|
ألان تورين منتقدا السوسيولوجيا الكلاسيكية
محمد المستاري
الحوار المتمدن-العدد: 4195 - 2013 / 8 / 25 - 20:08
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعد ألان تورين من أهم رواد علم الاجتماع المعاصر، وهو فرنسي الأصل، من مواليد سنة 1925، عمل باحثا في المجلس الوطني للبحوث الفرنسية حتى سنة 1958، أسس مركز دراسات علم الاجتماع العمل في جامعة تشيلي في سنة 1960، وأصبح باحثا في إيكول «إيتوديس» في العلوم بباريس، اشتهر بتطويره مفهوم «مجتمع ما بعد الصناعي»، اهتم بدراسة «الحركات الاجتماعية»، وكتب الكثير في هذا المجال.
ويحظى تورين شهرة واسعة في أمريكا اللاتينية وفي أوربا، حيث حصل في سنة 1998، على جائزة «أمالفي Amalfi»، الأوربية لعلم الاجتماع والعلوم الاجتماعية، وفي عام 2004 تلقى تورين درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة «فالبرايسو» في تشيلي، وفي سنة 2006 تلقى درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الوطنية في «سانت مارتن»، وفي ديسمبر 2006 من جامعة كولومبيا الوطنية، وفي سنة 2008 تلقى أيضا درجة دكتوراه فخرية من جامعة «مايوردي سان ماركوس» في ليما.
وتأثر ألان تورين منذ شبابه بأشكال عديدة من الرفض السياسي، وبناء عليه، جعل منه سوسيولوجيا مناضلا بكتاباته التي تتميز بجدة منظورها إذا لم نقل منظورها الثوري.
ولألان تورين عدة مؤلفات ساهمت في إغناء البحث العلمي السوسيولوجي، ومن بينها: «نقد الحداثة سنة 1998 Critique de la modernité»، «براديغما جديدة: من أجل فهم عالم اليوم 2005»، «الحركات الاجتماعية»، «ما هي الديمقراطية؟»، وعدة مؤلفات أخرى...
ثانيا: لماذا تخصص ألان تورين في علـم الاجتماع؟
لـم يكن تسجيل ألان تورين لاسمه في الحقل السوسيولوجي اعتباطا أو صدفة من غير مبرر موضوعي، وإنما كان ذلك تأثراً منذ شبابه بأشكال عديدة من الرفض السياسي: رفض للحروب الاستعمارية «العبثية الأليمة»، ورفض لاشتراكية جي موليه «الخائنة»، ورفض لذلك الخيار الذي فرضه مالرو على المثقفين الفرنسيين بين الديجولة والحزب الشيوعي.
فبناءً على هذه الظروف المقلقة، جعلت تورين مدفوعًا إلى الانتماء بروح النضال، والرغبة في المشاركة، والحلم بتغيير العالم.
ويؤكد تورين أن انتماءه للسوسيولوجيا ليس دافعًا شخصيًا، بل هو شرط موضوعي لقيام السوسيولوجيا كعلم. حيث يقول في هذا الخصوص: «إن يكن المرء عالم اجتماع اليوم، هو أن يتأمل شروط وجود مجتمع جديد، والطريقة التي يمكن بها للأزمة والقطيعة من جانب، والصراعات من جانب آخر، أن تتَّحد جميعًا لوضع تنظيم اجتماعي وثقافي جديد، من العبث الحلم بمجتمع مثالي مع نسيان التمزقات والانقلابات التي توشك على الحدوث».
