أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - علي شبيب ورد - (جدوى بلاغة المخيلة وكفاءة الشفرة في أسطرة النص ( 1-2















المزيد.....

(جدوى بلاغة المخيلة وكفاءة الشفرة في أسطرة النص ( 1-2


علي شبيب ورد

الحوار المتمدن-العدد: 1197 - 2005 / 5 / 14 - 09:33
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قراءة في ( آخرون قبل هذا الوقت ) للشاعر كمال سبتي

-1-

قال أبي : سيرحلُ الشتاءُ والصيفُ عن العالم ، والأرض تُدفَعُ الى قدمِ كاهنٍ ، تسجدُ فينهرُها وتغيبُ . لبثنا وقتَها حيارى فلم نسألْ عن قدم الكاهنِ ، ثم نمنا بين يديه ، كلٌّ يرى قلبَهُ يبكي ، وكلٌّ لا يموت
كمال سبتي
قصيدة - مكيدة المصائر -


يعدّ النص المفتوح فضاءً رحباً مجدياً للتجريب الكتابي وبالذات الشعري . حيث وجد فيه الشعراء ضالّتهم المحببة في ملاقحة الأجناس الأدبية مع بعضها ليتمخّض عن هذا التلاقح نص يحتمل هول مراميهم للإطاحة بجبروت تقاليد الكتابة والقراءة السلفيّتين على الدوام . لما يمتلكه من خصوبة دائمة لأجراء تجاربهم الكتابية التي لاتركن إلى الثبات بل إلى التحول المتواصل من منطقة اشتغال إلى أخرى ، بحثا عن الكامن والمستتر فيما وراء القادم ، وإعادة قراءة الفائت بآليات جديدة متحركة لا ثبات لها ولا ركون ولا انصياع للمصدات والموانع والقوانين والبداهات .فما عادت كتابة الشعر تخضع لتوصيفات سوزان بيرنار أو غيرها .ولا يمكن لشاعر مبدع أن يضع أمامه رؤى وأفكار هذا الناقد أو ذاك . أو أن يتبع خطى شاعر ما .مهما علا شأنه أو ذاع صيته لدى الذائقة الخام . وأغلب الشعراء يعون هذه الحقائق ، غير أن قلة منهم يخلصون لها . أي بمعنى أنهم ينتمون للشعر وحده لا لشيء آخر قطعاً فتراهم ينصرفون الى (مشغلهم الشعري..التعبير من مقال للشاعر كمال سبتي) لتقليب جمرات البوح على مواقد التجريب ، بغية اكتشاف لحظة منسية أو همسة مهملة أو فسحة وعرة ، كيما يفتحوا إطلالة جديدة تسهم في استيعاب اندياحات منجزهم الأبداعي الذي من أجله يضحّون .فلا قيمة ولا اعتبار عندهم الاّ لهاجس الشعر . ولا يثقون إلاّ بحواسهم فقط .ولن يمرّ يومهم دون أن يقتنصوا منه لحظة واحدة ، لحظة ربّما تكون زمنا هائلا لمشروع كتابة . وبعضهم قد لا يحسنون العيش معنا .او أنهم لا يطيقون ما يحدث من تزويق اجتماعي لشدّة وفائهم لصدق المشاعر المفضي الى إنسانية الموقف . غير أنهم بارعون أبداً في الإخلاص لآلهة الشعر، والولوج الى أفدح الأماكن غربة وأكثرها وعورة " من أجل فضح خصوبة النص أملاً بتحريض نهم القراءة المفضية للتأويل الكفء في تناسله الى قراءات شتى .
والشاعر كمال سبتي هو واحد من أهم الشعراء العرب ، جال كثيراً في خارطة الشعر وخبر تضاريسها وعانى كثيراً من أهوالها ، دون أن يفقد قدرته على التجريب المتواصل بحثا عن الشعر لاغير .وراح يجرب ويجرب في مشغله الشعري بحثاً عن جوهر الشعر .فأصدر ( وردة البحر ) بغداد 1980 و ( ظلُّ شيءٍ ما ) بغداد 1983 ( وحكيم بلا مدن ) بغداد1986 و ( متحف لبقايا العائلة ) بغداد 1989 و ( آخر المدن المقدّسة ) بيروت 1993 ثم كتابه الذي بين أيدينا ( آخرون قبل هذا الوقت ) دمشق 2002 والمتبوع بكتاب آخر لم يصدر بعد بعنوان ( بريد عاجل للموتى ) .
وما ( آخرون قبل هذا الوقت ) الاّ مدخل واضح يؤشر انزياحاً رؤيوياً في مشغله الكتابي الموزع على مراحل حياته المريرة التى أثخنها "الآخرون" الطارئون على حياته جراحاً وأسى ، والمارّون عنوة على جسد تطلعاته لما هو حلمي وشفيف ، والذين يغيّبون الوقت عن ذكراه ، كانوا يتسمّعون غناءه ، يحرسون سجينا ملقى على القش ، والذين دفعوا به للهروب الى المنافي أو أقاصي الذّبول .اذن هو بوح الشاعر - عن ومن ونحو – التاريخ . عما جرى له ولأمثاله من المبدعين . ومنه ينهل الرموز والمناخات السحرية ولكن نحو كتابة تاريخ آخر ، يستبطنه نص مشفّر عبق بنفحات الموروث ، لينبعث أسطورياً من جديد . وهو حلم يراود كل راء جاد لكتابة النص الأسطوري الذي ينطوي على أسرار خلوده . البحر مفتتح لغربة الشاعر ، ومشهد مؤثر ومحفز لمخيلته كيما تنداح صوب الفائت بخفة وحيوية ، لتفشي أسراره وتنهل منه في آن .
