زردشت صابر
الحوار المتمدن-العدد: 1198 - 2005 / 5 / 15 - 11:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
المعارضة المريضة في سوريا ومهماتها
لا شك أن الوضع السوري بات يختصر في عدة كلمات ,التغيير والاصلاح والمؤتمر القطري لحزب البعث ,سيناريوهات هذا التغيير وامكانياته ,وكل ماتبقى يدور حول الاحتمالات و سبل التغيير ومستوياته ,فالوضع يعاني من ازمات خانقة شاملة,بدءا من ازمة النظام والحكم والحزب الحاكم والعائلة المالكةوكل مايمت بصلة الى هذا النظام وفئته المتحكمة بالسلطة ,والتي باتت تدرك جيدا انه لم يعد بمقدوره الاستمرار,لكن لا بد من وضع بعض الامور في نصابها السليم للوصول الى تحليل وحل سليمين , فحقيقة السلطة في سوريا تتجاوز نظام الحزب الواحد نحو بنية اكثر انغلاقا تتمثل بالعائلية التي لا تصل حتى الى المستوى الطائفي او المذهبي او القومي ,وان كانت تستخدم هذه المفاعيل كرموز احيانا ,انه في وضع اشبه بالاوضاع التي عاشتها كل الانظمة في ايام سقوطها ,والتي اعتدنا قراءتها في كتب التاريخ على ان اهم اسباب ومظاهر سقوط الدولة كان الفساد الاداري ,كشكل لانعكاس الفساد والتفكك الجوهري بدءا من ذهنية النظام انتهاء بحقيقته الاقتصادية .
النظام السوري يعاني من ازمة فكرية وايديولوجية وسياسية وتنظيمية وعملية وادارية لا يمكنه تجاوزها بالاساليب القديمة الكلاسيكية التي كان المجتمع الدولي يوفر لها الغطاءات اللازمة ,ودخل في عزلة كبيرة داخليا وخارجيا , تتزايد بعد تخلى كل هذه القوى عنها نتاج ممارسات كثيرة وتوجهات غير عصرية _ لسنا بصدد البحث فيها _ أوصلت الامور الى درجة ان الجميع فقد اماله بقدرة هذا النظام ونواياه في تحقيق التغيير ولو بانصاف الحلول ,فغياب المشاريع الجادة ,وتاجيل الحياة برمتها الى ما بعد المؤتمر القطري للحزب ,والتركيز على مايمكن انقاذه من وجهة نظره من التغيير لا بالتغيير ,لانه يتصور _وهذا نابع من طبيعته الشمولية _أن ما تغير ضاع من يده ,وهو بذلك وبذريعة الخصوصية فقد المصداقية مثلما فقد على اثره ثقة الاخرين او حتى املهم في امكانية اجراء تحولات في بنية النظام الراهن وتوجهاته ,وما اضاف الى الازمة حدة ان القسم الذي كان يراهن على قيام الرئيس الابن بالتغيير ولو بخجل ,بات غير قادرا على الدفاع عن ارائه ,وبعض البرقيات العملية الايجابية كالانسحاب من لبنان واطلاق سراح الكرد المعتقلين الذي فسر احيانا انها اشارات تمثل جدية الرئيس وقدرته على القيام بتحولات جادة وهامة ,انقلبت تاثيراتها سلبيا باتجاه فقدان الثقة لانها ظهرت كمحاولات اسكات الام الشعب بحقن مخدرة , للالتفاف على القضايا الاساسية كما كان يفعل كل مرة ,حتى أن تاجيل كل شيء الى المؤتمر القطري بات اشبه بانتظار المؤمنين للجنة .
فقد النظام ما تبقى من ثقة دولية وعربية في التحول ,و بات مجبرا على انهاء دوره الاقليمي النابع اصلا من منطق شمولي قومي شوفيني ضيق على ابعد تقدير ,وفقد أوراق ضغطه الكلاسيكية بدءا بالقضية الفلسطينية مرورا بالورقة اللبنانية والعراقية ,أي ان أزمته داخلية واقليمية (عربية وغير عربية )ودولية ,والقول ان النظام السوري قد ترك لقدره وحيدا لن يكون مبالغة ,واذا كان الضغط الامني للنظام لا يزال يفعل فعله حتى الان , فلابد انه سيتم خرقه في ظل هذه المستجدات والاوضاع , ولن تتمكن السلطات من التدخل كالسابق عندما صمت العالم عن الكثير من ممارساته القمعية اللاانسانية , تجاوبا مع مصالح النظام الدولي الذي كان سائدا .
