|
البارزاني والأحزاب الكردية (1)
عارف آشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4188 - 2013 / 8 / 18 - 22:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المجلس والأحزاب قبل تأسيس المجلس الوطني الكردي السوري كانت الأحزاب الكردية عبارة عن مجموعات وجبهات وتحالفات، طبعا، كانت هذه التشكيلة تتخاصم فيما بينها أكثر مما تتخاصم مع النظام. بالرغم من تخاصماتها، كان الشعب بمنأى عن بطش السلطة كما هو في الوقت الراهن، ربما كان الظرف غير هذا الظرف! لا يمكنني القول أن هذا الوقت هو نفس ذلك الوقت، وما بوسعي قوله، لو تُرك هذه الأحزاب بحالها السابق لما كان الحال سيئا إلى هذه الدرجة. ودليلي عليه، هو أنها كانت تأتمر بأوامر النظام مع مراعاة الوضع بقدر الإمكان، ولكن بشكل غير معلن، والكل كان يعلم بذلك، إلا أن هذا الكل لم يكن عامل ضغط قوي ليجبر الأحزاب على عدم الامتثال لأوامر النظام، فكلنا في هذا النظام الشمولي مجبرين على إطاعته رغما عن إرادتنا. فنحن لم نكن أعظم شأنا من الدول الاشتراكية إبان العهد السوفيتي. لم تستطع شعوب المنظومة الاشتراكية وقتها الخروج عن إرادة النظام الشمولي، وقد فشلت كل محاولاتها. وهذا معلوم للقاصي والداني المتتبع لتاريخ ذلك العهد. كنا مقتنعين أن الأحزاب تأتمر لإيعازات النظام رغما عن إرادتها، وليست بقصد الخيانة. فهي ونحن معها سجناء نظام هذا طبيعته، يسخّر كل شيء لإرادته مهما كان صغيرا أو كبيرا. الأحزاب الكردية والثورة السورية عندما اندلعت الثورة السورية، كان تشخيص الأحزاب، حسب رأي، في محله إلى درجة مقبولة. شاركت تلك الأحزاب في المظاهرات ضد النظام، بالرغم من انتقاد بعض التنسيقيات لها بالتقصير والتبعية للنظام، وهي (الأحزاب) الأكثر تجربة ودراية من حراكنا الشبابي الذي لم يختبر وقتها دقائق الحراك النضالي. كانت على علم بتعقيد المسألة، وأن الثورة لن تبقى سلمية مهما حاول قادتها، وبحكم خبرتها في التعامل مع هذا النظام، لم تخفَ عليها اختراق الأخير لقيادة الثورة وجرها إلى ما يريد أن تسير عليه الثورة مستقبلا. فاتخذت أسلوبا للتعامل مع الوضع لتحافظ على توازنه. كانت تعطي للحراك الشبابي الثوري وللحراك الثوري المجال لأخذ قسطيهما من معارضة النظام، دون أن يتعرضا للمخاطر، وكذلك أعطت للنظام ما يرضيه في هذا الوضع. فكان أن أصبح هناك وضع فيه الثورة قائمة وتقوم بمهامها وبالمقابل يسري الاطمئنان في أجهزة النظام القائمة هناك، ولا تجد داعيا للفتك بالثائرين. هذا التوازن الذي أوجدته الأحزاب كان رائعا. لو تُرك ليستمر لما كنا في حاجة إلى جرعة ماء نبلل بها ريقنا في هذا الصيف القائظ، أو لم يكن لأطفالنا البكاء جوعا أو لمرضانا الإشراف على حافة الموت لفقدان الأدوية من الأسواق. ربما كان من الممكن حصول انحصارات وقتية لتليها انفراجات. كل تلك الفترة لم يستخدم النظام الرصاص الحي ولم يزهق الأرواح إلا نادرا، ولتجاوزات كانت تستدعي التحذير، حسب تقدير النظام. تنشطت القوى الصامتة وشاركت بقوة في معارضة النظام، ولم نجد أن استعمل النظام معه القوة ليسحقها. هذا لا يعني أن الأحزاب لم ترتكب الأخطاء خلال هذه الأثناء، ولكن أخطاءها كانت بسبب كثرة مجموعاتها وتحالفاتها وجبهاتها. بالرغم من ذلك لم تكن الأخطاء كبيرة لتغير الأوضاع رأسا على عقب. سوء تفاهم كيف