عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4173 - 2013 / 8 / 3 - 21:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التجربة الإسلامية الحاكمة _ نماذج ورؤى _ ج2
إن نظرة سريعة وتحليلية لنماذج ممن تدعي إسلامية الحكم في الوقت الحاضر كتجارب مميزة لا نجد إلا ثلاث تجارب حقيقية تمكنت من فرض رؤيتها بوسائل وأساليب كثيرة وأنتجت معها فقه وثقافة سياسية تنازع من اجل فرضها على بقية المجتمعات وهذه النماذج الثلاث حسب تسلسلها التأريخي , هي الخلافة العثمانية , ونظام الحكم السعودي وولاية الفقيه الإيرانية , كلها اتخذت من القرآن الكريم شعارا واطارا دستوريا مؤسساتي بمعنى أن أحكامها بالضرورة السياسية يجب أن تبنى عليه وبالتالي يمكننا فهم التجربة هذه أو تلك من خلال علاقتها بالقرآن الكريم أو بالتراث الإسلامي عموما لنرى مقدار مشروعيتها وحقيقة مشروعها السياسي.
الخلافة العثمانية قامت تحت ظل ودعوة الإسلام وجسدت بتأريخها الطويل إلى عهد الدستور العثماني كونها دولة دينية يحكمها كدستور القرآن الكريم , وهي تمثل من وجهة نظر سياسية التيار الإسلامي المحافظ أو لنقل اليمين الإسلامي المحافظ الذي أستند بمشروعيته على السنة النبوية وتخريجاتها التي أسست لمفهوم مشروعية الغلبة والقوة في تأسيس وممارسة حق السلطة وبالتالي فإن شرعنة وجودها أساسا لم يستمد من نص القرآن الجلي ولكن من منظومة الحديث سواء أكان حقيقيا أو مفتعلا وما لقب أمير المؤمنين الذي كان يطلق على الخليفة العثماني إلا نتيجة تطبيق اشتراطات الفكر المحافظ ونظريته السياسية التي ضربت بمفهوم الولاية والامامة والشورى عرض الحائط لتركن إلى مفهوم الغلبة والقوة وهي بذلك لم تستند إلى قاعدة قانونية قرآنية صحيحة.
من نفس القاعدة التي أمنت بها المدرسة المحافظة في تولية الخلافة كانت هناك مشروطية أعتبارية بررت منذ الأول لحكم الأمويين والعباسيين وبنفس المشروطية استخدمت ضد الهاشمين ألا وهي عدم مشروعية أي خليفة للمسلمين ما لم يكن قرشيا وهذا الشرط لم يتم التخلي عنه ولم يهمل , ولقد أسست المدرسة اليمينية المحافظة جوهر فكرتها عن أحقية قريش بالخلافة دونها سواها حتى لو كان الخليفة مؤهلا عقائديا أو لم يكن أصلا يتمتع بشي من تلك المؤهلات ولكن الاشتراط الرئيسي هو كونه قرشيا , وبالعودة إلى مشروعية الدولة العثمانية كدولة خلافة أنها تفتقد لهذا الشرط وبالتالي فأساسها الديني أساس خالي إلا من الاصطفاف مع التراث السياسي المتأسلم والمتناقض معه ولكنه في ذات الوقت يتخذ من هذا التراث قاعدته الفكرية الأساسية وهنا نجد أن الخلافة العثمانية هي ملكية أرستقراطية عائلية بثوب ديني وليست دولة خلافة أصلا.
النموذج الأخر هو النظام الملكي السعودي والذي يمتاز عن نظام الخلافة العثمانية بعدة خصائص منها أنه وموقعه الجغرافي الذي يضم منشأ وأصل الدين الإسلامي وهي جزيرة العرب بما فيها مدينتي مكة المكرمة ومدينة رسول الله المنورة والتي أتخذهما واجهة حقيقية لتمثل تصوره الخاص للدولة الإسلامية مع احتضان لتيار أصولي متشدد يمثل جوهر وروح الفكر الأموي القريشي بأعتى صوره , متزمتا بالفروع التفصيلية وموسع بدائرة الأقلي في المحددات والأحكام ليضيق من مساحة المحللات والمباحات مدعيا أن الضوابط الشرعية تمنحه الحق في التعديل والتغير ومستند إلى كونية أنه لا زال يتمسك بكون القرآن هو الدستور ولم يتخذ لحد لأن دستور مكتوب ومقنن ومحدد بتجرد.
هذا النموذج السياسي والفكري لم ينجح هو الأخر في تمثيل منهجية الدولة الإسلامية كفكرة ونظرية وإن أعطى لنفسه المسمى دون الجوهر , فهو أعلن ومنذ البدء أنه نظامه ملكي وراثي محصور في عائلة أل سعود وبالتالي فهو جرد الدولة من هويتها الإسلامية بهذه الحصرية التي عزلت مفهوم خصيصة الدولة الإسلامية والتي يتبع هو أسسها التقليدية من السنة لا من الكتاب والتي كما بينا سابقا أنها تقوم على ركني شخصي يتمثل بقرشية الحاكم من جهة, ومن ركن ترتيبي كوسيلة الوصول للمشروعية والتي تتمثل بالشورى والانتخاب من أهل الحل والأمر طريقا طبيعيا يأتي في المقدمة ثم طريق الغلبة والاستيلاء القسري وكلاهما لا يؤمن بها الفكر الذي أسس المشروع السعودي كمشروعية للحاكم المسلم.
