|
المجتمع والإخوان: طرقُ الباب بلا تطرّق إلى الأسباب؟
محمد الحمّار
الحوار المتمدن-العدد: 4180 - 2013 / 8 / 10 - 20:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إنّ مصر وتونس ليستا على الطريق الصحيح. والسبب في ذلك هو أنّ الثورة على التقليد الديني، التي هي ضرورة لتصحيح المسار، غير موجودة بل غير واردة بالمرة. لذا فما نشهده اليوم في هذين المجتمعين من صراع بين قطب متأسلم وقطب غير متأسلم هو في حقيقة الأمر مواجهة بين قطبين سالبين طالما أنّ كلاهما يستخدم نفس منطق المغالبة المبني على التقليد ولا شيء غير التقليد. فأين يظهر التقليد، ولماذا هذا "التوافق" حول المنحى التقليدي بينما غاية المجتمع هي طرق باب الانفراج و إدراك التوافق حول القرار البنّاء، وما العمل؟
إن كان التثبت من أمر التقليد محسوم من الوهلة الأولى لمّا يتعلق الأمر بنقد الفكر الإخواني من طرف القوى "الحداثية" و"التقدمية" أو حتى من طرف عامة الناس غير المنتمين إلى هذا الفكر، فلا يغرنّك مظهر التقدمية والحداثة لمّا يتعلق الأمر بنقد الفكر "التقدمي والحداثي" بالعمق والتمحيص اللازمين. فإن كانت المعضلة عند الإخوانيين تبرز في مناحي مثل التكفير والفُصام و الأسلمة وغيرها فالمعضلة لدى خصومهم تتجلى في مناحي مثل التغرب والانبتات من بين انزلاقات أخرى.
من هنا نفهم أنّ أسلوب المغالبة لدى الطرفين ليس مبنيا على منطق توحيدي ووحدوي من شأنه أن يكون ضمانة للوفاق بينهما. إنها مغالبة مبنية على منطق يقصي كل شيء يملكه الخصم ولو كان هذا الشيء إيجابيا. فالمتأسلمون يدحضون الديمقراطية مثلا بالرغم مما تستبطنه من مزايا عديدة، والحداثويون يوأدون العامل الديني لشدة عزوفهم عن الطريقة التي يستخدمها خصومهم لتوظيفه من أجل التمكن من السلطة والسيطرة على المجتمع بأسره.
نستنتج من هذا أنّ المجتمع يخسر في ذات الوقت الديمقراطية والتوظيف الإيجابي للدين. وهنا يكمن التقليد. فهو التوقف عن إعمال العقل من أجل تجاوز العقبات التي تجعل كل خصم ما يرى في مكونات خصمه سوى السلبيات ولا يرى فيه أية إيجابيات رغم وجودها. ونلاحظ كنتيجة لذلك أنّ الحراك الفكري الجاري الآن فيه كثير من المغالطة. وتنجلي المغالطة في كون الحراك يحدث في وسط حلقة مفرغة وبالتالي فلا طائل من ورائه سوى المواجهة و(مزيدا من ) الاقتتال لا قدر الله.
في المقابل هنالك حالة واحدة ما زالت افتراضية تكون فيها المغالبة ورقة رابحة: لمّا يكون أحد الأطراف المغالِبة مُلمّا بالمكونات الأساسية للفكر المتوحد. وتتجسد الوحدة الفكرية في توفر حلول تستجيب للأسباب الأصلية التي من أجلها برز الإسلام السياسي. وإلا فلا فائدة ترجى من أي حوار وأية مبادرة للإنقاذ سوى إضفاء الانطباع بالطمأنينة، مما يزيد المشكلات تعقيدا على إثر استهلاك الطمأنينة المؤقتة.
ما هي أهم الأسباب التي دفعت تاريخيا بفئة من المسلمين إلى إعلان أنفسهم إسلاميين وما هي الطريق إلى حلحلة المشكلة الحالية؟ طبعا دراسة هذه المسألة تتطلب كتبا وحوارات ومناظرات لكن من منطلق تجربتنا في توخي الأسلوب التأليفي وتبجيله على التحليل، مع شيء من الاختزال الضروري، يمكن حصر المشكلة في ما يلي: إنّ الإخوانية (التي تكونت في سنة 1928 في مصر) ردة فعل على إثر صدمة الحداثة (بمفعول استعمار العالم الإسلامي قُبَيل وبُعيد انهيار الخلافة العثمانية) أكثر منها مؤامرة حبَكَها الانقليز لتوجيه مصر والبلدان الإسلامية نحو المجهول مع الحيلولة دون بروز المد العروبي القومي.
