|
الجالية العراقية تصارع الأفكار في التعامل مع ابنائها -اصحاب الأحتياجات الخاصة-
كمال يلدو
الحوار المتمدن-العدد: 4191 - 2013 / 8 / 21 - 09:33
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
لاشـــك بأن الزيادة الكبيرة التي طرأت على اعداد العراقين المهاجرين أو اللاجئين (او حتى الوافدين بالزيارة) الى الولايات المتحدة قد حمل معه هموما جديدة، او حلولا ممكنة لبعض العوائل التي تتقاسم مع افرادها حالة او اكثر من حالات "ذوي الأحتياجات الخاصة"، هذه القضية التي تسبب الأحراج للبعض أو ربماالخجل او العصبية او حتى الأعتكاف في المنزل وعدم مواجة الناس، او ربما فرض حصار على العائلة خشية ان يعلم الاخرون بوجود مثل هذه الحالة، والتي يذهب البعض بعيدا ليعتبرها (انتقام) الآلهة، او (عقوبة) السماء عليها!
"اصحاب الأحتياجات الخاصة": تسمية تستعمل في الأوساط النفسية والأكاديمية والصحية والحكومية في الولايات المتحدة، للدلالة على الأشخاص الذين لا يعينهم جسمهم او عقلهم ليؤدوا وظائفهم بذات الفاعلية التي يؤديها الأنسان السليم. وقد اختيرت هذه التسمية بعد تجارب وأختبارات كبيرة مـّر بها المجتمع الأمريكي، وقوانين كثيرة ناضل من اجلها المثقفون والأطباء والأنسانيون من اجل انصاف هذه الشريحة التي (لا حول لها ولا قوة) وبغية تسميتهم التسمية الأنسانية التي لا تقلل من قيمتهم ولا تمتهنهم كفصيل بشري، يحق له ليس الحياة والتمتع بها فقط ، بل ايضا توفر كل العوامل (من المجتمع والدولة) لتحقيق ذلك، ويجدر ان اذكر بعضا منها: 1)ولادات مشوهة نتيجة اختلافات وراثية بين الأبوين 2)ولادات مشوهة نتيجة زواج الأقارب 3)ولادات مشوهة نتيجة تعاطي المخدرات او الكحوليات – من قبل المرأة الحامل-او الأدوية غير المرخصة للحامل 4)ولادات مشوهة نتيجة عدم مراعاة التغذية الصحية اثناء الحمل 5)ولادات مشوهة نتيجة اتباع اساليب غير علمية في الولادة(الولادة المنزلية –القابلة) 6)ولادات مشوهة نتيجة ما تمر به الحامل من ازمات صحية او نفسيةاو جسديةاو امراض قبل الحمل 7)ولادات مشوهة نتيجة الحروب او استعمال الأسلحة المحرمة او الأشعاعات 8)تشوهات تصيب الأطفال نتيجة الحوادث او قلة التغذية او الأساءات الطبية 9)تشوهات تصيب الأنسان البالغ نتيجة الحوادث او الحروب 10)النتائج المترتبة على الشيخوخة، والأمراض الملازمة لذلك، جسمية كانت او نفسية 11)التشوهات الناتجة عن الأزمات او الأمراض النفسية للصغار او الكبار هذه الظواهر وربما اخرى غيرها لا يتدخل الأنسان بها مباشرة، بل تفرض عليه (كأحد الوالدين او احد اعضاء الأسرة)، وكما اثبت العلم بأن العوامل المتحكمة بها خارجية.
