احمد عارف الكفارنة
الحوار المتمدن-العدد: 1195 - 2005 / 5 / 12 - 12:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تقتضى طريقة الحكم البرلمانى الديمقراطى وتقاليدة اما تشكيل الحكومة من اغلبية فى المجلس النيابى او قيام اتفاق على اجندة معينة بين الرئيس المكلف وبين البرلمان بهذا الشان, حيث تصبح الحكومة متغيرا تابعا. وبذلك تكون الهيئة الناخبة هى مصدر السلطة.وتاسيسا على ذلك يمكن القول ان مهمة اختيار رئيس الوزراء هى من مهام مجلس النواب المنتخب ديمقراطيا,وهذا لايتعارض مع صلاحيات جلالة الملك المادة (35) من الدستور بان يكلف زعيم الاغلبية فى البرلمان بتشكيل الحكومة.وفى هذة الحالة يمكن القول ان حكومة تشكلت وفق معايير ديمقراطية كهذة سوف تحمل تفويضا شعبيا لاتخاذ اى قرار دون اى حساب الا لتحقيق البرنامج الذى جاءت من اجلة .غير ان الملاحظ على تشكيل الحكومات فى الاردن حتى الان انها تخضع لاعتبارات متغيرة تبعا لتطورات وظروف تمليها الاوضاع سواء داخلية ا وخارجية. كما لاتزال مسالة دخول بعض الوزراء محسومة سلفا وهى ليست فى جعبة الرئيس المكلف اصلا,حيث لاتزال شخصية ريئس الوزراء فى الاردن شخصية بروتوكولية تذهب وتاتى تبعا للرغبة الملكية, مما يجعلة يّعول على بقاءة فى الحكم دعم جلالة الملك لة ومن هنا فهو يعتمد على مواجهة اية عقبات تواجههة على مؤسسة القصر التى تحاول تذليل الصعاب امامة وخاصة فى مسالة نيل الثقة.فبالرغم من مرورخمسة عشرا عاما على اطلاق التجربة الحزبية ووجود اكثر من ثلاثين حزبا سياسيا لازالت هذة التجربة عقيمة سياسيا بسبب عدم الجدية فى تعامل الحكومات السابقة مع قضايالا زالت تراوح مكانها علما ان الوطن بامس الحاجة اليها رغم تغييرالحكومات,علما ان الاردن يعتبر من اكثر دول العالم فى عدد حكوماتة و من المتعارف علية ان تعدد الحكومات يعنى وجود ازمات داخلية او خارجية.
وتأسيسا على ذلك يمكن القول ان اخفاق الحكومات السابقة في مشروع الاصلاح من خلال عدم الجدية في التعامل مع االبرامج العريضة الواضحة مثل التنمية السياسية والاقتصادية ,الحريات العامة و القوانين الناظمة للعمل السياسي , اثار استياء الخارج ممثلا بالمنظمات الدولية الناشطة في مجال حقوق الانسان والديمقراطية بالاضافة الى مؤسسات المجتمع المدني في الداخل التي شكلت مصدا وصداعا دائم للحكومة , ناهيك عن الفجوةالتىاتسعت بين اعضاء السلطة التشريعية انفسهم على ضوء الانتخابات الاخيرة التى جرت فى مجلس النواب بالاضافة الى التوتر الدائم مع السلطة التنفيذية التى تمتعت بقدر واسع من الصلاحيات والمناورة فى تمريرها العديد من القوانين المؤقتة مقابل ما وفرتة من امتيازات للسلطة التشريعية , هذا من ناحية الاوضاع الداخلية. اما الاوضاع الخارجية يبدو ان الوفد الاردني الذي زار الولايات المتحدة مؤخرا قد التقط اشارات كافية فيما يتعلق بموضوع الاصلاح السياسي والانفتاح الديمقراطي وقد راى وسمع ماتظمنته وسائل الاعلام الغربية من حملات في الصحافة والتلفزة من النقد الواضح من غياب الاصلاحات في الاردن ولعل اوضح مثال الهجوم الذي شنه الكاتب الامريكي جيم هوغلاند في الواشنطن بوست , حتى ان الامر وصل الى تصوير الاردن بانها دولة منتجة للعنف .ومما عزز ذلك تصريح وزيرة الخارجية الامريكية السيدة كوندليزا رايس حين وجهت انتقاد علني للاردن حول"اسلوب تاليف الحكومات في الاردن وصلاحية الملك في حل مجلس النواب الذي ينتخبه الشعب "وهي اشارة كافية بان الولايات المتحدة الامريكية تعني ما تقول بانها لن توفر احدا من الانتقاد حتى وان كان من اقرب حلفائها .
