أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - اليوم سوريا وغدا روسيا!















المزيد.....


اليوم سوريا وغدا روسيا!


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4175 - 2013 / 8 / 5 - 15:54
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


من المنطقي جدا ان تكون لمعركة، كالمعركة الكبرى الدائرة في سوريا، أبعاد عديدة، سياسية واقتصادية وثقافية وطبقية وطائفية واتنية، داخلية واقليمية ودولية.
ومن المفروض منطقيا ان أية قوة او جهة سياسية مخلصة ومؤثرة، كانت تطمح الى إحداث تغيير في النظام السوري، من خارج النظام او حتى من داخله، كان ولا يزال من واجبها ان تأخذ بعين الاعتبار مختلف ابعاد المعركة الدائرة.
ولكن للاسف الشديد ان اطراف المعارضة اليسارية السورية اوقعت نفسها، واوقعت معها جمهورا شعبيا واسعا، في خدعة ذاتية ربما كانت في البدء غير مقصودة، ثم تحولت الى خدعة مقصودة عن سابق تصور وتصميم، وهي خدعة حصر المعركة في سوريا في الجانب الداخلي، جانب النضال لاجل الغاء الحكم الدكتاتوري العائلي والطائفي والمخابراتي، واحلال النظام الدمقراطي مكانه.
ونحن نضرب صفحا عن ان هذه المعزوفة لم تكن سوى معزوفة اميركية ـ اطلسية ـ صهيونية ـ عثمانية ـ خليجونفطية، كانت لها منذ اللحظة الاولى اهداف لا علاقة لها من قريب او بعيد بالدمقراطية. ونفترض جدلا ان تلك الاطراف اليسارية كانت جادة فيما تقوله وكانت تؤمن عن صدق بما تقوله.
وقد كان العالم كله شاهدا كيف ان تلك الكذبة الذاتية تحولت الى غطاء لكل اشكال التدخل الفظ في الشؤون الداخلية لسوريا والشعب السوري. وصارت مؤتمرات التآمر على الدولة والشعب والجيش الوطني السوريين تعقد باسم "اصدقاء سوريا". وصار مثقفون ومناضلون سابقون باعوا انفسهم لما يسميه مكسيم غوركي "الشيطان الاصفر"، من امثال برهان غليون وجورج صبرا، يطلعون علينا بمعزوفات "طلب المساعدة من المجتمع الدولي" للشعب السوري وانتقاد اميركا ذاتها بأنها لا تقدم ما يكفي من الاسلحة للمعارضة السورية، وكأن اميركا لم تعد امبريالية والعدوة الاولى لشعوب العالم، بل اصبحت "جمعية خيرية" او جمعية "نجدة شعبية" لانقاذ الجماهير المظلومة ونشر الدمقراطية وحقوق الانسان، او كأنها اصبحت "صديقة" و"في خدمة" المعارضة السورية "الدمقراطية!".
ربما كان من المعقول تصديق "صدقية" هذه الاطراف المعارضة اليسارية في الاشهر القليلة الاولى من المعركة في سوريا، حينما كان وجه المعارضة لا يزال يتمثل في بعض المظاهرات الشعبية بالرغم من كل الدجل والكذب والتضخيم والفبركة الاعلامية التي رافقت واحاطت تلك المظاهرات.
اما الان فإن المعطيات كافة، ولا سيما المعارك التي دارت وتدور في القصير وحمص وريف دمشق وحلب وغيرها، دلت بشكل قاطع ان الوجه "الدمقراطي" والقوة الرئيسية الفاعلة على الارض، للمعارضة السورية، انما هي مختلف فصائل "الجيش الاسلامي!!! العالمي" التكفيري، جيش اللصوص وقطاعي الرؤوس ومنتهكي الاعراض وأكلة اللحوم البشرية، جيش "مسلمي ابي جهل!"، الذين لا علاقة لهم من قريب او من بعيد بالقرآن الكريم الذي يبدأ بآية "باسم الله الرحمن الرحيم"، اي لا علاقة لهم بالدين الاسلامي السمح الذي يدعو الى الرحمة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي هذه الاوضاع صار من السذاجة المطلقة تصديق الكذبة الذاتية للمعارضة اليسارية والليبيرالية بأن المعركة في سوريا هي "معركة داخلية" وحسب، لاجل "الدمقراطية" وحسب.
