أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عفيف رحمة - البحث العلمي في سوريا-حقائق ومؤشرات















المزيد.....


البحث العلمي في سوريا-حقائق ومؤشرات


عفيف رحمة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 4188 - 2013 / 8 / 18 - 23:24
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


يعتقد الباحث في قضايا التعليم العالي أنه أوفر حظاً من غيره في توفر ما يحتاجه من المعلومات والبيانات التي تسمح له بإجراء تحليل علمي وموضوعي لواقع هذا القطاع ودوره الحيوي في التنمية الشاملة، غير أن الواقع يفيد بأن عالم التعليم العالي عالم غارق بالغموض وإفتقار المعلومة.
قد يفسر البعض هذا الغموض من منطلق أمن المعلومات وحمايتها، لكن الموضوع يعود برمته إلى إفتقار المعلومة لا لسريتها، وهذا يفتح باباً آخر للبحث عن أسباب عدم إدراك المعنيين، من سلطة سياسية وإدارة علمية، أهمية توفير قاعدة بيانات علمية وشفافة تؤسس لأي مراجعة أو دراسة تخدم مشروع النهضة الوطنية.

إن أهم جانب يدفعنا لإعتماد الشفافية في مراجعتنا وتقييمنا لواقعنا العلمي ما تواجهه سوريا من تحديات حضارية وعسكرية من الغرب الراسمالي ومن دولة الكيان الإسرائيلي، وهذا بدوره يفرض علينا أن نقيس موقعنا نسبة لهذا الكيان الذي يحتل المرتبة الأولى في علوم الكومبيوتر، والمرتبة الثالثة في الكيمياء، والمركز الثالث في العالم في صناعة التكنلوجيا المتقدمة، والمركز الخامس عشر بين الدول الأولى في العالم المنتجة للأبحاث والاختراعات.

ماذا نقرأ من مؤشرات جامعة دمشق؟
يظهر التقرير السنوي للمديرية البحث العلمي لعام 2009 أن عدد أعضاء الهيئة التدريسية (من حملة الدكتوراة) القائمين على رأس عملهم بلغ 1995 عضواً، منضوون في 189 وحدة بحث علمي (80% علمي و 20% أدبي وإنساني) و 16 مركز بحثي (7 للعلوم الأدبية والإنسانية و 9 للعلوم الطبية والهندسية)، ينفذ 368 منهم مشاريع للبحث العلمي في إطار مهامهم الجامعية، منها 206 مشروع بحث علمي (ممول ذاتياً !! لفترة إنجاز تراوحت بين شهر وأربعة اشهر !! و162 مشروع بحثي ممول لفترة لا تتجاوز السنتين، كما ويشارك عدد منهم تدريسياً في 213 برنامج للدراسات العليا.
محصلة النشر العلمي وصل إلى 141 ورقة علمية منشورة داخل سورية و 113 خارج سورية (دون تحديد مكان هذه المجلات وجديتها ومكانتها العالمية وتوافق شروط النشر فيها مع السويات العلمية العالمية...!)، أما خلاصة مشاريع الدراسات العليا فقد أنجز منها 475 رسالة ماجستير و 139 رسالة دكتوراة داخلية.

أما المبالغ التي أنفقت تحت بند البحث العلمي فلم تتجاوز 30 مليون ليرة سورية و 78 مليون ليرة للبنية التحتية، فإذا ما عوملت باقي الجامعات الحكومية بذات النسبة يكون مجموعه ما أنفقته سوريا على البحث العلمي بنحو 8 مليون دولار أميركي فقط (قارن فيما بعد مع ما أنفقته إسرائيل على البحث العلمي).

