|
الإمام العفيفي
أحمد عفيفى
الحوار المتمدن-العدد: 4196 - 2013 / 8 / 26 - 17:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أنا أربأ بالله عن السياسة؛ أنا أربأ بالله عن الجهاد والحرب والقتل، وربما تأتيني الشجاعة يوما ما، لأصبح مرجعية دينية، تجمد كل آيات الجهاد والقتال عند حدودها التاريخية، وتتسامي بالله عن السياسة، بل ربما أقتفي أثر الإمام الخميني بتدمير أصنام الشرع الشيعي، وتحويل الشرع المسلم إلي دستور حياة وليس دستور كراهية وقتل، وتجميد كل الآيات الفاسدة منتهية الصلاحية عند حدود زمنها البدوي البرجماتي، وتعديل تلك الآيات التي تأكل من عمر وعقل المسلم، وتجعله شخص كاره للحياة والآخر، ومحاولته البائسة للتخلص من حياته، للحاق بالحياة الأخرى السهلة الناعمة، وتحويله إلى شخص مؤمن مجتهد محب للحياة حريص عليها، يسعي لتطويرها وتحسينها والمشاركة بفعالية وإيجابية بها، يسعى للأخذ بالأسباب فعلا، وإعمال العقل فعلا، ودراسة وتدريس العلم والاستفادة منه فعلا، وليس مظهرا وقولا.
الصلاة؛ يجب أن تكون أخف من ذلك وأقل عددا، فلا عقل يرضي ولا وقت يسمح بخمس صلوات باليوم والليلة، وأكاد أرى شخصا بعينه يرد علي قائلا أرحنا بها يا رسول الله أو أننا لا نجد بها ضغطا ولا عبئا مثلك أيها الكسول المرتد، فأرد عليه بأنني أيضا كنت مسلم، أصلي بانتظام وحب، أعيش بمجتمع مسلم، وأرى بعيني أيضا، أن الغالب على زوار المسجد، هم المسنون الطيبون، الذين يزحفون ببطء نحو الموت، ويتجهون للمسجد كأنه الملاذ الأخير، ذلك الذي يشبه ضريح منير مملوء بالصحبة، لن أقول عنهم أنهم أصبحوا يملكون من الوقت الكثير، ولا يجدوا ألطف من الصلاة والتردد وربما البقاء بالمسجد في حضرة الله، حتى لا أقلل من إيمانهم ودأبهم، لكن الواقع أن اؤلئك المسنون لم يكونوا يترددون بشبابهم بتلك الكثرة وذلك الانتظام على المسجد، حيث أن ضرورات العمل والحياة تطالبهم بالتزام صارم تجاه الوقت والعمل والمسئوليات، وخمس صلوات متقطعة من شأنها أن تفصل أو تفتت تلك الصرامة وذلك الالتزام، تلك الكثرة وذلك التكرار، ينزع عن الصلاة قدسيتها وروحانيتها، ويحولها إلي طقس ممل وشعيرة مهجورة.
ناهيك عن الشباب المتردد على المسلم؛ الغالب عليه الفقر، والذي يئتنس ويطمئن بمعية الله، ذلك الأب الذي لا يكبر ولا يموت، والذي يملك أكبر عيادة نفسية مجانية مفتوحة على مدار الساعة على سطح الكوكب، فيذهب إليه دون انتظار وأتعاب، ليدعو ويبكي ويشكو، وربما سقط في سبات قصير عميق مطمئن بحضن الله، ربما لن يتغير شيء، ربما لن يستجيب الله لدعواته وشكواه، ربما لن يخرج من المسجد وبيده صك ثراء مضمون، أو وصفة سحرية لحل مشاكله، إلا أنه سوف يخرج أكثر راحة وأخف ألما، وربما تلك هي طاقة الله الكبرى، والهدف الأسمى من وجوده، أن يمدك بالأمل، أن يزرع الطمأنينة بنفسك، أن تجده بأي وقت عندما تحتاج إليه، أن تشكو وتثرثر وتفضفض دون أن ينهاك أو ينهرك أو يطالبك بالتوقف، أن ينصت إليك، بالوقت الذي لا يوجد أحد يرغب بالإنصات إليك، بالوقت الذي يستغرق الكل بمشاكله، ولا طاقة له على سماع شكوى الآخرين، فأنت ستجده حتما هناك، من أجلك، يبتسم ويواسي، ويربت على كتفك، وليس بالضرورة يفعل شيئا، يكفي أنه أنصت لشكواك، وربت على صدغك، وألقى عن كاهلك عبئك النفسي اليومي، ولكنه بالنهاية ليس بحاجة لخمس مرات باليوم ليفعل ذلك، والله نفسه أو المفترض بالله نفسه، أنه ليس بحاجة لتلك الأطنان من الصلوات من كل حدب وصوب، وهنا يخرج علي نفس الشخص السابق بعينه، ليوضح لي أننا من نحتاج لتلك الصلة وليس الله، فالله غني حميد، وليس بحاجة لأطنان صلواتنا، بل نحن من بحاجة للصلاة والصلة والتقرب إليه، أرد عليه أيضا، أن المفروض بالله أنه أجل من أن ينتظر تلك الصلوات، وأرفع من أن يعاقب عليها أو يجزي بها، الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، العمل، وليس العادة.