والان يتأكد حتى لاعمى البصيرة ان المعركة في سوريا هي بالدرجة الاولى ذات طابع خارجي، اقليمي ودولي. ويكفي ان نشير الى الابعاد الاقليمية والدولية التالية:
1 ـ ان اسرائيل، ومن ورائها الصهيونية العالمية وحليفتها الستراتيجية الامبريالية الاميركية، تتحضر بشكل محموم لتوجيه ضربة كاسحة لحزب الله الذي اصبح يشكل بالنسبة لها كابوسا حقيقيا بعد هزيمتها النكراء في حرب تموز 2006. وتعمل اسرائيل والصهيونية والامبريالية الاميركية للتحضير النفسي والسياسي والميداني للحرب القادمة. ومن مؤشرات هذا التحضير:
ـ الضغط على الاتحاد الاوروبي لادراج ما سمي "الجناح العسكري لحزب الله" على لائحة الارهاب، اقتداء باميركا.
ـ اطلاق ما سمي "الربيع العربي" في البلدان العربية التي يتوقع ان تقدم على التضامن الشعبي الواسع وتقديم المساعدات المباشرة وغير المباشرة، عسكريا وماليا ولوجستيا، لحزب الله، لدى نشوب المعركة، وتفكيك تلك البلدان وتمزيقها داخليا، خصوصا عن طريق الاستعانة بالحركات "الاسلامية!" المشبوهة الحليفة الستراتيجية لاميركا، وضمنا لاسرائيل.
ـ العمل بشكل خاص لتمزيق سوريا وخصوصا تمزيق الجيش الوطني السوري، لادراك اسرائيل ان المعركة القادمة مع حزب الله ستشمل حتما اراضي الجولان المحتل، مما سيحتم جعل سوريا وجيشها الوطني شريكا رئيسيا في المعركة.
2 ـ ان تركيا هي ذات مطامع "عثمانية" قديمة بشمال سوريا وشمال العراق. وهذه المطامع لها اكثر من سبب نشير الى اهمها:
ـ الرغبة القديمة الجامحة في الامساك بـ"المسألة الكردية" ومنع التلاقي بين اكراد كردستان المركزية (اي كردستان تركيا) مع اكراد العراق وسوريا على ارضية تحويل المناطق الكردية العراقية والسورية الى قواعد انطلاق لكفاح اكراد تركيا ضد السلطة الفاشستية التركية. وهذا الحافز يصح بشكل خاص على اكراد سوريا الذين تجمعهم اصول عشائرية واحدة مع اكراد تركيا، وقسم كبير منهم هم اكراد اتراك هاجروا الى سوريا بعد ثورة "الشيخ سعيد" في تركيا سنة 1925 والمذابح الفظيعة التي تعرضوا لها في تركيا على ايدي الاتاتوركيين، والتي تقول بعض الاحصاءات انه ذهب ضحيتها نصف مليون كردي تركي. كما ان اكراد تركيا واكراد سوريا يتكلمون ويكتبون بلهجة واحدة هي اللهجة الكورمانجية، خلافا لغالبية اكراد العراق وايران الذين يتكلمون ويكتبون باللهجة السورانية.
ـ منذ ايام سايكس بيكو كانت تركيا تطمع في ضم لواء الموصل وكركوك، في شمال العراق، طمعا في الاستيلاء على النفط المكتشف حديثا حينذاك.
