|
ألا يدرك الإخوان المسلمون في مصر، أن محاولتهم لاستدراج الحكومة إلى ما يريدونه أن يبدو -كربلاء- جديدة ، قد يؤدي إلى إنهاء وجودهم على الساحة السياسية في مصر؟
ميشيل حنا الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 4179 - 2013 / 8 / 9 - 23:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعمد الإخوان المسلمون، إفشال المساعي السياسية الدولية التي قادها مجموعة من الوسطاء الدوليين. وقام السناتور الجمهوري جون ماكين، بدور هام في محاولة إفشال تلك المساعي السلمية ، وكان بذلك كأنه يقوم بدور أبو موسى الأشعري في المحاولة الشهيرة لتسوية الخلاف بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، حول الخلافة الإسلامية التي كانت موضع نزاع بينهما. ونتيجة للخداع في عملية التفاوض والتحكيم بين الطرفين، وهو التحكيم الذي كان فيه أبو موسى الأشعري أحد المحكمين، جرى تثبيت معاوية كخليفة للمسلمين، مما أدى إلى وقوع معركة كبرى بين الطرفين، قادها ابني الإمام علي، الحسن والحسين. وانتهت المعركة ( معركة كربلاء) التي كانت شرسة جدا، باستشهاد كليهما، حيث تم قتلهما بطريقة وحشية سجلت في التاريخ الإسلامي، وأدت إلى ظهور طائفة الشيعة ممن اعتبروا أنفسهم قد قصروا في الدفاع عن الحسن والحسين ، فباتوا يعبرون دائما، في ذكرى تلك المعركة، عن ندمهم لتقاعسهم في الدفاع عن الحسن والحسين. وهكذا، تعمد الإخوان المسلمون السعي لإفشال تلك المفاوضات، سعيا منهم لأن يستدرجوا الحكومة المصرية لمحاولة استخدام القوة في قمع المظاهرات والاعتصامات الاخوانية التي احتشدت تأييدا للرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي، في ساحة رابعة العدوية وميدان النهضة، مما سيؤدي، كما يتوقعون ويسعون لتحقيقه، سقوط عشرات القتلى في معركة يريدون تصويرها على أنها كربلاء جديدة. وهذا سيؤدي في اعتقادهم، إلى كسب عطف الشعب وتعاطفه معهم وازدياد عدد المؤيدين لهم .
ولكن الحكومة الجديدة التي حملتها إلى الحكم الثورة الجديدة ، ثورة الثلاثين من حزيران (يونيو) 2013 ، التي جاءت تصحيحا لثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، باتت تدرك ما يسعى الإخوان إلى تحقيقه. ولذا حاولت قدر الامكان أن تسلك مسلك ضبط النفس تجنبا لإراقة الدماء التي هي عزيزة عليها، لكونها دماء مواطنين مصريين حتى ولو كانوا منتمين أو مؤيدين لجماعة الإخوان . فقد كررت الحكومة أكثر من مرة ، بأنها لا تسعى إلى إقصاء الإخوان المسلمين عن الساحة السياسية، كما قدمت للمواطنين المعتصمين في ساحتي النهضة ورابعة العدوية، أكثر من وعد ترك للمتظاهرين فرصة تلو الأخرى للخروج الآمن، مع وعد بعدم ملاحقتهم قضائيا أو أمنيا .
ولكن الحكومة كانت تواجه دائما بالرفض، رغم الإنذارات الثلاثة التي وجهت للمعتصمين في هاتين الساحتين. وهذا شكل القناعة بأن لدى الإخوان مخططا يسعى إلى استدراج رجال الأمن المصري، لخوض معركة كبرى معهم من أجل إخراجهم من موقعهم ذاك الذي سبب ضررا لحركة المرور، وخلق مشاكل عدة للسكان القاطنين في هاتين المنطقتين، اللذين قدموا للجهات القضائية المختصة، الشكوى تلو الأخرى من هذه التجمعات التي سببت لهم الضرر، ومنعتهم من العيش بهدوء وأمان، طالبين من الدولة إنقاذهم من هذا الوضع غير الطبيعي .
