أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - كاظم الموسوي - العراق: تحالفات سياسية*















المزيد.....



العراق: تحالفات سياسية*


كاظم الموسوي

الحوار المتمدن-العدد: 4190 - 2013 / 8 / 20 - 15:58
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تصاعد نضال الحركة الوطنية في العراق في سبيل إنجاز مهمات مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي، والتخلص من الاستعمار والسلطة الحاكمة. وسجلت صحفها مؤشرات مهمة تحث على تطوير النظام السياسي ديمقراطيا وإجراء تحولات اقتصادية واجتماعية واسعة. وبرزت من خلالها مهمة التحالفات السياسية الوطنية، حيث توفرت عواملها الداخلية والخارجية، الذاتية والموضوعية، وكمهمة من المهمات التي تطلب إنجازها.
حدد المؤتمر السابع للأممية الشيوعية "الكومنترن" المنعقد عام 1935 طبيعة الفاشية وفضح مخاطرها الجدية ودعا إلى قيام جبهات شعبية عريضة ضدها وفي البلدان المستعمرة، والعراق منها، حيث أضيفت مهمة أخرى هي قيام جبهة وطنية موحدة ضد الإمبريالية أيضا. أي الدعوة إلى قيام أوسع التحالفات السياسية والشعبية ضد الفاشية والإمبريالية في هذه البلدان. وقد رفع الحزب الشيوعي العراقي شعار الجبهة الوطنية منذ عام 1936، ودافع عنها في نشرياته وطالب بإنشائها (1).
أكد القائد العمالي الاممي غيورغي ديمتروف في تقريره أمام المؤتمر السابع للكومنترن على أن "من الضروري لدى إقامة جبهة موحدة ضد الإمبريالية واسعة النطاق في المستعمرات وشبه المستعمرات اعتبار تنوع الظروف التي تخاض فيها نضالات الجماهير المعادية للإمبريالية. ومراعاة اختلاف درجة نضوج حركة التحرر الوطني، ودور البروليتاريا فيها، وتأثير الحزب الشيوعي على الجماهير الواسعة" (2).
سعى الحزب الشيوعي العراقي بقيادة فهد إلى الاستفادة من خبرة الكومنترن والعمل على تشكيل الجبهة الموحدة. فقد ورد في تقرير اللجنة المركزية للحزب في اجتماعها في 17/5/1942، تأكيد على أهمية الجبهة الوطنية، وتحديد للقوى الوطنية التي يجب أن تشارك فيها، "إن دعوتنا يجب ألا تقتصر على جماعة معينة أو الأفراد، بل يجب أن تشمل القاعدة أيضا، واعني بها الجماهير الكادحة والطلاب والمثقفين" (3).
وضعت جريدة الحزب "الشرارة" إلى جانب الشعار الرئيسي "يا عمال العالم اتحدوا" الشعارات التالية: الفاشية عدوة الشعوب، الفاشية هي الحرب، الفاشية تعيش على الحرب وللحرب فقط، للكاتب رومان رولان، وشعارات أخرى للشعب: الخبز، الجبهة، السلام. ونشرت في صفحتها الأولى بيان الحزب الذي دعا إلى "مناصرة الاتحاد السوفيتي في مكافحة الفاشية عن طريق النضال الوطني من اجل الجبهة والاستقلال (4).
واصل الحزب الشيوعي العراقي نضاله في سبيل التحالفات السياسية، والعمل من اجلها إدراكا منه لحجم المهمات النضالية، ودور القوى الشعبية والشخصيات الوطنية في التأثير على الرأي العام، وتحريك الشارع السياسي، والانتصار للقضايا الوطنية والمطاليب المشروعة. وقد أشار تقرير اللجنة المركزية للحزب في اجتماعها في كانون الأول/ديسمبر 1942، إلى إن العالم انقسم إلى معسكرين رئيسين و "إن الواجب الوطني المقدس يحتم على كل ديمقراطي النضال ضد النازية وجواسيسها وجرائمها، ومع أن الأحزاب الشيوعية في كل أنحاء العالم هي على رأس هذا النضال وفي طليعته، إلا أن هذه الأحزاب في عين الوقت لا تتمهل عن الدعوة إلى تكوين جبهة موحدة تناضل نضالا فعالا، لا بل مستميتا ضد البربرية النازية.. وان الحزب الشيوعي العراقي لم يهمل واجبه ولا مرة واحدة في الدعوة إلى الجبهة الوطنية الموحدة (5).
