أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - دارا كيلو - وهم الهوية الاقتصادية في سوريا















المزيد.....

وهم الهوية الاقتصادية في سوريا


دارا كيلو

الحوار المتمدن-العدد: 1195 - 2005 / 5 / 12 - 11:58
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


في سوريا ما يشبه محاكم التفتيش, لكن هذه المرة هي محاكم تفتيش اقتصادية, هناك كلمات اقتصادية تنطوي على أفكار ممنوعة من التداول أو الاستخدام أو الطرح كخيارات للمجتمع, ومن يطرحها يكفر من قبل كهنة "الفكر الاقتصادي", وأقول الفكر الاقتصادي هنا تجاوزا, لأن هؤلاء الكهنة ليس لهم علاقة بالفكر الاقتصادي بالمعنى الحقيقي. فمثلا يمنع الحديث عن اقتصاد السوق, ثم يسمح به وتكفر الحرية الاقتصادية والخصخصة, وترمى الرأسمالية بالكفر ...الخ. والكثير هنا يجري تحت عنوان الهوية الاقتصادية لسورية, وعناوين أخرى مثل الشأن الاجتماعي و الصراعات السياسية.....الخ.
ما يهمنا هنا هو الهوية الاقتصادية, هل هناك هوية اقتصادية لسوريا ؟ وهل هناك مبررات لاعتبارها جبهة صراع؟ وإذا لم يكن فلماذا التمسك بها والدفاع عنها؟ الاقتصاد في تعريفه الأكاديمي البسيط هو العلم الذي يهتم بكيفية حل البشر لمشكلة التوفيق بين الحاجات غير المحدودة والموارد المحدودة. وقد ثبت تاريخيا أن هذا يتم بأفضل طريقة ممكنة من خلال التخصص والتبادل الذي يتم من خلال السوق, حيث تقوم السوق بدور آلية التنسيق بين المتطلبات المختلفة للفعاليات. لكن السوق كآلية قائدة للاقتصاد, أو القيام بالفعاليات الإنتاجية وملحقاتها وفقا لمنطق السوق , لم يتحقق إلا مع هيمنة الرأسمالية كمنط إنتاج. ففي الرأسمالية كل الفعاليات الاقتصادية, باستثناء حالات هامشية, يقودها منطق السوق, وتمر من خلال قنواته. وربما كان صحيحا هنا القول أن الاقتصاد كظاهرة أو كممارسة مجتمعية ذات خصوصية أو كحقل متميز للنشاط البشري لم يتبلور إلا مع تبلور الرأسمالية التي يتحكم بها منطق السوق. قبل الرأسمالية كانت هناك طرق معينة لحل المشكلة الاقتصادية, لكن كان الحل يتم بآليات غير اقتصادية, أو من خلال قنوات لحقول أخرى من النشاط البشري, من خلال الارتباطات السياسية, أو العلاقات القرابية , أو غيرها.
إذا تحدثنا عن هوية واقتصادية, فإن هذا قد يعني إما أن سوريا تمتلك مشكلة مختلفة عن الآخرين, أو أنها بلورت حلولا مختلفة , أو الاثنين معا. ما دمنا كسوريين ننتمي إلى الفصيلة البشرية فإن المشكلة البشرية العامة في التوفيق بين الموارد والحاجات مطروحة علينا, ولا يمكن الحديث هنا عن مشكلة أخرى بالقطع. أما الحلول فإن دراسة الواقع السوري تشير إلى أننا في سوريا لم نخرج خارج التاريخ البشري في هذا المجال. فسوريا اقتصاديا هي اقتصاد رأسمالي مشوه ببعض الاشتراكية أو اقتصاد اشتراكي مشوه ببعض الرأسمالية, وربما كان الأصح هو إقطاع شرقي ذو مظاهر حديثة( تتعلق بالعصر الحديث). وفي كل الأحوال فإن هذا النمط السوري ليس استثناءا أو اختراعا سوريا. فالنمط الاشتراكي في عرينه كان هكذا وتكرر بنسخ أكثر تشوها مع تخلف الدول التي أخذت بهذا النمط.
ربما كان مفيدا هنا إجراء مقارنة ذات دلالة كبيرة بين القطاع العام السوري واقطاعات التصرف العثمانية, في المرحلة العثمانية كان يتم تخصيص النخب العسكرية والمقربين من السلطان وحاشيته باقطاعات تصرف مكافأة لهم على خدمات ما, في سوريا تخصص شركات القطاع العام لمدراء عامين مرضي عنهم من قبل جهات معينة, وهم شبه أحرار في التصرف في إدارة هذه الشركات بما يخدم مصالحهم الشخصية. وهذه الحالة ليست استثناءا سوريا, إنما حدثت في دول أخرى.
إذا ما فائدة الحديث عن الهوية الاقتصادية ؟ أو لماذا الحديث عن وهم الهوية الاقتصادية؟ كما نعلم أن المجتمعات تتمايز في المجالات الثقافية والاجتماعية (بالمعنى الضيق) وتتعدد الانتماءات السياسية. والحديث عن هوية متميزة على المستوى الوطني أو مستوى فئات ضمن الوطن الواحد, والبحث عنها أمر مقبول في تلك المجالات وهي مجالات التماييز. أما في الاقتصاد فهذا الأمر غير وارد نظريا وعلى المستوى الواقعي. ففي المنطق الاقتصادي أنت تشترى السلعة الأرخص بغض النظر عن المنتج. وجميع الدول الغربية المتطورة هي اقتصادات سوق متطورة , لكن هذا لم يمنع وجود هويات مختلفة ثقافية وسياسية ........لذلك اعتقد أن هذا الهوس بالهوية الاقتصادية يستند على ثلاث مصادر أساسية:
الأول – يتعلق بمستوى التطور الذي بلغته سوريا, وأثر ذلك على أنماط التفكير. فسوريا باعتقادي تعيش مرحلة هي مرحلة ما قبل الرأسمالية بعد أن انتكس مشروع رسملة سوريا, (الذي بدأه الفرنسيون منذ عشرينيات القرن الماضي), أواخر خمسينات القرن العشرين. وفي كل الأنماط غير الرأسمالية هناك تداخل بين الممارسة الاقتصادية والحقول الأخرى للنشاط الاجتماعي, ولم يتبلور الاقتصاد كحقل نشاط متميز بشكل كامل إلا في ظل الرأسمالية, وبالتالي فإن ذلك التداخل, يجد انعكاسا له في التشوش الفكري القائم على تطبيق مقاييس ومتطلبات الحقول الأخرى على الاقتصاد, والحديث عن الهوية هو مثال بارز على ذلك.
الثاني – يتعلق بالمدارس الفكرية التي تنظر للهوية, وهي في مجملها المدارس القومية والماركسية (في بعض أشكالها) والدينية المتكيفة مع التخلف العام في المنطقة, وهي بأشكالها الثلاث مهووسة إما بالصراع مع المشاريع القومية الأخرى أو الصراع الطبقي وملحقاته أو الصراع بين الأديان , وبالتالي فإن مسألة الهوية والتمايز أساس استمرارية وجود المدرسة الفكرية ذاتها, حيث تتحدد جبهة الأعداء والأصدقاء على ذلك الأساس. وعليه فإن الهوية مطلوبة لهذه المدارس على كافة المستويات وفي كافة المجالات, سواء كانت حقيقية أو وهمية, وبالتالي فإن من الطبيعي البحث عن هوية اقتصادية أو الحديث عنها.
الثالث – يتعلق بالمصالح المتبلورة والمتعلقة بالواقع الراهن الذي تعيشه سوريا, حيث أن هناك مصالح اقتصادية كثيرة , وهي فاسدة في غالبيتها العظمى, يرتبط استمرارها باستمرار الواضع الراهن. وباعتبار أن هناك دعوات وضغوطا قوية داخليا وخارجيا من أجل تغيير الوضع الاقتصادي الراهن, باتجاه نمط اقتصادي معين ثبت جدواه عالميا أي اقتصاد السوق, من الطبيعي أن تتحصن المصالح المذكورة وراء حجة الهوية لمقاومة التغيير, أي الادعاء بأننا يجب أن لا نقلد الآخرين ونحافظ على خصوصيتنا, انتظارا لتبلور "طريقة اقتصادية سورية أو نمط سوري", وبانتظار ذلك تستمر مصالح الفساد في استنزاف خيرات البلد.
في النتيجة الهوية الاقتصادية وهم, هي وهم يعبر عن توسع عالم الأوهام في العالم المتخلف, وهي وهم يعيشه البعض ضمن أوهامه الفكرية, وهي وهم يحاول البعض حبسنا فيه خدمة لمصالحهم, لكن المفارقة المهمة والسارة في نفس الوقت أن الاقتصاد من بين كل النشاطات لا يعرف الأوهام, الاقتصاد يعرف الحقائق والأرقام والنتائج.