تغيرت الأمور لكي نصل إلى ما نحن عليه اليوم. هذا ما أود الخوض فيه. ربما لا يوافق معظم القراء الكرام ما سأسرده في متن هذه المقالة، ولكنها تعبر عن مشاهداتي واستقراءاتي واستنباطاتي الشخصية. أعلم أن معظمنا يحارب الأحزاب والأحزاب بدورها ترى فينا عدوها اللدود والوحيد وفي شخصنا أكثر من غيرنا. برأي هذا مصدره، سوء التفاهم الحاصل من عدم كفاية معرفتنا بالأمور النضالية ودقائقها. اعتقد أنه لو كنا متسلحين بما فيه الكفاية، على الأقل نظريا، في المجال النضالي، لما انتقدنا الأحزاب بهذا الشكل. وعليه لشاركتني الأغلبية هذه الرؤية. رؤية السلف أود البحث في أمور، ربما لا تكون لها علاقة مباشرة مع الموضوع الذي أنا بصدده، ولكنها ضرورية لكي يفهمني القارئ الكريم، ويصل إلى ما أريد تبيانه. نعاني منذ إلحاق جزئنا الغربي من كردستان إلى سوريا وإلى الآن معاناة مرة. كانت هذه المعاناة واضحة لأسلافنا، ولكن تشخيص الحالة والإحاطة بالوضع الداخلي والعلاقات الدولية لم تكن واضحة لهم، بل كان تصورهم عن الأمرين لا يتعدى تصور الحروب في عهد الفرس والرومان والعهود الإسلامية، أي اقتصارهما على القوة العضلية والشجاعة والرجولة. هذا طبيعي، لمجتمع عاش ما يزيد عن ألف وثلاثمائة سنة في هذه الأجواء، لذا فشل بشكل ذريع في إيران وتركيا والعراق وكذلك لم تنجح جهودهم في إيقاظ البصيرة على ما سيؤول إليه المستقبل بحق هذا الشعب. ناهيكم عن ضياع أجزاء كبيرة من كردستان في الاتحاد السوفيتي السابق. سلمية النضال الكردي لم يحمل كرد سوريا السلاح في وجه الأنظمة السورية من أجل حقوقهم؛ وإنما اقتصر نضالهم على الجانب السلمي؛ معبرين ذلك بالمطالبة سلميا بحقوقهم. إن كان ذلك في عهد الانتداب أو بعده. وأرجع هذا إلى الرؤية السطحية لأسلافنا في النضال، وأيضا غموض أسباب التبعية، وبشكل أدق الإلحاق بالعرب والفرس والترك. وقد رجع قسم كبير من قيادينا في جزئنا الغربي من كردستان إلى خيانة الطبقة السائدة في المجتمع الكردي، والعامل الديني الذي يعيق الشعب من المطالبة بحقوقه حسب المطلوب. فعمدوا إلى جانب نضالهم التحريري بالتفات عناية الجماهير إلى هذين الجانبين. أقول لو أنهم كانوا على دراية كافية بالمجال النضالي، لما وجدوا هذين العاملين من عوامل الإعاقة، بل لاستغلوهما خير استغلال لصالح التحرر. العامل الاجتماعي أولا هما من المسائل اللاحقة، وليست الآنية، وهي لا تقع ضمن مجال التحرر القومي. فالقومية تشمل الجميع إن كان من الطبقة السائدة أو المسودة، لأن كلتاهما من قومية واحدة. هذا هو الخطأ الذي وضع بذرة الشقاق بيننا. والعامل الديني هو الآخر لدى البحث فيه يأتي في مرحلة لاحقة بعد عامل السيادة ربما بوقت طويل جدا. لأنه أعمق جذورا في نفس الفرد من العامل القومي. خاصة في مجتمع قبلي، عشائري واقطاعي، فالدين من الأركان الأساسية لدى هذا المجتمع. ومعظم الآثار التاريخية تميز بين ما قام به الإنسان قديما من صنع التماثيل أو العمارات أو النقوش الدينية والسلطوية، فالعائدة إلى الدافع الديني هي أكثر دقة وتمايزا. للأسف كان أسلافنا يخلطون بين هذه المراحل. فكيف لنا أن ننجح طالما لم نزل نخلط بين هذه وتلك، وبين هذا وذاك. لا أذهب بعيدا، لو أنهم راجعوا تصرفات سفّاكنا ومبيدنا كمال آتاتورك، كيف اعتمّ ولبس الجبة وحمل مسبحة التصوف في بعض المناسبات ليجر