة فإنها تريد تغيير قانون السكان الماضوي المستمر في تضخم العائلات وتزايد السكان في القرى والبوادي والحارات المدنية وعدم مراجعة الصلات بين تزايد السكان وجمود الانتاج، وغياب مسئولية الدول عن الأزمات، ولهذا فإن الموجة التحديثية المتصاعدة منذ أواخر القرن التاسع عشر، لا تصل لهياكل الانتاج غير المتحولة بعمق: ضعف الحِرف وعدم تحولها لشبكات مصانع، وغياب دور التعليم الصناعي، وانتشار الأفكار العلمية المستوردة غير الملتحمة بالانتاج، وعدم توجيه النساء للصناعة، وتحول الاستعمار من مساعدة إلى استنزاف ونهب، إن هذه وغيرها من الأسباب تعيد الأزمة الاجتماعية التي ظهرت في نهاية عصر الدولة العباسية الثانية، بشكل حديث، فتتصاعد الأفكارُ الدينية المحافظة، ويُنظر للأزمة بشكل خرافي، ويحدث الارتداد للبُنى الاجتماعية القديمة: تعدد الزوجات، والإكثار من النسل، وجمود الانتاج والهجرة للمدن، وانتعاش الهياكل الدكتاتورية في السكان والدول، وإذا كانت هذه اللحظة التاريخية تُقطعُ بصعود الأنظمة العسكرية ومحاولاتها وقف التدهور والقيام ببعض التحديث ومراجعة الانهيار، لكن هذه المراجعة ليست جذرية ولا تمتد لتغيير العلاقات في الأسرة الذكورية، الممتدة، ولا في فهم الدين بصور تحديثية، ولا في أولوية الانتاج، ولهذا فإن خط التدهور يستمر حتى زمن ما يُسمى بالموجة الدينية ويغيب فهم العلاقات بين أزمات الانتاج وطبيعة السكان، وبضرورة علاقات الحداثة في الأسرة والثقافة والسياسة وينفتح الأفق للعودة للوراء وإستعادة صراعات الدول والجماعات الطائفية والحروب.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأييدُ الغرب للإخوان
-
تحولاتُ الوعي النهضوي المبكر
-
الوعي البحريني وإشكاليةُ النقدِ
-
الشعبُ والمصيرُ
-
الديمقراطيةُ والناس
-
العربُ ونقدُ الواقع
-
انفصامُ تركيا الاجتماعي
-
«الإخوان» والتطور الحديث
-
أمريكا والتنكرُ للعلمانية
-
حكمُ الاسطورةِ والعنف
-
إيران.. إلى أين؟
-
غيابُ الموضوعيةِ من الساحة البحرينية
-
دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد (8)
-
دوستويفسكي: روايةُ الاضطهادِ (7)
-
رأسا الحداثةِ المنفصمان
-
الثورةُ السوريةُ وحربٌ إقليمية
-
لماذا يكرهون قرناءهم؟
-
اختلافاتُ تطورات الشعوب
-
ثقافةُ الإعاقةِ
-
رفسنجاني الليبرالي الذي لا يختفي
المزيد.....
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|