وبالرغم من انضمام الحكومة العراقية رسميا إلى جانب الحلفاء في الحرب ضد دول المحور، إلا أنها لم تعمل أو تسهل العمل في هذا المجال تطابقا مع التزاماتها الخارجية، بل عملت العكس، إذ حاربت كل القوى الوطنية المناضلة ضد النازية والفاشية داخليا، ولم تغير من قوانينها القمعية ضد الشعب وحركته الوطنية، ولا من وسائل إرهابها. وقد أشار تقرير الحزب الشيوعي العراقي للكونفرنس (المجلس) الأول له المنعقد عام 1944، إلى أن "محاربة النازية، معناه ضرب الجذور الاجتماعية التي سهلت لجواسيس المحور تسميم أفكار جمهرة كبيرة من هذا الشعب، وهذه الجذور كامنة في التذمر العام لدى طبقات الشعب العراقي".
نشّطت الحكومة والسفارة البريطانية في بغداد اجهزة ومؤسسات دعائية، صرفت عليها اموالا طائلة، ودفعت شخصيات سياسية للعمل فيها، ومنها ما سمي بـ "نوادي اخوان الحرية"، التي ضمت اناسا لا تهمهم سوى منافعهم الذاتية ومصالحهم الطبقية، والتي انشأت على اساس مكافحة الدعاية النازية، إلا انها لم تقم إلا بخدمة مصالح مؤسسيها ومحاربة القوى التقدمية والشخصيات الديمقراطية، وإشهار العداء ضد الاتحاد السوفييتي وضد كل دعوة للتقدم والديمقراطية، بل واستغلت بعض هذه المراكز من قبل عناصر موالية للنازية في نشر مناشير تؤيد النازية وتحرض ضد الشيوعية والديمقراطية (6).
وقد تصاعد الصراع بين التيارات السياسية المعادية للنازية والفاشية من جهة، والموالية أو المتأثرة أو المؤيدة لها من جهة أخرى. وكانت الحكومة العراقية والسفارة البريطانية تدفع باتجاه استثمار هذا الصراع، ودعم مواقفها السياسية ومصالحها في العراق والمنطقة، لضرب أي نهوض وطني، قومي، ديمقراطي. ولهذا سعت الحركة الوطنية، ومنها الحزب الشيوعي، إلى التأكيد على ضرورة التحالفات السياسية، ومكافحة الفاشية. فكتبت "القاعدة" في عدد 7 آب/ أغسطس 1943، "ونحن إذ نناضل داخل بلادنا ضد الفاشستية وأذنابها ودعاتها وأراجيفها فإنما نفعل ذلك لنكافح الظلم والاستبداد، لنكافح لصوص الخبز والحرية، لنكافح أعداء الحريات الديمقراطية، أعداء توحيد صفوف الشعب والمواطنين على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم، لنقف صفا واحدا استعدادا لساعة تقرير المصير وتحقيق أمانينا الوطنية التي يصبو لها كل وطني نبيل "ورفعت صحيفة القاعدة شعارا رئيسيا، منذ عددها السادس، "يا جماهير الشعب اتحدي ضد الفاشية وفي سبيل الخبز والحريات الديمقراطية في جبهة وطنية موحدة".
وضمن نشاط الحزب الشيوعي، وعمله الدعائي والتحريضي كتب قائده فهد في الجريدة المركزية، مقالا تحت العناوين التالية:
• كرهنا الظلم والاستبداد فكرهنا هتلر وأعوانه.
• نحن عشاق الحرية لذلك وقفنا إلى جانب الأمم المتحدة.
• واجبنا تجاه الوطن.
• ليست الحرية مائدة تهبط من السماء على طالبيها.
