وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4171 - 2013 / 8 / 1 - 13:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين ) سورة ال عمران , اية 85
( من غير المعقول ان يظل الفكر الاسلامي غائب عما يجري في ساحات الفكر الديني الاخرى )- ا. فوزي البدوي
( 1 ) :
يكتب ا . فوزي البدوي في كتابه المعنون ( من وجوه الخلاف والاختلاف في الاسلام بين الامس واليوم) ,ط 1 , 2006 , دار المعرفة للنشر , تونس :
ان الاية ( 85) من ال عمران توحي بشكل واضح جدا بحجم العوائق والصعوبات التي تقف في وجه الفكر الاسلامي المعاصروهو يعيد التفكير في هذا الموضوع .
ان الفكر الاسلامي يجد نفسه بين مسلم محافظ يرفض الاستماع اليه وبين اخر ينظر اليه بعين الارتياب مادام ( كل حزب بما لديهم فرحون ) .سورة المؤمنون – 53
ان من غير المعقول ان يظل الفكر الاسلامي غائبا عما يجري في ساحات الفكر الديني الاخرى وبعيدا عما نلاحظه منذ سنوات عديدة داخل الفكر المسيحي من محاولات لاعادة النظر في دلالات الاديان غير المسيحيية وتقييمها اللاهوتي ( الثيولوجي )وخصوصا اعمال هانس كنغ وكارل راهنر وغيرهما كثير .
ان الباحث البدوي يدعو الى تجديد النظر في هذه القضايا وفق ماتدعو اليه شروط السياق التاريخي الجديد ومكتسبات العلوم الانسانية المعاصرة وكذلك اشعار المسلمين باهمية اعادة النظر في وضعية غير المسلمين الدينية من منظور كلامي وفقهي معاصرين ياخذ بكل الاسئلة التي تواجهه في المناهج التاريخية والفلسفية المتعلقة بالدين .
( 2 ) :
الاسلام وتعدد الاديان
لقد عاش المسلمون طيلة قرون طويلة في وضع المنتصر سياسيا وعسكريا وحضاريا , واعتبر هذا التفوق امرا طبيعيا ذو مصدر الهي . ثم يعتبر القران ان المسلمين :
( خير امة اخرجت للناس )- سورة ال عمران – اية 110
ان النهضة الاوربية قد احدثت في الوعي الاسلامي ارتجاجا كبيرا .هذا الارتجاج يفسر لنا لماذا جاءت كثير من الكتابات الفكرية والسياسية عن الغرب والمسيحية دالة على هذا الارتباك اكثر من اي شيء اخر .
ان اوربا الحديثة غير النصرانية التي عرفها العرب المسلمون في فترات تاريخية سابقة , وكيف يفهم المسلمون هذا التغيير وهم الذين لايملكون الا لغة مشحونة بدلالات مقدسة ومناهج صارت عاجزة عن فهم حقيقة ماحدث .على الباحث الاسلامي المعاصر ان ينفتح على اسئلة العصر الكبرى . وان يقبل بشجاعة باعادة النظر في مفاهيم لم تعد تعني شيئا اليوم في صورتها الكلاسيكية , مثل مفاهيم ( الذمة ) و ( الكفر )والايمان والاسلام . وقصر النجاة على المسلمين وحدهم . ان الواقع تجاوز هذه المفاهيم .
ان الامر ازداد تعقيدا وانحدارا في مهاوي الانغلاق بما يسميه بعضهم ب ( الجاهلية المعاصرة ) التي خرجت من كتابات سيد قطب حول الحاكمية والجاهلية . فامدت قطاعات واسعة من عوام المسلمين بفقه الدمار الشامل . زاده رسوخا مايروج اليوم من كتابات حول مفهوم ( الولاء والبراء ) والدفاع المستميت عن الشروط العمرية وكانها من اركان الدين , رغم انه يحيط بها الكثير من الغموض وحول صحة نسبتها الى عمر بن الخطاب وزمن تدوينها , ومراحله والاضافات التي لحقت باولى بنودها . وقد شك فيها القدماء انفسهم , خصوصا في اسانيدها .ان علم الكلام الاسلامي المعاصر يتطلب منه ان لايكتفي بالمحاججة والرد بل ان يكون كلامه ( كلام حواري )( اي ديالوج – حوار ثنائي )مع نفسه ومع الانساق الكلامية المخالفة . انه باختصار علم الكلام في عصر الحداثة .
