|
التوظيف -السياسوي- للدراما التلفزيونية: شلش مثالا! ج1
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 4189 - 2013 / 8 / 19 - 03:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
( إنّ بين الإسفاف والكوميديا الرفيعة خط أرق من الشعرة.. موليير/ ولد في 1622 م) علاء اللامي* ليس التوظيف السياسي، بما أنه استعمال إبداعي لضرب من ضروب الكتابة والتمثيل لهدف سياسي، أمرا معيبا، ولا هو نقيصة بحد ذاته، ولهذا ميزنا بين نسبة "السياسي" و"السياسوي" على اعتبارٍ تكرسَ بمرور الزمن هو أن "الواو" المضافة هنا تفيد المبالغة- صعودا وهبوطا - والتشويه وانحراف المعنى من الحال السوي إلى غير سوي. إنّ المسلسلات التلفزيونية القائمة على فني الرسوم المتحركة والأداء التمثلي "الصوتي"، والتي يمكن أن نقترح لها مصطلح "الكارتودراما"، ميدان جديد من ميدان الإبداع بدأ يظهر على شاشات القنوات التلفزيونية العراقية منذ سنوات قليلة وأصبح له جمهوره العريض ولكنه في الوقت ذاته أثار جدلاً عريضاً ونقاشات متشعبة لم تخلُ غالبا من الحدة ومن التحيزات غير الموضوعية أحيانا. خلال شهر رمضان المنصرم، واصلت إحدى الفضائيات العراقية الأهلية التي تبث من خارج العراق هي "الشرقية"، إنتاج مسلسلات من هذا النوع، كان آخرها مسلسل اسمه "شلش في حي التنك" لكاتبه الشاب محمد خماس، ومخرجه مهند أبو خمرة. كان واضحاً منذ البداية أن كاتب العمل استثمر شخصية حقيقية هي شخصية المدون المعروف باسم "شلش العراقي" الذي اشتهر في فضاء الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي بكتاباته الساخرة والنقدية ثم انقطع لأكثر من عام عن التدوين والنشاط، وعاد ثانية على الفيس بوك ثم انسحب بهدوء وما يزال منسحبا. وشلش العراقي يقدم نفسه من خلال كتاباته ككاتب ساخر، ديموقراطي التوجهات، وذي خلفيات ومناخات يسارية، وهو إلى ذلك معارض من نوع خاص للحكم القائم اليوم والعملية السياسية الطائفية، كما أنه من سكنة مدينة الكادحين "الثورة "أو" مدينة الصدر" كما يسميها الكثيرون اليوم. كان كاتب هذه السطور قد كتب في أول أيام رمضان الفائت نقدا لما اعتبره توظيفا غير سليم، ومن طرف واحد ودون استئذان أو ترخيص من الشخصية حقيقية لتحقيق أهداف يمكن تصنيفها ضمن البروباغندا السياسية التي عرفت بها تلك القناة الفضائية التي تبنت وأنتجت المسلسل. لقد زعم كاتب العمل أن اتصالا مباشرا قد تم بالكاتب شلش "الحقيقي" كما أبلغه المخرج أبو خمرة وانه وافق على العمل ولم يضع خطوطا حمراء، ولكن الكاتب عبد الخالق كيطان الذي شارك في حوار تلفزوني حول الموضوع - سنتوقف عنده بعد قليل - نقل عن شلش وهو صديقه، أنه نفى حدوث اتصال كهذا. ولا ندري في الواقع كيف يتساوق الزعم بأن شلش شخصية افتراضية، وحي التنك مكان افتراضي، كما قال كاتب العمل في بداية حديثه مع زعمه بالاتصال به – بشلش شخصيا - بشكل مباشر! ومن الجدير بالذكر أن الثنائي خماس وأبو خمرة كانا قد قدما أعمالا مشابهة من أشهرها "العتاك" و "الريس حنش" تجري على المنوال نفسه. هنا، وقفة نقدية سريعة عند آخر هذه الأعمال على أمل أن تتاح لنا فرصة أرحب مستقبلا لوقفة أسهب وأكثر تفصيلا. قد يكون مناسبا ومفيدا أن أبدأ هذه الوقفة بالحادثة التالية ذات العلاقة بالموضوع: فقد شاهدت قبل أيام حوارا نقديا فنيا شارك فيه الكاتب المسرحي عبد الخالق كيطان والكاتب الشاب محمد خماس مؤلف عدد من المسلسلات التلفزيونية الساخرة من نوع الرسوم المتحركة الدرامية كالعتاك والريس وشلش.. وقد عقبت على ما كتبه الزميل كيطان بملاحظة على صفحته الشخصية على الفيس بوك سجلت فيها إعجابي بفكرة كاتب العمل محمد خماس، والذي فاجأني بهدوئه ورحابة صدره إزاء النقد ودقته في الحديث، فكرته الذاهبة إلى أنَّ استعمال اللهجة الجنوبية الشروكية لا ينطوي بحد ذاته على انتقاص من الجنوبيين، فاللهجة مجرد وسيلة اتصال ..