دعا فيه العمال والفلاحين والمثقفين الشعبيين والحرفيين والتجار على مختلف ميولهم ونزعاتهم السياسية الحرة، من شيوعيين وتقدميين ووطنيين إلى النضال من اجل دحر الهتلرية والتخلص من هذه الحرب ببلوغ نصر عاجل (7).
لم يتماهل الحزب الشيوعي العراقي عن دعوته إلى التحالفات السياسية، ففي مؤتمره الوطني الأول عام 1945، رفع شعارا رئيسا "قووا تنظيم حزبكم، قووا تنظيم الحركة الوطنية". واوضح السكرتير العام في تقريره للمؤتمر أهمية الجبهة الوطنية وقواها الوطنية، كما جدد تأكيده في تقديمه لكراس عضو المكتب السياسي حسين محمد الشبيبي عن الجبهة الوطنية الذي صدر بعد عام من المؤتمر الوطني الأول. وانتقد فهد التردد والانتهازية وغيرها من السمات التي كانت احزاب الحركة الوطنية تعاني منها، ودعاها إلى الارتفاع إلى مستوى المسؤولية الوطنية والتاريخية.
كما أكد الزعيم الشيوعي فهد على أهمية التحالفات السياسية في كراسه "مستلزمات كفاحنا الوطني" وفي العديد من مقالاته، وحدد الحزب الشيوعي وصحيفته المركزية سبل هذه التحالفات ودورها وأهميتها الوطنية والديمقراطية.
بعد فترة النهوض الوطني وقيام الأحزاب الوطنية، سعى الحزب الشيوعي، إلى تحويل قضية الجبهة من شعار تثقيفي يتناول طبيعتها وأهدافها وطرق تحقيقها والرد على الأفكار الخاطئة ضمن المعسكر الوطني لمفهوم الجبهة، سعى إلى تحويلها إلى مطلب للعمل الملح، ولم يفوت فرصة واحدة لإقناع الأحزاب الوطنية بضرورتها (8). إلا أن الأحزاب الوطنية البرجوازية العلنية لم تتخذ مواقف إيجابية، جادة، من موضوعة الجبهة الوطنية الموحدة، ومن صيغ التعاون والوحدة السياسية، معرضة الحركة السياسية إلى حملات البطش والإرهاب الحكومي التي لم تميز أو تعزل أية قوة وطنية عن أخرى في حملاتها، في اغلب الأحيان، رغم محاولات التضليل والتخويف والدس بين صفوف قياداتها. وقد تنبهت قيادات الحركة الوطنية وقواعدها إلى ضرورة التحالفات السياسية بعد دروس بليغة، متنوعة، امتحنت بها في تلك المرحلة، وكابدتها أثناء صراعها السياسي، ولاسيما بعد اشتداد ساعد الحركة العمالية والفلاحية وتصاعد نضالهما مع اتساع مواجهة الشعب لممارسات السلطة ومخططاتها الساعية إلى انتهاك حقوق الشعب واستقلال البلاد.
كانت الأحزاب السياسية العلنية، وقياداتها أساسا تخوض صراعاتها منفردة، في الصحافة والمنشورات، في التجمعات والمذكرات، من اجل التوعية السياسية والإصلاحات الديمقراطية، وانتقاد الأفكار والتوجهات المضادة للحركة الوطنية. فقد شن كامل الجادرجي في صحيفته "صوت الأهالي" هجوما على الفاشية ومروجي أفكارها في العراق (9). وكتب عبد الفتاح إبراهيم عن حقيقة الفاشية، وضرورة وحدة الحركة الديمقراطية في العمل السياسي المشترك واعتبر عبد الرحيم شريف الفاشية عدوة شعوبنا ودعا إلى النضال بصفوف مشتركة ضدها(10). وتشكلت جمعية نسائية عام 1943، باسم "جمعية مكافحة النازية والفاشية" (11). ولكن هذه القيادات والأحزاب لم تعمل على وحدة الصف الوطني ضد وحدة صف الحكم المهيمن على مقدرات الشعب وثرواته، بل سعى بعضها إلى ضرب مساعي التعاون بين القوى الوطنية العلنية والسرية وإنجاز مهمات المرحلة الوطنية.