اذن يمكن القول ان مجمل هذه العوامل وبعض الهّنات التى اصابت العلاقات الاردنية-العربيةهى وراء الاسراع فى تشكيل حكومة جديدة برئاسة د.عدنان بدران والتي تجاوزت المالوف فى اليات العرف الدستوري في التشكيل في واقع الامر, لتحمل هذة الحكومةعلى كاهلها ملف الاصلاح السياسي وما يرافق ذلك من استحقاقات هذه المرحلة بالاضافة الى الدور المحورى الجديد للاردن على ضوء المستجدات فى منطقة الشرق الاوسط, حيث يتطلب هذا الدور ان يكون الاردن قد قطع شوطا كافيا من التأهيل في التمرين الديمقراطي وان يكون الاردن صاحب خطاب اصلاحي حقيقي, ولا سيما ان العاصمة الاردنية قد تبنت اصدار تقرير التنمية الانسانية العربية لعام 2004 والذي يحمل عنوان" نحو الحرية في الوطن العربي" لذلك جاءت هذه الحكومة تحمل عنوان حكومة الاصلاح والترميم. غير ان المتمعن في توليفة هذه الحكومة يرى انها تحمل في ثنا ياها لغزا يصعب تفكيكه( رغم انها خليط من الاكاديميين والليبراليين والتكنوقراط) فللوهلة الاولى يكتشف المتمعن في تشكيلة الحكومة هذة ان هنالك فريقين فريق اصلاحي يقوده الوزير باسم عوض الله الذى استقال قبل عدة اشهر من حكومة السيد فيصل الفايزوالذي عاد كاقوى اللاعبين الاساسيين فى الحكومة الجديدة ومعه فريق وزاري مساند( فريق المحور الاقتصادى) يتكون من وزارات التخطيط ,الاتصلات ,التجارة, ومراقبة اداء الحكومة , اما الفريق الثانى فى تشكيلة الحكومة هذة فهو فريق الوزير هشام التل والذي يعتبر من صقور المحافظين والذي تسلم مهمة نائب رئيس الوزراء بالاضافة الى حقيبة التنمية السياسية والغريب في الامر ان هذا الوزير مسؤول عن العديد من التشريعات المناوئة للاحزاب والحياة الديمقراطية التي اثارت عاصفة من الاعتراضات فىالداخل والخارج , ناهيك عن بعض المناقلات لبعض الوزراء من وزارة لاخرى من بقايا الوزارة السابقة حيث استمرفى الوزارة الجديدة احدى عشرا وزيرا من الحكومة السابقة .وما ان اعلنت تشكيلة الحكومة فى اول يوم حتى علقت في مربع ازمة (32) والذي ارتفع لاحقا الى رقم(42) لمجموعة نواب الجنوب والبادية الذين اعلنوا انهم بصدد حجب الثقة عن الحكومة بلغة قاسية وغير مسبوقة بالخطاب النيابى الاردنى والذي صدر بعبارات مطاطية ومبهمة وباسلوب متشنج يفهم منة ان هناك لوائح مقدسة في تشكيل اى حكومة اردنية منذ عهدالامارة لا يمكن تجاهلها ويفهم من ذلك ان المطلوب من الحكومةالحالية ان تقوم بتوزيع الوزارات بطريقة المحاصصة الجغرافية والطائفية وهذة الدعوة تعنى تفويض العشائرية لبناء الدولة الحديثة وهذه ظاهرة جديدة فى مجتمعنا الاردنى يراد بها وضع العصى فى دولاب عجلة التطوير لدى المشروع السياسي الحديث الذي يقوده جلالة الملك عبد الله الثاني من اجل تحديث وتطوير الاردن . وبالرغم من تدارك هذه المجموعة للخطأ الذي وقعت فية و اعلنته من خلال