|
الشرق الأوسط بين جبهتين
هيام محى الدين
الحوار المتمدن-العدد: 4196 - 2013 / 8 / 26 - 08:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان السقوط المدوي لحكم جماعة الإخوان في مصر زلزالاً حقيقياً هدم بناء خططت له قوى عالمية وإقليمية لسنوات طويلة ، وحين اقتربت من تحقيق ما خططت له كان للشعب المصري وجيشه الوطني رأي آخر هدم بناءهم على رءوسهم فاندفعوا للهجوم على مصر وجيشها بعنف كشف خداعهم وغباءهم وأفقدهم توازنهم وفضح مخططاتهم ، واضطروا إلى إظهار وجههم القبيح وتناقض أهدافهم مع ما ينادون به من مبادئ الحرية والديمقراطية ومحاربة الإرهاب وتحقيق رغبات وآمال الشعوب فقد اتضحت الخطة الأمريكية في تفتيت المنطقة وإثارة النزاعات الدينية والعرقية والمذهبية وتشجيع الحروب الطائفية لتسهيل السيطرة الأمريكية على المنطقة والحفاظ على أمن إسرائيل كما وضح ارتباط الخطة الأمريكية واعتمادها على تيارات التأسلم السياسي المتعطشة للحكم والتي لا تعترف بالوطنية ولا بالقومية وإنما تعتنق فكر أمميا يريد إحياء الخلافة الإسلامية بشكلها العثماني الذي قضى عليه أتاتورك سنة 1924 من خلال حمامات دم ومحاولات للسيطرة على الشعوب باسم الدين وإعادتها للعصور الوسطى والقضاء على أي فرصة لها للتقدم كدول مدنية وطنية حديثة مما يساعد الخطة الأمريكية ويصنع الفوضى الخلاقة التي تعيد تشكيل المنطقة من جديد تحت مظلة النفوذ الأمريكي. وكان اكتشاف الدول التي مازالت تحتفظ بوحدتها الإقليمية وكيانها الوطني للخطة الأمريكية دافعاً لهذه الدول لمعارضة استيلاء تيارات الإسلام السياسي على الحكم في المنطقة ومحاولة مقاومته مثلما فعلت الإمارات العربية والبحرين بتأييد واضح من المملكة العربية السعودية وكان أخطر ما يهدد هذه الدول هو وصول هذا التيار للحكم في مصر وانتهاجه سياسة واضحة تتسق مع المخطط الأمريكي لخلق الفوضى وتشجيع الإرهاب الديني المتطرف وتجميع تياراته في سيناء ومحاولة السيطرة على مفاصل الدولة المصرية ، فلما قام الشعب المصري بإسقاط هذا النظام وسانده جيشه الوطني سارعت هذه الدول لتأييد رغبة الشعب المصري والوقوف بجانبه ، كما سارعت دول المحور المقابل المتمثلة في تركيا وقطر إلى الهجوم على ما حدث في مصر ووصفه بالانقلاب العسكري على الشرعية ، وتخبطت السياسة الأوربية بين تأييد المشروع الأمريكي لتمزيق المنطقة وبين مصالحها الأمنية والاقتصادية والتجارية في المنطقة التي لا تعطي ثمارها إلا من خلال دول مستقرة وحكومات قوية في دول المنطقة ، وأصبح الأمريكيون في وضع لا يحسدون عليه فهم إما أن يؤيدوا الإرهاب الديني فيفقدون المصداقية وإما أن يضحوا بمخطط أنفقوا عليه المليارات وحقق نجاحات واضحة في العراق والسودان وتونس وليبيا وسوريا وأصبح اليوم مهددا بالسقوط من خلال جبهة قوية تشكلها مصر والسعودية والإمارات والكويت والأردن ، ولكن مشروع الإدارة الأمريكية مازال يملك جبهة مقابلة في المنطقة تمثلت في تركيا التي يحلم الحزب الحاكم فيها ذو الخلفية الدينية بإعادة الخلافة العثمانية والسيطرة التركية على المنطقة بالتحالف مع تيارات الإسلام السياسي وكانت مصر تحت حكم الإخوان تمثل درة التاج في الحلم التركي وشكل سقوطهم صدمة كبرى لحلم أردوغان وحزبه كما انضمت قطر التي دفعها طموحها إلى أن تكون دولة مؤثرة في المنطقة إلى وضع إمكاناتها المالية الكبيرة في خدمة المشروع الأمريكي منذ التسعينيات أملاً في أن تصبح رغم ضآلة مساحتها الجغرافية وتعدادها السكاني إحدى الدول الإقليمية ذات النفوذ والتأثير وهو حلم أسطوري يتناقض مع حقائق التاريخ فرغم ثراء إمارة موناكو مثلاً فلم تستطع يوما أن تكون لاعباً مؤثراً في السياسة الأوربية. وقد تشكلت الجبهتان بسرعة فائقة تطلبتها سخونة الأحداث وشجع ظهور هاتين الجبهتين على استمرار إرهاب الإخوان في مصر وعلى تمسك الشعب المصري وجيشه بإبعادهم عن الحكم ، ونستطيع بوضوح أن نرى الصراع العنيف بين كل من الجبهتين على ضمير العالم جبهة تقودها تركيا العثمانية وتمولها قطر وتعتبر حماس ذراعها العسكرية وجبهة تقودها مصر ميدانيا والسعودية سياسياً والإمارات والكويت والأردن دبلوماسياً ومالياً وتستخدم كل من الجبهتين أقصى قدراتهما السياسية والاقتصادية والدبلوماسية وعلاقاتهما الدولية واستثماراتهما المالية في جذب التأييد العالمي لوجهة نظرها. والحقيقة الموضوعية تقول أن الجبهة التي تستند إلى أرادة الشعوب هي القادرة على الانتصار في هذا الصراع واعتقادي الشخصي أن إرادة الشعوب في جبهة مصر والسعودية أكثر وضوحاً في تأييد موقف حكوماتها منها في الجبهة الأخرى ، فالشعب التركي مثلاً لا يعيش حلم استعادة العثمانية مثلما يعيش الشعب المصري حلم استعادة الحرية والديمقراطية ، كما أن قطر وحماس لا تملكان أصلاً وجوداً شعبياً متحداً متماسكاً له حلم سياسي مستقل أصلاً كما أن شعوب السعودية والإمارات والكويت تتوافق مع حكوماتها بصورة أكثر تضامناً وثقة لذا أنصح الإدارة الأمريكية بأن تسلم بسقوط مشروعها لأن ذلك خير لها من أن تفقد شعوب المنطقة بصورة نهائية ، قد يصعب في المستقبل القريب عليها أن تستعيد ثقة هذه الشعوب ، فهل يكف السيد أوباما عن مكابرته ويعود إلى التعامل مع الواقع أم يصر على أن يزج ببلاده في معركة خاسرة مع شعوب لن تفرط في إرادتها !؟
#هيام_محى_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصفعة السعودية وسقوط المشروع الأمريكي
-
بطولات خالدة
-
الجمعية العمومية للشعب المصري ونضج الوعي السياسي
-
الإعلام والمجتمع
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|