|
العنف لدى الجماعات الإسلامية بين الشرعنة والإدانة 2
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1198 - 2005 / 5 / 15 - 12:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رأينا في المقالة السابقة كيف أن ممارسة العنف صارت دينا من الدين في حكم جماعات تيار السلفية الجهادية . فكانت الأحداث الإرهابية ليوم 16 مايو تكريسا لهذا النهج التكفيري والتخريبي الذي انطلقت شرارته في عقد التسعينيات من القرن 20 خاصة مع أحداث فندق أطلس إيسني . واليوم ونحن نعيش الذكرى الأليمة الثانية للأحداث الإرهابية التي هزت الدار البيضاء ، نتساءل : هل ثقافة العنف والتطرف تتغذى عليها فقط جماعات السلفية الجهادية أم تشاركها فيها ، إنتاجا وترويجا ، غيرها من الجماعات الإسلامية حتى تلك التي تعلن نبذها للعنف ؟ لمناقشة هذا الموضوع ندرج موقف جماعة العدل والإحسان 1 ـ جماعة العدل والإحسان وموقفها من الآخر : أ ـ الآخر عدو للدين والأمة : ويحشُر مرشد الجماعة في هذه الخانة كل اليساريين والاشتراكيين والعلمانيين من حيث كونهم " منسلخين" عن الدين ومتغربين عن الحضارة الإسلامية . إذ كل همهم ( تحرير الإنسان من الدين جملة واحدة ، لا مجرد فصل الدين عن الدولة )( ص 34 حوار مع الفضلاء .) . ويستوي في ذلك المثقف اللبرالي والتقدمي ، بحيث أن ( المثقف المغرَّب اللبرالي التوجه ، كالتقدمي الفيلسوف ، مادي لا يعرف لله وجودا ولا لنفسه معنى . ولا يريد أن يعرف . راض بدوابيته مطمئن إلى ما لقنته الثقافة المؤرخة الشبكية الشمولية الوجودية العبثية من أبجديات المعرفة ونهايات البحث وحقائق ما هنالك )( ص 22 حوار مع .) . لهذا يحكم المرشد على هذه الفئة بأنها منكرة للدين . إذ اللاييكي ( أقر أو لم يُقر فوطن عقله وأرض مرتعه وسماء أحلامه ومنبع إلهامه ومجال حواره ومرجعيته النهائية المطلقة ثالوث فلسفي ثقافي سياسي قانوني )( ص 33 حوار مع .) . لذلك وصفهم المرشد بأنهم ( قوم إمعات في الحركة يجرون مع التيار العالمي ، إمعات في الفكر والعقيدة لأن أرضية ثقافتهم وسقفها وأثاثها العقلانية الفلسفية الجاحدة ، لا الإسلام والعقيدة الإسلامية )( ص 79 حوار مع .) . لذا يصر المرشد على اتهامهم بالعداء للدين وسعيهم إلى " تخريب" الضمائر وإفساد الفطر . من هنا هيأ لهم المرشد المصير التالي : = الطرد من الوظائف العمومية وعدم إدماجهم في الدولة الإسلامية التي يعمل على إقامتها ، وذلك للسببين التاليين : ـ السبب الأول : أنهم لم ينخرطوا في الميثاق الإسلامي الذي اقترحه المرشد ، وبالتالي فاتتهم الفرصة التي منحها لهم ، سيما وقد سبق وأنذرهم بقوله : ( تفوت الفرصة إن انتظرتم حتى يخفق لواء الإسلام على الربوع .. كلمة تفوت فرصتها . وإلا فالوكيل الله ، والقوي الله .. خاطبنا من يعلم أن للكلم معنى ، وأن بعد اليوم غدا )( ص 8 حوار مع الفضلاء.) . ـ السبب الثاني : أنهم لم يربوا تربية " إسلامية" ، ولم يُعَدوا لإدارة الدولة الإسلامية . ويتبنى الشيخ ياسين ، في هذا الإطار ، ما سبق وأفتى به أبو الأعلى المودودي كما في قوله ( وبالجملة ، فإن من أُعِد لإدارة الدولة اللادينية ، ورُبِّي تربية خلقية وفكرية ملائمة لطبيعتها ، لا يصلح لشيء من أمر الدولة الإسلامية . فإنها تتطلب وتقتضي أن يكون كل أجزاء حياتها الاجتماعية ، وجميع مقومات بنيتها الإدارية من الرعية والمنتخبين والنواب والموظفين والقضاة والحكام وقواد العساكر والوزراء والسفراء ونُظار مختلف الدوائر والمصالح ، من الطراز الخاص والمنهاج الفذ المبتكر ) . وتلك مسألة غاية في الغرابة والتناقض مع مبدأ الشورى الذي يزعم المرشد أنه يتبناه منهجا وعبادة . إذ كيف يستقيم هذا المبدأ مع حرمان المواطنين من حق اختيار ممثليهم ، بل حرمانهم من حق الاختلاف الذي جعله الله سنة في خلقه . ولن ينجو من قرار الطرد والتشريد رجال التعليم الذين لم تشفع لهم قولة شوقي : قم للمعلم ووفه التبجيلا // كاد المعلم أن يكون رسولا . بل إن الشيخ ياسين نعتهم بالحثالة والجراثيم التي لا ينفع معها علاج غير الكنس والبتر ( أما وفي التركة ( يقصد ما يرثه عن الدولة والنظام الملكي بعد سقوطهما ) حثالة ، للتعليم منها نصيب ، فإن الحثالات تُكنس ، طفيليات جرثومية في جسم المحموم ، ما تفعل بالمحموم غير التلطف به والرفق ، ومن الرفق به عزل الجراثيم )( ص 181 حوار مع .) . = النفي خارج الوطن : وهو إجراء مرحلي قبل أن تثبت أركان دولة الشيخ . ويُدخله المرشد ضمن باب " مد اليد" لفئة من المواطنين لا يرضى عنها الشيخ فيقرر رميها في المنفى ( ونعلن أن الطبقة المتسلطة في ديارنا فاسدة ، وأن الوقت قد حان لكي تلم أمتعتها إلى حيث تجتر خزيها . لكننا في نفس الوقت نمد إليها يدنا حتى يتم انسحابها في سلام )( ص 320 الإسلام والحداثة) . من هنا يقرر المرشد ( وإن لنا في قوله وهو أرحم الراحمين ( أو ينفوا من الأرض ) خيار ومندوحة عن البأس قبل أن نتمكن )(ص 149 الإحسان 2) . وبعد التمكن يأتي التشدد في إنزال العقاب الموالي . = تقطيع الأيدي والأرجل وسمل الأعين ثم التعطيش حتى الموت . وهذا العقاب يشمل أساسا المنتمين للأحزاب اليسارية والاشتراكية التي يعتبرها المرشد رائدة الكفر والفسوق . إذ وعد الشيخ أعضاء باقي الأحزاب السياسية بقبول توبتهم والصفح عنهم كما هو بيِّن من قوله ( دعوتنا مؤكدة إلى ميثاق إسلامي يستظل بحقه كل التائبين من هذه الأحزاب مهما كان بالأمس اقترافها ما لم تكن رائدة الفسوق والعصيان والكذب على الله )( ص 571 العدل). ويؤسس الشيخ وعيده ذاك على رفضه المطلق لحرية التفكير والاعتقاد ، بحيث لا مكان في دولته الموعودة لحرية الإبداع والرأي ، ولا تسامح مع من يحشرهم المرشد ضمن " الكفار" و " المرتدين" انطلاقا من مواقفهم السياسية أو إبداعاتهم الفنية والأدبية . على اعتبار أن الدين ، في حكمه ( ليس قضية شخصية يتسامح بصددها المسلم مع الكافر ، والتائب مع المرتد )( ص 141 الشورى ) . ومن ثم فالكل ملزم باعتناق نفس القناعات الفكرية ونفس العقائد المذهبية التي صاغها الشيخ وبثها في أشياعه