هذا التقرير (وتقرير عام 2010 الذي لا بد من شكر من اخرجهما إلى الضوء لأنهما الوثيقة الوحيدة المتوفرة لتقييم واقع التعليم العالي في جامعة دمشق)، يشير عبر الأرقام والمعدلات إلى ما يلي:
• ما نشرعام 2009 لا يتجاوز ورقة علمية واحدة داخل سوريا لكل 14 عضو هيئة تدريسية، علماً بأن التقرير لم يقدم تفاصيل حول مكان إقامة الباحث وهل أجرى البحث في مخابر الجامعة أم في المنزل، وهل له أكثر من ورقة علمية واحدة وهل كان منفرداً أو ضمن فريق عمل خارج سوريا وهل هو من الموفدين خارج القطر أم لا!!! ومكان النشر الخارجي الذي غالباً ما يكون في دول عربية لم تتجاوز مرحلة اليفاعة العلمية بعد.
• في عام 2009 كان نسبة 11/1 من أعضاء الهيئة التدريسة فقط ممن أنجزوا جهداً علمياً ولو كان بسيطاً (بحث لمدة شهر ؟!).
• عدد الأوراق العلمية المنشورة من قبل طلبة الماجستير والدكتوراة تكاد تكون شبه معدومة.
ومن هذا التقرير يمكننا ان نقرأ ايضاً:
• أن ما أنفقته سوريا على البحث العلمي لعام 2009 بكامل مكوناته (8 مليون دولار إنفاق وبنى تحتية) لا يتجاوز 1000/1 مما أنفقته إسرائيل لذات العام (8.3 مليار دولار) وغذا ما قيس نسبة لعدد السكان فإن الهوة تصل لمعدل 3000/1
• أما ما أنفقته الجامعة عام 2010 فلم يتجاوز 46% من حصة البحث العلمي من الموازنة الإستثمارية المتناقصة والبالغة 25 مليون ليرة سورية (بدل 30 مليون لعام 2009)، وهذا مؤشر عن التراجع بمعدل الأعمال العلمية المنجزة، وعجز المؤسسة التعليمية عن دفع الحركة العلمية نحو الأمام، ورغم محاولة تقرير عام 2010 الإيحاء بزيادة نسبة الإنفاق على البحث العلمي (من حصة الموارد الذاتية) فأن مجمل المبالغ المشار إليها تبقى بعيدة جداً جداً عن ضرورات المجابهة والمقاومة.
• إن ما نشر من أوراق علمية (بمجملها) لا يأتي إلا في إطار مستلزمات الترفيع الأكاديمي، وما يعزز هذه النتيجة ان 56% من الأبحاث المنفذة خلال فترة تتراوح بين شهر وأربعة أشهر والممولة ذاتياً (؟)، و22% من هذه الاوراق نشر قصراً لإستيفاء تتمة منحة الإيفاد لمهمات البحث العلمي والمهمات الإطلاعية والتدريبية. لكن يبقى السؤال الأهم حول فحوى البحث العلمي الممول ذاتياً، ما هي مدلولاته، جديته، مصداقيته، أصالته، قيمته العلمية، علماً بأنها هذا الشكل من البحث فريد من نوعه في العالم ويعيدنا إلى السؤال الأهم المتعلق بمدى إدراك السلطات السياسية والإدارات العلمية لأهمية البحث العلمي وماذا تفهم منه.
• ما يعزز هذا الرأي أن نحو 1995 عضو هيئة تدريسية في 182 وحدة بحث علمي و 16 مركز بحثي لم ينتجوا عام 2009 سوى 254 ورقة علمية (داخل وخارج سوريا).
• قدم نحو 80% من أعضاء الهيئة التدريسية جهداً علمياً (ولو كان بحثاً صغيراً أو ورقة علمية واحدة) في حين جاء الإنتاج العلمي في المجالات الأدبية بمعدل 130% من إنتاج العلوم الاساسية والهندسات والعلوم الطبية.
• إن نسبة رسائل الماجستر والدكتوراة في مجال العلوم الطبية والهندسات لا تتجاوز بالترتيب 55% و 31% من إجمالي الأعمال العلمية، مقابل 44% و 69% من رسالة الماجستير والدكتوراة في مجال العلوم الإنسانية والآداب والعلوم الدينية، وهذا ضئيل جداً مقارنة مع معايير الإنتاج العلمي حيث تغلبت الدراسات الأدبية والدينية على الدراسات العلمية التقنية والطبية.
• هذا الإنتاج العلمي لا يتناسب مع عدد الطلاب الجامعيين في كلا المجالين، كما أن إجمالي الإنتاج العلمي في مجال التكنولوجيا والعلوم الطبية لا يتناسب مع حجم الكادر التدريسي والدور المطلوب للتنمية والنهضة الوطنية وهو بعيد كل البعد عن المعايير والمقاييس الدولية للإنتاج العلمي.
• من مراجعة أسماء وحدات البحث العلمي وعناوين الأعمال والأبحاث والأوراق العلمية وإجراء مقارنة مع ما أنجز عام 2010، يظهر لنا جلياً العشوائية في التوجهات والفردية في إختيار الموضوعات وعدم إرتباط هذه الأعمال والأنشطة العلمية بإستراتيجية علمية متكاملة في إطار مشروع شامل للتنمية الوطنية، مما يفقد هذه الأعمال أهميتها وقيمتها العلمية إن وجدت.
• إن المدقق عن قرب في برامج الدراسات العليا قادر على تبيان بعض جوانب ضعف عدد من هذه البرامج وجدواها كنتيجة لمجمل القضايا التي تمس الدراسات العليا ولعل أهمها الفردية والذاتية التي تقتضي وضع المصداقية والكفاءة والجدية على بساط البحث والتدقيق.