الخ، وهذا صحيح، ولكنه ليس كل ما ينبغي قوله هنا، أو لأقل: ليس بهذه العمومية وخارج الشرط المجتمعي المعاش. فالواقع العراقي يقول إنَّ شخصية المواطن الجنوبي العراقي عانت كثيرا في العقود السابقة من قيام الدولة العراقية في العشرينات وخصوصا في عهد الأنظمة الانقلابية القومية والبعثية من (التنميط السلبي Négative stéréotype ) الذي يماثل من حيث المضمون ذلك التنميط السلبي والتشنيعي الذي أخضعت له شخصية العربي والمسلم في الأعمال السينمائية الهوليودية، وبخاصة تلك السينما ذات التوجهات والتمويل الصهيوني. فإذا كان العربي والمسلم يظهر في سينما هوليود بصورة الفاسد، الدموي، زير النساء، الجبان، الكذاب، والبخيل وهذه كلها صفات يسقطها العنصري الأميركي والأوروبي التقليدي على نقيضه العربي ضمن ما يسميه علم النفس الحديث الإسقاط كحيلة دفاعية (Projection stratagème défensive ) دون أن يعني ذلك أن العربي والمسلم "العام" ملاكا أبيض الجناحين، فإن العراقيين الجنوبيين وخصوصا من عرب الأهوار والشراكَوة عانوا من تنميط أكثر قسوة ولؤما سلطته عليهم السلطة القومية البعثية وأنصارها، وقد امتد هذا التنميط إلى التشكيك بعراقيتهم وعروبتهم وأخلاقهم فاعتبروا غوغاء ومتسللين وأجانب جاء بهم أبو القاسم الثقفي مع قطعان جاموسهم من بلاد السند إلى آخر تلك الخرافة المريضة وغير العلمية. لا يتعلق الأمر هنا بشائعات و كلام مقاهٍ أو "قفشات" ضمن ما يمكن تسميته "فولوكلور التشنيع الشعبي المتبادل" بل هو كلام صدر من أعلى مراكز القرار الحكومي وشخصيات مهمة في الحكومات العراقية منذ العهد الملكي لعل من أشهرها في هذا المجال هادم أسوار بغداد التاريخية ساطع الحصري، وليس انتهاء بمقالات مساعدي وأقرباء رئيس النظام السابق المعدوم صدام حسين، و هو تقليد مرفوض بات يتكرر اليوم ممزوجا بما تنتجه أجواء الاستقطاب الطائفي "الشيعي السني" فصار أكثر استفزازا وانحطاطا مما كان عليه في السابق. في ضوء هذه الحقائق والمحاذير سيكون من الصعب تماما تبرئة استخدام اللهجة الجنوبية العراقية بإطلاق القول ودون تحفظات، أو التحجج بأن من يشاركون في هذه الأعمال بهذه اللهجة هم من أهل الناصرية أو العمارة، فشرُّ الهجائين هم المنتسبون "لأهل الدار" كما يقال، علما بأن أداء الممثل العراقي للشخصية الجنوبية، حتى من قبل الممثلين الجنوبيين "المتبغددين"، لم يرقَ إلى مستوى أداء زملائهم المصرين الذين أدوا الشخصية الصعيدية أو الساحلية البورسعيدية على سبيل المثال، وهذا بحد ذاته يوقع الشخصية الجنوبية المؤداة في تعقيدات واستهدافات إضافية. وقد قارب هذه المعاني الأستاذ عبد الخالق كيطان بتأكيداته المتكررة والتي لم يجد الفرصة للتفصيل فيها خلال البرنامج على أنَّ وجود أزمة مجتمعية شديدة في العراق يلقي بظلاله على هذا الموضوع الحساس و ينبغي بالتالي أن تؤخذ هذه التحفظات والمحاذير بحسبان الكاتب الدرامي. غير أنني أعتقد بأن هناك شيئاً آخر في هذا النوع من المسلسلات التي كبتها خماس ونفذتها قناة "الشرقية" لم يتوقف عنده المتحاورون وهو المتعلق بالطريقة الإخراجية التي نفذت بها هذه المسلسلات حيث طغى على الخطوط الإخراجية التي اعتمدها أبو خمرة الاستهداف الشخصي لزعامات وقيادات وحتى فئات اجتماعية محددة بشكل غير مهني بل وسياسوي وربما لا يخلو من الهجاء والتعريض الطائفي أحيانا. يتبع
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اعتزال الصدر و-تسييس- السيستاني
-
ترويج سياحي لإسرائيل من بغداد!
-
بين المالكي وداعية غزو العراق فريد زكريا!
-
مواد واجبة التعديل في الدستور العراقي
-
عدم استقالة الحكومة والرئاسات الثلاث فوراً جريمة كبرى!
-
الأولويات في تعديل الدستور العراقي النافذ
-
-وطنيون- يطالبون بإعادة احتلال العراق:
-
لا فرق بين البطاط و طه الدليمي
-
بين الطائفة والطائفية.. ثمة فرق هائل!
-
14 تموز.. الثورة المغدورة!
-
جاء وزير الإسكان يكحلها..!
-
العراق والكويت: قصة حب ملتبسة!
-
مسؤولية تركيا وإيران عن كارثة التلوث البيئي في العراق
-
دماء الأبرياء في رقبة شيخ الفتنة مساعد آل جعفر وأمثاله!
-
العراق: الكونفدرالية هي الحل؟
-
يعيش مُرسي .. يسقط المالكي!
-
زخة بيانات - عوراء- وطائفية!
-
حكومة تكذب وشيوخ قبائل يصدقون!
-
تصحيح/ مشكلتنا ليست مع الله بل مع عبد الله !
-
تسييس الدم البشري في العراق
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|