ـ ان العثمانيين هم "ابناء عمومة" اليهود الخزر (الاشكنازيم) الذين يحكمون اسرائيل منذ نشأتها. وهناك "حلف تاريخي" بين العثمانيين واليهود الخزر، منذ القرن العاشر وما قبل، ضد الروس والبلغار واليونانيين والايرانيين والعرب. وهذا "الحلف التاريخي" يتجسد في "الحلف الستراتيجي" المعاصر بين "تركيا الحديثة" واسرائيل. وبمقتضيات هذا الحلف فإن تركيا تتحضر وتعمل ايضا لـ"عدم ترك اسرائيل لوحدها" في المعركة القادمة التي تتحضر لها اسرائيل. ومن اولى مهمات تركيا، لمساعدة اسرائيل، توجيه طعنة او طعنات في ظهر سوريا. وبطبيعة الحال الحصول، مقابل ذلك، على حصتها من الاراضي السورية، وخصوصا منطقة حلب الغنية صناعيا (والتي اصبحت في وقت ما تشكل مزاحما للصناعات التركية) ومنطقة الجزيرة ذات الاراضي الخصبة، ومنطقة اللاذقية وطرطوس البحرية بالغة الاهمية، والتخلص نهائيا من بقايا السكان السريان والارمن وابناء لواء الاسكندرون، في حلب والجزيرة واللاذقية وطرطوس، الذين هم اصحاب "حقوق تاريخية" على تركيا الفاشستية، ويشكلون خطرا على "الامن القومي" للفاشستية التركية في المدى المتوسط والبعيد.
ـ منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، وربما قبل ذلك، فإن تركيا، وبحكم علاقتها العضوية مع اميركا والصهيونية ومن ثم الكارتيلات النفطية العالمية، هي على علم تام بوجود النفط والغاز بكميات هائلة في شرقي البحر الابيض المتوسط. ومنذ ذلك الحين بدأ التخطيط الاميركي ـ الصهيوني للسيطرة التامة على هذه الثروات وحرمان شعوب المنطقة منها. وكانت اسرائيل وتركيا هما الاداتان الاقليميتان للسيطرة على هذه الثروات من قبل الكتلة المالية العالمية، الاميركية ـ الصهيونية، ولابعاد الكتلة المالكية العالمية الكاثوليكية واوروبا والكتلة المالية العربية ـ الاسلامية ودول الخليج العربية، عن استثمار هذه الثروات. وهذا ما يفسر تحريك القضية القومية ـ الدينية في قبرص واتخاذها ذريعة لاحتلال الجيش التركي لشمال قبرص في 1974 بهدف اساسي هو محاصرة اليونان وابعادها عن المشاركة في استخراج هذه الثروات بالتعاون مع قبرص. كما يفسر تشجيع المخابرات الاميركية والاسرائيلية لنشوء التيار الاسلامي ـ العثماني في تركيا، من اجل اجبار دول الخليج العربية النفطية، التي كانت تحتكر اللعب بالورقة "الاسلامية!!!" على الخضوع التام للزعامة الاميركية ـ الصهيونية وعدم الانزلاق نحو التعاون مع الكتلة المالية العالمية الكاثوليكية واوروبا. وقد جاء في هذا السياق تماما اغتيال رفيق الحريري الذي كان ممثلا رئيسيا للكتلة المالية ـ النفطية العربية ـ الاسلامية وخصوصا السعودية، وكان يقوم بدور "الوسيط" او "الخاطبة" بين هذه الكتلة وبين الكتلة المالية العالمية الكاثوليكية واوروبا، فتم توجيه "رسالة قوية" الى السعودية ومن وراءها عن طريق الاغتيال الوحشي للحريري، الذي سيظل "سرا" غامضا كـ"سر" اغتيال جون كينيدي في 1963 ومحاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في 1981. وقد فهمت السعودية وكتلتها المالية ـ النفطية العربواسلامية فحوى الرسالة، و"وقفت بالصف" كالكلب البوليسي المطيع.
