|
أسلوب المقاومة السلمية ضد الأنظمة المستبدة
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1197 - 2005 / 5 / 14 - 10:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن موازين القوى بين المجتمع المقهور وسلطة الاستبداد غير المتكافئة من حيث امتلاك وسائل العنف والعنف المضاد. مما يدفع المجتمع إلى تحيد وسائل العنف لسلطة الاستبداد من خلال اعتماد أساليب نضالية سلمية تعبر عن حالة الرفض والاحتجاج ضد إجراءات السلطة العنفية. لقد حققت أساليب المقاومة السلمية ضد سلطات الاستبداد، نتائج جيدة في العديد من بلدان العالم وحيدت (في أحايين كثيرة) الأجهزة القمعية في الصراع القائم بينها وبين السلطة. ففي العديد من دول أوروبا الشرقية، أقحمت السلطات الاستبدادية الجيش والشرطة في صراعها مع المجتمع. وأتبع المجتمع أساليب سلمية في مواجهتها، حيث تم توزيع الزهور الحمراء على منتسبي القوات المسلحة وعناصر الشرطة بدلاً من مواجهتها بالعنف المضاد. هذا الأسلوب أدى إلى تخلي العديد من منتسبي أجهزة القمع عن السلطة والوقوف إلى جانب الجمهور، والقسم الأخر منهم عمل على تعطيل تنفيذ أوامر السلطة باستخدام العنف ضد الجمهور. وقد أجبر هذا الأسلوب النضالي السلمي رموز سلطة الاستبداد على الانصياع لمطالب الجمهور وتسليم السلطة بشكل سلمي تحاشياً لأي تحول في ولاء منتسبي الجيش والشرطة لصالح الجمهور مما يتسبب في انفلات الأمن وحصول عمليات انتقام عشوائية قد تطالها. يعتقد ((غاندي))" أن مبدأ اللاعنف العنصر الأساسي في السياسة والمجتمع، وذلك لأن الذين يؤمنون به يجدون من واجبهم التصدي للظلم والاستغلال أينما وجد". واعتمد الشعب التشيلي أسلوباً سلمياً للنضال ضد سلطته المستبدة وطالبت نخبه المعارضة، الجمهور (في مواعيد إذاعة نشرة الأخبار الحكومية) بأن تصعد إلى سطوح منازلها أو الخروج للشوارع العامة والطرق على الصفائح المعدنية لإحداث ضجيج قوي في المدن لحين الانتهاء من نشرة الأخبار الحكومية كتعبير عن حالة الرفض الشعبي لنهج الاستبداد. وبالرغم من محاولة سلطة الاستبداد، تغيير مواعيد نشرة الأخبار اليومية لتفريغ محتوى خطاب الاحتجاج من مضمونه، لكنها عجزت في مسعاها. وبالعكس أصبحت مظاهر الاحتجاج السلمي مرتبطة بمواعيد إذاعة نشرة الأخبار الحكومية، حيث فقدت أجهزتها القمعية صوابها بعد أن أخفقت في إيقاف مظاهر الاحتجاج المتنامية. ومع الزمن أدى هذا الأسلوب النضالي السلمي إلى تخلي العديد من منتسبي الأجهزة القمعية عن السلطة أو إبداء التعاطف المستور مع الجمهور، تحاشياً لحالات الانتقام وما قد يطالهم مستقبلاً. وحصلت الهند على استقلالها السياسي من الاستعمار البريطاني من خلال اعتمادها نظرية اللاعنف في صراعها مع الجيش البريطاني، وبالرغم من أساليب القسوة والعنف المفرط وما اتبعته سلطات الاحتلال ضد الشعب الهندي لاحتواء هذا الأسلوب النضالي الجديدة لكنها فشلت واضطرت في النهاية لسحب جيوشها من الهند ومنحه الاستقلال السياسي. يرى ((غاندي))" أن اللاعنف هو أعظم أسلوب اعتمده الجنس البشري، ويعتبر أقوى سلاح للتخريب ابتكرته عبقرية الإنسان ضد سلطة الاستبداد". إن الأسلوب النضالي السلمي المقاوم لسلطة الاستبداد، هو بمثابة مواجهة بين الحب والكراهية. بل هو مواجهة الكراهية بالحب بغرض انتزاع الحب من العدو ومنحه الأمان اللازم للانتقال من جبهة الكراهية إلى جبهة الحب. إن استخدم الأجهزة القمعية، القوة والعنف ضد أبناء الوطن المسالمين لأجل الدفاع عن سلطة الاستبداد يؤشر حالة إعلان الحرب على الجمهور. وتلك المؤشرات، تدفع الجمهور نحو استخدام العنف المضاد للدفاع عن النفس مما يؤدي إلى خروج الصراع السياسي عن حدودها المفترضة، وتحوله إلى صراع دم بين أبناء الوطن الواحد. والنتائج