حقق المد الشعبي العفوي أثناء وثبة كانون الثاني 1948، تقاربا وتنسيقا بين أحزاب الحركة الوطنية العلنية المجازة والسرية والملغية الإجازة أيضا. وتمكن التنسيق بينها من الإطاحة بحكومة صالح جبر، وإلغاء معاهدة بورتسموث وقد تكونت "لجنة التعاون الوطني" من ممثلي حزب التحرر الوطني، وحزب الشعب، والجناح اليساري من الحزب الوطني الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الكردستاني. واشتركت مع الأحزاب العلنية في قيادة الحركة السياسية للوثبة، دون برنامج مشترك أو قواعد عمل تنظيمية، لكنها تمكنت من التقارب ورفع المطالب الملحة والأساسية للحركة الوطنية في مذكراتها، التي جسدتها مذكرة وفد الطلبة إلى الوصي، والتي تضمنت المطالب التالية:
• إلغاء معاهدتي 1930، وبورتسموث وملحقاتها، والأخذ بمبدأ ألا تفاوض إلا بعد الجلاء المدني والعسكري.
• إصدار بيان للجمهور يوضح ما أبهم في البيان السابق حول معاهدة بورتسموث وإقالة وزارة صالح جبر رسميا.
• محاكمة المسؤولين عن إطلاق النار واستعمال القوة تجاه الطلاب وانتهاك حرمة المعاهد العلمية والمستشفيات.
• ضمان الحريات الديمقراطية، الأحزاب، الجرائد، لجان الطلبة، والنقابات.
• توفير المواد الغذائية وإنعاش الحياة الاقتصادية.
وظهر مثل هذا التعاون والتنسيق بين الأحزاب السياسية، وحتى الجديدة التشكيل منها، والمنظمات الوطنية في انتفاضة تشرين الثاني/ نوفمبر 1952 "للمطالبة بالانتخاب المباشر، وضمان الحكم الدستوري والحريات العامة ومكافحة تدخل البلاط الملكي في الحكم بصورة مباشرة ضد مصالح الشعب" (13) وبإلغاء الاتفاقيات الاستعمارية، والتصدي للتغلغل الأميركي والمعاهدة الثلاثية بين الدول الإمبريالية حول الشرق الأوسط، والمعاهدات الثنائية.
حفلت مذكرات الأحزاب الوطنية التي قدمت إلى البلاط الملكي بهذه المطالب، إلا أن الاستجابة لها لم تكن بمستوى الأحداث الوطنية، بل إن السلطات الحاكمة أمعنت في سياسة النهب والتجويع والمذابح الدموية في السجون، وتجاهل مناشدات الحركة الوطنية التي أخذت بالتطور والتعاظم، وكانت انتفاضة تشرين الثاني/ نوفمبر تجسيدا لها. وقدمت للحركة الوطنية دروسا جديدة أضيفت إلى رصيدها من دروس وثبة كانون الثاني/ يناير 1948.
لم يرتق التعاون والتنسيق بين الأحزاب الوطنية والمنظمات الديمقراطية إلى جبهة متحدة إلا في أيار / مايو 1954، حيث لم تكتف الأحزاب بما أصدرته من بيانات واحتجاجات فردية، بل عقدت سلسلة لقاءات واجتماعات أعلنت بعدها ميثاقا مكتوبا يحتوي على أهداف وطنية ومطالب مشتركة، أجمعت عليها الأحزاب العلنية والسرية، بمشاركة فعالة من الحزب الشيوعي، الذي حضر عنه ممثلو المنظمات الديمقراطية، بينهم أول مرة، ممثلو العمال والفلاحين، وقد سموه "ميثاق الجبهة المتحدة" الذي تضمن:
• إطلاق الحريات الديمقراطية، كحرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر والإضراب وتأليف الجمعيات وحق التنظيم السياسي والنقابي.
• الدفاع عن حرية الانتخابات
• إلغاء معاهدة 1930 والقواعد العسكرية وجلاء الجيوش الأجنبية، ورفض جميع المحالفات العسكرية بما فيها الحلف التركي - الباكستاني أو أي نوع من أنواع الدفاع المشترك.
• رفض المساعدات العسكرية الأمريكية التي يراد منها تقييد سيادة العراق، وربطه بالمحالفات العسكرية الاستعمارية.