وضع النظام يشكل جزءا من المشكلة ,لكن الاهم يبقى عند الجماهير الشعبية ومن يريد التحرك باسمها او يدعي تمثيله لها ,فالحزب منطقيا واقصد اي حزب كان لا يمكنه ان يكون طليعة للشعب وممثلا له بشكل عام ,وكل حزب يمثل جماهيره التي تؤمن به ,وهذه بالتاكيد حقيقة تتناقض مع ما تدعيه كل الاحزاب بانها تنطق باسم مصالح الشعب وتعكس اراءها ومصالحها , فالأحزاب والحركات "الديمقراطية " و"المعارضة " التي تنادي بالاصلاح , تعاني من امراض كثيرة مزمنة وبائية انهكته حتى النخاع ,لا يصل سقفها الا الى عقد مؤتمر حوار وطني مع السلطة ,وهي بالتاكيد محاولة جادة لانقاذ النظام الذي لا ينظر اليها حتى بنظرة جادة ولا ياخذها على محمل الجد ,ومؤتمر الحوار مهما كانت نتائجه واهدافه فهو بالنتيجة المؤكدة نوع من تحقيق الاستمرارية للنظام بتوفير غطاء جماهيري غير موجود للسلطة ,اما لقاء صفقات حزبية او غير وطنية على الاقل ,على حساب الفئات الاخرى من الشعب ,او انها نوع من اندماج القوى المستهدفة عالميا والمتمثلة بالاصولية الدينية والتيارات القومية الشوفينية على غرار ما يجري في العراق عمليا ,هذه القوى اذا تفكر بالحل في اطار النظام الحاكم ,وبشكل اوضح تفكر بحل يستند الى نفس الذهنية والعقلية الحاكمة ,فتفتقد الى رؤيا موضوعية حماهيرية معاصرة للمشكلة , ولهذا لا تضع الحلول ولا تستطيع كسب لبجماهير , وهي موضوعيا لا تثق بحركتها لانها بقيت نخبوية معزولة عن الجماهير اوغكانت ذيلية شعبوية تابعة , تحمل في " حلولها " المطروحة تصالحا مع السلطة يستند الى منطق السلطات الحاكمة نفسها ,ولا تقبل بها السلطة نفسها ,لانها تدرك او تقدر على الاقل انها لا تملك اليات المعارضة الجادة المؤثرة ,وان هذه "المعارضة " لا تؤثر على مصيرها .
احدى اهم قوى التغيير والضغط الديمقراطية في هذه المرحلة هي الحركة الكردية ,لكنها بدورها غير مؤهلة لقيادة هذا العمل في الساحة العملية ,تطرح رغبات اصلاحية ,ويتسابق بعض" احزابها " غير الواثقة من نفسها,في محاولة منها لاستغلال " الفرصة " ولسان حالها يقول للنظام " اننا معكم حتى في ادق مراحلكم ولهذا يجب ان تكافئونا باعطائنا بعض الامتيازات لنتمكن من اللعب بالورقة الكردية ", لكن الاغلبية بالطبع لانقسامها وتوجهاتها الضيقة ,وربما لوقوعها تحت ضغط كبير من الاجهزة الموجودة بسبب سنوات الضغط الكثيرة باتت غير قادرة على تبني موقف مستقل ومنطلق ومبادر وخلاق ,مثلما ان هذا التبعثر يؤدي الى مسافة كبيرة بين الشعب والمنظمات الحزبية , لدرجة لا يمكنها المراهنة على قدرتها في جذب الجماهير الى الساحة العملية السياسية ,فلا تثق بنفسها وبقدرتها لذا تغيب المشاريع الجادة ,وتسعى الى حل تصالحي مع النظام كنتاج طبيعي لذهنية السلطة حتى لو ارادت هذه الاحزاب التهرب من هذا الوصف بابراز حملات الاعتقال والسجن الدائمة بحقها .