بيانها غير انها عادت مسلطةالاضواء على ان نقطة الخلاف هى حول مسألة تجاوز البرلمان في تشكيل الحكومة. ويبدو لي ان هذه الاشارة جاءت على لسان رئيس مجلس النواب السيد عبد الهادي المجالي في خطابه امام جلالة الملك وهو يتحدث نيابة عن النواب الذين هددو بحجب الثقة من خلال قوله"ان هنالك خللا واضحا من خلال تشكيل الحكومة, وهو خلل لا بد من اصلاحه" وكم كنا نتمنى على رئيس مجلس النواب ان يكون خلافه هو والنواب المعترضين مع الحكومة حول مسألة اصلاحية او برنامج سياسي او اقتصادي لا ان يفتح مطالب جهوية تطالب النظام السياسى .بالمحاصصة الجغرافية او الطائفية . اما احزاب الوسط او فيما تسمى نفسها الاحزاب الوطنية وهى احزاب الحمولة الزائدة فى عربة الاحزاب السياسية الاردنية فقد ابدت اعتراضها على تشكيلة الحكومة مدعية انها لاتتناغم مع مبداء الاصلاح السياسى الذى يركز على التداول السلمى للسلطة والشراكة الحقيقية ,مطالبين الحكو مة بكوتا على غرار الكوتا النسائية!
اما احزاب المعارضة رغم اعتراضها على تشكيلة الحكومات بشكل عام, فقد اعتبرت ان حكومة د. عدنان بدران حكومة تهدئة داخلية وكانت هنالك مطالب هى فى الواقع القضايا الوطنية المطروحة على لجنة الاجندة الوطنية والتى من المتوقع استصدارها خلال شهر ايلول القادم ( والتى نامل ان يكون هنالك دور لكافة القوى السياسية والمفكرين من ابناء الوطن فى المناقشة والمشاركة فيها) وقد ارتات هذة الاحزاب اعطاء الفرصة للحكومة الجديدة لمعاجة الاختلالات الناجمة عن اجتهاد الحكومة السابقة. خلاصة القول ان قراءة تشكيلة الحكومة الجديدة تشير الى ان هذة الحكومة هى حكومة اداء تنفيذى وهذا هو المطلوب فى الوقت الراهن حيث يلاحظ ان الدور الاساس فيها لوزارة البلاط التى تقود الحوارات مع مختلف التكتلات السياسية و ان هنالك تيار يتدثر بالموالاة يتكون من مجموعة من النواب والاحزاب الوسطية هو فى الواقع التيار الذى يعيق و يعرقل التوجة نحو الاصلاح,وانة يمكن القول ان هذة الحكومة تحمل رؤى ملكية اصلاحية داخلية واهمها بناء علاقات متوازنة مع القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى من خلال تعديل القوانين التى ستكون مفاصل وشواخص للعمل الوطنى الاردنى فى المرحلة القادمة, والتركيز على محاربة البطالة والفقر من خلال تقديم المزيد من الحلول بهدف تسريع وتيرة الاصلاح الداخلىوتعظيم الانجاز و هذةلا تحتاج سوى الى اليات لتنفبذها ونحن اذ نطالب البعض ان يرتفع الى مستوى مسؤولية الهم الوطنى الذى يحملة جلالة الملك وذلك بدعم هذة الحكومة فى المرحلة الحالية لتحقيق هذة الرؤى الجادة وهى رؤى اعتقد جازما اذا ما تحققت يكون الاردن قد حقق بالفعل مرحلة الانتقال الى التحول الديمقراطى الحقيقى نصا وممارسة.
#احمد_عارف_الكفارنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