3 ـ اذا نظرنا، ولو بعين تلميذ صف ابتدائي، الى الخريطة نجد (خصوصا بعد ضعضعة اليمن والهائه بالنزاعات الداخلية) أن الدول التي تحاذي وتحيط بـ شرقي البحر الابيض المتوسط، هي تركيا واليونان في الشمال، السعودية والاردن في الجنوب، سيناء وغزة والضفة الغربية واسرائيل ولبنان وسوريا في الوسط والشاطئ الجنوبي لشرقي المتوسط. فاذا كانت مصر قد شطبت من المعادلة اما بواسطة هيمنة الاسلاميين المزيفين حلفاء الامبريالية والصهيونية التاريخيين، واما بالهائها ـ اي مصر ـ بالقلاقل والنزاعات الداخلية وحتى تقسيمها كالسودان. واذا كانت حماس وفتح في غزة والضفة الغربية تتسابقان على الصلح مع اسرائيل بشروط اقل سوءا مما يعرض عليهما. واذا كانت السعودية ومعها دويلات الخليج والاردن هي "داخلة" تماما في اللعبة الامبريالية ـ الصهيونية ـ التركية. يبقى سوريا ولبنان (وبالاصح حزب الله وحلفاؤه في لبنان) ومن ورائهما العراق المفكك والضعيف والملغوم بالصراع السني ـ الشيعي،من جهة، وبـ كردائيل، من جهة ثانية. ولاسباب عديدة، اهمها الصفة الدكتاتورية التي كانت لاصقة بالنظام السوري، وجدت الجبهة الامبريالية ـ الصهيونية ـ التركية ـ النفطوعربية ان "الحلقة الاضعف" هي سوريا، فاذا تم ضربها وتحطيمها بحجة دكتاتورية النظام، واذا تم تفكيك سوريا وتسليط "اسلاميي ابي جهل" على رقاب واعراض ومصائر الشعب السوري، يصبح من السهل تطويق وضرب حصار خانق على حزب الله وحلفائه في لبنان، ومن ثم شن حرب طاحنة اسرائيلية ـ "اسلامية!!!" مشتركة على حزب الله وحلفائه وسحقهم. ومن ثم يتم (بحجة حفظ "السلام" و"إبعاد" اسرائيل او اي حجة اخرى) اتخاذ قرارات من "منظمة مؤتمر الدول الاسلامية" و"جامعة الدول العربية" بارسال "قوات سلام" اسلامية ـ عربية (اساسا تركية ـ سعودية ـ مصرية) الى لبنان وسوريا ومن ثم ارسال قوات "متعددة الجنسية" جديدة (اساسا: اميركية) لاجل ضمان "سيادة" لبنان وسوريا واقامة نظامين عميلين في كلا البلدين، او تمزيقهما الى كانتونات طائفية واتنية بحجة "حقوق الانسان" و"حقوق الاقليات" و"حق تقرير المصير"، ويتم فيما بعد اصدار قرارات دولية من الشركة الاميركية لهيئة الامم المتحدة، لالباس تلك الكانتونات البسة رسمية كدول "مستقلة"، كما جرى في كوسوفو في صربيا، وكما جرى في جنوب السودان. وحينذاك تستطيع الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية، وربما بمشاركة الكتلة النفطوعربية، استخراج واستغلال نفط وغاز شرقي المتوسط كما يحلو لها، وتحويل تركيا الى دولة نفطية غنية وعسكرية عظمى، الى جانب اسرائيل، على حساب وضد الامة العربية جمعاء. وللاسف الشديد ان اليسار المزيف والغبي، الشيوعي وغير الشيوعي، السوري، قد اضطلع بدور توفير الغطاء السياسي المطلوب لهذه المؤامرة الكبرى على سوريا شعبا ودولة وجيشا، وعلى حزب الله والقوى الوطنية اللبنانية، وعلى شعوب الامة العربية جمعاء، عن طريق الجعجعة الفارغة وقرع الطبول حول الصراع بين الدمقراطية والدكتاتورية في سوريا، وهي جعجعة كان ينطبق عليها منذ اللحظة الاولى القول المأثور "حق يراد به باطل". والشعب السوري المناضل والواعي لن تمر عليه هذه المسرحية الشيطانية، وهو سيحاسب اليساريين المزيفين ليس بوصفهم اصحاب "وجهة نظر" أخطأوا جادة الصواب، وينبغي "ارشادهم"، بل بوصفهم خونة عن سابق تصور وتصميم ينبغي اعدامهم رميا بالرصاص واحدا واحدا، لان الخيانة الوطنية تهدف الى قتل الوطن ولم تكن يوما ولن تكون "وجهة نظر".