( الشتاء قرب البحر . أخرج طيّعاً لدموع الساحل فينبئني الصيادون نبأ البحر . لم يصل النعش بعد . أصغي الى عجوز ترسم عكازاً على الرمل ، وإلى حانة الساحل مهجورة من الساحل . لا غريب سواي اذن ولا قبر سوى قبرك .مأتم تسمّعَهُ البحارة ليسألوا العجوز عمّن لم يهلك بعد.) ولا غريب سوى الشاعر الذي سيهلك في جسده ( النعش ).المكان هو البحر ، الزمان قبل الآن.. حيث ذكرياته عن البلاد التي تطرد الحكمة بالسيف وتدمي الفضاءات بالسجون . على البحر تبدأ غربة الشاعر مع دموع الساحل المهجور والعجوز والحانة ، لتهيمن على المشهد موضوعة انتظار المصير . لم يصل النعش بعد . ولم يبق غير سفن الذاكرة المحملة بعبق خيال الشرق الساحر والحكايا التي تستمد أجواءها من الأدب الشفاهي للذاكرة الشرقية . شاعر الحكمة والسجين وسلطة القمع مفردات تتكرر على مرّ التاريخ العربي والأسلامي . ما جرى له سبق ان جرى لغيره من الشعراء وبالذات أهل الزهد والتصوف وتحديداً الحلاّج .( أسمع في الحانة حكاية عن خاتم مسحور .تقول فتاة : هو خاتمي ، مرة عند باب القصر رأيت جواري يحلمن ببساط الريح ، وسمعت غناء" لشاعر جوال ينام ليله الصيفي على صخرة الينبوع .) رحلة هروب الشاعر الى سواحل الضياع .(الضائع في سفر يهزم كل مرة .) خاتمه فكره الذي ما روّضته السلطة رغم شموليتها ، ورؤاه الشعرية التي تضحك من شطارة الشعراء أمام باب القصر .وهو كنزه المعرفي الذي يدسّه في جيبه المثقوب الرابض على جسد نحيل غازل الحانات كثيراً . (عندي خاتمٌ لغزُ آلهة تسجنه الدولة في جسد يعرق في الصيف ويبرد في الشتاء ، وقد يموت في الحانة كالسكران .) الأحدب ظل الشاعر يشاركه رحلته الصوفية ذات المشاهد التي أخرجتها مخيلته السينمائية وبرؤية غرائبية حيث المدينة القروسطية وسعيه الى كتاب الحكمة .(نختلف الى زقاق آلهة خرساء ، واقفة على ارض زرقاء كالسماء ..كتبتُ عن المدينة : كلما سعيت الى قلبها خرجتُ منها مُشرّداً.)
التشرد كان ملاذه النقي وما عداه زيف ودجل . (ها نحن في الشوارع ، يارعية الملك ، نساء الملك ، رجال الملك.) ويستمر في سرد ذكرياته عن البلاد التي يراها مثل بيت بلا سقف ولا باب .يعرض للسماء خجله ..حائطه كتاب يقرأه رجال الأمة في العسر وينسونه في اليسر . بلاده أو بالأحرى سجنه ، قبو سقفه حائط بلا كوة لخداع سماء بالشكوى . ويا لهول كارثة الجور في بلاد تعبد قيودها السلفية بشراسة لا تطاق . ويا لحنق الشاعر وسخريته من التراث الغيبي اللعين وعبودية العامة لأهرامات الوهم والخديعة : ( الظلام غيب رضعناه من ثدي وتعلمناه في درس ، فاذا خف ظنناه سيشتد ، واذا اشتد ظنناه قبة تتفتح عن رجل عليه دم وحبر الكتاب ، وعليه السلام ، الظلام إمام.) وقبل أن ينهي رحلة الفرار الخيالية ، يلعب مع التلقي لعبة التخيل في ريازة عوالم ما ورائية . (أضرب الأرض بالخاتم ، تنشقّ عن عربة قمح نهاراً ، وحصانين في الليل..يتبعنا كلب ) .وهنا إشارة الى أنه ظل مطاردا من الجلاد رغم فراره منه .وينهي دورة النص بمقطع يعود الى بدايته وبه يفشي لنا أسرار لعبته الكتابية الممتعة حد اللذة ، حسب فوكو . (ما كنت أحداً أبعد من قبره ، ما كان قبره بيت جسد مات .) -خاتمة قصيدة آخرون قبل هذا الوقت _.
