|
المقدمة إلى الإصلاح
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4196 - 2013 / 8 / 26 - 19:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من البداية، إلى الذين يكرهون الدين الإسلامي ويريدون فناءه أود أن أقول لهم أن الإسلام باقي معنا، على الأقل خلال عدة مئات السنين القادمة؛ وإلى الذين يريدون أن يفرضوا كلمة ربهم عالياً فوق جميع البشر، أود أن أقول لهم أيضاً أن هذا السراب لم ولن يغادر أبداً حدود جماجمهم الصغيرة. في الحقيقة، رغم قيام الإسلام منذ مئات السنين وتوقع استمرار بقاءه لمئات سنين قادمة أخرى على الأقل، هو طوال عمره هذا الماضي والمستقبلي لم ولن يكون أبداً صاحب الكلمة الوحيدة أو العليا، حتى وسط معتنقيه الأصليين المسلمين أنفسهم ناهيك عن سائر العالمين. في قول آخر، الإسلام كان وسيستمر مجرد صندوق من بين أخرى كثيرة متنوعة الألوان والأحجام، حتى لو كان هو أكبرها حجماً وأوسعها انتشاراً في بعض الأماكن والحقب التاريخية بالذات.
رغم عدم تمكنه يوماً من احتكار الساحة كاملة لنفسه، في الواقع قد ظل الإسلام هو الصندوق الأكبر والأهم عبر المنطقة منذ الفتوحات العربية حتى قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر وبلاد الشام قرب بداية القرن التاسع عشر. هذه الحملة الغربية بقيادة الزعيم التاريخي الكبير نابليون بونابرت رغم قصر عمرها الذي لم يتجاوز بضع سنين، إلا أن هي كانت بحق نقطة تحول فارقة في تاريخ المنطقة العربية والعالم الإسلامي كله. منذ تلك اللحظة فصاعداً، قد تمت بالفعل إزاحة الصندوق الإسلامي بمشتملاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية بدرجة متزايدة من مواقع الصدارة والقيادة والهيمنة السابقة التي عُهد بها الآن إلى صندوق آخر: العلمانية؛ ومنذ تلك اللحظة فصاعداً، لا يزال الصندوق الإسلامي يحارب بكل ما أوتي من صبر وجلد وقوة لاستعادة موقعه القديم لكن إلى اليوم من دون فائدة تُذكر. فوق ذلك، كان حل الخلافة الإسلامية بعد قرن لاحق وتنصيب الدولة التركية العلمانية المتطرفة على أنقاضها بتدبير وتنفيذ القائد العسكري كمال أتاتورك بمثابة الضربة القاضية لحلم العودة الإسلامية إلى موقع السيادة. وعلى أثر تلك الضربة القاصمة كاد جل التيار الديني أن يفقد صوابه ورشده وتفجرت إلى الوجود جماعات الإسلام السياسي المتطرفة والمعتدلة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين بتنظيم وإرشاد من المدرس المصري الشاب حينذاك حسن البنا.
رغم هذا الصراع التاريخي المرير بين الدين والعلمانية على مصير المنطقة العربية، ورغم الغلبة الواضحة للصندوق الإسلامي بعض الوقت ثم العلماني فيما بعد، إلا أن السيادة المطلقة لم ولن تكون أبداً لأي منهما دون منافس في أي وقت؛ دائماً كان هناك منازع، ومنازع قوي معظم الوقت. علاوة على ذلك، حتى داخل الصندوقين الكبيرين الديني والعلماني قد كانت ولا تزال هناك صناديق فرعية كثيرة متنوعة ومتنافسة وحتى متقاتلة فيما بينهما. على سبيل المثال، البغضاء وسفك الدماء فيما بين الصندوقين الفرعيين الإسلاميين الرئيسيين السني والشيعي قد فاقت حتى الآن كل ما بين الإسلام والأديان الأخرى من بغضاء ودماء؛ وحتى داخل الصندوق السني أو الشيعي الفرعي ذاته، لم تكن أبداً الساحة أو السيادة خالصة لأي منهما دون مزاحم؛ بل الواقع المعاش أن بداخل السنة فرق وجماعات وحركات ومدارس قد لا تعد ولا تحصى، وبداخل الشيعة كذلك.