بحثاً عن المعلومة
تعتمد بعض المؤسسات العلمية والدولية في تصنيفها للجامعات على معايير تتناول مجموعة من القضايا مثل سمعة المؤسسة التعليمية وأعضاء الهيئة التدريسية وتواجدهم على صفحات الشبكة العنكبوتية، سمعة الخريجين في سوق العمل، التنافسية بين الطلبة، المعدل السنوي لنجاح الطلبة، عدد الأساتذة الزائرين، الميزانية المخصصة للابحاث العلمية، الاوراق اللعلمية المنشورة في مجلات عالمية مرموقة وتبقى مصادرها الرئيسة محركات البحث الإحصائية عبر الأنترنيت وما تقدمه الدول من معلومات.

من هذه المؤسسات التي نجدها على الشبكة العنكبوتية، موقع تومسون رويترز Thomson Reuters Web of Knowledge لقواعد البيانات والمعتبر من أهم مصادر تقييم الحركة العلمية في العالم، وموقع 4International Colleges & University، كما يأتي ليرفد هذه المؤسسات في التقييم العام للجامعات معهد اليونيسكو للإحصاء، تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، البنك الدولي، إتحاد الجامعات العربية، منظمة المجتمع العلمي العربي، وغيرها...

ما يعترض عليه البعض في الرجوع إلى هذه المصادر هو شبهة إعتمادها على معايير ذاتية لاموضوعية في التقييم أو عدم أخذها بالإعتبار الظروف السياسية التي تمر بها بعض الدول مثل الحصار الإقتصادي أو العلمي، فإذا قبلنا جدلاً بوجود الذاتية واللاموضوعية فإن هذه اللاموضوعية تفقد طبيعتها وتصبح موضوعية في شكلها النسبي حين تتم المقارنة والمقاربة بين دول ومؤسسات تعليمية تجمعها قواسم مشتركة كمواقف الغرب السياسية والضغوط الإقتصادية التي تتعرض لها، فمقاطعة الغرب للمؤسسات التعليمية في سورية ليس أكثر وطئة من تلك التي تتعرض لها كوبا أو إيران أو فنزويلا وبالتالي تصبح المعلومة موضوعية بمؤشراتها كونها نسبية لا مطلقة.

وقد يجد البعض في المصاعب التي تواجهها دولنا (النامية) عذراً لتبرير التقصير والتقاعص في النهضة العلمية، غير أن دولاً أخرى مرت بذات الظروف التي كانت دافعاً ومحرضاً لنهضتها، مرّ الإتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية بظروف من الحصار القاسي، كما مرت كوبا بحالة مماثلة في ستينات القرن العشرين ولا تزال تحت الحصار، وها هي إيران وفنزويلا تمر بذات الظروف من الحصار الإقتصادي والعلمي والسياسي.