تمتاز المجتمعات وتختلف تبعا لقوانينها ولمسيرتها وتجربتها التأريخية ومدى تسخير العلوم والثقافة لخدمة ذلك الشعب او تلك المجموعة. ان الرقي الذي وصلت اليه بعض الشعوب يجعل بعضنا في حيرة من أمره، وخاصة اولئك القادمين من (الشرق)، الذي امتاز بغنى تأريخه وحضارته وحتى اديانه، بينما بقى اسير ذلك الماضي حتى عبرته باقي الشعوب بأطوار كبيرة. وللوقوف مباشرة امام بعض القوانين التي سنت، والتي تدور حول هذه الشريحة، وأحدها هو: منح عائلة الشخص المعني راتبا شهريا يراد منه الصرف عليه من الملابس وكل الأحتياجات، مع متابعة من قبل المسؤل الأجتماعي وفي حالة التقصير فأن صاحب العاهة تأخذه المؤسسة الحكومية وتخسر العائلة راتبه الشهري. ومن الضروري الأشارة الى قانون (تجريم) التمييز على اساس العاهات البدنية، وخاصة بالنسبة للمقعدين في التعينات الوظيفية او الدراسة او التسوق والتعاملات العامة، فهم بشر! وأرتبط ذلك بأصدار قانون جعل سعة الأبواب في الولايات المتحدة ب 36 انج كحد ادني وذلك ليلائم دورة الكرسي النقال المستعمل من قبل المقعدين، كما روعي في ذلك وضع ممرات خاصة في الدوائر الرسمية والمدارس لتسهيل مهمة هذا الكرسي وحتى ارتفاع الطاولات ليلائم ارتفاع الكرسي النقال ، وذات الشئ يقال في دورات المياه والحمامات التي زودت بمقابض خاصة تسهل على (المقعدين) استعمالها حتى لو كان لوحده، ناهيك عن الموقف الأخلاقي للمجتمع والشرطة من ناحية التمييز او الأعتداء او حتى الأستخفاف بهذه الشريحة، اذ تصل العقوبات احيانا الى سجن طويل الأمد لمن يؤذي او يضر بأحد هؤلاء.
وبالعودة لتفصيلات القائمة التي ذكرتها قبلا، فأن في جاليتنا حالات كثيرة، يضطر المسؤلون الأمريكان في الرعاية الأجتماعية للتدخل بغية افهام العائلة شروط التعامل حتى تصل الأمور احيانا الى سحب الأبناء من هذه العوائل (نتيجة سوء في التعامل او الجهل) ووضعهم في بيوت خاصة مع اقرانهم. اما الجهات الرسمية فأنها توفر بيوت ومصحات ومستشفيات خاصة ل "ذوي الأحتياجات الخاصة"، اذ يحاطون برعاية خاصة ويرافقهم أشخاص يمتلكون الأختصاص في هذا التعامل، اضافة الى وضع برامج تعليمية وترفيهية ونظام لزيارة الأماكن العامة والمتنزهات والمعامل وحديقة الحيوان، مع العناية الطبية المتعلقة بوضعهم. وهذا التعامل يجعل من هذه الشريحة تشعر بالأنسجام مع بقية المجتمع الذي يقابلهم بالأحترام والأبتسامة والترحاب وفسح المجال امامهم في الأماكن العامة، مما يزيد من هذا الحنين والشعور الأنساني المتبادل.جدير بالذكر ان فكرة (الحنين عليهم من باب الضعف) مرفوضة رفضا باتا من قبل المجتمع، اذ يصر ان يعاملهم معاملة انسان كامل!
نقف احيانا مذهولين في الطريقة الأنسانية التي يتعامل معها المرشد النفسي، قياسا بنا نحن عائلة الشخص المعني ونسأل انفسنا من جديد: من اين اتوا بهذه الأخلاق ، ومن اين اتينا بأخلاقنا؟ وحتى أشير الى بعض الممارسات بشكل واضح وصريح، سأوجز بعض المفاهيم والمواقف المنتشرة في مجتمعنا، حتى نستطيع سوية ان نحدد ما اذا كانت حضارية ام لا؟ *اذا صادفنا شخصا غير مكتمل العقل، فأن اول تصرف لنا تجاهه هو اما الأبتعاد عنه او النظر اليه بأزدراء او الصراخ بوجهه ونعته بالمجنون او (مخبل) كما نقولها بالعامية. *شخص بعاهة بدنية، لابد للبعض منا ان يجعله يشعر بهذا النقص، كأن يكون سيره غير مستقيم نقول عنه (اعرج)، وشخص بعين واحد (اعور) وشخص ضرير او فاقد السمع او بأذنين طويلة او بيدين قصيرة، او حتى اذا كانت عنده 6 اصابع بدلا من 5 أصابع. *هناك ظواهر بدنية طبيعية عند البشر، يحلو للبعض ان يجعلها سبة او شتيمة، مثلا: شخص طويل القامة (سقيع)، شخص قصير القامة(قزم) ، شخص بدين (دبة) او ضعيف(مسلول) وما الى ذلك. *موقفنا من اصحاب العاهات امثال (داون سندروم – المنغولي)،والمريض بمرض جلدي او بدني واضح، او ممن لا يستطيعون النطق بشكل سليم او ممن يصيبهم الأرتباك اثناء الحديث فتأتي الكلمات متقطعة، كم منا يتملكنا الضحك والأستهزاء او حتى الأستخفاف بهؤلاء الناس دونما ادنى حرص على عدم احراجهم اكثر او اشعارهم بهذا النقص. *الموقف السلبي والمتشنج من الشيوخ الكبار بعد ان يداهمهم العمر ويصابون بمرض النسيان(الزايمر)، فأن تصرفات البعض تصل لحدود غير معقولة، وعادة ما نطلق على حالتهم ب (الخرف) ، بينما يطلق عليهم الأمريكان (انهم يتصرفون كلاطفال!!) فرق كبير ليس بالتصرف فقط بل حتى في التسميات.