4 ـ قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، اجتمع مؤتمر بريتون وودز قرب واشنطن، الذي اقر انشاء الامم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأقر ايضا اعتماد الدولار كعملة دولية، علما ان الدولار كان منذ ما قبل الحرب بدون تغطية ذهبية. ولكن الولايات المتحدة الاميركية تعهدت حينذاك بأن كل أونصة ذهب تساوي 35 دولارا. فعلام اعتمدت الولايات المتحدة الاميركية في ذلك؟ ـ اعتمدت على اتفاق روزفلت ـ عبدالعزيز آل سعود بتسليم النفط السعودي (والخليجي!) لاميركا وعلى تسعير البرميل بـ 5،2 ـ 3 دولارات لاجل حساب عائدات المملكة. طبعا ان الولايات المتحدة كانت تبيع النفط بطريقة احتكارية ـ استنسابية كما تجد مصلحتها في ذلك. ولكنها باتفاق روزفلت ـ عبدالعزيز ضمنت "التغطية النفطية" بدلا من "اللتغطية الذهبية" للدولار. واذا قسمنا 35 دولارا (لاونصة الذهب حينذاك) على سعر برميل النفط (حينذاك 5،2 ـ 3 دولارات) لطلعت معنا النسبة ذاتها لقسمة سعر اونصة الذهب اليوم على سعر برميل النفط اليوم (اي ما يتراوح بين 12 ـ 15 برميل نفط مقابل اونصة الذهب). من هنا الاحتفاظ بـ"مبدأ" او "قاعدة" تسعير النفط بالدولار، وهو ما تستند اليه اميركا في هيمنها الاقتصادية على العالم الرأسمالي عامة والعالم "الغربي" الموالي لها خاصة. وان اميركا تتمكن من المحافظة على هذه القاعدة المالية العالمية التي تعتبر الدولار عملة دولة ومقياس لسعر النفط، عصب الاقتصاد الدولي، فذلك بسبب هيمنتها المطلقة على نفط السعودية والخليج. واذا بدأ استخراج النفط والغاز في سوريا ولبنان وقبرص، بوجود الاساطيل النووية الروسية في سوريا والبحر الابيض المتوسط، ووجود اكثر من مائة الف صاروخ لحزب الله موجهة نحو اسرائيل (التي نشأت من الاساس ككلب حراسة لابار وممرات النفط) فإنه من المشكوك فيه تماما ان يبقى الدولار هو الوحدة العملوية لتسعير النفط والغاز، وبالتالي هو العملة الدولية. واذا سقط الدولار كعملة دولية فهذا سيؤدي حتما الى سقوط الهيمنة الاقتصادية لاميركا على العالم الرأسمالي. وهو ما يصيب اميركا بالهلع والجنون ويدفعها الى اتخاذ قرار تدمير سوريا (ولاحقا حزب الله في لبنان) بواسطة حليفها الستراتيجي "الجيش الاسلامي!!! الوهابي العالمي" الذي يقاتل ايضا من اجل الاحتفاظ بالدور المميز للسعودية والخليج في سوق النفط خاصة والسوق الدولية عامة.
ان عصابات وبؤر المعارضة السورية، بمن فيها اليسار المزيف والعميل، تتجنب تماما الحديث عن دور النفط والغاز المكتشف في شرقي المتوسط في تفجير المعركة في سوريا. ولكن هذا لا يخفي ابدا ان هذه العصابات والبؤر، العسكرية والسياسية والاعلامية و"الثقافية"، هي غارقة حتى الاختناق في الاموال النفطية الخليجية، ومن ثم فإن كل معاركها الاعلامية والسياسية والعسكرية ليست سوى معارك في خدمة الامبريالية والصهيوينة والعثمانية الجديدة والكارتيلات النفطية لاجل السيطرة على ثروات النفط والغاز في شرقي المتوسط. .