وكتبه . وما عدا ذلك ، فهو كفر وفسوق وردة يستوجب أقصى العقاب ( أما والمجاهرة بالإلحاد ، والمطالبة بالحرية الفسوقية ، والحط من الإسلام ، باتت من النثر الفني في صحف الفاسقين ، ومن الكلام المتداول في مجالس الملحدين ، فمن الغفلة والغباء أن نسكت حذرا من الوقوع في إساءة الظن بالمسلمين )( ص 149 الشورى) . وعليه ، يقرر الشيخ ما يلي ( فالردة لها أحكامها في الشريعة . تُعِد الدول بنودا في دساتيرها وقوانينها لتعاقب بأقسى العقوبات من تثبت عليه الخيانة العظمى . ويَعُد الإسلام أكبر الخيانات أن يرتد المسلم والمسلمة بعد إسلام .. فمتى نقض المرتد إسلامه فقد نقض ولاءه للأمة )( 142 الشورى ) . إذن ألا يمكن اعتبار هذا الذي يخطط له المرشد ويتوعد به عنفا ؟ لرصد مفهوم العنف أو التسامح لدى كل جماعة ينبغي أولا الانطلاق من الدلالة التي تحددها الجماعة المعنية لهذا المفهوم أو ذاك . بعد ذلك يكون ضروريا مقارنة تصور الجماعة في كليته مع القوانين وكذا القيم الأخلاقية في كونيتها وشموليتها . فما هو مفهوم العنف لدى جماعة العدل والإحسان ؟ لقد عرف الشيخ ياسين العنف بأنه "وضع يد التنفيذ بميزان الهوى والغضب" . وبذلك نجده يميز بين العنف وبين القوة كما في قوله : ( نستعمل كلمة قومة تفاديا لاستعمال كلمة ثورة . لأن " ثورة" فيها العنف ونحن نريد القوة . والقوة وضع يد التنفيذ في مواضعها الشرعية بينما العنف وضعها بميزان الهوى والغضب ). ومعنى هذا أن كل ممارسة يرى الشيخ أنها في مواضعها الشرعية ، فهي ليست عنفا مهما كانت طبيعة تلك الممارسة والأدوات المعتمدة في تنفيذها . إذن الفرق بين العنف والقوة ليس في الأسلوب ، فكلاهما يستعملان نفس الأدوات والأساليب ، بل الفرق في الخلفية الإيديولوجية . ذلك أن الشيخ يضفي الشرعية على كل عنف يتم باسم الدين ، على اعتبار أن الإسلام فرض على المسلمين " الجهاد" لتغيير المنكر ، ونشر الدعوة . يقول الشيخ ( تربيتنا وتنظيمنا ينبغي أن يعدا القوة الإسلامية الذاتية التي لا تعتمد على سند جاهلي ، لتقاوم آثار الفساد في مجتمعاتنا وجند الإفساد الجاثم على صدرنا ، حتى نستقيم على أقدامنا ، ونكسب المناعة ضد الغزو الفكري ، .. في بلادنا الإسلامية صنائع للجاهلية ، وسدنة من بني جلدتنا لمصالحها وفكرها ، يحكموننا بغير ما أنزل الله )(ص 10 المنهاج النبوي). وفي هذا الإطار يتوعد الشيخ خصومه السياسيين ، خاصة الاشتراكيين والعلمانيين عموما ، يوم تثبت أركان دولته ، بأنه سيقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل أعينهم ويعطشهم حتى الموت . وقبل هذا سيحرمهم من الوظائف أو ينفيهم خارج الوطن . وانسجاما مع مفهوم الشيخ للعنف ، فإن ممارسة " القوة" عبر التقتيل والنفي وقطع الأطراف لا يعتبرها الشيخ عنفا ، بل هي قوة وُضعت في موضعها " الشرعي" ، أي أنها تُستعمل فيما " يُرضي" الله وبما يَرضاه الله لعباده . يقول الشيخ مبينا هذا الأمر : ( فما التعانف بين المسلمين بالتي يرضاها الله لعباده المسلمين) . وفي هذا الإطار ـ إطار ما يرضي الله ـ يرى الشيخ أن طرد المواطنين من وطنهم ووظائفهم لا يُعدُّ عنفا ، بل هو من صميم شرع الله . وهذا واضح في قول الشيخ ( وليس من العنف ولا منافيا للعفو أن يُطرد من الساحة العامة سدنة الفساد من سياسيين ، وموظفين ، ومهرجين )( ص 309 المنهاج النبوي ) . ويقول أيضا في حق المدرسين ( ماذا يجد الإسلاميون عندما يصلون إلى الحكم ؟ من بين ما يجدون طبقات وطوائف وشرائح من المتعلمين ذوي الكفاءات ؛ هم حصيلة جهود مَنْ وَلَد ، ومن رعى ، ومن علم ، من أسرة ومدرسة وجامعة . . وهم خليط يشتمل على ذوي المروءات والكفاءة ، وذوي الكفاءة بلا مروءة ، وذوي الدين والمروءة والكفاءة ، والمتنصلين من الدين المنافقين . فماذا هم فاعلون الإسلاميون بهذه الحصيلة التي إما تستصلح فتكون نواة لتعليم تائب وإدارة متطهرة ، وإما تعد الحقائب )( ص 175 حوار مع الفضلاء ). فالغاية الرئيسية التي يسعى الشيخ إلى تحقيقها هي الاستيلاء على السلطة وقلب نظام الحكم بأية وسيلة أتيحت له بما في ذلك حمل السلاح . وهذا واضح وصريح في برنامج الشيخ ومنهاجه حيث يقول ( لكن إذا اجتمعت شروط مثل التي يعيشها المؤمنون في سوريا ، بحيث أعلن الحكام كفرهم الأصلي ، وحاربوا المسلمين ، فحمل السلاح واجب )( ص 309 المنهاج النبوي ). من هنا نفهم أن المرشد لما ينفي عن جماعته العنف ، فهو يقصد العنف الذي يتم بالطريقة التي لا يرضاها الله . ومن ثم فطالما جماعته ملتزمة بممارسة " القوة" ( بالتي يرضاها الله ) حتى وإن كانت هي التقتيل وحمل السلاح ، فإن ذلك لا يعتبر عنفا ، بقدر ما هو تطبيق للفريضة " الغائبة " التي هي الجهاد . وبهذا تنتفي أوجه الاختلاف بين دعوات المرشد ودعوات شيوخ السلفية الجهادية من حيث الاستعداد لممارسة العنف والتحريض عليه باعتباره فريضة دينية
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنف لدى الجماعات الإسلامية بين الشرعنة والإدانة -1
-
الإرهاب إن لم يكن له وطن فله دين
-
هل أدركت السعودية أن وضعية المرأة تحكمها الأعراف والتقاليد و
...
-
عمر خالد وخلفيات الانتقال بالمرأة من صانعة الفتنة إلى صانعة
...
-
هل السعودية جادة في أن تصير مقبرة للإرهابيين بعد أن كانت حاض
...
-
ليس في الإسلام ما يحرم على المرأة إمامة المصلين رجالا ونساء
-
العلمانية في الوطن العربي
-
حزب العدالة والتنمية المغربي مواقفه وقناعاته تناقض شعاراته
-
ليس في الإسلام ما يحرم على المرأة المشي في الجنازة
-
الإسلاميون يصرون على بدْوَنة الإسلام ومناهضة الحداثة - 3
-
الإسلاميون يصرون على َبـْدوَنَـة الإسلام ومناهضة الحداثة - 2
-
الإسلاميون يصرون على بَدْوَنَة الإسلام ومناهضة الحداثة
-
الإسلاميون والدولة الديمقراطية
-
السعودية بين مطالب الإصلاحيين ومخالب الإرهابيين
-
ليس في الإسلام ما يحرم ولاية المرأة
-
ارتباط السياسة بالدين أصل الفتنة وعلّة دوامها
-
العنف ضد النساء ثقافة قبل أن يكون ممارسة
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|