أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - صورة الطفل الذبيح من بانياس














المزيد.....

صورة الطفل الذبيح من بانياس


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4189 - 2013 / 8 / 19 - 23:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


شيء ما يستوقف النظر في صورة الطفل الذبيح، يجتذب العين إليها ويبقيها قريبة في الذاكرة. عند التأمل في الصورة يبدو أن أشياء كثيرة هي ما تأسر النظر وتشده إليها، بل نسيج من التعارضات تتشكل منه.
أولها التعارض بين الطفولة والذبح. تقرن الطفولة عادة بالبراءة وباللعب. ولأن الأطفال لا يستطيعون الأذى، فإن ذبح طفل يبدو شيئا سخيفا ولا لزوم له، أكثر حتى مما هو شرير، أو هو شرير شرا مطلقا، لأنه سخيف ومجاني، ولا أحد مضطر له.
شيء آخر يجتذبنا إلى الصورة دون أن يكون ظاهرا أو كامنا فيها: أن الطفل ذبح، لم يقتل برصاصة، أو بشظية طائشة أصابته في الشارع، أو من جراء قصف منزل ذويه، أن قتله اقتضى جهدا خاصا من القاتل، أن الطفل اعتبر فردا كامل الأهلية، جديرا بذبح خاص. خصه القاتل بتكريم فردي يعادل ما خص به آخرين بالغين لم نرهم. أو ربما كرمه أكثر منهم. لعله اعتبره حاملا لجرثومة شر فتية وواعدة بالكثير، خلافا للكبار الذين لا بد أن شرهم محدود ما داموا لم يستيطعوا منعه من قتل طفلهم، وما دام قتلهم وهم كبار مثله.
لعل القاتل أراد أن يقول إن الصغير كبير، أو ربما إن الصغير هو الكبير.
في المقام الثاني يصدم التعارض بين هشاشة الطفل وانكشافه وبين ما اقتضاه حز عنقه وصعود السكين نحو زاوية فمه اليسرى من عناء خاص من طرف القاتل، بين الهول الساحق والصغير السهل الانسحاق. لقد أهدر القاتل طاقة كان يمكن أن يوفرها لمهمات أخرى، لكنه إذ فعل فلا بد أن هناك حكمة وراء الأمر أو مقصدا خاصا: إما سخاء القاتل وفيض طاقته، أو خطورة المقتول وأذاه المستقبلي.
على أن ما سبق يمكن أن ينطبق على قتل أي طفل، ولا يخص هذا الطفل بالذات.
في هذه الصورة يواجهنا التعارض الجذاب بين الموت الذي هو حال لا تنعكس وبين الدم القاني الذي لا يزال يسيل، ويغري بإعادة الزمن قليلا إلى الوراء. قبل لحظات كان الولد هنا، قبل لحظات حتى أنه لم يلحق أن يشعر بالرعب، أن تتكدر نظرته أو تتشنج عضلات شفتيه. يبدو كأنه مستلق على كنبة يتابع شيئا على التلفزيون. بضع دقائق إلى الوراء ويعود بيننا، يعود الدم إلى مستودعاته في القلب والعروق، ويعود الولد إلى متابعة برنامجه المفضل. ونعود نحن إلى أماننا وسكينة أنفسنا، فلا زلزلة ولا ارتعاد ولا ذهول.
على أن أكثر ما يخص هذا الطفل وهذه الصورة بالذات هو التعارض بين الذبح الذي يزلزل الناظر وبين وسامة الطفل وهدوء ملامحه وصفاء عينيه، بين الرهيب والرائق. بفعل هذه التعارض يكاد يصح وصف الصورة بأنها جميلة. أليس جميلا الدم الأحمر الذي يلون الوجه الغض كأنما هو شوكولاته أو بوظة؟ أيكون الذبح شقاوة من شقاوات هذا العفريت، لعبة جديدة بتسلى بها؟ توبخه أمه على وسخه وتغسل الدم عن وجهه، قبل أن تعود إلى طلب المستحيل العريق: روح إلعب، بس لا توسخ حالك وتبهدل تيابك!

غير سخافة ذبح الطفل وعبثيته المطلقة، وغير الانجذاب "الجمالي" إلى صورته ذبيحا، لعل هناك جاذبا "وجوديا" إلى الصورة. حين نرى طفلا مذبوحا نشعر أن لا أحد منا بأمان، هذا يُسمِّرنا إلى الصورة بانتظار أن نستوعب الأمر ونتخذ قرارا. لا أحد آمن في طرفنا من الصراع، هذه رسالة القاتل لنا؛ وفي عالم يذبح فيه طفل على هذا النحو، لا أحد من البشر آمن من الذبح على أنحاء كثيرة؛ فماذا يكون القرار؟



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار في شأن الدين والسياسة والإصلاح الديني. أسئلة ريتا فرج
- حوار في شأن ألإسلام والتطرف والإرهاب والتسامح/ أسئلة محمد ال ...
- حوار في شؤون الثورة السورية/ أسئلة جواد صايغ
- حوار في شؤون شخصية وعامة، من الغوطة الشرقية/ أسئلة غسان المف ...
- صورة، علمان، وراية/ مقاربة اجتماعية رمزية لتفاعل وصراع أربع ...
- رسالة إلى المثقفين وقادة الرأي العام في الغرب -
- في نقد -سياسة الأقليات-/ حماية الأقليات من الأكثريات، أم كفا ...
- من -الإسلام- إلى المجتمع/ مقاربة جمهورية علمانية
- وطنيون وخونة وطائفيون...
- الثورة في الداخل والمعارضة في الخارج!
- متى تفجرت الثورة، وأين؟
- حوار حول الثورة السورية في عامين
- 1963- 2011: بين -ثورة- وثورة
- الرقة... صورة -مستعمرة داخلية-
- يوم سقط التمثال
- التناقض الكبير للثورات العربية
- ثورة في المملكة الأسدية
- ثلاثة أشكال للعنف في الثورة
- من مجتمع القضية الكبرى إلى مجتمع المشكلات الصغيرة
- -من بدل دينه فاقتلوه-!


المزيد.....




- سوريا: -سوء التغذية الحاد- يحدق بأكثر من 400 ألف طفل جراء تع ...
- ماذا يحدث في الأردن؟ ومن هي الجماعة التي تلقت تدريبات في لبن ...
- إصابة ثلاثة أشخاص في غارة بمسيرة روسية على مدينة أوديسا الأو ...
- انقسام فريق ترامب حول إيران: الحوار أم الضربة العسكرية؟
- حريق يستهدف أحد السجون بجنوب فرنسا ووزير العدل يصف تصاعد اله ...
- المبادرة المصرية تحصل على رابع حكم بالتعويض من -تيتان للأسمن ...
- تصاعد الخلاف الفرنسي الجزائري مع تبادل طرد الدبلوماسيين.. فإ ...
- حادث مرسى مطروح: روايات متضاربة بين الأهالي والشرطة المصرية ...
- رشيد حموني : التحول الإيجابي في العلاقة المغربية الفرنسية خي ...
- ما وراء سحب الجيش الأمريكي بعض قواته من دير الزور السورية؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - صورة الطفل الذبيح من بانياس