5 ـ ان الستراتيجية العالمية، الاستعمارية والامبريالية القديمة والجديدة، تتمحور حول نزعة مركزية هي ضرب روسيا وغزوها والسيطرة عليها واستعمارها ونهبها، نظرا للثروات الطبيعية غير المحدودة التي تمتلكها روسيا. وهذه النزعة اللصوصية الاستعمارية تضرب بجذورها لايام مملكة الخزر اليهودية على بحر قزوين في القرن السابع، وهي المملكة التي كانت "تعيش" على غزو وسلب ونهب وسبي البلغار القدماء والقبائل الروسية القديمة قبل تنصرها. وقد قضت تلك المملكة اليهودية المشؤومة على دولة البلغار القدماء (بلغار الفولغا) التي كانت دولة مسلمة بدون اتصال جغرافي مع الامبرااطورية العربية الاسلامية في زمانها. وكانت الدولة البلغارية المسلمة قد استنجدت بالخلافة العباسية في بغداد لنجدتها ضد الغزاة اليهود الخزر، ولكن الخلافة لم تنجدها سوى ببعثة من معلمي اللغة العربية والقرآن الكريم (راجع كتاب "رسالة احمد بن فضلان" الصادر عن وزارة الثقافة السورية). ولا يزال بقايا بلغار الفولغا القدماء يعيشون في جمهورية تتارستان ذات الحكم الذاتي في روسيا. وهم لا زالوا يعتنقون الديانة الاسلامية السمحاء الى اليوم. اما الروس فبعد ان بدأوا يتنصرون على المذهب الشرقي الارثوذكسي (دون الالتحاق ببيزنطية) ثم شكلوا دولتهم في اواسط القرن العاشر، فإن اول "عمل دولة" قاموا به هو تدمير مملكة الخزر اليهودية اللصوصية الغازية (في السنوات 943 ـ 970م). واليوم فإن الامبريالية العالمية، وعلى رأسها الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية، ترى ان حل ازمتها العامة المالية والاقتصادية المستعصية لا يمكن ان يكون الا بغزو روسيا واستعمارها ونهب خيراتها غير المحدودة. ولكن اميركا وتركيا واسرائيل والحلف الاطلسي والدول الغربية كلها تعرف تماما، من تجربة الحرب العالميبة الثانية والحرب الكورية والحرب الفيتنامية وغيرها، ان روسيا "لا تمزح" في مسألة الحرب والسلم. وقد صرح المسؤولون الروس اكثر من مرة ان روسيا لن تنتظر الضربة النووية الاولى لترد على العدوان، كما جرى في مطلع الحرب العالمية الثانية بسبب خيانة ستالين الذي كان حليفا سريا لهتلر وتحول فيما بعد الى حليف لروزفلت وتشرشل. فاذا ما تحرك اصبع ضد روسيا فإن جهنم الصاروخية ـ النووية ستفتح ابوابها على مصاريعها ضد اي دولة معتدية وستمحى من الوجود، وعلى رأسها اميركا. وفي هذه الظروف الدولية المعقدة، فإن الكتلة المالية للدول النفطية العربية الاسلامية، وعلى رأسها السعودية، التي ترتبط بها مختلف فصائل "الجيش الاسلامي!!! العالمي" وتضعه في تصرف الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية، ارتأت ان تستغل الظروف الراهنة، وان تقدم للامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية خدمة سد العجز الاميركي ـ الصهيوني ـ الاطلسي عن مهاجمة روسيا مباشرة، وتكليف "الجيش الاسلامي!!! العالمي" بالقيام بهذه المهمة، من ضمن منطق "صراع الحضارات" الهنتنغتوني. وتطمح الكتلة المالية العربية الاسلامية من وراء ذلك الى تعزيز مكانتها لدى الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية، من اجل اشراكها مستقبلا في استثمار النفط والغاز في شرقي البحر المتوسط. وقد انضمت تركيا الى هذا المخطط، نظرا لموقعها الستراتيجي و"تاريخها العريق" في مواجهة روسيا، وحتى لا تفوتها المشاركة في "الوليمة". وهذا ما يفسر التوجه المكثف لعصابات "الجيش الاسلامي!!! العالمي" لضرب سوريا، والدور المركزي لتركيا في هذه العملية. ومن خلال المعطيات القائمة على الارض يمكن الاستنتاج ان هذه الخطة الجهنمية تقضي بسيطرة "الجيش الاسلامي!!! العالمي" على سوريا وتحويلها الى امارة او مجموعة امارات "اسلامية!!!"