أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الطائفية والطغيان: الأسفلان في لبنان وسوريا















المزيد.....

الطائفية والطغيان: الأسفلان في لبنان وسوريا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1199 - 2005 / 5 / 16 - 11:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


مشكلة لبنان الأولى هي الطائفية، أو قوة الطوائف إزاء الدولة وضعف الدولة حيال الطوائف. وجذر المشكلة ان نظام الدولة تكون أصلا باتفاق طوائفي. ضعف الدولة يتضمن أن تفكك الوحدة الأهلية احتمال قائم دوما، وأن الصراع الأهلي خطر لا يمكن استبعاده. لكن، بالمقابل، صان تكوين الدولة هذا حيزا من الاستقلال الاجتماعي لا يمكن انتهاكه دون ان تدمر دولة الميثاق الوطني نفسها. ورغم انغماس الطوائف في الحرب وفرط تطييف كل منها، أعني طرد الاختلاف و"الديمقراطية" من داخلها، فقد بقيت حية في لبنان فسحات مهمة من الاستقلال الاجتماعي والإعلامي والثقافي. يمكن القول إن ثمن "الديمقراطية اللبنانية" هو ضعف الدولة وقوة الطوائف.
ديمقراطية معتلة؟ بلا شك. لكن الخيارات المتاحة في الماضي ترواحت بين ديمقراطية معتلة وبين دكتاتورية معافاة تمص دم المجتمع وترفسه وتهينه. الطوائف هنا حرمات أوحصانات أو سلطات تحد من النزوع الطبيعي لكل سلطة إلى التوسع والاجتياح. لكن كل منها قد تكون سلطة استبدادية، وكل منها تحمل نزوعا لتكوين دولة ذاتية، وهي جميعا تنظيمات حرب اهلية ممكنة على الدوام. وبقدر ما إن الدولة هي حل مشكلة الحرب الأهلية، وبقدر ما إن الحرب الأهلية انحلال للدولة، فإن سؤال المستقبل اللبناني هو: كيف يمكن تقوية الدولة دون التضحية بالاستقلال الاجتماعي والديمقراطية الطوائفية؟ وكيف يمكن توسيع الاستقلال الاجتماعي وتضييق الولاءات الطائفية؟ دولة أكثر، طائفية اقل، ديمقراطية مستقرة؛ هذا هو الرهان اللبناني.
في سوريا البعثية لم يكن ثمة شيء يحد من اختراق الدولة للمجتمع واستتباعه. الطوائف غير معترف بها وغير مستقلة. الأحزاب المعارضة النشطة تقمع بعنف استئصالي، حقود وطويل البال. الحياة الثقافية والأكاديمية والاجتماعية مراقبة ومخترقة بشدة. لكن مقابل حرمان المجتمع السوري من اي شكل من اشكال الاستقلال الاجتماعي أو الانتظام الاجتماعي المستقل، البلاد لم تكن مهددة بشكل متفجر من الحرب الأهلية. المشكلة السورية "تغول" الدولة، بينما المشكلة اللبنانية ضعف الدولة. في سوريا الدولة تحل مشكلة الحرب الأهلية بحل المجتمع ذاته. الدولة حل للحرب الأهلية لكنها كذلك "حل" للأهل الاجتماعي إن جاز التعبير. هنا أيضا ليس ثمة حصانات ولا سلطات مستقلة ولا استقلال اجتماعي. سؤال المستقبل السوري كيف يمكن حماية مناطق حرة للاستقلال الاجتماعي دون إضعاف الدولة ودون مزالق الطائفية؟
بصورة تخطيطية يمكن القول إن "المثل الأسفل" اللبناني هو الطائفية المطلقة أو الحرب الأهلية، والمثل الأسفل السوري هو السلطة المطلقة أو الطغيان. وقد جرب البلدان مثليهما الأسفلين حتى الثمالة. بل جربا كل منه مزيجه الخاص وبعض مزيج شقيقه. ثمة بعض الأسفل اللبناني في الحالة السورية، وذاق اللبنانيون بعض ما خبره إخوانهم السوريون من سلطة اعتباطية و"دولة أمنية". ولا ريب أن الخوف من المثل الأسفل السوري يدفع لبنانيين كثيرين إلى الاستسلام لمثلهم الأسفل الطائفي. ولا ريب كذلك أن الخوف من المثل الأسفل الطائفي كما تجسد في الحرب اللبنانية يدفع الكثير من السوريين إلى تقبل الطغيان.
إنتاج المثل السفلى
غير أن الأسوأ (أو الأسفل) لا يكون الأسوأ (أو الأسفل) إلا إذا نجحت الثقافة في إقناع الناس بأنه كذلك، اي بجعله موضع تحريم وتربية ضمير مضاد له. فالمثل الأسفل ثقافة مثل المثل الأعلى. والمثل الأسفل ينتج اجتماعيا كما المثل الأعلى. والمثل السفلى التي لم "تحتويها" الثقافة (تستوعبها وتطوقها) يجازف المجتمع بان يسقط فيها من جديد. ومما لا يكاد يحتاج إلى تأكيد خاص ان الحواجز الأخلاقية ضد التمييز الديني والمذهبي والإثني ضعيفة في ثقافة اللبنانيين والسوريين قدر ما هي كذلك الحواجز ضد التسلط والاعتباط والقسوة. بسهولة انزلق لبنانيون إلى سلوك عنصري ضد سوريين عزلا، وبسهولة ينزلق سوريون إلى شوفينية جريحة موجهة ضد لبنانيين. هنا مشكلة ثقافية لا ينبغي السكوت عليها، مهما أمكن تفهمها سياسيا. وعجز الثقافة عن التصدي إلى هذه الدناءات يبيح لنا القول إن الدكتاتورية والطائفية مثلان أسفلان "في ذاتيهما" وليس "لذاتيهما"، اي أن لدينا مشكلتان واقعيتان لكن لم نتمكن من جعلهما مسألتان فكريتان. وهو ما يدعو إلى جهد ثقافي أكبر في سبيل محاصرة الطائفية والطغيان أخلاقيا وثقافيا أو تسفيلهما. فهذا الجهد وجه مكمل للكفاح السياسي والحقوقي ضدها. ومن نافل القول أن التسفيل ليس محض تشهير كسول أو اجترار إنشائي لمساوئ الطائفية والطغيان. إنه جهد فكري وفني وفلسفي وأخلاقي يحاصرهما في داخل الفرد قبل أن يطردهما من المجتمع والدولة.

