|
معركة الأرقام في السياسة
سيومي خليل
الحوار المتمدن-العدد: 4190 - 2013 / 8 / 20 - 08:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتخذ المواجهات السياسية بعدا رمزيا حين تجعل الأرقام أداة مواجهة قوية . الأطراف السياسية لا تكتفي بإظهار فرادة برامجها ، أو معقولية إيديولوجيتها ، أو ارتباط تنظيراتها بالواقع ،وعدم الإرتفاع عنه إطلاقا ... إنها تمعن ، وبشدة ، في استحصار الأرقام كداعم أساسي لقوتها ،ومكانتها السياسية ، فتتحدث عن عدد الأعضاء الذين يتبنون فكرها ، وتعمل على تضخيم هذا العدد، وترى في المسيرات التي تقوم بها مسيرات مليونية ،وليس مجرد مسيرات عادية ؛ إنها مواجة الأرقام الضارية ...
لقد تضاربت الأرقام مرة آخرى فيما يخص مسيرة الأحد التي دعى إليها المحسوبين على التيار الحركي الإسلامي السياسي، المسيرة التي قيل أن كل المحسوبين على هذا التيار اتحدوا ،ونسوا إختلافاتهم العميقة إلى حين ؛ التيار يتحدث عن مئات الآلاف التي شكلت المسيرة، في حين أن عيون وزارة الداخلية ،وماكينتها في العد والإحصاء والرصد ،تتحدث عن أقل من عشرة آلاف ...
إنه نفس السيناريو الذي يحدث دائما ،ونفسه الذي حدث بشكل واضح جدا ،وجلي جدا ، في إعتصامي كل من ميدان التحرير المصري ، والذي يحتله معارضوا الرئيس محمد مرسي ،و في ميدان رابعة العدوية، الذي يملأ مساحته مؤيدوا الرئيس المعزول ، قبل حدوث التدخل العسكري في ميدان رابعة العدوية ؛ الطرفان معا ينسبان لإعتصاميهما صفة المليونية ،ويقللان من شأن عدد معتصمي الميدان الآخر ... والأكيد أن الحقيقة ليست معهما إطلاقا ، فصورة مأخودة من على طائرة فوق الميدانيين لا تعطينا أرقاما للمعتصمين نهائيا ، بقدر ما تعطينا تجمعا لمجموعة من الأفراد، تجمع تهابه العين،وتستهول ضخامته .
لعبة الأرقام هاته توحي بأن هاجس السياسي بدرجة أولى هو الكم ، وكلنا يعرف كيف كانت بعض الأحزاب تعمل على جلب أكبر عدد من المؤتمرين ،وأكبر عدد من الأعضاء، وأكبر عدد من أشخاص بدون هوية سياسية محددة ،إلى درجة أن أصبحت هذه المهمة مناطة بمجموعة من الأعضاء ،ومبرمجة في أشغال الحزب ، ليتم إظهار التضخم العددي الذي يعطي مذاقا خاصا للتجمعات ، ويؤشر على إمتلاك قوة ما ...
إن الهدف من اللعب بالأرقام ،وتركها مفتوحة على اللانهائي هو تحقيق مجموعة من الركلات السياسية المتقنة ، والمسجلة ، أو التي يراد منها أن تسجل في مرامي الخصوم المتعددين والمتفرقين، وهؤلاء دائما موجودون في الساحة السياسية ، إن هذه الأهداف تتلخص في التالي :
-1-إظهار ثقل التواجد في الشارع العام ، و الإنتشار المكثف بين المواطنين ، والوجود في عمق اهتماماتهم العامة والخاصة ... فكلما كان الرقم متضخما ، ومنفوخا فيه ،كلما ازداد ثقل التيار السياسي المعني بالأمر رمزيا ، فالإدعاء برقم ما ،وإن لم يكن صحيحا ، يحقق رمزيا ،وبشكل من الأشكال ، بعض الفوز المرجو تحقيقه ...
-2-التأثير في الأعضاء ،وتحميس المنتمين ،و إثارة المتعاطفين ، فرقم كبير ،يحمل أصفارا عدة ، يشعر هؤلاء المنتسبين جميعا بأنهم ليسوا قلائل ، وأنهم لا يحجون فرادى ، وأن بإمكانهم الإستناد على بعضهم البعض ، وإدامة النضال الدائم من أجل تحقيق الأماني المبتغاة ،والوضع المحلوم به ...
-3-التأكيد على فاعلية هذا التيار السياسي ، وجعل الداعين لا يتشبتون بمواقفهم أكثر ، حتى وإن كانوا يعلمون أن هاته الأرقام التي يتحدثون عنها ماهي إلا بضاعة للتسوق والإشهار لا أكثر ...
أذكر أني شاركت في مسيرة لأحد النقابات ضعيفة التمثيلية،والتي تؤكد المثل المتعلق بجعجعة بدون طحين ،حين إنتهت المسيرة ، وبدأنا نناقش الأوضاع التي جرت فيها هذه المسيرة ، قلنا جميعا أنها كانت بالآلاف ، في حين أن أعين أقلنا بصرا ، واقلنا ذكاء ،كانت تتحدث عن مئات لا غير ؛ مجرد مثال إلى لعبة الأرقام لا غير .
هذا التفكير الكمي مغالط ، وغير دقيق ، وليست منه أي منفعة ، فمن الممكن جدا تجييش متجمهرين كثرا ، لكنهم متجمهرون لا يعرفون لما هم متجمهرين ، فهل تعني كثرتهم ،وعددهم الكبير نجاح أسباب الدعوة إلى التجمهر او الإحتجاج أو الإعتصام ...؟؟؟
يلعب عدد الخارجين في مسيرة، وعدد المعتصمين ،وعدد المحتجين ،دورا أساسيا في تحديد مدى نجاحها أولا ، لكن شرط أن يكون العدد المصرح به صحيحا ، وشرط أن يكون كل المشاركين على دراية بما يحتجون عليه .
أفضل إثنين يحتجان على أمر يعرفانه ،ويعيانه بشكل جيد ،على عشرة لا يعرفون لما يحتجون ...إن رقم عشرة سيفضله السياسي على رقم إثنين ، لأنه في الأخير، وبعد كل شيء ، لا يهم إلا الأرقام ، تماما مثل مبارة كرة القدم ، فما يهم هي الأهداف بين فرقين متنافسين ، ولا تهم إطلاقا طريقة اللعب إلا على سبيل الفرجة ، ومثلما يقع في الإنتخابات أيضا، فالمهم هو عدد الأصوات ، وليس المهم الاصوات التي عرفت ،وأدركت ،علاما ستصوت،ولماذا تصوت .
#سيومي_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صناعة المجازر
-
مشهد من مصر
-
حق -واجب
-
في إرتقاب إمانويل كانط
-
عقد عن الإنفجارات
-
طلاق الأغلبية
-
الشيخ الحداثي جدا .
-
سياسة الإستجداء والبكاء
-
أنا اتحرش أنا موجود
-
خطاب الأزمة
-
بالألوان
-
أنا أومن لأن ذلك مناقض للعقل GREDO QIA ABSRDM--باللغة اللاتي
...
-
كي لانموت
-
مدننا الهاوية
-
دردشة عن الفراغ
-
الشرعية التاريخية والديمقراطية وآخرى غيرها
-
تعلمك العتمة
-
الوجود أم الفكر أي تجاوز ممكن ؟؟؟
-
من يراهن على القمر ولا يحترق ؟؟؟
-
المحلي والكوني في كتابة العقد
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|