|
أحموسيسى
فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 4172 - 2013 / 8 / 2 - 21:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في فترة مظلمة من تاريخ مصر القديم ابتُليت مصر بحكم أجنبي حيث حكمها الهكسوس حوالي 100 عام وهي فترة في حساب التاريخ قصيرة. الهِكسوس هم قبائل بدوية من أصول آسيوية دخلت مصر في حوالي عام 1650 ق.م. من الشرق في فترة ضعفها خلال نهاية حكم الدولة الوسطى (نهاية حكم الأسرة الرابعة عشر). سيطر المهاجرون والمستوطنون الآسيويون "الهكسوس" الذين يعيشون في منطقة شرق الدلتا في بلدة زوان على المنطقة وأجبروا الحكومة المركزية على التراجع إلى طيبة، حيث كان يعامل الفرعون كتابع ويدفع لهم الجزية، وعينوا حُكاما تابعين لهم على أقاليم الشمال ليحكموا تحت سيطرتهم. قلد الهكسوس نماذج الحكم والحكومة المصرية ونصّبوا أنفسهم فراعنة. ويستدل على أصولهم السامية من أسماء معبوداتهم مثل بعل وعانة وعشتروت. الأصل اللغوي لكلمة "هكسوس" مُحرّف عن الكلمة المصرية القديمة المركَّبة: "حقاو - خاسوت"، بمعنى: (حكام البلاد الأجنبية). احتلوا بداية بلاد الشام ومنها جاءوا إلى مصر. ولم تكن إقامتهم فيها هادئة، بل قوبلت بكثير من الثورات والمقاومة الشعبية. لم تضف فترة احتلال الهكسوس إلى التاريخ المصري شيئاً يذكر، فقد كانت فترة سلب ونهب وتخريب. قدم الهكسوس لمصر بعض من التكنولوجيا الحربية التي كانت تستعملها الشعوب السامية من عربات تجرها الخيول والأقواس المركبة والفؤوس الخارقة والسيوف المنحنية. وكعادة الشعوب الصحراوية الهمجية هاجم الهكسوس أرض مصر بأعداد ضخمة، وقاموا بحرق المدن وتدمير المعابد وسبي النساء والأطفال. اتخذوا عاصمة لهم في شرق الدلتا أطلقوا عليها اسم "زوان" والتي كانت تعرف بأورايس ( صا الحجر)، وتركزت مملكتهم بشكل أساسي في الدلتا ومصر الوسطي, أما مصر العليا (في جنوب مصر) (طيبة) وبلاد النوبة، فكانتا تخضعان لحكم ملك طيبة. ومحرر مصر وطارد الهكسوس والآسيويين هو أحمس الأول مؤسس الأسرة الثامنة عشر-أعظم الأسر الحاكمة في مصر. حكم من 1550 ق.م. حتى 1525 ق.م. وهو ابن الملك سقنن رع تاعا الأول والملكة إياح حُتب، وأخو الملك كامُس، آخر ملوك الأسرة السابعة عشر. في سن العاشرة تولى أحمس المُلك والذي يعنى اسمه وُلِد القمر أي: الهلال. حكم بعد وفاة والده ووفاة أخيه في الحرب ضد الهكسوس. وعند توليه الحكم اتخذ الاسم الملكي نب -بحتي -رع. كان سقنن رع أول من بدأ بمهاجمة الهكسوس لمحاربتهم وخروجهم من مصر وقتل في إحدى معاركه معهم ثم استكمل ابنه كامُس الحرب حتى طهر الصعيد منهم وممن يواليهم ثم أكمل أحمس طرهم خارج البلاد. تولى احمس قيادة جيوشه في الـتاسع عشر من عمره, واستخدم بعض الأسلحة الحديثة مثل العجلات الحربية وانضم إلى الجيش كثير من شعب طيبة وكان رفبق دربه القائد المخضرم أحمُس بن إيانا الذى عاصر سقنن رع وحامُس وذهب بجيوشه إلى أواريس عاصمة الهكسوس وهزمهم هناك ثم لاحقهم إلى فلسطين وحاصرهم في حصن شاروهين عام 1580 ق.م. وفتت شملهم هناك حتى استسلموا ولم يظهر الهكسوس بعدها في التاريخ. بعد طرده للهكسوس من مصر عاد أحمُس ليهاجم بلاد النوبة لاستردادها مرة أخرى إلى المملكة المصرية التي وصلت حدودها جنوبا إلى ما بعد بلاد كوش شمال السودان جنوب الشلال الثاني، عاد إلى البلاد عام 1571 واتجه للإصلاح الداخلي مما جعل المؤرخون يعدونه مؤسس الدولة الحديثة، وبعد انتهاء أحمس من حروبه لطرد الأعداء وتأمينه لحدود مصر وجه اهتمامه إلى الشئون الداخلية التي كانت متدنية خلال فترة احتلال الهكسوس، فأصلح نظام الضرائب وأعاد فتح الطرق التجارية وأصلح القنوات المائية ونظام الريّ. كما قام بإعادة بناء المعابد التي تحطمت وأتخذ من طيبة عاصمة له، وكان آمون هو المعبود الرسمي في عصره. واستمر حكم أحمس مدة ربع قرن وتوفى وعمره تقريبا 35 عاما. تزوج أحمس من أحمس-نفرتاري التي أصبحت أول زوجة لآلة آمون وأنجبت له ثلاثة أبناء أحدهم هو خليفته أمنحُتب الأول، وقد توفى الأول والثاني في سن صغير، وأربعة بنات هن مريت آمون وسات آمون وإياح حتب