• العمل على إلغاء امتيازات الشركات الاحتكارية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وإنهاء دور الإقطاع، وحل المشاكل الاقتصادية القائمة، ومشكلة البطالة وغلاء المعيشة، ورفع مستوى معيشة الشعب بوجه عام، وتشجيع الصناعة الوطنية وحمايتها.
• العمل على إزالة الآثار الأليمة التي خلفتها كارثة الفيضان، وذلك بإسكان المشردين من ضحايا الكارثة، وتعويض المتضررين، وتأليف لجنة نزيهة محايدة لتحديد مسؤولية المقصرين، واتخاذ كل ما يلزم لدرء أخطار الفيضان في المستقبل (14).
اعتبرت جريدة الحزب الشيوعي السرية هذا الميثاق انتصارا عظيما لقوى الشعب الوطنية الديمقراطية، وأشارت إلى ضرورة تكميله بموقف الجبهة المتحدة من قضايا الشعوب العربية التحررية ونضالها المشترك مع نضال شعوب الشرقين الأدنى والأوسط، والموقف من قضايا كافة الشعوب في تخفيف حدة التوتر الدولي وضرورة إلغاء المشاريع الأمريكية والبريطانية، والمسألة الزراعية، وحقوق الاقليات، والمرأة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، بهدف بلورة الأهداف الوطنية ولف جميع القوى الشعبية حول الجبهة للنضال ضد المستعمرين وتحقيق الاستقلال (15)، وقد نجح 6 من أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي، و 2 من أعضاء حزب الاستقلال وواحد من حزب الجبهة الشعبية وواحد مستقل في الانتخابات رغم تضييق الخناق على الشعب وحرمانه من ممارسة حقوقه، ورغم رجعية مرسوم الانتخاب، وانعدام الحريات الديمقراطية التي تكفل لابناء الشعب من عمال وفلاحين ونساء وطلبة حرية تنظيم أنفسهم والمساهمة في تقرير مصيرهم بمشاركتهم في الانتخابات. كما جاء في كتاب الجبهة الوطنية الذي رفعته في 1 حزيران /يونيو 1954 إلى وزير الداخلية (16). (هم: كامل الجادرجي، حسين جميل، محمد مهدي كبة، فائق السامرائي، عبد الجبار الجومرد، ذونون ايوب، محمد صديق شنشل، خدوري خدوري، جعفر البدر، ومسعود محمد).
وكانت فترة ما بعد الأربعينات حافلة بمخططات ومشاريع استعمارية للمنطقة كلها، لتكبيلها وربطها بعجلة الاستعمار ومصالحه. فبريطانيا سعت لجعل العراق قاعدة لتكتل عربي يأخذ صورة جامعة عربية، وتكتل إسلامي أيضا، مستهدفة حماية مصالحها في الشرقين العربي والإسلامي (17)، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تخطط أيضا لحماية مصالحها المتنامية في المنطقة، فمن مشروع ترومان، النقطة الرابعة، إلى الحزام الشمالي، مشروع ايزنهاور، وحلف بغداد. إذ أن بريطانيا "لن تعدل في كل حال عن نهب أو إلحاق فلسطين وما بين النهرين.." كما كتب لينين عام 1917 (18) بينما الولايات المتحدة تسعى إلى توسيع مناطق نفوذها على حساب شركائها الإمبرياليين، وتعمل على احتلال مواقعهم (19). أي أن المنطقة، والعراق منها، كانت موضع اهتمام رئيسي، وموضوعه في جدول أعمال القوى الإمبريالية وأهدافها الاستراتيجية. فكانت هذه المخططات والمشاريع مجفرا، من جهة أخرى، للحركة الوطنية للمواجهة والنضال الموحد. وبذل الحزب الشيوعي بقيادة سكرتيره الجديد حسين احمد (الموسوي) الرضي - (سلام عادل) جهودا متنوعة للوصول إلى قيام جبهة وطنية موحدة، ببرنامج محدد بوضوح، تجمع عليه القوى الوطنية ويحقق الأهداف والمطالب الوطنية الديمقراطية، ويقرب ساعة الخلاص وإنقاذ الشعب العراقي من الاستعمار والرجعية الحاكمة.