المترتبة على هكذا صراع لاتنتهي، بتحقيق أحد أطراف الصراع النصر على الطرف الأخر، وأنما يؤدي إلى تغذية نهر الدم بالمزيد من الدماء عبر روافد الثأر والانتقام!. يعتقد ((غاندي))" إن اللاعنف قانوناً سامياً للحب، وهو ليس حب من يحبنا وأنما حب من يكرهنا". عموماً أن استخدام العنف والاستبداد، يعد مظهراً من المظاهر غير الإنسانية ولايمت بصلة بالتحضر والرقي لأنه فعل يميل أكثر نحو عالم التخلف والانحطاط وما طال الجنس البشري في القرون المنصرمة. إن الشعوب المتحضرة تتوق إلى السلام، وتنبذ أساليب العنف والإكراه لإخضاع الأخر. وتتخذ من لغة الحوار الأساس العملي لتسوية النزاعات فيما بينها، بدلاً من افتعال الحروب وما يتمخرض عنها من نتائج كارثية، يذهب ضحيتها الملايين من البشر دون الوصول إلى الحلول المناسبة والمرضية. وعمدت الدول المتحضرة وما عانت من الحروب وكوارثها على إحداث آلية الحوار لأجل التوصل إلى تسوية بشأن النقاط الخلافية بين الدول وبالطرق السلمية. كما أنها أطرت الصراع الاجتماعي بعدد من القوانين والأنظمة (الديمقراطية والليبرالية) بغرض الوصول إلى حالة من الوفاق الاجتماعي بما يحقق مصالح جميع فئات المجتمع على حد سواء ودون اللجوء إلى استخدام أساليب العنف غير الشرعي لفرض التوجهات الأحادية على بقية فئات المجتمع. يرى ((غاندي))" أن الإنسان يتسم بالعنف بوصفه حيوان، وبعدم العنف بوصفه روحاً. وفي اللحظة التي تتجسد في ذاته الصفة الروحية، يمتنع عن استخدام العنف". إن أساليب المقاومة السلمية من (المظاهرات، والاعتصامات، والاحتجاجات، والعصيان المدني.....) أثبتت جدواها في العديد من بلدان العالم في الوقت الراهن، ولم يعد بمقدور سلطات الاستبداد استخدام العنف المفرط ضد الجمهور المسالم في ظل التوجهات الجديدة في العالم الداعية لإشاعة الأجواء الديمقراطية وفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية على الأنظمة المستبدة. وقد انصاعت العديد من الأنظمة المستبدة، للتوجهات الليبرالية الجديدة في العالم. وباشرت في تغيير نهجها الاستبدادي ضد شعوبها خشيةً من العقوبات الاقتصادية والسياسية وما يلوح بها العالم الليبرالي ضدها. وعليه يتوجب على نخب المعارضة في الدول المتحكمة بها أنظمة استبدادية، الاستفادة من التوجهات الدولية الجديدة. وممارسة المزيد من الضغط السلمي على أنظمتها الاستبدادية ومطالبتها، بإحداث تغيرات جوهرية في نهجها وتبني النهج الديمقراطي والتعددية الحزبية والإقرار بلائحة حقوق الإنسان للنهوض بمقومات التنمية والشروع بإعادة البناء للبنى التحتية لتسهم في تحسين المستوى المعيشي للمواطن وتؤمن له مستقبل زاهر.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انماط السلوك غير السوي في المجتمعات المقهورة
-
الخطاب العلني للقوى المقهورة ضد القوى القاهرة
-
لقاء صحافي مع الباحث وخبير المياه في الشرق الأوسط السيد صاحب
...
-
سمات الخطاب المستور للقوى المقهورة
-
ردًّ الفعل الشعبي ضد ممارسات القهر والاستبداد
-
الصراع السياسي المستور بين القوى القاهرة والمقهورة
-
الكراهية والحقد الكامن في ذات الإنسان المقهور
-
السياسيون القردة
-
صراع القدر والإرادة بين السماء والإنسان
-
نشوء الدول القديمة والحديثة
-
صلاحية الحاكم والمحكوم
-
صراع العاطفة والجمال بين المرأة والطبيعة
-
التأثيرات السلبية للفقر والجهل على المجتمع
-
استحقاقات الرئاسة القادمة
-
مَلكة الإبداع بين العبقرية والالهام والفطرة
-
قيم الراعي والقطيع السائدة في الكيانات الحزبية
-
الحكمة والحقيقة في الفلسفة
-
مراتب المعرفة عند الفلاسفة
-
ماهية الإحساس والمعرفة في الفلسفة
-
صراع القيم والمبادئ بين الفلاسفة والملوك
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|