اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني
الحوار المتمدن-العدد: 4193 - 2013 / 8 / 23 - 03:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تابع موضوع (في التاريخ و التراث و الدين) الذي نشر في مجلة الحقيقة التي كان يصدرها الحزب الشيوعي الاردني.
العدد 2, 1992
الجزء السابع و الأخير: ينبغي فصل الدين عن الدولة..
ومبدأ فصل الدين عن الدولة مبدأ اساسي يتعلق بالدولة, و السلطة السياسية و نظام الحكم ولا يتعلق بالدين و المتدينين.
فصل الدين عن الدولة لا يعني الغاء التدين أو تقييده أو تفحص معتقدات المتدينين و الرقابة عليهم, فالدين لا يمكن الغاؤه سياسيا او عسكريا, و حرية الاعتقاد من صلب الحريات الفردية و العامة.
ومبدأ فصل الدين عن الدولة, يعترف بالدين و يحترمه, و يعترف بالدولة و يسعى الى ضبط حدودها وصلاحيتها, هذا المبدأ يطالب فقط بفك الربط بينهما, و يريد العودة بالدولة الى طبيعتها, و تحرير الدين من قبضة السلطة السياسية.
فصل الدين عن الدولة يعني ببساطة منع انتساب الدولة الى السماء و التعامل معها باعتبارها مؤسسة حقوقية مدنية تبسط سلطانها على الأفراد و المجتمع و تعني بالتالي تثبيت حق المجتمع, حق المحكومين في محاسبة القائمين و المتصرفين في امورهم من غير أن يحتمي هؤلاء بحصانة دينية أو تفويض الهي.
ان مبدأ فصل الدين عن الدولة ينهض في مواجهة الدولة لا في مواجهة الدين, فالدين ليس بحاجة الى الدولة, و كل الأديان بلا استثناء نشأت خارج اطر الدولة, و في بؤر انطلاق ضيقة داخل المجتمع.
الدين عقيدة تقر في وجدان صاحبها, و المتدين ليس به حاجة الى الدولة و مؤسساتها في اي من شعائره وعبادته, لكن الدولة هي التي تستعين بالدين و تستثمره و تصنع من القداسة الدينية حصانة لقادتها وأجهزتها.
وفصل الدين عن الدولة يعني اضفاء الطابع الانساني على العلاقة بين الحاكمين و المحكومين, علاقة بشر مع بشر, لا علاقة بشر مع الهة أو انصاف الهة أو وكلاء الهة, و نقطة الانطلاق الأولى في منع الدولة من استثمار الدين هو منع انتسابها الى السماء, و المقدمة الاولى لقطع ارهاب الحكم هو تأكيد نيابتها عن المحكومين لا عن الالهة.
ان اكتساب الدولة و الحكام طابعا دينيا, كان مدخلا لطوفان من القهر و الظلم و الفساد تواصل قرونا طويلة, دفع ثمنه الباهض جماهير المتدينين البسطاء من حياتهم, و أقواتهم و حرياتهم, و تقدم شعوبهم, ولهذا فان الجماهير, بصرف النظر عن عقيدتها الدينية بحاجة الى ضمانة لوقف هذا الطوفان و اقتلاعه, و هذه الضمانة تبدأ باستعادة جماهير المتدينين لدينهم, و اعادة الدولة الى قواعدها الحقيقية.
لقد تعرض هذا المبدأ لهجوم عنيف من قبل بعض القوى و الأحزاب الدينية, ووصف بالكفر و الالحاد, من غير ان يقدموا نموذجا للدولة (الدينية) المعاصرة التي يريدونها, من غير ان يقولوا كلمة واحدة في تجربة الدولة (الدينية) القائمة في السعودية منذ سبعة عقود, ومن غير ان يعطوا (فتوى) في نماذج الدول الدينية التي يعج بها تاريخنا.
ان الامانة للحقيقة التاريخية تقتضي الاشارة الى أن اول من دحض الطابع الديني, و الوظيفة الدينية للدولة في منطقتنا هم نفر من رجل الدين المصلحين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين.
وأول من هاجم الخلافة التركية هو عبد الرحمن الكواكبي (1854-1902) مؤلف كتاب (طبائع الاستبداد) و دعا الى الثورة و اسقاط الخلافة العثمانية, و استبدالها بخلافة عربية لا يكون لها مهمة سياسية, و حصر دورها في الشؤون الدينية, و نادى بثورة الشعب طريقا للتخلص من الاستبداد و التخلف و السيطرة الاجنبية.
و مارس الكواكبي النضال الفعلي ضد الهيمنة التركية, و دفع حياته ثمنا لذلك اذ مات مسموما على يد جواسيس السلطان عبد الحميد.
و في عام 1925 وضع الشيخ الأزهري على عبد الرزاق كتاب (الاسلام و اصول الحكم) فدعى بوضوح الى فصل الدين عن الدولة و أنكر الخلافة من حيث المبدأ, و قد جرم هذا الشيخ على كتابه هذا, فسحبت منه (العالمية) و شطب من قائمة العلماء و طرد من الأزهر ومنع من تولي أي وظيفة.
ان بعض الأحزاب الدينية ترفض شعار فصل الدين عن الدولة بحجة أن يظل الاسلام شريعة تحكم حياة المسلمين و في هذا خلط كبير بين التشريع و الدين مرده الخلط بين القوانين و مصادرها. فمن مقومات العدل و الديمقراطية و حفظ حقوق المواطنين في الدولة المعاصرة وجود دستور, و سلطات تنفيذية و تشريعية و قضائية, و قوانين تنظيم اوجه النشاط, و في ذلك كله يتعزز احالة الحكام و المحكومين و القضاة الى فتاوي الفقهاء التي وضعت قبل أكثر من عشرة قرون أو الى نصوص عامة يختلف في تفسيرها فقهاء المذهب الواحد.