كثير من المأساة وقليل من المعنى
في الثقافة السياسية اللبنانية الشان الطائفي اكثر حضورا مما هو الطغيان في الثقافة السياسية السورية. غير أنه يصعب القول إنه يحضر كمثل اسفل. يصعب القول أيضا إن ثمة قرارا ثقافيا لبنانيا بنبذ الطائفية والتحرر منها وإخراجها من "الصواب السياسي" اللبناني. ولا ريب أن حداثة العهد بالحرب اللبنانية التي كان لها وجه أهلي وطائفي بارز من جهة، وما أشرنا إليه أعلاه من قيام الطوائف بحماية درجة مهمة من الاستقلال الاجتماعي من جهة ثانية، يعوقان تأسيس الوطنية اللبنانية على تحريم الطائفية أو تسفيلها. ورغم ان الطائفية كلفت لبنان عشرات الوف الشهداء فإن عدد من يمكن اعتبارهم شهداء ضد الطائفية ومن أجل جمهورية لبنانية قائمة على المساواة قليلون جدا. هذا بينما المثل السفلى تحاصرها التضحيات ودماء الشهداء ذاتها التي تحمي المثل العليا.
وإذا أمكن الاستناد إلى النموذج الذي توحي به مشاركة الشباب اللبناني من الجنسين ومن طوائف متعددة في "انتفاضة الاستقلال" فإن جيل ما بعد الحرب، الجيل الذي لم تكوّن الحرب ذاكرته ولم تختلط ببناء شخصيته، سيكون جيل الوطنية اللبنانية الجديدة. ومن ناحية أخرى سيكون لتخفف حدة الاستقطاب الإقليمي وتسوية مقبولة نسبيا للصراع العربي الإسرائيلي وأفول الدكتاتوريات الإقليمية أن تدعم الدولة اللبنانية على حساب الطوائف دن أن يكون ذلك ضرورة على حساب الحريات.
ما ينطبق على الطائفية اللبنانية ينطبق على الطغيان السوري. كلف الطغيان سوريا آلاف الضحايا والشهداء، لكن عدد الشهداء ضد الطغيان ومن أجل الديمقراطية أقل. الطغيان يقتل الناس لأنه طغيان ولأنهم يعترضون على بعض وجوه نظامه، وليس بالضرورة لأنهم منسجمون في مقاومتهم له. وكذلك تقتل الطائفية الناس لأن الطائفية تقتل، وليس بالضرورة لأنهم مكافحون منسجمون ضدها. هناك فجوة بين الاستعداد للتضحية والمقاومة وبين الوعي الذاتي للتضحية والمقاومة. المآسي ذاتها، لكن المعنى أقل. والتضحيات ذاتها، لكن الأبطال اقل. المشكلة ثقافية.
الثقافة في سوريا كانت ضعيفة حيال العقائد والتنظيمات الخلاصية الحاملة لبذور الطغيان الحكومي. وبينما ينتقد السوريون بحدة في السنوات الأخيرة الطغيان الذي يعانون منه ولم يقصروا في تسفيله فإنهم كانوا أقل نجاحا في بناء الوعي الوطني السوري حول مناهضة العسف والاعتباط وتحريم القسوة وتجريم التعذيب. ونميل إلى الظن بأن المشكلة ثقافية أكثر مما هي سياسية، أعني أن الثقافة لا تزال مقصرة عن استيعاب وتمثل الخبرة الحية للسوريين في ظل الطغيان وعن بث الانسجام في وعيهم وسلوكهم في مواجهته. وقد يمكن القول إن تجنب النزاع الأهلي ( لكن ليس الولاء الطائفي) ثقافة في لبنان، بينما لم يبلغ تجنب الطغيان هذا المستوى في سوريا. ولعل الأصل في ذلك، في الحالين، ما سبق ان اشرنا إليه من دور للطوائف في الحد من تسلط الدولة المحتمل في لبنان، ومن دور للدولة في سوريا في الحد من احتمالات التناثر الأهلي وفي تحقيق ذاتية سياسية عليا تهدئ القلق السياسي والكياني السوري. بعبارة أخرى، يخشى السوريون ضعف الدولة بدرجة قد تفوق خشيتهم من قوتها، ويخشى اللبنانيون ضعف طوائفهم اكثر مما يخشون قوتها.