الحج؛ عادة وثنية مضحكة وقاتلة ومكلفة، والله لا يذهب للجلوس بذلك المكعب الحجري الغبي ليتلقي المسلمون يوم الحج، الله بالقلب والعقل والسلوك، الله ببيتك وعملك وزوجتك وأطفالك، الله بحرصك على نظافة جسدك ونفسك وبلدك، الله نفسه لا يرضيه آلاف الجنيهات المهدرة من أجل اللحاق بطقوس قريش، والتدافع حتى الموت حول حجر غبي مجهول أسود، والسعي والطواف كامرأة مسكينة منذ آلاف السنين، ورمي الحصى على عامود، كل تلك الأمور يستحيل أن ترضى الله، أو يرضى عنها الله، أو يرضى عنها العقل والمنطق، ما يحتاجه البيت يحرم على المسجد، وهنا سوف يخرج علي للمرة الثالثة نفس الشخص المسلم المؤمن المزعج نفسه، ليخبرني أنه لمن أستطاع إليه سبيلا، فأرد عليه ولستُ بكاره له أو منزعج من حضوره المستمر، بأن الحج فريضة وركن من أركان الإسلام، يكاد لا يصح إسلام المرء دونه، والمسلم يرى أن من واجبه الديني لمقدس المرضي لله أن يؤديها، وعند تلك الفرضية والركنية، تنتفي حجة لمن أستطاع إليه سبيلا، وتتفتح السبل حتى لو بالاقتراض أو الادخار أو الحرمان، من أجل تجربة مريرة لا روحانية، وموت شبه محقق، وطقوس مجنونة، وسط شعيرة همجية رغما عنها تحت وطأة الظرف والمكان، بفعل التدافع والزحام والسعي والحرارة والعدد المهول والرغبة في الانتهاء والخلاص.
الإيمان طاقة تعبوية هائلة، لم ولن يمكن فضها أو نزعها أو تفريغها من عقل وقلب البلايين، وربما يمكن ترويضها وتهذيبها وتعديلها، لتتفق وواقع العصر وظروف الزمان والمكان، ومصلحة العباد والبلاد، ولعل من أقوال الرجل القليلة المأثورة، أنكم أدرى بشئون دنياكم، وهو ما يفتح الباب والأمل لمجتمع مسلم طبيعي وسليم، مجتمع حريص أفراده على العلم والتعلم والدراسة والعمل، مجتمع حريص إفراده على الحياة وتحسينها وتطويرها، مجتمع حريص إفراده على الحياة، الحياة بسلام، مع أنفسهم ومع الآخرين.
#أحمد_عفيفى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قلب الله
-
الله الشبح
-
الله البشري
-
الحيرة الحمقاء
-
عقل المُلحد دليلُه
-
فصيل وثني
-
تاريخ زائف
-
الرب الشرقي
-
هل أتاك حديث الزنديق
-
تحصيل حاصل
-
في البدء كانت الفتنة
-
العُهدة العُمرية
-
ساديزم
-
أخطر الأسلحة
-
علماء مُلحسون
-
الجنس ليس حرام
-
سمّن كلبك يأكلك
-
لو كان الرَبُّ رجلاً لقتلته
-
بطُل السحر يوم حنين
-
نكسة الحُديبية
المزيد.....
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|