أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عادل الامين - عيد بأي حال عدت يا عيد!!














المزيد.....

عيد بأي حال عدت يا عيد!!


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 4178 - 2013 / 8 / 8 - 16:09
المحور: سيرة ذاتية
    


لا ادري إن كان أطفال هذا الزمن الأغبر يحسون ببهجة العيد كما كنا نحن زمان...في العشر الأواخر من رمضان يبدأ النساء في التجمع من بيت إلى بيت..في حي الداخلة العمالي في عطبرة..لصناعة الكعك والخبيز ونقوم نحن الأطفال بحمله الى فرن متولي في سوق الداخلة الصغير..كانت النزاعات تحدث بيننا والأطفال الآخرين في اتخاذ الأولوية أو تشبه البقر علينا، لذلك كنا نضع علامات محددة بالخبيز في كل صينية...وهذه المرحلة الأولى والروح الجماعية لسكان مدينة،ثم نذهب ليلا لسوق حاج الريح لشراء الملابس والحلوى ولا نعود إلا في اللحظات الأخيرة من ليل...ويظل العمل في نظافة بيوت الطين وكنس مداخلها ومخارجها وفرشها بالرمال النظيفة وكما قال الشاعر ود بادي"العين إن زاغت شن بملاها خلاف موالها وبيتاً رملو دقاق.."..وتنام المدينة على ضجيج القطارات المسافرة والمكتظة بالركاب من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال..
في الصباح يتداعي ألينا صوت الآذان ودعاء المصلين في ميدان مسجد العمدة السرور السفلاوي..واخرج مع عمي عمر يرحمه الله الموظف في السكة حديد بالدراجة إلى صلاة العيد..كانت العمائم والجلابيب البيضاء تغطي الأرض كأسراب الحمائم..وبعد انتهاء الصلاة وتبادل التهاني والتبريكات...ينتشر الناس إلى بيوتهم ويبدأ برنامج جديد لنا نحن الأطفال،نذهب إلى حديقة البلدية وهي أشبه بلاس فيجاس عطبرة لنقامر بأموالنا القليلة التي يعطينا لها الكبار في الألعاب المختلفة..لعبة التمبولا(الطمبرة)...ولعبة القرقور الرياضية ، ذلك المخروط الذي يحمل ستة أوجه كما هو حال الناس الآن ، عليها ستة أعلام وشعارات لست أندية كبرى في عطبرة فقط عليك أن تضع نقودك في مربع ويتم إدارة المخروط ليقع على وجه من الوجوه الستة ويحدد الرابح، ولعبة إلقاء الأطواق من بعيد على جوائز متعددة في طاولة بعيدة..زجاجات عصير وعطور وعلبة عسل انجليزي وغيرها من الأشياء المغرية..العاب عديدة ومنها واحدة أتقنها تماما وهي تصويب الكرة إلى فتحة إطار السيارة وكنت اجني منها الكثير لأني فقط أتدرب عليها قبل العيد..
عندما يأتي المساء نذهب مع إخواننا الكبار إلى السينما..وكانت تقدم أفضل العروض للأفلام الهندية المبهرة."جان وار تسري منزل ومحبوبة".وتمتلئ السينما عن آخرها..وتعتبر سينما عطبرة الوطنية تحفة معمارية في قلب المدينة تتلألأ أنوارها الباهرة كالسفينة وتحيط بها أكشاك الباسطة واللبن من كل جانب وبائعات الفول والتسالي..وبعد السينما نزحف نحو محل جنة الفواكه في السوق الكبير...حيث العصيرات من مختلف الألوان والمشارب وقطع الكيك المحلاة بجوز الهند والسكر وهناك يكون العشاء الأخير وينقضي أول أيام العيد..نعود إلى بيوتنا في الداخلة عبر ميدان البيسكت..ونحن نردد أهازيج العيد والبعض يحمل أبواق وصفا فير ملونة.نشتريها من محلات حبيب باسطة والدراجات أيضا...
ننوم ونحن في غاية السعادة حيث لم يكن للحياة معنى أجمل أو أعمق من ذلك وقد جسدها الشاعر التجاني الحاج موسى وأغنية كمال ترباس " صباحك حقو الناس يشيلوا منو الفال...صباح البشرى للمحزون ..صباح العيد على الأطفال"..
اليوم بعد كل هذه السنين والمياه التي عبرت فوق وتحت الجسر،ماتت السكة حديد وماتت المدينة وانحسرت كل أثار وبصمات الحداثة التي تركها الانجليز في الأرض والإنسان..إني أرى ولا استثني أحداً...الأطفال يعيشون أحوال تشيب لها الرجال في انتظار "سعاد" التي لا تأتي أبدا ،بعد تساقط أهلها وأقرباؤها واضحو يرضعون من ثدي الإنقاذ الميت والإنقاذ كائن متحول وغريب له ثمانية أثداء تماما كم هي أنثى الكلاب،ترضع هذا وتفطم هذا ..وإيقاع الزمن الدوار يبتلع الزامر والمزمار ... ومؤامرة"القرد الدولي" على قدم وساق.. وهي قسمة القرد والقطتين وقطعة الجبن في الأدب الانجليزي الذي درسناه سابقا التي تقضم الخارطة يوما بعد يوم،حتى تختفي كلها وهذه الدروس والعظات والعبر من المناهج التربوية الرفيعة المستوى التي غذت وجداننا الغض، عندما كان التعليم تربية وتعليم ومجاني أيضا،لا يحس الطالب فيه انه عبء على احد..
بعد عشرون عاما من صناعة الجحيم في السودان وحالة اللادولة وحكم"العصابة"،اليوم الأطفال لسان حالهم يردد كلمات عمر الطيب الدوش في برزخه السرمدي"لا صحينا عاجبنا الصباح..ولا نمنا غتانا العشم" ..والملل الإنقاذي يخيم على البلاد بقضه وقضيضه..وسادر بغيه وسودانه المتخيل ومعاوله التي لا تكل ولا تمل في هدم كان ما هو جميل ومبهج في حياة الشعب السوداني..حتى تغرق السفينة..ولن تستطيع أن تفر منها حتى الجرذان*....

هوامش
مثل اسباني "اذا غرقت السفينة اول من يفر منها الجرذان"



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البنتاجون المصري
- إبداع تمرد وانفصام الإخوان المسلمين
- سنأوي الى جبل يسمى الشعب
- زينب والاسد
- الخيل الحرة
- ............جورنيكا الخوف..........
- لماذا اختار الجنوبيين الانفصال في السودان ؟؟!!
- العودة الى ارض حفيف الاجنحة
- حضارة السودان
- الروح ما بتروح
- الروح لا تروح
- سيرة مدينة:الشيخ حسن ود وحسونة
- السكة الحديد والثورة الاجتماعية في اليمن
- الاشتراكية السودانية
- حدث في معرة النعمان
- الاقلية الانتهازية التي تحكم بلدين
- العهر السياسي، وخصاء الأنظمة قراءة في رواية (الفحل) د/ إبراه ...
- سيرة مدينة/اخر كلمات الشاعر سيد احمد الحردلو
- رواية الفحل للحسن محمد سعيد..العلاج بالصدمة..
- ايقونات يمنية


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عادل الامين - عيد بأي حال عدت يا عيد!!