وهكذا بات تدريجيا من المحتمل اضطرار الدولة إلى استخدام بعض الشدة لإنهاء تلك الاعتصامات استجابة لمطلب السكان، علما بأنه لا يتوقع منها أن تحقق للإخوان المسلمين حلمهم بتحقيق مجزرة على شاكلة ما جرى في كربلاء، علما بأن استخدام القوة ، بل القوة الشديدة في مواجهة المتظاهرين السلميين، له سابقة معروفة في عهد رئيسهم المعزول الذي نزلوا إلى الشارع مطالبين بعودته إلى الحكم. والسابقة المقصودة هي ما حدث أمام قصر الاتحادية في الأشهر الأولى من حكم الدكتور مرسي، عندما قام رجاله بتدمير وحرق الخيام التي أعدها المعتصمون أمام القصر، كما استخدموا القوة الشديدة في تفريقهم، مع اعتقال عدد منهم أخذوا إلى داخل قصر الاتحادية ، الذي يفترض به أن يكون بيت الشعب، حيث جرى تعذيبهم داخل القصر، مع استعمال القوة الشديدة في عملية التعذيب تلك التي ما زالت محاضر الشكاوى الخاصة بها، والتي قدمها بعض من عذبوا للنائب العام ، منظورة أمام المحاكم المصرية .
والقوة استخدمت من قبل رجال مرسي مرة أخرى في منطقة الاتحادية، في مرحلة لاحقة، عندما جرى سحب ذاك المواطن المصري الذي عري من ثيابه في الشارع القريب من القصر، وقد جرى سحله أمام الكاميرات التليفزيونية التي ظلت تعرض ذاك المنظر المذهل على الشاشة الفضية لساعات طويلة، فترك الناس يومئذ متابعة المسلسلات التلفزيونية الممتعة ، ليتابعوا لساعات عملية سحل وضرب وركل ذاك المواطن المصري البائس .
وكانت هناك عمليات أخرى كثيرة استخدمت فيها القوة ضد المتظاهرين المعترضين على ممارسات الدكتور مرسي، ولكن أقربها للذهن قضية وقعت قبل أسابيع قليلة من عزل الرئيس مرسي، وهي عملية التعرض بالضرب وإطلاق النار على المتظاهرين أمام مركز إرشاد الإخوان المسلمين في المقطم، والتي أدت إلى مقتل وجرح العشرات من المصريين. وهذه قضية أخرى ما تزال منظورة أمام المحاكم المصرية ، إضافة إلى قضية أخرى جرت في يناير 2011 وما تزال تنظر أمام المحاكم المصرية، وهي القضية الشهيرة التي أقدم فيها مسلحو الإخوان المسلمون، مستعينين بمقاتلين مسلحين من حركة حماس، على استخدام القوة الشديدة لإخراج الدكتور مرسي من سجن وادي النطرون، متسببين بمقتل أربعة عشر مواطنا من حراس السجن ومن المساجين والمجرمين، إضافة إلى تسببهم في خروج أحد عشر ألف سجين من المجرمين العاديين والمدانين، والذين بعد إطلاق سراحهم غير القانوني ذاك، عاثوا في مصر فسادا من نهب وقتل لبعض الأبرياء من المواطنين المصريين .
وهكذا نلاحظ أن مسلحي الإخوان، إضافة إلى رئيسهم مرسي الذي أعطى الأوامر في أكثر من مرة ومناسبة باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، كانوا البادئين باستخدامها في حالات كهذه . وبالتالي لا يمكنهم أن يسجلوا على رجال الأمن المصريين، القيام باستخدامها في عملية تطهير الساحتين سابقتي الذكر، من متظاهرين طال بقاؤهم فيهما خلافا لرغبة السكان المتضررين المقيمين في المناطق المطلة على الساحتين المذكورتين. علما بأن قوات الأمن،من المتوقع أن تكون شديدة الحرص على حقن دماء المواطنين المتواجدين في أي من الساحتين، مع عدم استخدام القوة المفرطة إلا في حالات الضرورة القصوى .
لكن المرجح لدى بعض المراقبين، أن يقوم بعض المسلحين من الإخوان والمتوقع تواجدهم بين المتظاهرين، بإطلاق النار على رجال الأمن، بغية استدراج رجال الأمن للرد بقوة أكثر، بغية تنفيذ مخططهم لتحويل المعركة البسيطة والمراد أن يستخدم فيها الحد الأدنى من القوة، إلى معركة كبرى تفرز العديد من القتلى والشهداء، تشبها بمعركة كربلاء، وذلك استدرارا للتعاطف معهم والظهور بمظهر الشهداء اللذين يعانون من قمع وحشي استخدمه رجال الأمن المصريون ضدهم ،كما يحاولون تصوير الأمر. وبالتالي فإنهم قد لا يستدرجوا عندئذ تعاطف المصريين فحسب، بل تعاطف الشعوب في الدول الأخرى من عربية وأجنبية أيضا.
ومن هنا بات من الواضح السبب الكامن وراء تلكؤ الحكومة المصرية في استخدام القوة، وسعيها لمحاولة فض تلك الاعتصامات بأقل ضرر ممكن، عن طريق إعطاء مزيد من الإنذارات والفرص للمتظاهرين للخروج خروجا آمنا، مع استخدام أسلوب التحجيم التدريجي لحجم تلك الاعتصامات عن طريق منع دخول مزيد من الناس لتلك المواقع، مع منع دخول الأغذية إليها، وقطع المياه عنها ، مع استخدام خراطيم المياه لتفريقهم .