إذاً اين جامعاتنا من النهضة العلمية
حسب الموقع 4International Colleges & University وهو يهتم منذ 2005 بتقييم نحو 11160 جامعة ومعهد عالي ومؤسسة تعليمية موزعة في أكثر من 200 دولة، جاء التصنيف العالمي لجامعة دمشق (الاولى في الترتيب الوطني) في الترتيب 4778 مقارنة ببعض الجامعات التي نالت الترتيب الأول في دولها مثل جامعة بكين في الصين (43)، سان باولو في البرازيل (63)، معهد التكنولوجيا في بومباي الهند (76)، الأناضول في تركيا (153)، الجامعة العبرية في إسرائيل (213)، كاب تاون في جنوب إفريقيا (239)، طهران في إيران (342)، معهد التكنولوجيا في ماليزيا (400)، القاهرة في مصر (707)، لوس أنديز في فنزويلا (794)، النجاح الوطنية في فلسطين (1234)، فييتنام الوطنية في فييتنام (1324)، هافانا في كوبا (1806)، القديس يوسف في لبنان (1813)، الخرطوم في السودان(1837)، هواري بومدين في الجزائر (3548). علماً بأن عدد الجامعات في إيران 265 جامعة ومعهد، وفي كوبا 16 جامعة، وفي فلسطين 12 جامعة ومعهد.

ووفق ما ورد في تقرير اليونسكو الإقليمي لعام 2008 فقد سجل لسوريا 7500 عضو هيئة تدريسية يعملون في الجامعات الحكومية بينهم 560 باحث فقط (يعمل ولو نظرياً في البحث العلمي)، بمعدل 29 باحثاً لكل مليون نسمة، بينما حققت المغرب المعدل 782، الكويت 833، الإمارات المتحدة 875، الجزائر 906، مصر 1350، تونس 1400، الأردن 1700 باحث، علما أن العدد المتوسط على المستوى العالمي يبلغ 1081 باحث لكل مليون نسمة، في حين أظهرت دراسة لليونسكو نشرت عام 2006 بأن في إسرائيل 1395 باحث لكل مليون نسمة وفي الاتحاد الأوربي 2439 وفي أمريكا 4374 باحثا.

معدل نمو البحث العلمي
من جملة المعايير المعتمدة في تقييم نشاط الدول والجامعات في مجال الأبحاث العلمية، عدد الإستشهادات العلميةCITATIONS الواردة في الأوراق العلمية لباحثين آخرين وهو مؤشر مصداقية لقيمة الإضافات العلمية وجدية وجودة هذه الأعمال والأبحاث، ورغم كل ما يمكن أن نسجله من ملاحظات حول هذه المعايير وما قد يصاب به علماء وباحثي دول العالم الثالث من تضييق على نشر إنتاجهم العلمي إلا أنه في إطار الدراسة المقارنة التي إعتمدناها في هذا العرض والتحليل، لا يمكننا إلا أن نقبل بأن النشر العلمي في المجلات العلمية المرموقة في العالم من أفضل المؤشرات التي تحدد مستوى التقدم العلمي للدول ومؤسساتها التعليمية، وإنعكاس صحيح وسليم لحقيقية ما أنجز من أبحاث علمية جادة على المستوى الوطني كل بلد.

ورغم ما ينسب لهذا المعيار من ثغرات من حيث إحتمال التكرار والإقتباس أو عدم الأصالة والمصداقية وإرتفاع الكم مقابل الجودة، لكنه يبقى من مؤشرات الظوهر العامة إذا ما قبلنا بأن عيوب النشر هذه وثغراتها واحدة في جميع أرجاء العالم حتى في الدول المتقدمة مع بعض الإستثناءات.

حسب حسابات "سيانس ميتريكس SCIENCE METRIX"، وبيانات «تومسون رويترز THOMSON REUTERS» كان معدل نمو النشر من عام 1980 إلى عام 2010 كما يلي: إيران في المرتبة الأولى من حيث النمو العلمي إذ ارتفع فيها النشر العلمي بمقدار 11.07 ضعفاً خلال الفترة الواقعة بين عام 1990و عام 2009 مقارنة بإنتاجها العلمي خلال الفترة من عام 1980 إلى عام 1989، تلاها في الترتيب تركيا التي حققت نسبة نمو بمعدل5,47 ضعفاً. أما سوريا فكان نمو إنتاجها العلمي لا يتجاوز 1.52 في حين جاء النمو في بعض الدول العربية كالتالي: العراق 0.47، المملكة العربية السعودية 0.96، البحرين 1.0، مصر 1.0، الكويت 1.06، قطر 1.22، اليمن 1.33، لبنان 1.88، عمان 3.29.