ثالثا: موقف تورين من السوسيولوجيا التقليدية ومبادئــها:
بدءًا بمسار ألان تورين السوسيولوجي، أراد الباحث الفرنسي أن يتحرر من قيود المدرسة الوضعية في السوسيولوجيا وريثة أوغست كونتAugust Comte ، وإميل دوركهايم، والتي كانت تدرس الظواهر الاجتماعية Phénomène Sociales متمثلة في القاعدة الأولى في منهج دوركهايم Durkheim باعتبارها «أشياء Des Choses» خارجية لها وجودها المستقل عن الأفراد، بل لها قوة إلزامية وإكراهية وقهرية عليهم (الأفراد)، الشيء الذي يوضح حسب تورين أن الوجود الموضوعي والمستقل للظاهرة الاجتماعية، يعنــي أن المجتمع والدولة هما الآلهة الجديدة عند دوركهايم Emile Durkheim.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لم يكتف تورين بتحرره من المدرسة الوضعية فحسب، بل عمل على تقديم عدة انتقادات اعتبرها موضوعية تدعم تحرره من المدرسة التقليدية، لكونها اهتمت باختلاف مدارسها بدراسة النظام Système، أي دراسة المؤسسات: كالأسرة، المدرسة، المجتمع والدولة، وهي بذلك حسب تورين تكرس سيطرة النظام الاجتماعي على الفاعلين Les actions، وتغفل دراسة الجانب الآخر في المجتمع، وهو -الحركات الاجتماعية Mouvements Sociales– التي يعبِّر بها الفاعلون عن ذواتهم في مواجهة وتصدي سيطرة وقهر هذه المؤسسات.
ولذلك يؤكد تورين أن انتماءه للسوسيولوجيا هو انتماء من أجل التغيير ورفض سيطرة النظام الاجتماعي على الفاعلين Les actions.
أما عن مبادئ السوسيولوجيا التقليدية، فيرى تورين أنها مجرد صورة لنمط خاص: تطابق النسق الاجتماعي مع الدولة القومية، الشيء الذي يعطي بالنسبة إليه، مكانا مركزيا لفكرة المؤسسةEtablissement ، وتحليل منظومات إحصائية محددة محل مستوى المشاركة الاجتماعية رغمَا من أن هذه الأخيرة مبدأ أساسي في السوسيولوجيا إذا ما اعتبرناها فعَّالة ونِضَالِيَّةَ.
رابعا: سوسيولوجيا ألان تورين: «سوسيولوجيا الفعل»
إن من الأمور البديهية في حقل المعرفة السوسيولوجية، «أن كل سوسيولوجي يبتكر سوسيولوجياه»، وأن «السوسيولوجيا بنت عصرها».
من هذا المنطق يمكن القول، بأنه إذا كانت سوسيولوجيا أوغست كونت ومعه إميل دوركهايم، بل والمدرسة الوضعية عموما تعمل على دراسة النظام، أي المؤسسات، فإن ألان تورين يعدها تكرس النظام الاجتماعي على الفاعلين. وإذا كانت سوسيولوجيا كارل ماركس Karl Marx قائمة على فكرة أن الحياة الاجتماعية مؤسسة على علاقة تقوم على السيطرة ، في مواجهة سوسيولوجيا فيبر Max Weber القائمة على فكرة أن الفاعل توجهه دائما قيم معينة . فإن ألان تورين يعتبر أن سوسيولوجياه، هي «سوسيولوجيا الفعل»، وهي ما يقصده الاثنان: (فاعلين متعارضين عبر علاقات سيطرة، وصراعات، لديهم نفس التوجهات الثقافية والأنشطة التي تنتجها)، وبالتالي، فإن مفاهيم ومناهج علم الاجتماع الكلاسيكي، ذي الطبيعة الميكانيكية والقاصرة على المجتمع الصناعي، تتزعزع، بل وتنهار في علم الاجتماع الجديد، وهو «سوسيولوجيا الفعل»، سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية تحديدا.
أ- موضوع علم الاجتماع في منظور ألان تورين:
يرى تورين أن الموضوع الرئيسي لعلم الاجتماع هو دراسة التصرفات الاجتماعية التي ترتبط بالتاريخية، أي بعلاقات وصراعات الطبقات، وهي ما ندعوه «بالحركات الاجتماعيةMouvements Sociales»، فالسوسيولوجيا في نظر تورين لا تفترض الصدفة والتعسفية، ولكن يجب أن تكون نضالية، بل وثورية لتحرير الفاعل الاجتماعي من تكريس النظام الاجتماعي وقيوده.
ب- مهمة علم الاجتماع بالنسبة إلى ألان تورين:
يرى ألان تورين أن مهمة علم الاجتماع هــي: «أن يُقّْرَ لنفسه بهدف ووظيفة»، وليس كما جعلها فيبرWeber (أي مهمة علم الاجتماع)، هي: «فقط كيفية فهم النظام الاجتماعي»، فتورين يحدِّد أهمية علم الاجتماع انطلاقا من النضال الدائم والمستمر ضداً على الوضعية الزائفة للنظام القائم وخطاباته التبريرية.