#دارا_كيلو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رئاسة المام والتصالح مع الذات كرديا وعربيا
- اقتصاد السوق بين اليوتوبيا والممارسة تعليق أولي على (اقتصاد ...
- هل يتجاوز غازي عجيل الياور نفسه
- الديمقراطية والطائفية بين لبنان والعراق
- سليم مطر والكرد .... خلل في المنطق أم تحريض مكشوف؟
- 12 آذار والانتماء السوري للكرد
- إلى المعلم كاظم حبيب
- الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافيا كردستان
- المثقف والسياسي الكردي ...الإشكالية المزيفة
- هولير وقنابل الارتزاق الانتحاري
- الكرد والشيوعي العراقي .....وكهنة الفكر الشمولي
- العمامة والسياسة.....رب ضارة نافعة
- العقيد القذافي ... داعية كردستان الكبرى ؟
- صداميــــــات كردية
- الشمعة الثانية في بيتنا الآمن
- استئصال الشعوب...... صحوة الليث شبيلات
- كردستان سوريا ....الوطن السوري أم كردستان الكبرى
- الحوار الكردي في إطار الحوار الوطني السوري
- سليمان يوسف يوسف من أوهام الحوار الوطني إلى حقائق الإقصاء وا ...
- هل دشن البراعم عودة الحركة الكردية إلى السياسة ؟!


المزيد.....




- هنغاريا: العقوبات على -غازبروم بنك- ستخلق صعوبات لدول أوروبا ...
- أردوغان: نجحنا بنسبة كبيرة في التخلص من التبعية الخارجية في ...
- بلومبيرغ: تعليق الطيران العالمي يترك إسرائيل في عزلة تجارية ...
- موسكو: سوق النفط متوازنة بفضل -أوبك+-
- سيل الغاز الروسي يبلغ شواطئ شنغهاي جنوب شرقي الصين
- بيسكوف العقوبات الأمريكية على -غازبروم بنك- محاولة لعرقلة إم ...
- نائب وزير الطاقة الروسي من اسطنبول: الغاز يدعم عملية التحول ...
- أسعار -البتكوين-.. ماذا وراء الارتفاع القياسي لـ-الاستثمار ا ...
- الدولار بأعلى مستوى في 13 شهرا وبيتكوين تقترب من 100 ألف دول ...
- مرسيدس تعتزم خفض التكاليف واحتجاجات في مقر فولكس فاغن


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - دارا كيلو - وهم الهوية الاقتصادية في سوريا