ان المظهر الثاني من مظاهر السياق التاريخي الجديد هو حيوية الاديان الاخرى . ان المسلمين اليوم في العالم ليسوا الا جزءا من الانسانية , وانهم ليسوا الا كتلة متواضعة وسط الكتل الضخمة للبشرية . فالبوذية والهندوسية والاديان الاحيائية في افريقيا الى جانب المسيحية واليهودية وغيرهما لايمكن ان يبقى الفكر الاسلامي امامها متجاهلا . بل لابد ان تطرح عليه اسئلة حول دلالات بقاء هذه الاديان وانتشارها وحيويتها . هل يظل يعتبرها المسلمون مظاهر كفر وانحراف عن الدين الحق ؟ . هل يظل يعتقد ان هذه الاديان في النار ولا نجاة الا لفرقة واحدة فقط ؟ .
ان على الفكر الاسلامي ان يعيد النظر في هذه الامور مدركا ان هناك ملايين من البشر يتوجهون من خلال اديانهم الى اله قادر , خالق , يتوجهون اليه بقلوب سليمة وضمائر صادقة .
كما يجب الا نغفل عن تاثير وتحدي التيارات الالحادية . وتحدي
الوثنية الجديدة واللامبالاة الدينية .
هذه المظاهر تطرح اسئلة حقيقية لايكتفي معها التنديد او الحط منها او تجاهلها . وهو امر لم يقع فيه علم الكلام في الحقبة الكلاسيكية .
ان علم الكلام الاسلامي المعاصر عليه ان يواكب ماتعرضه الفلسفة الغربية والفكر المسيحي اليوم من نقاشات واسعة . وان ينفتح على النقد الجذري الذي وجهته الفلسفة الماركسية والفرويدية . لذا على المسلمين الكف عن النظر الى النقد الذي وجهه امثال نيتشة وهايدغر وفرويد وغيرهم باعتباره هذيانا وليس اسئلة تحتاج الى تدبر .
كما ان الفكر الاسلامي المعاصر مدعو الى اعادة الاعتبار الى مايسمى ب ( الجاهلية ) . فالجاهلية ترتبط في ضمير المسلمين بموقفا سلبيا . والتقييم الكلامي والفقهي لم يرتق الى البحث عن ( عبقرية الوثنية ) , كما يقول مارك اوجي باعتبار علاقتها الوثيقة بالتوحيد .
ان الدرس الاول الذي نتعلمه حول حيوية هذه الاديان التوحيدية وغيرها هو ضرورة التخلي عن روح الجدل الديني القديم والعقيم . اي الكف عن رؤية الاخرين كما نحب ان نراهم في ضلال . اي مسلمين بالقوة . فالخلاف من منظور كلامي اسلامي معاصر ليس من شروطه مطالبة كل البشر ان يكونوا مسلمين حسب المفهوم الديني الذي صاغه الفقهاء والمتكلمون قديما للاسلام . اي التحول من ( الفهم الاسلامي) للاسلام , واعادة الاعتبار الى (الفهم القراني )له . ان هذا المنطق قد لايستسيغه المسلمون المحافظون , لكنه يعتبر شرطا اساسيا لمواجهة اسئلة العصر الكبرى .
( 3 ) :
الاديان الاخرى وموقفها من الفكر الاسلامي الكلاسيكي
ان معظم من كتبوا عن الاديان الاخرى حكموا منذ البداية على ماكتبوا بالفشل , اذ حددوا الحقيقة واصحابها ضابطين بذلك دائرة الفكر بكيفية جعلت من لحظة ولادة ايمانهم لحظة موتها . فلقد ربطوا منذ البداية بين طرق المعرفة وضرورات فهم معين للايمان فظلوا بذلك اسرى دائرة تاويلية اعجزتهم عن الدفع بابحاثهم الى افاق ارحب .
اشار البعض الى حالة البؤس التي عليها الفكر الاسلامي المعاصر في سياق منزلته بين الاديان الاخرى , وموته السريري البطيء , وهزاله مقارنة مع حيوية الحقبة الاسلامية الكلاسيكية . لقد كان متكلموا الفترة الاسلامية الكلاسيكية مطلعين في غالبيتهم على كتب النصارى المقدسة وعلى تفاصيل الخصومات بين الفرق المسيحية في عصرهم . وحتى على اللغات المستعملة في تلك الكنائس .فكم عدد المسلمين اليوم الذين يتابعون في عصرنا تطور الحركة المسكونية وتيارات الفكر المسيحي المتعددة ؟ . ومن منهم وبالخصوص الذين يدعون عرض عقائد النصارى او مجادلتهم بالتي هي احسن , يؤمنون بحقائق وفسيفساء الكنائس المتواجدة في الاراضي والبلاد البعيدة ؟وما الذي يميز المسيحية الكاثوليكية والارثوذكسية والبروتستانتية بعضها عن بعض في تعاليمها وتنظيمها وطقوسها ؟ .
