|
عندما تلون -فايسبوك- بالأصفر!
رائد جبر
الحوار المتمدن-العدد: 4192 - 2013 / 8 / 22 - 19:54
المحور:
المجتمع المدني
لم تكد تمر ساعات حتى اصطبغت كثير من الصفحات العربية على الشبكة الأوسع انتشارا باللون الأصفر. في البداية، كانت الصدمة. جاءت الصور المروعة للمجزرة لتفقد كثيرين القدرة على النطق. وانهالت التعليقات بشتائم جارحة ضد الجميع، ضد النظام "الفاشي" والمعارضة "الفاشلة" وضد جامعة الدول العربية "العاجزة" ومجلس الأمن والغرب "المتآمرين" وباراك أوباما المتردد لدرجة أنه غدا بسلبيته المفرطة "شريكا في الدم"، وروسيا وإيران وبقية أركان "العصابة التي تقتل الشعب السوري". حال الغضب والاحتقان كانت الأعنف ربما على شبكة التواصل الاجتماعي منذ انطلاقتها وتحولها بعد مرور سنوات إلى ثاني أكبر "بلد" في العالم لجهة عدد "السكان". بعد مرور ساعات بدأت الصفحات تتلون بشعار مناهضة السلاح النووي والكيماوي الشهير بلونه الأصفر، ولم تنقض الليلة حتى غدا الأصفر مسيطرا على الغالبية الكبرى من صفحات المعارضين السوريين ومئات الألوف من العرب الذين التحقوا بهم تضامنا أو لمجرد إعلان الاستياء وإدانة مذبحة "الغوطتين". مرة أخرى تغدو صفحات "فايسبوك" ساحة للتلاقي الافتراضي على حملة واسعة النطاق، يصعب معرفة مركزها أو نقطة انطلاقها. مع مرور اليوم الأول بعد الحدث المروع، كان المزاج عند عدد كبير من ناشطين الفضاء الالكتروني بطرفيه الموالي أو المعارض بدأ يميل نحو محاولة فرض وجهة نظره ورؤيته. وبرز من تبنى تماما وجهة النظام بأن الموضوع لا يعدو كونه "فبركة إعلامية" وانطلق نحو وضع نظريات "تحليلية" من خلال التأكيد على استحالة جمع الجثث بالطريقة التي ظهرت في الصور بعد مرور ساعات قليلة على "هجوم كيماوي مزعوم"، ووضع السؤال عن توقيت الحدث بطريقة تشكيك لجهة أن توقيت "الحملة الإعلامية" هدفه فقط إحراج النظام، ليصل إلى فرضية تتجاهل كل الدماء المراقة وتعود إلى مربع "المؤامرة الخارجية" و"فبركة الحدث" . أما الفريق الأكثر تطرفا فقد التقط الفرضية الأبعد والتي انفردت بها موسكو وحدها دون بقية العواصم، وهي أن المعارضة المسلحة "الإرهابية" هي صاحبة الصاروخ المدمر . المثير في "السيناريو الروسي" للحدث أن دمشق الرسمية صاحبة العلاقة الأصلية لم تكن حتى تلك اللحظة أشارت ولو بالتلميح إلى احتمال أن تكون المعارضة ضربت الغوطة بالكيماوي، كانت تقول فقط إن الجيش لم يضرب المنطقة. وبصرف النظر عن السقطات الواضحة في "فرضية موسكو" القائمة على أساس أن المعارضة بفرض إنها امتلكت سلاحا كيماويا فهي تغامر بضرب منطقة تقع تحت سيطرتها بالكامل وتقتل ألوفا من أنصارها فقط كي "تحرج النظام أمام المفتشين الدوليين" و"تعرقل جنيف 2". المهم أن الفرضية انتشرت في الفضاء الالكتروني سريعا، ووجد فيها من لم يعرف كيف يدافع عن النظام منقذا. في المقابل، لم تكن التحليلات التي اكتظت بها صفحات المعارضين أكثر عمقا، وظلت قريبة في تناولها للحدث من تلك السطحية . وكانت في غالبها تحمل عبارات "جلد الذات" والهجوم الحاد على أقطاب المعارضة الخارجية والداخلية على السواء. اللافت في الحالين وعند المعارضين أو الموالين غياب روح النقاش، فالرأي الآخر في كل الأحوال إما قاتل أو عميل. وهذا أمر غدا تقليديا على صفحات التواصل الاجتماعي العربية التي لم تلمس برغم اتساع انتشار استخدامات الفضاء الالكتروني الغاية التي دفعت أصلا إلى إطلاقه، واستخداماته خارج المنطقة العربية المتعبة بهمومها. والأمر ينسحب بالدرجة الأولى على طبقة المثقفين العرب الذين قسمهم "الربيع العربي" إلى "أبيض ناصع" أو "أسود كالح". لكن المشهد ليس سوداويا تماما، كما قد يتخيل المرء للوهلة الأولى. وبين الفريقين برزت دعوات جادة للقيام بتحرك عملي. هكذا التقط ناشطون مقطع فيديو ظهرت فيه الطفلة التي هزت مشاعر كثيرين وهي تخاطب طبيبها بسؤال: أنا عايشة؟ وحولوه إلى مادة هدفها إطلاق حملة لإنقاذ من تبقى على قيد الحياة. كما دشن آخرون حملة تهدف إلى جمع توقيعات على عريضة تدعو لإرسال مفتشي الأمم المتحدة إلى موقع الحدث سريعا لتقصي الحقيقة. ومهما كانت الآمال ضعيفة بأن حملات من هذا النوع يمكن أن تأتي بنتائج مرجوة، لكنه أمر ايجابي مجرد التحول من الاستخدام الحالي لصفحات شبكات التواصل العربية كمنبر لتبادل الشتائم، أو للدعوة إلى التظاهر في أحسن الأحوال، نحو أن تكون منابر حقيقية للحوار إذا أمكن ولإطلاق نشاطات جماعية لها تأثير عملي. قبل ذلك، عندما قطعت الكهرباء والانترنت عن مدينة دمشق تماما أطلق ناشطون حملة "هنا دمشق" التي انتشرت في كل أنحاء المعمورة، وصحيح أن النظام لم يسمع صوت العالم الافتراضي، لكن مئات الألوف من المشاركين في الحملة كانوا فخورين بأنهم لم يصمتوا ويستكينوا وأعانوا دمشق ما استطاعوا حينها. واليوم عندما ترتدي الصفحات اللون الأصفر، رافعة الصوت بمحاكمة دولية جادة توقف استخدام كل أنواع الأسلحة المحرمة، تبدو الحملة في غاية الأهمية بقدر ما تضع أساسا مرة أخرى لاستخدام فعال وجاد للفضاء الالكتروني العربي.
#رائد_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسطيني استوطن مطار عمان....فاكس عطلان وجواز سفر لا يصلح للم
...
-
برسم ضحايا حلفايا...أنقذوا سورية من فصيلة تيبيتس!
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|