وقد ينفعنا هذا الطرح في أسوا الحالات في البحث عن إمكانية المزاوجة، لا بين الإسلام والديمقراطية كما يفعل المتطفلون على الفكر بإيعاز من أطراف عالمية مهيمنة منذ عقد من الزمن تقريبا، وإنما بين شخصية الإنسان المسلم (و الإنسان غير المسلم المنتمي إلى المجتمع المسلم) والواقع الحياتي والثقافي المعاصر.
إنّ الأجيال المواكبة للحراك الحالي لم تولد لا مسلمة ولا ديمقراطية لكنها ولدت في بيئة ثقافية مسلمة ثم تعلمت ما تيسر من الإسلام و ما تيسر من الديمقراطية في البيت وفي الشارع وفي المدرسة. أي في الأصل ليس همّ هذه الأجيال أن تتخاصم من أجل الانتماء إما إلى كيان إسلامي وإما إلى كيان ديمقراطي. فهذان الكيانان غير موجودين في الحياة بل موجودان في أذهان الناس وذلك بفعل تدني مستوى الوعي الذاتي وبفعل الجهل وبفعل ندرة المساءلة الذاتية. ووجودهما في الأذهان هو المتسبب في إسقاطهما على الواقع المجتمعي عموما والسياسي على وجه الخصوص.
فما الذي ينبغي أن يتم تصحيحه من هذا المنظور؟ تصحيح العقيدة الدينية للناس إلى حدّ استبدال العقيدة الديمقراطية مكانها (العلمانية كدين) أم من باب أولى تصحيح ما هؤلاء فاعلون كأثرٍ لإيمانهم وعقيدتهم السليمة بما يتصل عضويا بالثقافة النسبية وبالثقافة الكونية السائدة؟ تصحيح الفكر الديمقراطي إلى درجة استبدال الإسلام مكانه أم من باب أحرى تصحيح الطرائق التي يتوخاها الناس المسلمون لتحسين أوضاعهم الحياتية بفضل ما تعلموه، على امتداد أجيال وقرون، من ضرورة التعايش التوافقي بين الفرقاء مهما كان مجال الاختلاف؟
بطبيعة الحال إنّ المطلوب اليوم وقبل أي وقت مضى هو تغيير النظرة إلى العلاقات المتشعبة التي أفضت إلى اختزال مشكلاتنا في ثنائيات كاريكاتورية (الإسلام والديمقراطية؛ الدين والسياسة؛ الدين والدولة؛ الإسلام والعلمانية، بالخصوص). والتوفيق في اكتساب النظرة الجديدة له شروط من أهمها نذكر: إلغاء الترخيص للحزب السياسي ذي الخلفية الدينية (وحتى الديمقراطية، على الأقل لنكون عادلين) بأن ينشط في المجتمع ذي الأغلبية المسلمة مع تشجيع المناظرات حول التوظيف المعاصر للإسلام؛ تأليف ثمّ ترويج مفاهيم مثل "الشريعة" وذلك من منطلقات إنسانية، ذاتية وموضوعية، مؤمنة وغير مؤمنة؛ تأمين برامج إذاعية وتلفزيونية وصحفية تعنى بطرائق ومقاربات ومنهجيات بناء التصورات المستقبلية وذلك من منطلقات إنسانية، ذاتية وموضوعية، مؤمنة وغير مؤمنة.
#محمد_الحمّار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر وتونس: انقلاب الضلالة أم انقلاب على العمالة؟
-
تونس: على النهضة أن تغير اسمها أو أن تتحول إلى جمعية
-
تونس: توحيد العقيدة التشريعية ضمانة الإنقاذ الوطني
-
تونس: اعتصام الرحيل وعربة بلا سبيل؟
-
لماذا هناك سلفيون وإخوان وما البديل؟
-
الاغتيال السياسي في بلاد الإسلام والإسلام الموازي
-
هل اغتيلت الديمقراطية باغتيال محمد براهمي؟
-
هل من انقلاب علمي على الإسلام السياسي؟
-
متى سيمرّ العرب من الديمقراطية التابعة إلى المصلحياتية؟
-
تونس: باكالوريا أم امبريالية الرياضيات؟
-
تونس: هل انقلبت علينا الديمقراطية؟
-
تونس: هل التجديد التربوي مسألة مباهج أم مناهج؟
-
من تحزب خان..
-
تحكمت بنا كلمة فاستباحتنا موزة..
-
تونس والسلفية: هل عُدنا إلى التعلل بدولة القانون؟
-
ما البديل عن الديمقراطية الإرهابية؟
-
المشروع العربي التونسي: -مدرسة ومجتمع الغد-
-
تونس بين الإبهام والإرهاب
-
ما -الإسلاميات اللغوية التطبيقية- وما -اليسار المؤمن-؟
-
الجدلية المادية وتوحيد المسلمين
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|