المتدين إلى طرفه، وهو السكير والملحد. فكان يهدي للوجهاء هدايا ليكسبهم إلى جانبه؛ بينما كان أسلافنا يحاربون وجهاءنا ومتدينينا علانية قاصدين بذلك تخليص الشعب من هؤلاء المتسلطين على رقاب الناس والدجالين واعتبارهم غير موالين للقضية القومية، حسب اعتقادهم، وفي الواقع كانت حركتهم النضالية لا تتعدى صرخة المتألم وردة فعله، حين يؤلمه عارض ما. وما يؤسف له لم يثقفوا أنفسهم بالاطلاع على المجتمعات المشابهة لحالتنا وثوراتها. فكانوا متأثرين جدا بالمجتمعات المتقدمة وثوراتها. وهذا دليل آخر على ضحالة ثقافتهم النضالية. وعليه سأسرد لكم أحد المزاعم عن تشكل الإمبراطورية الصينية، وأرجو المعذرة؛ لأنها ستطيل الموضوع: يحكى أن إمارتين صينيتين كانتا في احتراب فيما بينهما، وكانت إحداها أقوى من الثانية قليلا. بعد سنين من القتال عصفت بالصين رياح الغزوات الخارجية وصار الاحتلال على وشك الوقوع. كان أمير الإمارة الضعيفة وطنيا صينيا عن حق وحقيقة. ففضل أن تكون الصين حرة وقوية وإن كانت على حسابه وحساب إمارته، فتوجه إلى أمير الإمارة المعادية وشرح له عما ينتظر الصين وقال أقبل بضم إمارتي إلى إمارتكم وأصبح إنسانا عاديا من رعاياكم بشرط أن توحدوا الإمارات الصينية مبتدئين بالأضعف والأوسط وهكذا إلى أن تتوحد الصين وتصبح قوية لتواجه ما يهددها. فقبل الأمير عرضه وناضل أميرنا هذا كقائد من قواد ذاك الأمير وليس كأمير، وتوحدت الصينية وأصبحت إمبراطورية عظيمة. أين أسلافنا من هؤلاء، فما كان منهم سوى الظهور بمظهر البطل والمجدد والمنقذ وهو لا يعلم من أمور النضال أكثر من مثقف قروي في هذا المجال، وأججوا نار الاحتراب بيننا. هكذا ضاعت الفرصة، عندما كان الانتداب قائما، لكيلا أطيل في المقالة أترك الخوض في الجزء الآخر من أسلافنا وفي طريقة نضالهم لمقالة أخرى؛ لأن المساحة ضيقة لا تسمح بذلك، على الأقل الآن. واليوم تظهر نتائج ما بذره أسلافنا في تصرفاتنا وتحاليلنا وبحوثنا ودراساتنا، ونعجر عن التخلص منها. النقاش مع المعارضة لا أجد كتابنا وأدباءنا ومثقفينا يفتحون باب النقاش، كما يجب، مع الأخوة العرب المعارضين للنظام بصدد قضيتنا والتي يحصرونها في حق المواطنة. وكذلك اعتبارهم إيانا وافدين إلى هذه الأراضي، مع العلم أن أقاربنا في القسم الشمالي من الشريط الحدودي لديهم سندات تمليك من العهد العثماني تعود إلى قرنين وبعضها إلى ثلاثة قرون. لقد اطلعت على بعض منها عندما كنت في تركيا، وطلبوا مني أن أساعدهم في استعادة أملاكهم تلك، حين أخبرتهم عن البعث العنصري ومشاريعه التعريبية، سلموا أمرهم لله. ونحن أبناء هذا الجزء لا نكلف نفسنا بالبحث عن تلك السندات لنعرضها على المحافل الدولية كدليل قطعي على ملكيتنا لأراضينا هذه؛ بينما نؤجج نار الاقتتال الداخلي. لماذا لا نفتح النقاش وبقوة مع الأخوة العرب المعارضين بهذا الخصوص؟ أسأل سؤالي هذا كل مثقف وسياسي، وأديب وكاتب ومحلل كردي يريد خدمة قضيته عن نية صافية وليس من أجل سمعة أو شهرة أو منفعة شخصية. يتبع عارف آشيتي [email protected]
#عارف_آشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مأساتنا أننا متخلفون
-
مغازلة رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا
-
الإقليم الكردستاني ضد نفسه
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|