ان ماتوصلت اليه المجتمعات والشعوب من رقي في التعامل مع هذه الشريحة يدعونا، نحن ابناء الشرق، والعراقيين بالذات، كمثقفين ومعنين، كبشــــر الى اعادة النظر في المنظومة الأخلاقية التي تتحكم في نظرتنا للأنسان المقابل، خاصة اذا كان ذو عاهة بدنية او نفسية. يدعونا للأستفادة من خبرة مؤسسات هذه الدول والضغط على المعنين في جاليتنا، والحكومة العراقية للأخذ بها وتطبيقها في بلدنا الغني بثرواته والفقير في تعامله الأنساني. يدعونا الى تعزيز الدراسات النفسية والأجتماعية في الجامعات، وفسح الفرص امام الخريجين للعمل في هذا الحقل، تماما كما يدعونا الى اعتبار الطب النفسي والأجتماعي ، حقلا مهما لمعاجة الأنسان المحتاج اليه اكثر من اعتباره علما وبحثا معيبا كما يحلو للبعض تسميته (علم المجانين او علم التعامل مع المجانين). يدعونا للبحث في اساس هذه النظرة السلبية والمتعالية في النظر للآخر، والسؤال دائما:لمـــاذا؟ هل نبداء من العائلة، من المدرسة، من وسائل الأعلام ام من اين؟
ان امام جاليتنا العزيزة في الولايات المتحة (والى حد كبير في اوربا وكندا وأستراليا)، فرص كبيرة لتطوير معارفهم الأنسانية ونظرتهم ايضا، الى التعلم بأسلوب اكثر حضاري في كيفية التعامل مع "ذوي الأحتياجات الخاصة"، هذه الشريحة التي تكشف حقا التسامي الأنساني عند البشر، ليس عند القريبين فقط، بل حتى عند الغرباء. وأسأل هذا السؤال: هل يقبل احدكم ممن في عائلته او محيطه حالة مشابهة لذلك، ان يقوم شخص غريب بمعاملة ذوي الأحتياجات الخاصة بنفس طريقة تعاملكم معهم، وماذا سيكون ردة فعلكم؟ (اعتذر من القارئ الكريم عن الأخطاء اللغوية ان وجدت،فهذا ما استطيع تقديمه مع الأحترام) آب 2013
#كمال_يلدو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذكرى عيد الصحافة الشيوعية العراقية:يبقى القلم الحر حليف ا
...
-
خلل في البوصلة مابين موتين!
-
حينما يفتح الوطن أذرعه للشبيبة
-
تجليات البطل الوطني في شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم
-
بعد 50 عاما على الجريمة:انصافا لشهداء -تلكيف- وعوائلهم
-
سؤال المليون: أين تقع ساحة الوثبة؟
-
بشار رشيد، الدالّة في طريق العراق الجديد
-
لمدوني اليوتوب:وردة، وألف مرة شكرا
-
-حق العمل- قانون رجعي، يسلب العمال حقوقهم المشروعة
-
-سيدة الباص- ...سيرة مشرفة لمناضلة عنيدة
-
الشهادة من اجل الوطن لا تعّوض بالمال
-
رحمة بالذائقة العامة من فوضى ال - دي جي-
-
الغاء - الحصة التموينية- ورطة لم يحسب حسابها !
-
المرحومة -شيماء العوادي- ومحنة العقل!
-
بعد عامان، ايّ منجز تحقق؟
-
في العراق الجديد: محنة المسيحيين.. محنة وطن
-
ما حاجتنا للقوانين!
-
ما كشفته دعوة قناة - الفيحاء- الغراء ؟
-
لماذا يتحول عمل الدولة لهبات ومكرمات شخصية !؟
-
تعقيبا على مقترح فضائية - الفيحاء - الغراء ، حان وقت التغيير
...
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|