لقد أظهر تقرير المعرفة العربي لعام 2009 أن نسبة ما نشرته إسرائيل من أوراق علمية إلى ما نشر في العالم بلغ 0.8% ويساوي نسبة ما نشرته الدول العربية مجتمعة، ووفق إحصاءات البنك الدولي لعام 2009 فقد سجل لسوريا 72 ورقة علمية، في حين سجل 25 ورقة لليمن، 64 لقطر، 70 للعراق، 214 للكويت، 256 للبنان، 265 للإمارات، 383 للأردن، 391 للمغرب، 607 للجزائر، 710 للسعودية، 1022 لتونس، 2247 لمصر، و 222 لكوبا، 354 لفنزويلا، 6313 لإيران، 8301 لتركيا، 19917 للهند، 74019 للصين، و 6304 لإسرائيل (تقرير إحصاء 2010 البنك العالمي).

أما الدلالات المباشرة لهذه المعدلات فيمكن تبيانها من عدد الأوراق العلمية المنشورة نسبة لعدد السكان، وهو يعادل 3.3 ورقة علمية لكل مليون نسمة في سوريا، 2.4 في اليمن، 6 للعراق، 13 المغرب، 17.4 للجزائر، 27 للسعودية، 28.8 لمصر، 29.3 البحرين، 40 قطر، 65.1 للكويت، 67.8 الأردن، 68.1 للبنان، 108 لتونس، و 12.5 لفنزويلا، 17.6 الهند، 22 كوبا، 59 الصين، 87.1 إيران، 120 تركيا، و 838 لإسرائيل (تقرير إحصاء 2010 البنك العالمي)

هذا الإنخفاض في النشر العلمي ليس آني وطاريء بل هو تعبير عن حالة من الترهل العلمي المتنامي في سوريا 66 ورقة عام 2008 و 80 ورقة عام 2007) وهذا لا يمكن تفسيره إلا بالشروط الفاعلة في مستلزمات التعليم العالي والبحث العلمي.
فنشر 72 ورقة علمية من سوريا لعام 2009 (حسب البنك الدولي) يعني أن 100/1 فقط من اعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الحكومية أجرى بحثاً علمياً (إذا تم إختزال هذا البحث بورقة علمية واحدة فقط)، وهذه النسبة المتدنية جداً تطرح سؤالاً جوهرياً واحداً حول جدية حكوماتنا في التعامل مع البحث العلمي، كما وتطرح مجموعة من التساؤلات التي تتعلق بجملة من القضايا مثل: كفاءة أعضاء الهيئة التدريسية في كتابة ورقة علمية صالحة للنشر في مجلات عالمية، المستوى اللغوي لأعضاء الهيئة التدريسية، مدى الإهتمام بالبحث العلمي والنشر، حقيقة وجود استراتيجيات للبحث العلمي، وتوفر الإمكانيات اللازمة للبحث العلمي.....

لا شيء يبرر التأخير
إذا كان لا بد لنا في إطار الموضوعية الأخذ بالإعتبار الظروف التاريخية لسوريا، فأنه وبإطار هذه الموضوعية لا يمكننا أن نتجاهل تجارب بعض الدول العربية والإسلامية في مجال النهضة العلمية ونجاحها في تجاوزها للتركات التاريخية وتغلبها على السياسات العالمية التي تعمل بخلاف ضرورات النهضة.
كتبت Debora MacKenzie وهي محررة في نيو سيانتيست NewScientist أنه رغم كل العوائق الموضوعية المانعة لتقدم إيران، فقد سجلت تقدما مذهلاً ونمواً فلكياً في مجال العلوم والبحث والإنتاج العلمي، وتتفق Debora في تفسيرها لتقدم إيران في المجال العلمي مع ما يراه البعض بأن العزلة التي شهدتها هذه الدولة خلال حرب الثماني سنوات بينها وبين العراق دفعت بها نحو المزيد من التركيز في تطوير المؤسسات التعليمية وزيادة إنتاجها العلمي. لقد قفزت إيران بالعدد الإجمالي للأوراق العلمية التي نشرت في مجلات عالمية مرموقة من 763 عام 1996 إلى 13238 ورقة علمية في عام 2008، محققة بذلك زيادةً بمعدل 18 ضعافاً وهو الأعلى في العالم.