قصيدة ( مكيدة المصائر ) تشير الى أن الكون غابة . في الليل ينام القطيع ويبقى المشردون مدمني سهر الأرصفة . ليعدو النص الى ما حفلت به حياته من تشرد . فيبدأ من غربته أيضا في ممارسة لعبة الأسترجاع مستعيناً بمهيمنات ذاكرته ، لاكتشاف أسرار لغز الموت الذي ما زال يطارده وعائلته الى الآن . فمنذ طفولته خذل نبوءة الأطباء بموته الحتمي بتعافيه المتواصل من ميتات متعاقبة . (ذلك ما كنته منذ تعثرت بنفسي في بيت الجراحين ، أصغي الى سرير مدمى تحرسه أقنعة الحديد ، لأعرف أن ميتاً قد كنته سوف يهرّب الى قبر.) لكنه يشير في النص الى ما كان يعانيه خلال الكتابة .وهول صعوبات الخلق الشعري خلال زمن الكتابة . (خذلت نفسها هذه القصيدة ، خذلتني معها . تتشبه بالصيادين فينفر الكلام ، وتغازل أعمى الريف فتنهرها الطبيعة .)
ولشغفه وتماديه في قراءة آداب الشرق ، ولمعرفته بكفاءة أداء الأدب الشفاهي ، نجده يخلق مشاهد هي بذات المناخ الأسطوري الأخّاذ . (ما كان البيت يتهدم . يخرجون من الكتب الهاوية من رفوفها . ملء عيونهم سراب ..وبخواتم عتيقة ، سيشيرون الى الباب الكبير ، الى وجوهه النحاسية . يومئون أن ادخل ، ماشيا على سجادة فارسية وبيدي ناثرة الطيب . سأراه جالسا على كرسي خشبي ، أقبّل يده حين يأخذ برأسي الى صدره . سيناديني : حفيدي ، وسأغرق في ذلك النهر برهة .. ويهديني خاتما من بلاد الهند ، وقبلة على الجبين وآية من الكتاب.) ويستمر في الاستعانة بذكرى أمه التي يقدسها حباً ، والتي شكل لديه موتها المبكر عقدة أثرت في أغلب نصوصه . فيعرض من خلالها موته المتوقع مع إخوته ابّان الحرب .تلك المتاهة الكوارثية التي مرّغت أنوف أجيال متعاقبة بسبب نزوة ( دكتاثور ) هائج . (ما كان البيت يتهدم .كان جنود أربعة يخرجون من المضيق الى المضيق . وكان سحرة جوالون يترصدون ميتاتهم.) ويستعين بأبيه لينهل من طيبته حكمة البقاء . (قال أبي : نجمتان اثنتان تخرجان لكم في الشتات ، اشهروا الكف عاليا .. تبكيا ، واسألوهما عن كل مضيق .. تخرجا بكم من مكيدة المصائر ، قلنا فلتشر الى النوم كي يكون كلاماً لنا ، قال : قد أشرت ، واندفعنا خارج البيت في طرق شتى ، كلّ يرى قلبه يبكي ، وكلّ لا يموت.) ويستمر في عرض فنتازياه الساحرة بعدسة روحه الأثيرية .غير آبه بقدرة التلقي على التواصل مع هذيانات الصور الغرائبية.
فالذي جرى من احداث لا يطاق ولا يحتمله جسده الناحل . فراح يفشي نواحه ، أنغاما موجعة . ويروز من فداحة يباب وجوده ، فراديس مروق صوب عوالم ما ورائية ، ما كان لها ان تكون لولا مران مخيلته على عبور أكثر المسالك وعورة وضراوة . لينهي النص بعودة دورانية الى البداية وكأنه أدركه الصباح : (نام القطيع ايتها الغابة. واكتملت رحلة القبر ..وميناء ذلك البحر .. كان ذكرى عثرة غابت عن صديق الصدفة ويهودي البار .اذن .. فليسكت النوم عن الكلام.)والجملة الأخيرة رغم تركيبتها السريالية ، فهي تحيلنا الى سكوت شهرزاد عن الكلام المباح .



#علي_شبيب_ورد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنجز المغاير قبل وبعد الآن
- أفانين منتجي عراقيل التمدن
- المثقفون في كونية الرؤى وفرادة الاشتغال
- !!الثعالب تدرّب الفرائس على الموت حتما
- محسن الخفاجي الفقير والصحاف الوزير
- العنف والسلام في الخطاب الثقافي العراقي
- آن للتعتيم أن ينحسر
- غناء في مأتم
- انتخابات اتحاد الغرباء في ذي قار
- أبطال ما بعد الحفرة
- حرية الصحافة العربية
- ( قصيدة ( صيادون


المزيد.....




- معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
- ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
- المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد ...
- -كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر ...
- نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
- التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
- كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - علي شبيب ورد - (جدوى بلاغة المخيلة وكفاءة الشفرة في أسطرة النص ( 1-2