|
المراوحة الثقيلة بين القومية العربية الاسلامية والقومية المصرية
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 4188 - 2013 / 8 / 18 - 00:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المراوحة الثقيلة بين القومية العربية الاسلامية والقومية المصرية كتب مروان صباح / أن تتصاعد في الآونة الأخيرة وعلى الملأ من خلال شاشات الاعلام وصحافته ، نبرة ، فرّعُونية مصر ، قد تكون غرائبية لمن يرى من البحر زرقائه فقط ، حيث لم تأتي تلك الصيحات الصاخبة الخارجة عن نُوتة اللغة والموسيقى من فراغ وليست القصة تعبير عن حالة غضب أو احتقان سببه جملة ضغوط داخل الشارع ، بل هي نبرات تحمل من صفحات طويت لكنها ليس تماماً لأنها معلقة بوضع أصابع أو ممن ورث هذا الخط والاعتقاد بأن مصر اُرتكبت بحق هويتها الويلات وهي أشبه بالمخطوفة من قبل ايديولوجيات دخيلة على القومية المصرية ، إن كانت نتيجة الغزو المسيحي اولاً ، تبعها إسلامي ثانياً ، تممها باستنساخ عربي ، حيث يعتقد مطلقين صرّخات الخلاص بأن الاسلام والعرب تمكنوا من غزوا الجغرافيا المصرية في لحظة ضعف وهوان للقومية المصرية التى لا بد أن تعود بشرط إنهاء السيطرة الفكرية الثقيلة والمهيمنة على مناحي الحياة . لقد اسسوا المصريين دولتهم القومية قبل 5000 ألاف سنة وهي قومية مدنية ، قبل أن يقعوا تحت الحكام الغرباء كالفرس والنوبيين والإغريق والرمان ، لكن في ظل هذا التغييرات السياسية انعكست بشكل كبير على المورث الثقافي والديني بما فيهم اللغة المصرية وتلاشت مع مرور الزمن خصوصاً عندما دخلت المسحية ومن ثم الاسلام الذي حفر حفريات تدريجية وكان الأعمق رغم أنه أخذ من الزمن وقت طويل ليتمم شكل الهوية المصرية العربية الإسلامية ، رغم ما شهده من نكسات كان وراءها الاستعمار والحروب المتقطعة التى حملت من تكتيكات ثقافية تتطلع إلى موُّضع قدم كي تتحول إلى إستراتيجيات تؤثر في النمط والسلوك ليصبح سائداً لدى طبقات المجتمع ، بنسب متفاوتة ، لكنها لم تأتي كما أراد من رسم خطوطها بشّكل الدقيق والمرغوب ، بل اتسمت بمحاولات متواضعة وليس بالفشل الكامل ، إلا أن مع استقرار الدول الأوروبية ، تفرغت مؤسساتها التى تعّتني بالموضوع الانتشار الخارجي لثقافاتها ضمن آليات واسعة ومركزة نحو الدول الخارجة للتو من تحت الاستعمار وعلى الوجه الخصوص الدول العربية المحورية القابلة أن تكون في المستقبل ذات تأثير اقليمي ينعكس ذبذباتها عبر المحيطات ، وذات كثافة سكانية التى تراكم على مورثوها الغبار نتيجة عدم المساس أو التنقيب ، حيث حولتها الأجيال المتعاقبة إلى أصنام مجهولة ، يلتفوا ليلاً نهاراً حولها مقابل اهتمام غربي يسعى إلى اعادة تلبيس الموروث القائم عباءات مختلفة ، وإحياء ثقافات وعقائد ، طبعاً مع بعض التعديلات الشكلية ، من فنون اولاً ، تنتهي بشعوذات أصبحت منتشرة بكثافة وبشكل أفقي وعمودي معاً ، تماشياً مع العمران القاهري رغم المساحات الشاسعة إلا أن الرغبة في الانحصار حول نهر النيل ، سيطرة على العقل المصري ، لكنها اصطدمت بالمخزون القومية العربية وقبلها الاسلامية العربية اللتين حدتا في ذلك الوقت من توغلها وتمكنوا النهضويون