، بالاستناد الى تركيا، من جهة، والى الاردن ، من جهة اخرى، وتحويلها الى قاعدة انطلاق، اعلاميا وسياسيا وعسكريا، لمهاجمة حزب الله وحلفائه في لبنان بالتعاون مع اسرائيل اذا لزم الامر، ومن ثم التفرغ للمهمة الاكبر وهي مهمة "اعلان الجهاد!!!" ضد روسيا عن طريق تحريك واستغلال الخلايا "الاسلامية!!!" النائمة في روسيا، ومن ثم البدء بشن هجوم "اسلامي!!!" ستراتيجي واسع ضد روسيا، انطلاقا من تركيا. وفي هذا الصدد كتبت الجريدة الالكترونية الروسية "نيزافيسيمايا غازيتا" ما مفاده ان العصابات "الاسلامية!!!" في سوريا تتداول فيما بينها شعارا يقول "اليوم سوريا وغدا روسيا". وفي حال فشل عصابات "الجيش الاسلامي!!! العالمي" في تمزيق الجيش الوطني السوري وتحطيم الارادة الوطنية للشعب السوري، فإنها ـ اي هذه العصابات واسيادها ـ يأملون في الحصول على تسوية سياسية يتم فيها الاعتراف بشرعية هذه العصابات وان يكون لها دور بارز في حكم سوريا لاحقا. ولكنها اضغاث احلام ان يعتقد احد انه يمكن التوصل الى تسوية في سوريا بدون ضمانات بأن يد الارهاب لن تمتد بعد اليوم الى روسيا. ففي حال حدوث مثل هذه التسوية في صالح العصابات "الاسلامية!!!"، فإن الهجوم على روسيا سيبدأ من تركيا. وكما في ايام الامبراطورية العثمانية، سيكون "حطب موقدة" الحرب على روسيا الشبان العرب المضللين، اما القادة فسيكونون باشاوات بني عثمان بالتعاون مع خبراء المخابرات الاميركية والاسرائيلية. ان اصحاب هذا المخطط يعتقدون ان روسيا هي كتلة سلبية عمياء وألعوبة يلعبون بها كما يشاؤون. ولكنهم يخطئون تماما اذا ظنوا ان روسيا ستسمح بعد اليوم باعادة تفجير المسألة الدينية ولاتنية في روسيا، والعودة الى مسلسل خطف وقتل اطفال المدارس والمرضى في المستشفيات والسكان الآمنين في بلوكات السكن والمطارات ومحطات القطارات ومترو الانفاق والمسارح. ان الوقائع على الارض تقول ان سيناريو "الجيش العالمي الاسلامي!!!" يواجه بسيناريو آخر مضاد قوامه: تحويل سوريا الى فخ حقيقي لاستدراج وسحق عصابات "الجيش الاسلامي!!! العالمي". وان "الجيش الاسلامي!!! العالمي" واسياده هم الذين بدأوا الحرب في سوريا وضدها، ولكنهم ليسوا هم من سينهي هذه الحرب. والكلمة الاخيرة ستكون لروسيا. وردا على شعار "اليوم سوريا وغدا روسيا"، بدأ يأخذ مجراه في العمل شعار مضاد هو "اليوم في سوريا، وغدا في تركيا"، و"في السعودية"، و"في مصر"، و"في كوسوفو"، و"في اسرائيل"!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحتمية التاريخية لانتصار النظام العبودي لروما
- انتصار روما على قرطاجة: انتصار للنظام العبودي -الغربي- على ا ...
- ظهور المسيحية الشرقية كظاهرة نضالية ضد الاستعمار والاستغلال ...
- معركة سوريا تتجه نحو الحسم في اتجاه واحد: تحطيم المؤامرة وسح ...
- قبل ان يرتفع العلم التركي فوق قلعة حلب...
- الاسباب الذاتية لهزيمة قرطاجة
- طبيعة الانتصار الروماني على قرطاجة
- تدمير قرطاجة والسقوط العظيم للمشاعية البدائية
- قرطاجة والطور الاخير للنظام المشاعي البدائي
- فلاديمير بوتين: قيصر شعبي عظيم لروسيا العظمى
- مسؤولية الغرب الاستعماري عن المجازر التركية ضد الارمن
- الكتل المالية العالمية المتصارعة في الغرب تصطدم برأسمالية ال ...
- الضرورة التاريخية لوجود حركة نقابية تعاونية جديدة في لبنان
- روسيا هي العدو التاريخي الاول لليهودية اليوضاسية
- بطريرك كل المسيحيين وكل العرب
- -المسيحية العربية- حجر الاساس للوجود الحضاري للامة العربية
- المسيحية قبل وبعد ميلاد السيد المسيح
- -الفوضى البناءة- ردة اميركية رجعية على هزيمة اسرائيل في حرب ...
- الحرب -الاسلامية!- الاميركية ضد سورية والنفط والغاز في شرقي ...
- معركة سوريا... مشروع افغانستان معكوسة، او الفخ الروسي للعصاب ...


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - اليوم سوريا وغدا روسيا!