وعلاوة على ذلك، يرى تورين أن مهمة علم الاجتماع في وضعه الجديد يجب أن يكون ذا الدور الإيجابيRôle Positive الذي يمثل دينامكية علم الاجتماع والتي تنعكس بالضرورة لا محال على الباحث الاجتماعي وتؤثر في أدواته المنهجية وغاياته. يقول تورين:
«علم الاجتماع الجديد يساهم في أن يتصرف أعضاء المجتمع كفاعلين بقدر الإمكان. وأن يتخلص المجتمع نفسه من نظامه وأيديولوجياته وبلاغته عن طريـق إبداع نظـمًا للفعل بواسطتها تصيغ المنظومة الاجتماعيـة باستمرار نفسـها... فهدف علم الاجتماع هو تنشيط المجتمع».
ج- عَالِمُ الاجتماع بالنسبة إلى ألان تورين:
يقول تورين Alain Touraine: «الإنسان السوسيولوجي لا تقوده مصلحته، ولكن ما ينتظر منه».
انطلاقا من هذا القول، (لألان تورين) يتضح أنه يؤكد أن مهمة عالم الاجتماع هي النضال من أجل التغيير، ومساعدة الفاعلين على التحرر من ضغوطات النظام الاجتماعي الإلزامي والإكراهي على نشاطهم، ويؤكد أيضا على مساعدة المجتمعات على الفعل Action، على صنع تاريخها، في غِنًى عن المصالح والإغراءات الشخصية التي تُعرض على عالم الاجتماع.
هذا ونلمح من ألان تورين نزوعا إنسانيا، وذلك بفضل انتقاده للمثقفين والسوسيولوجيين الذين ساهموا في فرض سيطرة الفكر على الفاعلين دون مساعدتهم على مقاومة النظم كما هو الشأن لـ مشيل فوكو، وبيير بورديو، في فردهم لمثل هذه السيطرة. يقول تورين في هذا السياق: «أنا مثـل الآخريـن معجب بمثقفـي هذا البلد عندما يبتكرون ممارسات بحثيـة جديـدة، وعندما يمسكون بجوانب خبيثة في حياة المجتمـع كما بفعل شتراوس وفوكو... ولكن إذا لم يكـن لنا دور آخـر من الأفضل للمرء أن يهاجر عـن أن يكون مقلدًا أو مفسرًا... لماذا نكون نحـن علماء اجتماع إذا لم يكن مـن أجـل مساعدة المجتمعـات على الفعل، على صنع تاريخـها، بدلاً مـن أن ننسـاق إلى الاغتراب والخضوع واللاوعـي». د- المجتمع بالنسبة إلى ألان تورين:
إن المجتمع وفقا للطرح التوريني، هو ما ينبغي أن يكون لديه تنظيم واستمرارية، فعلى مستوى نظام المجتمع، هو مجموعة وظائف لا تتم إلا من خلال الضبط Contrôle (ضبط العلاقات، من خلال الوظائف). أمَّا على مستوى الاستمرارية فيمكن قراءة المجتمع في حركاته ودينامياته لا أندرسه في سكناته.
فشرط التنظيم مضافًا إليه شرط الاستمرارية هو ما يمنح المجتمع معناه المحتمل، فالمجتمع ينتج تاريخا ويؤثر في بنياته عن طريق إرادتي: «الفعل» و«التغير»،...
خامسا: إسهامات ألان تورين الفكرية في مجال علم الاجتماع:
لن نبالغ إذا قلنا إن ألان تورين ليس مجرد عابر في السوسيولوجيا كما مَرَّ ويَمُر العديد من الباحثين، وذلك بالنظر إلى حضوره القوي والمعلن، فتورين انطلاقا من همومه السياسية استطاع أن يبلور جهوده الفكرية إذا لم نقل الثورية في مجال علم الاجتماع. وقد وصلت هذه الجهود إلى حد الرِّيادة في مجالين وموضوعين هامين من مجالات علم الاجتماع هما:
أ- سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية:
تهدف الحركة الاجتماعية الحديثة عند تورين، إلى تحرير الذات التي تمثل إليه مفهوم «الفاعل الاجتماعي»، أي المفهوم الذي يجعل للعلاقة الاجتماعية بعدًا أصيلاً في الفرد. كما يؤكد تورين أن الحركة الاجتماعية تكون عن إرادة ووعي الأفراد بذواتهم في غنى عن تشكل نِقابة سياسية من أجل الدفاع عن مطالبهم.