الاسلاميون العروبيون في احياء الهوية الاسلامية العربية والمحافظة على ارث العلاقة التاريخية للمواطنة ( المسحيين والمسلمين ) عن طريق المتعلمين التقليدين في مصر ، تماماً كما تطورت وأخذت منحة اخرى بالبروز بعد حركة الضباط الاحرار ونهج القومي الذي دفع مصر بالخروج من انكفائها لكي تتعاطف وتتأثر مع القضايا العربية وكانت الفرصة مواتية لأخذها القيادة والريادة في المشرق العربي بعد أن تقوقعت طويلاً ، لكنها سرعان ما شكلت مساعي في التحرير والاستقلال للأقطار العربية على اختلاف جغرافيتها . ليس سهلاً للفرد أو الجماعة ضمن هذا الايقاع المتسارع من التكنولوجيا والحداثة أن يتصدى للمغريات المتعددة والمتفوقة على المتوفر ، والساعية لإرضاء الانسان ، فقد عبرت عنها الخلدونية مبكراً بأن المهزوم مولع بالمنتصر ، بتقليده وتبني ثقافته ، السطحية منها ، وخصوصاً عندما اخفقت الوسائل المضادة من وضع حدّ لتدفق العولمة نحو عقول البشرية الخالية من تعريفات الانتاجية والمعرفة الحديثة ونقول المعرفة لا المعلومة ، مما برر لمصر انتقالها من الرعوية والأبوية إلى الانفتاح دون مراجعة كاملة للماضي وما ينسجم لحاضرها الذي اوقعها في عقاب الحرمان لوعي المستقبل ، حيث كان الأجدر أن تُحِّال تلك الحقبة وإخفاقاتها إلى التمحيص والتفنيد ، الذي هيأ لها أن تدفع بإحالتها تارةً إلى القومية العربية وأخرى إسلامية دون المسحية لأسباب تتعلق بالقوة العالمية ليس أكثر ، حيث جعلتها عرضةً للانزلاقات في متاهات الثقافات التبعية ونقل السطحي المنزوع من اغناء الفكر والوعي ، فكان عهد السادات إعادة انتاج لما طُرح اواخر القرن التاسع عشر من نوايا لبعض المتأثرين بالنهضة الأوروبية حتى النخاع الذي سهل في المطالبة العلنية برسم معالم الدولة وهويتها من خلال إحياء التراث الفرعوني واليوناني وحتى الرماني البيزنطي ، لكن الواقع كان مغايراً لما خطط في الحقيقة له خصوصاً بأن مرحلة مبارك شهدت توسع غير مسبوق لمثل هذه العمليات في وضح النهار لأنها اتسمت بنوع من الهولامية المقيتة وبأمقت من ذلك ، التى أفقدت الدولة جميع ألوانها ، فلم يعد يُعّرف لها بوصلة راسخة أو واضحة الاتجاه مما سهل في ازاحت الستائر عن النوافذ لكي ترى هذه الرؤى النور ، فكان لا بد من الاستناد للموروث الفرعوني على وجه الخصوص كونه قائم بقوة ومشاهد بالعيون مما جعل التسلل مُيسَّر للحياة المصرين بالإضافة لتدفق العائد المادي من خلال السياحة ، إن كان للفرد أو الجماعة ، تبعها تفاصيل فلكلورية سطحية تحولت إلى عوائد اساسية في الدخل القومي المصري ومنافس عصي لأي قوائم تاريخية ثابتة أو جديدة متحركة ، لتطفو المصطلحات كالفرعونية بكثافة وبأساليب بات أصحابها يدافعون عنها كأنها حياة أو موت ، بحيث عرّفت من أين تُمّسك الفرد وتستخدمه بوسائل تناسب أهدافه ودوافعه . رغم تعقيد المشهد الداخلي إلا أن الانقسام بات واضحاً على الهوية وفي داخل الفرد المصري لما يحمل من تناقضات تحولت مع مرور الوقت إلى حالة طبيعية في السلوك ، حيث خفّتّ انتقاضها لأنها اصابت طبقة تأتي ما بين المتحكمة والعامة ، وظيفتها ترجمة الأفكار بعد ما دُست بصورة خفية ومتدرجة ، لتصبح