احتمالات قوية وخيارات ضعيفة
غير أن هذا يحد من الخيارات المتاحة للشعبين. فخيارات السوريين تبدو محصورة بين دولة قوية تسحقهم وبين دولة ضعيفة يخشون منها على بقاء بلدهم واستقرار مجتمعهم، أو بين الطغيان والتفكك الوطني والاجتماعي الذي قد يأخذ شكلا طوائفيا. ولا يبدو الجمع بين دولة قوية وسيادة القانون خيارا سياسيا واجتماعيا حقيقيا. وفي لبنان تبدو الخيارات محصورة بين قوة الطوائف وضعف الدولة، وبين قوة الدولة وانسحاق مساحات الاستقلال الاجتماعي. هنا ايضا لا يرتسم بصورة مقنعة خيار يجمع بين قوة الدولة وشكل ديمقراطي للاستقلال الاجتماعي.
السؤال اللبناني، ختاما: ما هي الخطط والسياسات والبرامج الضرورية لخفض الطلب الاجتماعي على الطائفية؟ أما الكلام على إلغاء الطائفية السياسية فلا معنى له حين تكون الطائفية، وليس الدولة، هي الحل. والسؤال السوري: كيف يمكن التحول نحو نموذج للدولة القوية لا يرتكز على العنف وحده؟ كيف يبنى التفاهم الوطني السوري على أسس مدنية ودستورية متطورة تحل محل الشكل البعثي، القسري والفوقي، للوطنية السورية؟ أما الكلام الغنائي على الديمقراطية والتعددية فقليل الجدوى حين يكون الطغيان نوعا من الحل.
المشكلة ان الاحتمالين السيئين خياران اجتماعيان حقيقيان، اما الاحتمالين الجيدين فليسا خيارين لأحد.
ثمة، بلا شك، ازمة ثقافية واجتماعية بالغة الخطورة حين تكون المثل السفلى حلولا، والمثل العليا منابع للأخطار.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب الله والبشمركة: مشكلات السيادة والسياسة والعدالة
- على غرار ما تتغير الأنظمة يكون مستقبل البلدان
- مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما ب ...
- المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية
- الثقافة المنفية في سوريا البعثية
- دستور السلطة الخالدة
- الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!
- في أصل -السينيكية- الشعبية
- وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!
- جنون الاستهداف والعقل السياسي البعثي
- في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!
- ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟
- على شرف حالة الطوارئ: حفلة لصيد -الخونة- بين قصر العدل وساحة ...
- نحو تملك عالمي للحداثة والتغيير تأملات حول شيوعية القرن العش ...
- نقاش حول الدين والثقافة وحرية الاعتقاد
- تسييس العلاقة السورية اللبنانية
- ما بعد الحقبة السورية: تحديات الوطنية اللبنانية الجديدة
- أمام الأزمة وجهاً لوجه
- من يقتل رفيق الحريري؟
- الإعلام الفضيحة: ماذا فعلت جريدة -تشرين- بالحوار مع الأسير ا ...


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الطائفية والطغيان: الأسفلان في لبنان وسوريا