يقول تورين: «الحركة الاجتماعية الجديدة: لا تتشكل بالعمل السياسي والصدام، ولكن بتأثيرها في الرأي العام».
ب- سوسيولوجيا المجتمعات التابعة:
بفضل إقامة ألان تورين الطويلة في أمريكا اللاتينية وشيلي خصوصًا، اكتشف أن علم الاجتماع الغربي ليس فعالاً في دراسة مجتمعات العالم الثالث، وانطلاقا من ذلك قام بتطوير «سوسيولوجيا التنمية» التي يقصد بها سوسيولوجيا الانتقال من مجتمع لآخر. ويعرف تورين «المجتمعات التابعة»، أنها المجتمعات التي تقود التنمية والتصنيع فيها برجوازية أجنبية.
وبالإضافة إلى تورين، يعتبر أن السوسيولوجيا في العالم الثالث هي أعقد بكثير، وذلك من حيث إن البرجوازية في تلك البلدان، هي التي تعمل غير أنها أجنبية. وبالتالي إن وظائف وأدوار المكونات الاجتماعية مثل الدولة Etat، الطبقةClass ، المؤسسات Etablissements، وباقي الفاعلين، تختلف اختلافًا جذريًا عن مثيلاتها في علم الاجتماع الكلاسيكي. ومن هنا، كان الجهد الذي بدله تورين في بلورة سوسيولوجيا المجتمعات التابعة.
سادسا: الحركة الاجتماعية عند ألان تورين:
يعد موضوع «الحركة الاجتماعية» من أهم المباحث الأساسية التي اشتغل عليها تورين، وتعني بالنسبة إليه، أن ما يقوم به الفاعلون les Actions ليس مجرد ردود أفعال تجاه تكريس المؤسسات الاجتماعية Etablissements Sociales عليهم، ولكنهم ينتجونها ويحددونها بتوجهاتهم الثقافية وبالصراعات الاجتماعية المنخرطين فيها.
إن احتفاء ألان تورين بالحركة الاجتماعية ودورها في الثقافة المعاصرة، جعله ينتقد كل من «ماركيوز»، «فوكو»، «لوي ألتوسير» و«بورديو»، ويأتي ذلك حينما رأى هؤلاء أن الحركة الاجتماعية مجرد تمرد يتم على هامش المجتمع دون تأثير كبير. بدعوى أن المجتمع المعاصر أصبح يميل أكثر فأكثر إلى التسلط والمراقبة المحكمة، وذلك حيث إن الحياة الاجتماعية لم تعد إلا تجليات لسيطرة مطلقة.
يعتبر تورين أن انتقادات «ماركيوز»، «فوكو»، «ألتوسير»، و«بورديو»، للحركة الاجتماعية قد ينسحب عليها في شكلها ودورها النقابي القديم المرتبط بالعمل السياسي من فئة نقابية تطالب بحقوقهم. لكن، ألان تورين يعتبر أن الحركة الاجتماعية الجديدة من وجهته: «لا تتـشكل بالعـمل السيـاسـي والصـدام، ولكـن بتأثيـرهـا فـي الرأي العـام».
فهنا حسب تورين، نتحدث عن حركة اجتماعية جديدة لها تأثيرها البالغ، وقائمة في تأسيسها على وعي وقناعة بخلاف الحركة «الباردة»، أو المتشكلة بالعمل السياسي والمرتبطة بالمجتمع الصناعي أساساً. تتميز الحركة الاجتماعية الجديدة عند ألان تورين بقدر معين من التنظيم والاستمرارية اللذان من خلالهما تسعى إلى الفعالية في إعادة إنتاج تاريخ الأنساق الاجتماعية، كما تتميز بكونها لا توجد في المجتمع الصناعي ولا في المجتمع قبل الصناعي. ويشدد ألان تورين على أن الحركة الاجتماعية هي التي من خلالها يمكن أن ندافع عن هويتنا، واستقلالنا الذاتي، وحريتنا من الخضوع والخنوع للسيطرة. لدى نجد تورين يلح بالدفاع عن الحقوق كأفراد بمبدأ المقاومة وشرعية السلوك الذي يتمثل في الحركة الاجتماعية المستمرة والتي من المستحيل السيطرة عليها.