وست كامُس. يعتقد ان لأحمس مقبرتان أحدهما في أبيدوس وتتكون من معبد منحدر ومقبرة جنائزية وبقايا هرم اكتشفت عام 1899، وعُرف أنه هرمه عام 1902 ومعبد للهرم, والأخرى في طيبة وقد تعرضت للنهب بواسطة اللصوص. وقد اكتشفت مومياؤه عام 1881 في خبيئة الدير البحري مع مومياوات بعض من ملوك الأسر الثامنة عشر والتاسعة عشر والواحد والعشرون، وتم التعرف على مومياؤه في 9 يونية عام 1886 بواسطة جاستون ماسبيرو، وكان طول المومياء 1.63 سم ولها وجه صغير نسبيا بالقياس مع حجم الصدر. وفى نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحالي ابتليت مصر بفترة ضعف عارضة نتيجة الحكم الديكتاتوري القمعي وانتشار الفساد والاستغلال وسيطرة رجال الأعمال المنحرفون على الحكم والمحاولات الدؤوبة للتوريث مما مكن القوى الأجنبية متمثلة في الاستعمار الأمريكي متحالفا مع دول البترودولار (قطر والسعودية) مستخدمين التكنولوجيا الحديثة وثورة الاتصالات بتكوين مجموعات منحرفة حرضت على قيام ثورة مفتعلة في 25 يناير 2012 أطلقوا عليها ثورة اللوتس أو الربيع العربي والذي كان في حقيقته خريفا عربيا بكل المقاييس. هذه النكسة الجديدة أدت لسيطرة الجماعة المحظورة على الحكم ومن ثم محاولاتهم السريعة لأخونة كل مرافق الدولة وإقصاء كل القوى اللبرالية والوطنية، إضافة لفشلهم الزريع وجهلهم الواضح وعدم قدرتهم على تسيير دولاب الحكم. فشل في كل الاتجاهات اقتصاديا وسياسيا، فشل في تسيير دفة الحكم داخليا وخارجيا مما وصل بنا إلى حافة الإفلاس الاقتصادي والانحدار في السياسة الدولية واستخفاف العالم بنا. عمّت البلاد الفوضى والتظاهرات المستمرة التي رافقها قتل العديد من الشباب الواعد شهداء بلا ذنب جنوه, وتوقفت عجلة الإنتاج , وعانى الشعب من انقطاع التيار الكهربائي وانعدام وجود الوقود. فكان لابد من تصحيح الوضع حتى تعود لنا مصر كما كانت حضارية مدنية رائدة. صرنا نحلم بعد هذه الفوضى العارمة بأن يمنّ الله علنا بأحمُس جديد يقود البلاد إلى الخلاص من حكم هكسوس العصر الحديث. وكأن التاريخ يعيد نفسه بنقس التفاصيل، فقد جاء الهكسوس من الشرق وأقاموا في شرق الدلتا (محافظة الشرقية), أيضا بدأت حركة الإخوان المسممة بقيادة الصهيوني المجهول الاسم والهوية والذي كلن في الأصل ساعاتي (مهنة إصلاح الساعات) كغيره من اليهود وأطلق على نفسه اسما إسلاميا (حسن) ولقبا مهنيا ماسونيا (البنا) وبدأ نشاطه شرقا من الإسماعيلية بتعضيد وتمويل من الاستعمار الإنجليزي. والغريب أيضا أن معظم قادة الإخوان حاليا معظمهم من أصل فلسطيني (هكسوسى) نزحوا إلى مصر وعاشوا بمحافظة الشرقية (مرسى والعوا والغرياني وقنديل) وكأننا عدنا فعلا لعصر الهكسوس. وكما أشاع الهكسوس الفوضى والنهب والسلب والسبي بلا ضمير كذلك كان الحال مع هكسوس العصر الحديث. وكما تحالف الهكسوس مع أعداء البلاد كذلك فعل هكسوس العصر الحديث وباعوا أجزاء من تراب الوطن وقبضوا الثمن مقدما وتآمروا على جيش مصر الباسل. وكما هب شعب مصر قديما للدفاع عن تراب وطنهم متحالفين مع قائد جيشهم أحمس كذلك هب شباب مصر الحديثة بالتحدي والتمرد وتفويض قائد جيشهم البطل أحمس العصر والأوان عبد الفتاح السيسي والذى نسميه الآن أحموسيسى.
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حركة ضباط يوليو 52
-
من 19إلى 13 وما بينهما:
-
فلسطين وجزاء سنمار:
-
الفرق بين الدين والقومية
-
فتحطين وحماسطين
-
تضافر الجهود فى إخراج فيلم خطف الجنود
-
صعيدى عتيد فى بلاد الجليد:
-
الهزيان وازدراء الأديان
-
البلاوى فى الفتاوى
-
النصب .. فن لا يقع فيه إلا المغفلين
-
ألقاب ورثناها وألقاب تداولناها
-
الحِلم بين الكتاب والشعراء والساسة
-
آدم يرُدّ عن نفسه أضطهاد المرأة
-
الأزمة وثقافة الجزمة
-
متاعب المرأة فى كل زمان
-
المرتب الطاير بين فقراير ومُرسيراير
-
وحشتونى
-
فى نتظار أحمس جديد لطرد هكسوس العصر
-
الهكسوس بين الماضى والحاضر
-
طرقات على جدار الذاكرة
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف
...
-
زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|