ففي 22 تموز/ يوليو 1956 صدرت جريدة الحزب المركزية باسم "اتحاد الشعب" بدلا من "القاعدة"، رافعة شعارا رئيسيا في صفحتها الأولى يدعو: "ناضلي يا جماهير شعبنا في جبهة وطنية موحدة واسعة، في سبيل الانسحاب من ميثاق بغداد - وإشاعة الحريات الديمقراطية وضمان حقوق الشعب الدستورية وحماية اقتصادنا وثروتنا الوطنية، في سبيل التحرر من نفوذ الاستعمار وسيطرة شركاته وعملائه، من اجل التضامن القومي مع الحركة التحررية العربية" (20).
وخصص (المجلس) الكونفرنس الحزبي الثاني أيلول/ سبتمبر 1956 بابا للجبهة الوطنية الموحدة في تقريره الأساس، أكد فيه على مرارة السيطرة الاستعمارية ومآسيها، وخاصة بعد حلف بغداد.. "وعلى هذا الأساس تطرح الجبهة الوطنية نفسها باعتبارها ضرورة تاريخية، باعتبارها اتحادا وطنيا شعبيا شاملا ينبغي أن يضم في إطاره كل أصحاب المصلحة في تغيير الوضع واصلاحه، من العمال والفلاحين وجمهور الكادحين إلى المثقفين والطلبة والنساء والشباب، إلى أصحاب الصناعات الوطنية والتجار والمزارعين، إلى العسكريين ورجال الدين، وكل الوطنيين من مختلف القوميات والأديان"(21).
وقضت انتفاضة الشعب التضامنية مع الشعب المصري المقاوم للعدوان الاستعماري الثلاثي، البريطاني والفرنسي والإسرائيلي، تشكيل قيادة ميدان مشتركة من الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث والوطني الديمقراطي والاستقلال، لقيادة التظاهرات الجماهيرية وأدارتها. وقد شهدت ثلاثون مدينة موجات التظاهرات والإضرابات طوال ثلاثة اشهر بعد العدوان، وخاصة في مدن بغداد والنجف والحي والموصل والناصرية (22).
دفع صمود الشعب المصري وقيادته، والتضامن العربي، والإنذار السوفيتي إلى وقف العدوان والانسحاب من ارض مصر، والى انتصار المقاومة المصرية وتطور حركة التحرر الوطني العربية، التي اعتبرت قضية مصر قضيتها، وقد انعكست هذه التطورات على الشارع العراقي أيضا، من خلال ردود الأفعال وإجراءات السلطات الحاكمة الاحتياطية والقمعية وحالة الطوارئ، وكذلك من خلال مواصلة لجان العمل المشترك بين الأحزاب الوطنية، العلنية والسرية، والمنظمات الديمقراطية وتطورها في مطلع عام 1957، بعد تقييم انتفاضة تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، والوصول إلى صيغة عمل وطني مشترك تجلت في "جبهة الاتحاد الوطني"، واعلان لجنتها الوطنية العليا وبيانها التأسيسي في 9/3/1957. وعززت الجبهة اتصالها بالقوى الوطنية العربية من جهة، وبمنظمة الضباط الأحرار مطلع عام 1958، من جهة أخرى. وكان لهذا التعاون والتحالف دوره الكبير والحاسم في تفجير ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 ونجاحها (23).
ضمت جبهة الاتحاد الوطني ممثلي الحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وعدد من المستقلين الديمقراطيين. (تشكلت لجنتها العليا من: جمال الحيدري عن الحزب الشيوعي، محمد حديد عن حزب الوطني الديمقراطي، صديق شنشل عن حزب الاستقلال، فؤاد الركابي عن حزب البعث) كما وقع الحزب الشيوعي اتفاقا ثنائيا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني - العراق، تضمن إلى جانب الأسس العامة لميثاق الجبهة، الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي، ومن ضمنها الحكم الذاتي لكردستان - العراق.
وقد طرحت الجبهة الأهداف الوطنية الكبرى كميثاق عمل مشترك، والتي هي:
• تنحي نوري السعيد وحل المجلس النيابي.