إلا أن ذلك قد لا يمنع تحويل العملية الأمنية تلك، إلى مأساة كبرى عبر قيام الإخوان بإطلاق النار بأنفسهم على ظهور المتظاهرين، تحقيقا لرغبتهم في تصوير الأمر على أنه معركة كربلائية أخرى، في مسعى لإحراج الحكومة ، وربما لإسقاطها، أو لاضطرارها للاستقالة، كما يحلو لهم أن يفكروا، وهو الأمر الذي لن يتحقق مع صبر الحكومة ولجوئها للتعامل الذكي والمتمهل في التعامل مع تلك المشكلة .
ولكن الأمر الذي ربما لا يدركه الإخوان المسلمون، هو أن سلوكهم المتشدد ذاك ، قد يضطر الحكومة إلى إعادة النظر في توجهها نحو عدم إقصاء الإخوان المسلمين عن المسرح السياسي، فتقوم عندئذ بحظر تلك الحركة التي لم تأت لمصر على مدى السنوات الماضية ،وخصوصا في السنة الأخيرة التي قادها مرسي، إلا بالويلات والخسائر الكبرى للاقتصاد المصري ولاستقرار البلد . علما بأن الكثير من المراقبين قد لاحظوا الخسارة التي لحقت بحماس، أي الإخوان المسلمين في غزة، نتيجة تقديمها الدعم لحركة الإخوان في مصر، إضافة إلى مشاركتهم في إحلال الدمار بسوريا التي كانت ، إلى حين، حليفتهم الكبرى، مما أدى إلى مواجهتهم للكوارث نتيجة إغلاق الأنفاق والمعابر لغزة ، إضافة إلى خسارتهم لصداقة إيران التي قدمت لهم الكثير من الأسلحة والأموال دعما لحركتهم ، فخذلوها بأسلوبهم الخاطىء في التعامل مع سوريا صديقة وحليفة إيران. وهذا كله قد أدى إلى بلوغهم حالة من الندم والمراجعة لأخطائهم مع سعي حثيث الآن لمحاولة استعادة الثقة لدى إيران .
وهكذا بات العقلاء يتمنون أن يراجع الإخوان المسلمون موقفهم، وأن يمتنعوا عن خلق المشكلات للثورة الجديدة، كي يستطيعوا أن يبقوا في الساحة المصرية فاعلين وناشطين ومشاركين في الانتخابات القادمة، مما قد يوفر لهم الفرصة للفوز مرة أخرى، ويمكنهم بالتالي من العودة لحكم مصر لو شاء المصريون ذلك، فاقترعوا لمصلحتهم عبر ذاك الصندوق العتيد الذي بات الإسلاميون يعتزون به . كما أن إقصاءهم عن المسرح السياسي، قد لا يؤدي إلى خسارة لهم فحسب، إذ قد ينسحب ذلك على العديد من جماعات الإخوان المسلمين في المنطقة، باعتبار أن الإخوان في مصر، هي الحركة الأم، والحركة الأصل لجماعات الإخوان المسلمين في المنطقة كلها . فإذا كانت حماس الإخوانية قد بدأت تصل إلى مرحلة الندم والمراجعة لسلوكها المعادي لسوريا، ومن بعدها المعادي للشعب المصري، فإن العقلاء من المراقبين السياسيين، يأملون أن يراجع الإخوان المسلمون في مصر أيضا، موقفهم من هذا التعنت غير المبرر، كي لا يصلوا هم أيضا إلى مرحلة الندم المتأخر، حيث لن ينفع عندئذ أي ندم، خصوصا وبأنه من المرجح ألا تكون هناك كربلاء أخرى، كما يرى الإخوان في أحلام اليقظة التي يرتعون فيها يوما بعد آخر.
Michel Haj
#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي – ال
...
-
Arab Spring Question 25 أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع ال
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حل الواقع العربي والربيع العربي – الس
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابةحول الواقع العربي والربيع العربي- السؤا
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي – ال
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي ال
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي السؤ
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي – ال
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابة حول الواقع العربي والربيع العربي- الس
...
-
أسئلة تحتاج إلى جواب حول الواقع العربي والربيع العربي – السؤ
...
-
أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال
...
-
أسئلة تحتاج الى اجابات حول الواقع العربي والربيع العربي السؤ
...
-
أين ديمقراطية أثينا بين ديمقراطيات العالم العربي وخصوصا في م
...
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|