الراقصة تلقب بالحاجة ولديها موائد رحمانية في رمضان والشيخ لا مانع أن يكون خلف عالمه يُدندن بالإضافة لصاحب الخوذة الذي رصعَّ صدره بنياشين اهرامية ورسمَّ تقاطيع وجهه كالفراعنة لكنه لابأس أن يقيم الليل في عبادة الرحمن وأغلب النساء هذه الطبقات لديها أنماط نهارية تقلد بها نساء فرعون أما في الليل يمارسون التهجد في أعلى اوتاره ، نحن إن نقدم هذا الاستقراء كوننا على دراية بالصراع الدائر بعد الثورة ، حول تغيير ما يُعتبر قد أنجز في المراحل السابقة حتى لو جاء بنقلات متواضعة إلا أنه قطع شوط لا يستهان به على الاطلاق وبالرغم من مراوحته الثقيلة كون جموع الشعب المصري يميل إلى التدين الوسطي والعروبة وينتمي باعتزاز لتاريخه الاسلامي وانتاجاته المختلفة بالإضافة للحقبة الجاهلية العربية بشقيها الشعري و الفكري وغيرهما من اخلاقيات نادرة بين الشعوب العالم ، الذي ساعد في لجم العديد من الدواخل التى سعت جاهدةً في ترسيخ الهوية المصرية القديمة بهدف التفوق على الاخريات ، بيد أن القائمين على تفعيلها توصلوا إلى أمر بغاية من الأهمية بأن هناك شبه مستحيل من احداث تغيرات جذرية بالعقول والتقاليد والأنماط السائدة وعلى طريقة الممحاة وقلم الرصاص ، لهذا بات الاقتناع بوجوب السيطرة على الأغلبية المتفلتة وغير قابلة للتدجين الكامل بأي وسيلة أو طريقة ومهما كانت التكلفة باهظة بهدف تفريغها من القضايا الجوهرية والحرص على تشتيتها من معادلة الجماعة وتعزيز فكرة الفردية وإدخالها بارهاقات وانقسامات قاسية تخربط الحياة العامة وتصيب الاقتصاد بحالة فقر انتاجي بعد ما كان يحبو نحو المجهول ، كي تتمكن هذه القلة من التحكم ببوصلة البلد واتجاهاتها المستقبلية الذي هو فاقد بالأصل لشروط التحول أو التغيير الاستراتيجي طالما مورس بحقه الويلات . النفوذ لا يكتمل إلا بحالة الموت الجماعي الذي لا يمكن تحقيقه أبداً ، فلمصر هوية راسخة بعيدة المنال عن ايدي المغامرين أو الهواة العابثة في عناصرها المتأصلة كما تتفق مكوناتها السياسية على مُسلماتها التى هي محفورة في عمق التركيبة المصرية عبر صياغات التجربة الجماعية ، لكننا لا ننفي بأن هناك مصادر عديدة للقلق بشأن قدرتها المحافظة على جغرافيتها الوطنية ويبقى السؤال معلق هل من الحكمة أن يكتفي المجتمع بهذه المسلمات وهل قادر على حمايتها من التقسيم . والسلام كاتب عربي
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقوق الأبناء بحق ياسر عرفات
-
أرض الحجارة والرمال
-
القدس صديقة المعرفة وعبد الباري صديق الكلمة
-
جرثومة عصية على المعالجة
-
أهي ثورة تقرير مصير أمّ تحريك تسويات
-
ارهاق مجتمعي يؤدي إلى انتحار وطني
-
بآي بآي يا عرب
-
استغاثة تائهة في الصحراء
-
عقرها حزب الله
-
رحمك الله يا أبي
-
ندفع كل ما نملك مقابل أن نعود إلى بكارتنا الأولى
-
العلماء يؤخذ عنهم ويرد عليهم
-
متى بالإمكان الخروج من عنق الزجاجة
-
مهنة المعارضة
-
مهنة المعارضة
-
الكنفدرالية بعد الدولة
-
ألقاب أشبه بالقبعات
-
كابوس حرمهم الابتسامة
-
أحبب هوناً وأبغض هوناً
-
واقع ناقص لا بد من استكماله
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|