• الخروج من حلف بغداد وتوحيد سياسة البلاد العربية المتحررة.
• مقاومة التدخل الاستعماري وانتهاج سياسة عربية مستقلة أساسها الحياد الإيجابي.
• إطلاق الحريات الديمقراطية الدستورية.
• إلغاء الإدارة العرفية وإطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين وإعادة المدرسين والموظفين والمستخدمين والطلاب المفصولين لأسباب سياسية.
كما شكلت اللجان المختلفة لقيادة العمل الوطني، ( اللجنة التنظيمية العليا، ضمت حسين جميل عن الوطني الديمقراطي، حمزة سلمان عن الشيوعي واحيانا عزيز الشيخ، زكي جميل حافظ عن الاستقلال، شمس الدين كاظم عن البعث، وصلاح خالص وطلعت الشيباني عن المستقلين) ونسقت بشكل متواز مع منظمة الضباط الأحرار، موفرة العامل الذاتي للثورة التي نجحت في الرابع عشر من تموز (يوليو) 1958(24). تلك الثورة التي أسدلت الستار على صفحة سياسية من تاريخ العراق، فاتحة أخرى، باعتبارها ثورة وطنية ديمقراطية معادية للاستعمار والرجعية.
لقد كانت التحالفات السياسية وسيلة لتحقيق أهداف مرحلية، وقد بينت التجربة العملية دورها في المنعطفات والأزمات السياسية التي مر بها العراق. وكشفت سياسة التحالفات مدى حرص الأحزاب السياسية وقياداتها وثقتهم بالبرامج والشعارات التي كانوا يرفعونها أمام الرأي العام العراقي، والتذبذب والتردد في تنفيذها. كما بينت سياسة التحالفات أن بعض الأحزاب السياسية، وخاصة السرية منها، كانت قد جعلتها غاية ووسيلة لنشاطاتها في نفس الوقت، مما اضعف موقفها عند الأحزاب الأخرى العلنية التي كانت تريد منها وسيلة ضغط أو كسب مؤقت على الحكام من طرف، وعلى الحركة الوطنية من طرف أخر. كما أن سياسة التحالفات قد عرضت أحزاب عديدة، وخاصة الجادة منها، إلى انشقاقات مؤيدة أو معارضة لها، مثلما حصل للحزب الشيوعي عام 1952، بعد آن رفع شعارات ووضع برنامجا جديدا يساريا "متطرفا" في الاتجاهات العامة، وحدث الأمر نفسه لدى الحزب الوطني الديمقراطي، ولكن بشكل آخر، إذ انشق الجناح اليساري عنه، وكذلك حصل في حزبي الأمة والأحرار.
لكن تجربة التحالفات السياسية في العراق أثبتت جدواها، ومسؤوليتها أمام الرأي العام العراقي، وقدرتها على اللحاق بحركة الشارع السياسي، لا سيما في انتفاضة تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، والإعداد للثورة، وبضغطها السياسي وتأثيرها على الحكم، خاصة في انتخابات 1954.
كانت دروس التحالف غنية للتعاون والتنسيق السياسي، ولدفع عملية التغيير الثوري في العراق، وإنقاذ الشعب من الهيمنة الاستعمارية والإرهاب الرجعي الحاكم. حيث كانت الفترات التي سبقت التحالفات السياسية تبديدا للطاقات الوطنية وهدرا لإمكانات الشعب الثورية ومدا لعمر الظلم والطغيان والاستغلال الاستعماري. ومن جهة أخرى أبرزت أهمية دورها في تعاون القوى الوطنية، وكونها حاجة ماسة لتصعيد نضال الشعب، وإنجاز أهدافه، وهذا ما أثبتته الأحداث في البلاد.


الهوامش
1. خيري، سعاد/ فهد والنهج الماركسي اللينينيص 121.
2. ديمتروف/ ضد الفاشية والحرب/ صوفيا برس/ ص67.
3. جريدة الشرارة، العدد /1/ كانون الثاني 1942.
4. ن.م العدد 6ـ7/ 1941.
5. جريدة القاعدة، العدد /1/ كانون الثاني 1944.
6. و.خ.ب F.O. 371. 76151, 45302
7. القاعدة، العدد /6/ تموز1943.