والوضع لم يكن أرحم داخل الصندوق العلماني أيضاً، حيث دارت أشد الحروب قتلاً وتدميراً في كل تاريخ البشرية حتى الآن- الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة. في هذه الحروب كان الصراع الأكبر بين دول علمانية بالأساس ولدواعي وقضايا علمانية محض أيضاً، سواء نزاع على مستعمرات أو مصالح اقتصادية وجيوستراتجية متغيرة، أو مواجهة دموية فيما بين أنظمة ديمقراطية وأخرى استبدادية متحالفة معها من جهة وبين أنظمة نازية أو فاشية أو عنصرية أو شيوعية في المقابل، التي كانت جميعها في النهاية أنظمة حكم ودولاً علمانية بامتياز. حتى داخل الصندوق العلماني الكبير، هناك أيضاً انقسامات ونزاعات فرعية قد لا تنتهي؛ أو، في قول آخر، التعدد والاختلاف وما يلازمهما بالضرورة من تنافس وصراع هي صفة بشرية فطرية ستبقى ما بقيت حياة البشر فوق الأرض.
من هنا يجب أن يكون المدخل إلى الإصلاح؛ من حق كل إنسان أن يلزم صندوقه مهما كان بدائياً ومتخلفاً ويظل يدافع عنه حتى آخر نفس في حياته. في الوقت نفسه، هذا الحق ليس امتيازاً حصرياً لأي أحد دون الآخر، بل هو حق مكفول للجميع على قدم المساواة التامة؛ إذا كان من حقك أن تعيش في أمان وسلام داخل الصندوق الذي تختار، أنا أيضاً من حقي أن أعيش في أمان وسلام مثلك تماماً داخل صندوقي حتى لو كان على النقيض في كل شيء من صندوقك، على أساس أن القيمة الجوهرية مستمدة من البشر أنفسهم وليس من الصناديق. علاوة على ذلك، كل إنسان حر في أن يدخل إلى أي صناديق قائمة ويخرج منها وقتما شاء، وحتى أن ينشئ لنفسه صناديق جديدة تماماً من الصفر، وأن يروج لها سلمياً بين الناس.
العدوان لا يصد إلا بعدوان مثله. إذا كانت النتيجة كذلك، سوف تضطر الصناديق المختلفة إلى التكيف وإيجاد طريقة للتعايش السلمي حسب موازين القوة النسبية فيما بينهما. هذه هي مقدمة الإصلاح.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليبرالية مفلسة من داخل الصندوق
-
خرافة الليبرالية الإسلامية والتفكير من داخل الصندوق
-
ليس دفاعاً عن الإخوان
-
مشكلة ضمير البرادعي
-
عن فوائد الحروب
-
ليبراليون في بيادة العسكر
-
عن ديمقراطية الإسلام السياسي الموعودة
-
2- الإسلام السياسي يُحارب، لا يُسترضى
-
مراهقة ليبرالية مصرية أم سذاجة في تحليل الحروب؟
-
بعد فشل مشروع النهضة، الأخوان يطلقون مشروع الشهيد
-
النسبية العلمانية والأصولية الدينية
-
أنا رب الكون
-
رهان أوباما الخاسر على الإخوان
-
وهل الرُسُل بشر أيضاً؟
-
مصر تسقط إرهاب السياسة الإسلامية
-
المصريون يخرجون على الشرعية
-
هنا القاهرة 30
-
مصر الوطنية تصارع مشروع الإسلام السياسي
-
أمريكا وإيران من داخل المنطقة العربية
-
فضفضة مصرية فوق السد
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|