لقد شهد الفقه الاسلامي حالة من الجمود المريع منذ ان اغلق باب الاجتهاد في القرن الرابع الهجري, و حصر الافتاء و القضاء بالمذاهب السنية الأربعة, و تحول كل مذهب له عالم خاص له استقلاليته عن المذاهب الاخرى و استمر هذا الوضع الى النصف الأول من هذا القرن.
لا بديل اذن عن وضع قوانين محددة و ملزمة تحكم مختلف النشاطات, و هنا بالضبط, اي عند وضع القوانين يصار الى البحث في مصادرها, فليست مشكلة في ان يكون الفقه الاسلامي واحد من هذه المصادر, فالمهم ان تكون هناك قوانين تلبي مصالح الناس و تنسجم مع روح العصر, و المهم ان يتوقف منهج الاحالة الرومانسية المطلقة على الحقب الوضائة في التاريخ, فالتحدي الاكبر هو استلهام كل ما هو تقدمي من التراث.
لقد تحول شعار التمسك بالاسلام او العودة الى الاسلام الذي رفعته بعض الأحزاب السياسية الدينية منذ مطلع القرن العشرين ضد كل القوى و الأحزاب و الأنظمة و التجارب و البرامج الوطنية فحارب الدنيا باسم الدين, و كفرت الخلف باسم السلف, و عارضت العروبة بالاسلام, و الحكم الوطني الديمقراطي بالخلافة, و الديمقراطية بالشورى, و العلم بالنص, و شغلوا نفسهم بأنه (هناك معركة ضد الاسلام) و ما هذا الا وهم, بالرغم من ان الاسلام السياسي هو اكثر من الحق الأذى بالاسلام.
فتجارب الدولة الاسلامية المعاصرة في السعودية و دول النفط و باكستان, قاتمة, وموغلة في البدائية و الفساد و التخلف, فهذه الدول لم تجد في شرع الله ما تطبقه سوى قطع يد السارق و اخفاء وجه المرأة عن عيون الناس, و انشاء البنوك (الاسلامية), أما الامية و المرض و مصادرة حريات الناس, و نهب الاحتكارات, و الخنوع للامبريالية و الفساد السياسي و الأخلاقي فليس لها حكم في شرع الله عند هذه الدول.
وحتى تجربة الاسلام الثوري في ايران فقد غرقت في الدماء وولاية الفقيه.
ان التجربة القاتمة لهذه الدول تؤكد ضرورة فصل الدين عن الدولة تماما مثلما تؤكدها التجربة التاريخية على امتداد القرون التي سلفت.
أما القول بأن ظلامية هذه التجارب و فسادها مرده ابتعاد الحكام عن الدين فانه القول الذي يصطدم بالحقيقة التاريخية التي تؤكد ان كل الدول السالفة من امويين و عباسيين و بويهيين وسلاجقة ومماليك وعثمانيين, كل دولة او دويلة من هؤلاء, كان لها فقهاؤها, و مساجدها, ومدارسا الاسلامية التي تتكفل باضفاء الطابع الديني عليها, و ان النتاجات الفكرية و الفتاوى الفقهية و الممارسات السياسية و الاجتماعية لهذه الدول هي جزء من التراث الديني و الفكري, و أن كل من خرج عن هؤلاء مسجلين في القائمة التاريخية (السوداء) باسم خوارج و شيعة و قرامطة و رافضة وزنادقة وملاحدة (خارجين عن الدين و الجماعة).
وهو قول ايضا يصطدم بالمواقف الراهنة لأغلب الحركات و الأحزاب السلفية التي تبارك اشد نماذج الحكم تخلفا وتبعية في بلدان النفط وتتمول منها, بينما تسرف في الوقت ذاته في محاربة وتكفير التجربة الوطنية الناصرية على سبيل المثال.
ان هاتين الحقيقتين معا, توجبان تنقية الدين من كل معطيات و بصمات التطرف, و الارتزاق السياسي و الانغلاق المذهبي.
ان السلفية الجديدة هي امتداد وتواصل للسلفية القديمة, رغم ما بينهما من فاصل زمني, و اختلاف في ظروف الحياة, و هذا التواصل هو شيء طبيعي لأن السلفية هي المنهج الذي ظل سائدا لبضعة قرون, و لأن الغالب الأعم من التراث الفكري و السياسي, وما تعبق به الكتب الدينية الحالية و المؤلفات و الفتاوي والذي وصل الى القرن العشرين هو تراث السلفية.
و السلفية الجديدة ولدت و استنفرت دفاعا عن (القديم), و في مواجهة التيارات الفكرية و السياسية و الدينية التي ولدت و ازدهرت في خضم النضال الوطني التحرري ضد الاحتلال التركي و الاستعمار الغربي, و لهذا فالسلفية لا تقدم برنامجا واضحا, و جوهر اطروحاتها هو العداء للتيارات و المذاهب الجديدة باعتبارها (معادية للاسلام) و الدعوة الى التمسك بالقديم, باعتباره تجسيدا و تطبيقا لشرع الله.
اما برنامجها (الاسلامي) في الاقتصاد و السياسة و الثقافة و الحياة الاجتماعية فانه يتمثل في استحضار النص الديني و فتاوى الأقدمين.
و هذا المنهج السلفي الذي لا يعترف بالتطور و الحياة, و يتحصن بقلاع التكفير ضد كل جديد في الفكر و الحضارة و العلوم, هو منهج رث و بالي, و يلعب على المشاعر و العواطف الدينية للناس.
#اللجنة_الاعلامية_للحزب_الشيوعي_الاردني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