مراجعة لا بد منها
إن معدل ما أنفقته إسرائل عام 2009 على البحث العلمي والتطوير وصل إلى 4.27% من الناتج المحلي الإجمالي (GPD%) أي ما يعادل 8.3 مليار دولار متجاوزة معدل إنفاق الولايات المتحدة الأميركية البالغ 2.8% من ناتجها المحلي الإجمالي، في حين كان لتونس أعلى نسبة إنفاق بين الدول العربية حيث بلغت 1.1% (0.48 مليار دولار) بينما كان معدل الإنفاق 0.8% (2.5 مليار دولار) في إيران الأعلى بين الدول الإسلامية، في حين لم يتجاوز معدل الإنفاق في سوريا نسبة 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي حسب تقديرات تقرير المعرفة العربي لعام 2010-2011، أما قياس معدل هذا الإنفاق كحصة للفرد الواحد من مجمل عدد السكان فهو بمعادل 1100 دولار في إسرائيل و 48 دولار في تونس و 35 دولار في إيران و 0.25 دولار في سوريا (إنظر القراءة في تقرير مديرية البحث العلمي لجامعة دمشق المعروض فيما سبق).

أما نتائج البحث العلمي وثمار ما ينفق عليه من مبالغ فنجد ترجمتها العملية في عدد براءات الإختراع المسجلة وما يصدره كل بلد من تكنولوجيا متقدمة كمؤشر عن مدى النجاحات التي حققها هذا البلد على صعيد البحث العلمي، منها صادرات التكنولوجيا المتقدمة، المنتجات ذات الكثافة العالية من حيث التطوير، البحوث في مجالات نوعية مثل الفضاء الجوي وأجهزة الحاسوب والمنتجات الصيدلانية والأدوات العلمية والأجهزة الكهربائية.
ضمن هذا الإطار فقد حققت إسرائيل من صادرات للتكنولوجيا المتقدمة ماقيمته نحو 8 مليار دولار عام 2010، بينما حققت الهند 10 مليار، تركيا 1.7 مليار، كوبا 750 مليون، إيران 600 مليون، باكستان 300 مليون، سوريا 85 مليون (2008 بيانات)، مصر 100 مليون، لبنان 300 مليون، الجزائر 500 مليون، تونس 600 مليون، والمغرب 900 مليون. وقياساً على التعداد العام للسكان يمكننا أن نلحظ الهوة الكبيرة في مجال البحث العلمي بين سوريا ودول تقاسمها سياسات الحصار أو تتشارك معها في الظروف التاريخية أو كيان يهدد أمنها وإستقرارها.


بيئة البحث العلمي واسباب ترديه
يبقى السؤال الرئيس، هل يعود هذا الضياع لأسباب ذاتية أو موضوعية؟ ربما للإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من البحث عن مصدر السلطات وتراتبيتها، فواقع الحال يقول أن قلب الادوار والمهام في هرمية السلطات وضع التعليم العالي أمام حاجز من الضوابط التي لا تتجانس مع طبيعة المهمة التعليمية وقضية البحث العلمي الذي يرتكز أولاً وأخيراً على الطاقات العلمية وحرية حركتها وأدائها.

يرتبط واقع البحث العلمي وترديه بعدة جوانب بدءاً من إشكالات مرحلة التربية والتعليم مروراً بترهل التعليم العالي وإنتهاء بالأولويات السياسية والإدراك العام لأهمية البحث العلمي ودوره في عملية التنمية والنهضة الوطنية.

إلا أن هذه العوامل غير مستقلة عن بعضها البعض بل فاعلة فيما بينها بشكل مادي جدلي، حيث يرتبط فهم البحث العلمي وإدراك محركاته بمجموع العوامل الفاعلة في حركة المجتمع، فعملية إعداد التلميذ وتهيئته فكرياً وعلمياً على سبيل المثال غير مستقلة عن البيئة السياسية والإقتصادية وغير محررة من البيئة الثقافية والإجتماعية، بيئة غابت عنها القيمة التحليلة في مناهج التعليم بمراحله المختلفة وسيطر فيها الحفظ والتلقين والاستذكار التقليدي مما إنعكس على محاولات البحث العلمي التي غالباً ما إرتكزت على التقليد وإفتقرت للإبداع والإبتكار.