ومن أجل ذلك يقترح ألان تورين تأسيس الحركة الاجتماعية على ثلاثة مبادئ يعتبرها أساسية، وهي كالتالي:
- مبدأ الهوية: ويقصد ألان تورين بمبدأ الهوية ضرورة تحديد الهوية الذاتية التي يمكن أن تكون متعددة ومركبة (مجموعة، طبقة، شريحة اجتماعية...) وبمقابلها أيضًا يجب تحديد هوية الخصم أي يجب أن تكون هناك فكرة وقضية. - مبدأ التعارض: يفترض مبدأ التعارض في الحركة الاجتماعية، عند تورين، تحديد الخصم، أي يجب أن يكون الخصم الذي تقوم عليه الحركة، واضحًا وموضوعيًا. وبصيغة أخرى، أن يكون لسؤال: لماذا الحركـة الاجتماعية؟ جوابًا معينا وواضحًا مثلا: «الحركة العمالية ضد تنظيم العمل، من أجل الاستقلال العمالي».
- مبدأ الكلية: ويقصد تورين بهذا المبدأ أن تكون الحركة الاجتماعية مكونة من وعي جمعي وبصيغة جمعية وشمولية لا أقلية وفردية، وذلك من أجل النجاح في التأثير على الرأي العام والحصول على الحقوق والمطالب، وذلك لأنه، حسب تورين، إذا كانت هناك حركة كلية شمولية فمن المستحيل السيطرة عليها.
واستنتاجا من مبدأ الكلية عند ألان تورين، أن الحركة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل الوعي بالسيطرة على حقوقهم. وأن الحقوق لا يمكن أن ترجع إليهم. لأن الحقوق لا يتمتع بها المغفَّلون.
هذا وعلاوة على أن ألان تورين اشتغل على الفعل الاحتجاجي، والعمل النقابي، والحركات الطلابية، والحركات الجديدة لأنصار البيئة ومناهضي العولمة المجازفة، والرأسمالية المتوحشة، كما نجده شارك في الاحتجاجات ضد الحروب الاستعمارية التي خاضتها بلاده فرنسا منذ شبابه قبل شعوره بالأخوة مع المثقفين والعمال الذين كانوا يرفضون الديكتاتورية الشيوعية في بودابست...
ويلخص ألان تورين هدفه من الحركة الاجتماعية الجديدة في تحديد إرادة الحصول على حقوق جديدة، وفرض الاعتراف بالحقوق الواجبة المحتكرة عليهم، ويلح على أن الانضمام إلى الحركة الاجتماعية الجديدة التي تمثل كما سبق الذكر الدفاع عن الهوية والمصالح الخاصة والنضال ضدا على الخصم.
سابعا: دور علم الاجتماع المعاصر في منظور ألان تورين:
يرصد ألان تورين أنه في كل مرحلة من تطور المجتمع هناك علم يمثل موقعًا مركزيًا ويكون بالغ التأثير. إذ يقول: «كالاقتصاد في المجتمع الصناعي، والفلسفة السياسية في المجتمعات التجارية قبل الثورة الصناعية، أما اليوم فهذا الموقع يمثله علم الاجتماع المعاصر. وذلك من حيث كونه أصبح بؤرة الحياة الثقافية المعاصرة. كما أصبح دوره إيجابيًا في إنتاج المجتمع».
وبالإضافة إلى تورين، يتمثل دور علم الاجتماع المعاصر في تنشيط المجتمع ومساعدة المجتمعات على الفعل، على صنع تاريخها، ومساعدة الفاعلين على التحرر من سجن وقيود المؤسسات الاجتماعية التي تكرس النظام على نشاطهم وتجعل من حركاتهم الاجتماعية ضد خصومها على هامش المجتمع من غير تأثير ولا فعالية.
ويضيف أيضا، تورين، أن دور علم الاجتماع المعاصر يرتبط ارتباطا قويًا بروح النضال وتغيير العالم. أي الخروج من عالم الصراعات، والحروب، والرأسمالية، والأوهام الراسخة، إلى عالم يعترف بالفاعلين الاجتماعيين وإرادتهم في إنتاج وإعادة الإنتاج.