8. إبراهيم، باقر/ دراسات في الجبهة الوطنية/ الثقافة الجديدة/ العدد 79 / آذار 1976.
9. جريدة صوت الأهالي، أعداد كانون الثاني/ 1946ـ الافتتاحيات بعنوان: "بعث الفاشية في العراق" وانظر قصتها في كتاب الجادرجي، رفعت/ مصدر سابق/ ص 108.
10. ينظر إبراهيم، عبد الفتاح/ حقيقة الفاشية/ بغداد 1947.
/وحدة الحركة الديمقراطية/ بغداد 1946.
وشريف، عبد الرحيم/ الفاشية عدوة شعوبنا/ بغداد 1947.
11. الدليمي، نزيهة/ رابطة المرأة العراقية/ الثقافة الجديدة/ ع 139ـ آذار/ مارس 1982.
12. إبراهيم، باقر/ مصدر سابق. وخيري، سعاد/ ثورة 14 تموز/ ص ص33 ـ 34.
13. حديد، محمد/ حوار معه في الثقافة الجديدة/ ع 4 تموز 1969.
14. صوت الأهالي/ ع 16/ 5/1945. وكان الميثاق موقعا في 12/5/1954.
والحسني/ مصدر سابق/ ج 9 ص ص 85 ـ 86.
15. القاعدة/ ع 7/ ايار 1954.
16. جريدة لواء الاستقلال، ع2/ حزيران/ 1954.
والحسني/ مصدر سابق/ ج9 ص ص89 ـ 91.
17. عودة، محمد/ ثورة العراق/ ص23.
18. لينين/ المؤلفات مج32 ص56 نقلا من كتاب/ الشرق الأدنى، البترول والسياسة.
19. فاخروشيف/ السياسة الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية/ ص7
20. اتحاد الشعب/ بدلا من القاعدة/ ع7/ 22 تموز 1956.
21. خطتنا السياسية في سبيل تحررنا الوطني والقومي/ بغداد 1956/ ص19.
22. الحسني/ مصدر سابق/ ج10/ من ص84 وما بعدها.
عبد الله، عامر/ مقالته في طريق الشعب العلنية/ العدد1067 في 31/3/1977.
23. اتحاد الشعب/ ع2 أواسط نيسان1957، والثقافة الجديدة ع4 تموز 1969.
كبة، إبراهيم/ مصدر سابق/ ص229. وكبة، محمد مهدي/ مصدر سابق/ ص373.
24. د. حسين، فاضل/ مصدر سابق/ ص ص 22 ـ 23.
* بحث كتب اواسط الثمانينيات من القرن الماضي لمتطلبات الدراسة، عن الحركة العمالية في العراق من الحرب العالمية الثانية والى ثورة الرابع عشر من تموز/ يوليو 1958، ونشر في كتاب بعنوان، العراق: صفحات من التاريخ السياسي، ط1، السويد 1992، ط2 دمشق 1998، ط3 القاهرة 2008.
- اعادة نشره بهدف تعميم الفائدة وخدمة التاريخ السياسي في العراق، وربط الحاضر بالماضي للمستقبل.



#كاظم_الموسوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق: أحزاب وسلطة *
- العراق: البحث عن استقرار
- الاسلمة السياسية في العراق
- دروس من تركيا
- التحديات الامنية في المنطقة
- وصمة عار لا تمحى
- الاول من ايار.. عربيا
- عشر سنوات.. الانسان موقف
- عشر سنوات.. والعراق جريح
- بعد عامين.. الى اين؟
- قمة تقسيم العالم العربي
- عدم الانحياز وحكم القانون
- الوحدة الوطنية صمام الاستقرار
- غائب وغالب
- صراع القهر وعبد الصبور
- إدريس والعالم
- تنوير العقل عبر ثقب إبرة
- يتكلمون بغير ألسنتهم..!
- الشاعر عبد الوهاب البياتي
- حدود مستباحة


المزيد.....




- عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و ...
- في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در ...
- حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
- تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا ...
- تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال ...
- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - كاظم الموسوي - العراق: تحالفات سياسية*