إن مجتمعاً مثل مجتمعنا، أصبحت فيه العوامل الموضوعية أسيرة العوامل الذاتية، يجد صعوبة كبيرة في تفهم أهمية البحث العلمي ودوره في النهضة الوطنية، لا بل يتم إستثمار هذه الحاجة الموضوعية في سياق إعلامي لتسويق الحالة الذاتية، ممارسة تجلت في المفارقات الفجة بين الخطاب السياسي الإصلاحي وحقيقة الممارسة التي عززت تراجع الحريات وتدهور الواقع العلمي والتعليمي وتنامي الفساد في المؤسسات التربوية و التعليمية.

لقد أوضح الواقع أن الآلة السياسية، التي سيطرت على المؤسسة العلمية منذ سبعينات القرن العشرين، إنشغلت زمناً طويلاً بالهم الأمني والتسويق السياسي وبعدت كثيراً عن قضايا التنمية بأبعادها العلمية، الإقتصادية والإجتماعية. هذا الواقع الذي تمييز بتسييس الهيئات العلمية حجب عنها الحرية في وضع استراتيجيات ورسم سياسات جادة وواضحة للبحث العلمي وحرمها من إمكانية توظيف طاقاتها في التنمية والنهضة الوطنية.

في ظل هذه الحقائق نرى كيف جاءت المخصصات المرصودة للتعليم العالي ضعيفة دائماً وللبحث العلمي شبه معدومة مقارنة بمتوسط المخصصات الإقليمية أو الدولية، فكيف إذا ما قورنت بما يخصصه الكيان الإسرائيلي الذي يهدد أمننا بشكل مستمر والذي ركز جل إهتمامه على البحث العلمي فوضع له ميزانيات تفوق ما خصصته جملة الدول العربية.

في سياق هذه المرحلة التاريخية لم تتمكن ثقافة البحث العلمي من التوسع والإنتشار وبقيت همّ وحلم النخبة العلمية المهمشة التي تبحث بشكل دائم ومستمر عن مصادقة القرار السياسي على حريتها ونشاطها، مناخ ترافق مع هيمنة الفكر الديني الذي عمل على الإقلال من أهمية العلم والبحث العلمي وشكك بأهمية العنصر البشري وبطاقاته الخلاقة وروج لفكرة إنتظار حلول الماورائيات.

ما عزز هذه الحالة هو تنامي الهوة الطبقية وتفاقم الفقر وإزدياد عدد العاطلين عن العمل بين الجامعيين وإندفاع العاملين في الحقل العلمي نحو البحث الدائم عن مصادر لتحسين الوضع المعاشي وتوفير الإستقرار الإجتماعي.

ظرف تاريخي تحولت فيه الجامعات إلى مصنع للكوادر ورأس المال البشري الذي كثيراً ما تفاخرت به الحكومات المتعاقبة بتوظيفه في خدمة المجتمعات الأوروبية ودول الخليج العربي ظناً منها أنه أفضل إستثمار لتحقيق فضل القيمة وعائد مالي بالقطع الأجنبي بدلاً من توفير الشروط والمشروعات لإستثماره داخلياً في تحقيق النهضة الوطنية، وبدل أن تتنافس الحركات السياسية على تصحيح هذه الخيارات السياسية عملت على تطويره بتعاليها على الحالة العلمية وإنشغالها بالمهاترات العقائدية أو نزوحها نحو الماضوية، بدل إرتكازها على العلم وتفرعاته لوضع برامج إقتصادية كفيلة بتحقيق التنمية الشاملة وقادرة على إعطاء البحث العلمي معناه ودوره الحقيقي.

لقد أصبح واضحاً أثر السياسات والممارسات الخاطئة التي طورت حالة الترهل والتراجع العلمي في جامعاتنا، وأضحى جلياً ضرورة التغيير وحتميته والحاجة الماسة لمراجعة شاملة لقضية التعليم العالي وجذور ترديه، للإنتقال خطوة نوعية تؤسس لبرنامج شامل لربط حقيقي للجامعة بمتطلبات التنمية والنهضة الوطنية, فمتى نبدأ ؟؟؟



#عفيف_رحمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فساد النظام وتجلياته في معالجة القضية السورية
- الوجه الديني في تكوين الأحزاب اليسارية
- قراءة طبقية في جذور الأزمة السورية-حقائق ومؤشرات البيئة الإج ...


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عفيف رحمة - البحث العلمي في سوريا-حقائق ومؤشرات