إذن لتجربة والنموذج السعودي وإن أتخذ من الاسم شعارا للنظام والتكوينة السياسية إلا أنه بالحقيقية يمثل نموذج يبتعد كثيرا وكثيرا جدا عن مفهوم الدولة الدينية وحتى عند أكثر النظريات المحافظة تساهلا في تنظيم وإسباغ هذه الصفة , ولا يعدو أن يكون تقليدا حقيقيا لمجتمع مكة القديم ما قبل الإسلام بما يتمثل فيه من استحواذ على كل شيء في حركة الدولة من رعاية الكعبة إلى سقاية الناس وعمارة البيت العتيق وانتهاء باحتكار التجارة ولقوافل كل ذلك دون أن يخضع الحاكم وأسرته لأي محاسبة أو مسائلة قانونية وإن كل ما يجري وينظم حركة المجتمع يؤخذ في دار الندوة التي هي مجلس كبار العائلة , أما الشعب كمصطلح سياسي أو الرعية كمصطلح شرعي فليس لهم على السلطان السعودي أي حق لأنه المخول من سدنة وألهه الكعبة التي يمثلها مجلس كبار علماء المذهب الوهابي الذين يتم تعينيهم وترتيبهم وحتى تعين إمام الحرمين بمرسوم ملكي.
هنا نجزم أن النموذج الأول والثاني لا يمثلان ولا يمتثلان لأبسط أسس الدولة الإسلامية ولا ينتميان لها بل مجرد افتراض تعلق بتسمية التجربة دون أن يكون للاسم دور في صياغة وتركيب اطار هاتين التجربتين ,كما أنهما لم يستطيعا أيضا التطور ومسايرة حركة المجتمع وخاصة في الجانب الفكري فقد بقيتا محافظتين على نفس الروحية والمنهج الفكري الذي نشأتها عليه, ولكن عندما حاولت الخلافة العثمانية مسايرة التطور واتخذت لها دستورا مكتوبا وتخلت عن كونية القرآن كدستور دائم وجدت نفسها أمام طريق الانهيار الحتمي , وهذا ليس بسبب تخليها عن القرآن كما يفهم البعض ولكن لأن الاحتكام لقانون مكتوب ومبين فيه الحقوق والواجبات يتناقض كليا وتفصيليا مع الأساس الذي قامت عليه دولة الخلافة العثمانية.
لقد قام الإسلام أساسا كفكرة على مبدأ الحقوق والواجبات دون أن يترك للناس حرية التصرف حسب ما تمليه الأهواء والظروف كما يعتقد الكثيرون من دعاة الدولة الدينية فمثلا من النصوص الحاكمة التي تبين اهمية التحديد هذا {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15, هذا النص يحتوي على ثلاث مبادي سياسية في الفكر السياسي والدستوري المعاصر وهي مبدأ الحرية المنضبطة في الاعتقاد والإيمان والثاني مبدأ المسئولية الشخصية عن الأعمال الفردية والمبدأ الثالث هو التقنين أولا قبل التقييد أي مبدأ لا سلطة مشروعة دون نص مشروع , والمبادئ الثلاثة تتعلق بتنظيم مفهوم الحرية القائمة على التناظر بين الحقوق والواجبات وربطهما باطار قانوني وهذا ما لم نجده في شكلية وجوهرية النموذج الثاني الذي تناولناه بشكل واضح وجلي , حيث أن إرادة الملك فوق إرادة المجتمع ككل.
بقيت أمامنا لتجربة الثالث ولنموذج الذي لا زال يتفاعل ويدافع عن مشروعيته من خلال تبني ايدلوجية فكرية تعتمد في جوهرها على مبدأ مخالف بل ومناقض للتجربتين السابقتين من خلال تبني مفهوم الولاية وليست محاكاة لعنوان الخلافة والبيعة كما في النموذجين السابقين , حيث تنطلق ولاية الفقيه من فكرة طاعة الولي لشرعي القادر على بسط أحكام الإسلام والاستدلال عليها من مواردها الأصلية وبالتالي يتم تحصين المسلم من الوقوع في طغيان السلطان لو خرج عن أسس إيمانه , أي أن مبدأ ولاية الفقيه يقوم على حرية الإنتماء للرسالة من خلا تصدي أكثر من يحمل تأييدا من المسلمين ليكون هو الرابط الاجتماعي وصاحب المشروعية في التصدي للدستورية الناطقة , إنها وجه من أوجه الديمقراطية بالمعنى لذي تجلت فيه الفكرة دون أن نلتزم بالواقع العملي.
فكرة ولاية الفقيه لها جذورها النصية في لقرآن الكريم كما لها واقع في لسنة النبوية وهذا ليس من باب الترويج أو الدعاية ولكن من حيث جوهرها فإن الله أمر بطاعة الولي بالقدر الذي يكون قريبا من الله ومن الرسول بل ربط بينه وبين الرسول وان تفرق في مراد الطاعة فالنبي طاعته في إنذاره وإعذاره والولي طاعته في الهداية والمتابعة , ولا ينكر أحد مؤديات النص وتأويلاته إلا من خلال تحريف منى طاعة الولي ذاتها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59, لقد ربط الله بين طاعة الولي بعد رسول الله والذهاب إلى الفقه التشريعي في حالة الخلاف وبالتالي حتى الولي الحاكم إن لم يكن فقيها ملزما بموجب التشريع بإطاعة الولي الفقيه.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