ثامنا: خلاصة عامة عن ألان تورين:
استخلاصا لإنجازات ألان تورين وإسهاماته الفكرية المتنوعة، نلحظ أنه ليس باحثا عابرًا في الميدان السوسيولوجي، بل له حضورا قويا ومتميزا، جعله يعد من كبار وعمالقة هذا العلم، فيما يخص تحليله العميق وجدَّة منظوره إذا لم نقل منظوره الثوري. هذا وإلى جانب صياغته لبراديغم Paradigme قوي حاول من خلاله إبعاد كثير من السوسيولوجيين الذين يستهدفون الحصول على مصالحهم الذاتية نتيجة للإغراءات الأيديولوجية. يقول: «الإنسان السوسيولوجي لا تقوده مصلحته ولكن ما يتوقع منه». ألان تورين طالما أمد الحقل السوسيولوجي بالعديد من الإسهامات والمفاهيم العديدة من قبيل «الفاعل الاجتماعي»، و«الحركة الاجتماعية»، و«المجتمع المبرمج» أو«ما بعد الصناعي».
وبالإضافة إلى ألان تورين، فهو من عمالقة علم الاجتماع الذين ساهموْا في إغناء السوسيولوجيا بجهاز مفاهيمي ثري. كما أنه من علماء الاجتماع الذين لهم نزوع إنساني وخوف على العالم من الحروب والصراعات، والعولمة والحداثة المجازفة، لذا نراه دائم النضال بأفكاره ومنجزاته القوية والثورية...
---------------- * لائحـة المراجـع والمصـادر:
- Alain Touraine, le reteur de l’acteur, Paris, Fayard, 1984. - ألان تورين، نقد الحداثة la Critique de la Modernité، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة 1998. - ألان تورين، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم، ترجمة: جورج سليمان، مركز دراسات الوحدة العربية، المنظمة العربية للترجمة. - عبد الرحيم العطري، الحركات الاحتجاجية بالمغرب، دفاتر وجهة نظر،الرباط،2008 .
--- **باحث في علم الاجتماع
#محمد_المستاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورات عربية دامية.. ومكتسبات مفقودة.. وإرادة مسلوبة!!
-
هل تنظيم المهرجانات من أهم الأولويات في سياسة الحكومات بالمغ
...
-
إلى الزمزمي، كيف يمكنني أن ألاقي الملك ليمنحني رخصة نقل كعطا
...
-
العدالة والتنمية: -مَا يْخَسَّرْ خَاطَرْ، مَا يَقْضِي حَاجَة
...
-
إلى رمة المزاح برنامج جديد: -المدام مسافرة- على القناة الثان
...
-
لماذا يجتمعون في -قُبَّةِ- البرلمان؟ / الأسئلة المحرجة.. وال
...
-
إشكالات مرتبطة بموضوع ظاهرة الهجرة الخارجية. إشكالية الهوية
...
-
واقع الحال في المؤسسات الصحية بالمغرب.
-
لا تغيير ولا تنمية حقيقيين حتى توقف الدول الغربية عن التدخل
...
-
عندما نتخلى عن القيم... اغتيال الأخلاق وذبح الحياء هو حتما ط
...
-
تقرير عن: اليوم الدراسي حول: -التنمية في المغرب بين المحلي ا
...
-
الإعلام كمؤسسة تنشئوية مدعمة ومنافسة لدور الأسرة في التنشئة
...
-
المؤسسات المدعمة والمنافسة لدور الأسرة في التنشئة الإجتماعية
-
أي سر وراء أزمة القراءة بالمغرب؟ أزمة في عدم القراءة، أم أزم
...
-
التلفاز المغربي، إنتاج للعطب
-
حضورية الأنترنيت في المجتمع المغربي، إيجاب أم سلب؟؟
-
التراتب الإجتماعي وعلاقته بإشكالية السلطة، والتغير الإجتماعي
...
-
علاقة التأثير الإجتماعي بوسائل الإتصال الجماهيري
-
عرض حول: عالم الإجتماع الفرنسي ألان تورين Alain Touraine
-
المغرب والتنمية، أية علاقة؟
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|