ان اراد الفكر الاسلامي ان يكون معاصرا فعليه ان يكون منفتحا وحواريا . اي يتخلى عن النظر الى الديانات الاخرى من خلال منطق الصواب والخطا . ويربط الصلة بمدرسة الكلام المسيحي واليهودي , وخصوصا مايشق المسيحية اليوم من تيارات مثل تيار الثيولوجيا ( اللاهوت ) الديالكتيكية البروتستانتية ممثلا في احد اقطاب الثيولوجيا المسيحية المعاصرة , ونعني به ( كارل بارت ) وكذلك ثيولوجيا الاتمام او التحقق . هذه الثيولوجيا ت تكشف عن العوائق والصعوبات وكذلك الامال والاخفاقات التي يعيشها الفكر المسيحي , وهو يعيد النظر في علاقته بالاديان الا خرى . وهي عوائق ليست خاصة بالفكر المسيحي فحسب .
( 4 ) :ان علم الكلام الاسلامي المعاصر مدعو الى مناقشة ما وصلت اليه الثيولوجية الديالكتيكية حينما اعتبرت الديانات كلها كفرا ووثنية , بما في ذلك المسيحية نفسها . يقول اللاهوتي بارت :
( انه في نظر الوحي الالهي فان الديانات كلها مظاهر للشرك والمسيحية لاتشذ عن ذلك) . ولكنه مع ذلك يرى في المسيحية الديانة الحقيقية والصحيحة الوحيدة , لانها الوحيدة التي تدرك الحكم الالهي . هذا الموقف لايفهم الا في اطار التضاد الذي يقيمه بارت بين الوحي والدين واعتباره الدين شكلا من اللادين .الدين بالنسبة لبارت هو حيلة الانسان المخطيء للسيطرة على الالام .
ان اقتصاره للخلاص على المسيحية سببه هو تصوراته عن ان المسيحية هي عهد النعمة . فالخطيئة قد شوهت الانسان بشكل جوهري , ولا خلاص الا بالوحي لا بالدين .
بيد ان نقاط الالتقاء تبدو اكثر تواترا بين ثيولوجيا التحقق او الاكتمال وبين علم كلام اسلامي منفتح . فهذه الثيولوجيا لاتحكم سلبيا على الاديان الاخرى كما تفعل الثيولوجيا الديالكتيتية بل هي تعترف بوجود قيم هامة في هذه الاديان وترى فيها نوعا من التحضير لتقبل الوحي المسيحي , ومظهرا من مظاهر نعمة المسيح وهو الخط الذي انخرط فيه المجمع الفاتيكاني الثاني ونصوصه المشهورة التي تتحدث عن هذه القيم التي تتفق مع العقيدة المسيحية وتتحدث عن التحضير الالهي .ان هذه الثيولوجيا تقدم دلائل واضحة للفكر الاسلامي على اهمية الخطوات التي قدمتها المسيحية في معالجتها لتعدد الديانات ودلالتها .ثم ان الاسلام بتاخره الزمني عن الديانتين اليهودية والمسيحية اجدر بالحديث عن القيم التي توجد فيهما وتجد اكتمالهما في الدين الاسلامي .
اليس هذا مايقوله القران نفسه ؟:
(الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى ) ( الاعلى : 18 – 19 ) .لقد حررت ثيولوجيا الاكتمال الفكر المسيحي وهي تتدبر تعدد الاديان وحيويتها من ثنائية الصح والخطا , وهو امر بالغ الاهمية في سياق الفكر الديني يجدر بالفكر الاسلامي ان يعيه حق الوعي مثلما نبه الى ذلك هنري دو لوباك عن حق ان هذه الثيولوجيا ( اقصائية ) لكنها متسعة , وضيقة ولكنها كريمة . فهي اقصائية وضيقة لانها وان تحررت من ثنائية الخطا والصواب فانها لم تتحرر من اعتبار الكنيسة من حيث هي ثمرة نعمة المسيح الملاذ الاخير والنهائي للخلاص , ولم تستطيع ان ترى في هذه الاديان دورا مستقلا للنجاة خارج اطار الكنيسة .
( 5 ) : الخاتمة
ان العقل الفقهي الاسلامي يحتاج الى رؤية نقدية كما فعل ذلك الفلاسفة الالمان وعلى راسهم هيغل في فلسفة الحق او القانون وتابعه فيه بعد ذلك ماركس وانجلز والذي تمت استعادته اليوم في صورة الانثروبولوجيا القانونية كما نرى مع( نوربار رولان ). والكشف عن الاليات التي ادت الى تقديس منظومات فقهية بشرية ورفعها الى مصاف الوحي الالهي فتتخذ بذلك صفة التعالي التي تناى عن كل نقد .ان المؤلف الباحث فوزي البدوي يدعو الى الشروع في نقد العقل الفقهي في الاسلام كخطوة اولى لبناء نظام فقهي او قانوني حديث .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