ازمة النظام واستمراره في ممارساته طيلة اربعين سنة ,وتجاهله الان للقيام باجراءت وتحولات ديمقراطية جادة ,والعزلة الداخلية والاقليمية والدولية تؤكد ان ظروف التحول موجودة في هذا الجانب ,وبهذا فان الجماهير الشعبية لا بد ان ترى الكرة في ملعب القوى الديمقراطية العربية منها والكردية ,الاشتراكية منها والليبرالية ,لكن غياب الوضوح في الرؤى والاهداف والشعارات العملية ,والمراهنة على النظام الموجود ,واعتماد اساليب تنظيمية وعملية وسياسية وعملياتية شبيهة بالدولة الموجودة ,تجعل هذه القوى بهذا الشكل او ذاك استمرارية موضوعية او ذاتية للنظام في محاولاته للحفاظ على الوضع الراهن ,ناهيك عن بعض القوى المستسلمة في اراداتها ,يجعلها في بحث دائم عن البديل الذي تثق به لانها تعي واقعها وتدرك انها على ابواب تحولات قد تكون خطيرة ان لم توجه جماهيريا وشعبيا .
لا بد ان يغلق الحوار والنقاش حول دور التدخل الخارجي ,فكل تحول بما فيه ازمة النظام له عوامله وابعاده الداخلية و الخارجية بالتاكيد ,لكن هذه النقطة بالذات يجري استغلالها من قبل النظام واعوانه لتخوين قوى التغيير ,لكنها مع الاسف تستخدمها بعض القوى المطالبة بالتغيير للتهرب من مهامها الصعبة في اجراء التغيير عبر تبني مواقف واضحة وصريحة معارضة وديمقراطية ,بذريعة عدم التحول الى استمرارية للخارج الذي لن يخدم الشعب على قاعدة نفس المنطق الذي تستند اليه الدولة .
لا يختلف الواعين حول ضرورة التحرك الداخلي لمنع الانفجار بضغط خارجي قد يخلط كل الاوراق في وقت تفتقر فيه المعارضة الى امكانيات ادارة الصراع لانها لم تقم بالتحضيرات اللازمة ,وبات لزاما على الغيورين الواعين من ابناء هذا الشعب تجاوز تقليد السلطة توجها وتنظيما وممارسة عملية ,والتخلص من امراض الطفولة اليسارية منها واليمينية التي تظهر بكل وضوح في قوى الاصلاح رغم ان عمر البعض يتجاوز عمر البعث ضعفين ,والدخول الى حوار ديمقراطي شامل يضم كل القوى المسؤولة على الساحة السورية ,ببرنامج واضح واهداف صريحة وتوجهات ديمقراطية شاملة ,لا تهمش ولا تلغي اية قوى سياسية وجماهيرية وشعبية على الساحة ,تحتضن كل الامكانات لتوجهها نحو اهداف وشعارات واضحة ديمقراطية ومستقلة عن النظام ,حينها فقط ستتحول المعارضة الى معارضة جادة ,وحينها ستتمتع بالفاعلية على كل الساحات بما فيها الساحة الداخلية للنظام نفسه بدعمها الجاد والمؤثر للقوى الاصلاحية داخل النظام نفسه ان وجدت ,وبهذا الشكل فقط يمكن قيام المعارضة بدورها الوطني في درء خطر التدخل الخارجي وحدوث تحولات دراماتيكية في سوريا ,لا يمكن تجاهل المنتديات والحوارات الموجودة ,لكنها لا تكفي ,بل تحتاج الى صيغ تنظيمية وعملية ارقى واكثر فاعلية تخرجها من دائرة التهميش ,وبقي ان نؤشر في النهاية مرة اخرى الى ضرورة مراعاة الموزاييك السوري الاثني الديني المذهبي الطائفي على اسس ديمقراطية ,وتامين الحقوق المشروعة لكل مكونات هذا المجتمع .
فالاهم اذا صيغة مشتركة واضحة المعالم لل" معارضة " الديمقراطية على المستوى التنظيمي والاستراتيجي والتكتيكي ,بشعارات عملية تتجاوز تحسين الحالة المعيشية الاجتماعية نحو اهداف سياسية مجسدة بدقة ,والتخلص من دائرة عقلية وذهنية النظام الحاكم وتاثيراته المباشرة وغير المباشرة ,وفي هذا خير البلاد والعباد .
#زردشت_صابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