|
شيوخ الظل
احمد عبدول
الحوار المتمدن-العدد: 4169 - 2013 / 7 / 30 - 23:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا ينفك شيوخنا ومعممونا عن التركيز على موضوعة مساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين وإعانة المعوزين ممن لا عهد لهم بالشبع ولا طمع لهم بالقرص أولئك الفقراء الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء لا ينفك شيوخنا و معممونا في جميع مجالسهم العامة والخاصة عن الخوض في الحديث عن أحباب الله من الشرائح المعدومة والنفوس المحرومة ممن ضاقت بهم سبل الرزق وغلقت بوجوههم أبواب الرحمة وأوصدت دونهم منافذ النعمة . شيوخنا اليوم باتوا لا يستطيبون الحديث إلا عن شريحة الفقراء وفصيلة البسطاء فلا يبتدئون مواعظهم إلا بهم ولا يختتمونها إلا بالدعاء العريض إليهم عسى ان يغدق الله عليهم من نعمائه وينزل من بركاته ويضاعف من درجاته عليهم فيسد رمقهم ويغني عائلهم ويأوي مشردهم ويكسي عريهم ويقي أجسادهم قرّ وصر وقيظ وحر . لقد عودنا أولئك الشيوخ في بداية كل حديث لا سيما في المناسبات الدينية العامة على طرح قضية الفقراء حتى إنهم رفعوا شعارهم وتدثروا بدثارهم والتحفوا ببردتهم وطالبوا الآخرين بالمسارعة الى نجدتهم ورفع الحيف عن عاتقهم لما في ذلك من اجر عظيم وفضل عميم وهم يرددون قوله ( و يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ويلهجون بقوله ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) وهم فوق ذلك كله يؤكدون لنا جاهدين ويقسمون صادقين ان رائدهم في ذلك المضمار وقدوتهم في ذلك المسار أسد الله الغالب (علي بن أبي طالب ) الذي اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعامه بقرصيه فلم يكنز من دنياه تبرا ولا ادخر من غنائمها وفرا والذي لو شاء لاهتدى الى مصفى العسل ولباب القمح ونسائج القز لكنه أبى فطلق الدنيا ثلاثا لا رجعة له فيها هكذا يصور اليوم اغلب شيوخنا حالهم في حلهم وترحالهم وهم يصدعون رؤوسنا بتلك الروايات والنصوص والأحاديث التي تقدح فينا زناد الإيثار وتذكي بين جوانحنا جمرة المثوبة والاتّجار إلا ان واقعهم يخالف أقوالهم وظاهرهم يجانب باطنهم فهم في واد والفقراء في واد آخر قد اتخذوا من الفقراء سلما وجعلوا من المحتاجين معبرا يستدرون به أرزاقهم ويستزيدون به دراهمهم فكأنهم لم يمروا على من يدعون إمامته ويعتقدون بولايته وهو يرددها عاليا (ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى ؟أو أكون كما قال القائل وحسبك داءً ان تبيت ببطنة وحولك أكباد تحن الى القد أأقنع من نفسي بان يقال :أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش ) بعد كل هذا إلا يحق لنا ان نتساءل عن هؤلاء الشيوخ والمعممين الذين تكتظ بهم المساجد والمشاهد والمعاهد والمؤسسات العلمية والدينية والفقهية عن مدى جدهم ومقدار سعيهم اتجاه ملفات الفقراء وفصول البسطاء وقد أظلنا شهر الله الفضيل الذي أوجب الله صيامه لكيما يشعر المرتوي فيه بحرارة قلوب العطاشى والمساكين فهو شهر الفقراء الذين وجب على شيوخنا ان يهرعوا فيه إليهم ويتسابقوا لخدمتهم ويشاركوهم مكاره الدهر ومصائبه كما شاركهم فيها من يدعون المشي وراء خطا أمير المؤمنين عليه السلام والسير على هداه والمصيبة الكبرى ان هؤلاء الشيوخ الذين تغص بهم المجالس والمدارس والمحافل والمناقل لا نجد لهم أثرا ملموسا فيما يخص الفقراء في شهر الصيام فلا نكاد نتحسس لهم وقعا ولا نتلمس لهم أثرا فكأنهم لم يدعوا لنصرة الفقراء وكأنهم لم يخلقوا وكأنهم لم يأكلوا وكأنهم لم يسرفوا ومثل هذا الأمر هو عكس ما أراده الله منهم وغير ما ترامى الى أسماعنا من أفواههم إذ ان مشاركتهم في هذا الشهر للفقراء والمحتاجين يعد من صميم الأمانة وجوهر الوديعة التي كلفهم الله بها وحملهم إياها . ان أغلب شيوخنا اليوم يختفون في هذا الشهر عن الأنظار ويحتجبون عن الرؤية في وقت يبادر فيه الإعلام عبر عشرات الفضائيات العراقية الرسمية للنزول الى ساحة المكلومين والمغمورين والمنبوذين ومشاركتهم في بلواهم ليقدموا لهم ما طاب من المأكول وما لان من الملبوس وما غلى من المحمول والمنقول حتى ان بعض تلك الفضائيات أخذ يغدق اصحابها على من لا معيل لهم ولا أمل لديهم ببيوت واسعة ودور مانعة تمنعهم حر الصيف وتقيهم برد الشتاء والفقراء بعد ذلك كله لا يصدقون عيونهم ولا يثقون بإبصارهم من هول الصدمة وشدة الفرحة وقد سبقت دموعهم كلماتهم فكأنهم سكارى وما هم بسكارى ، لقد سحبت تلك الفضائيات العراقية بساط الفقراء وبسطت سماط البؤساء الى جانبها فحصدت بذلك محبتهم ونالت رضاهم فأعتقت منهم جموعا وروت منهم غليلا بينما شيوخنا الاجلاء ممن رفع شعار الفقر والفقراء يتوارون عن أعين الناس خوفا على ما حصدوه وحرصا على ما جمعوه من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة مما يكسر بالفؤوس ويهشم بالمعاول ، ان فضائياتنا اليوم تستحق منا كل الود والتقدير على صعيد ما قدمته وتقدمه لأولئك الذين يبيتون خمصا ويصبحون شعثا غبرا . بعد كل هذا إلا يحق لنا ان نتساءل عن سر انسحاب هؤلاء الشيوخ والمعممين من ساحة الفقراء وباحة المحتاجين في شهر يفترض ان يسجلوا فيه حضورا مشهودا وموقفا محمودا داخل منازل الصفيح وبيوت الطين أم إنهم اكتفوا بأن يقال عنهم رجال دين وأصحاب علم كما لم يكتف من قبل رائدهم في ذلك الأمر وقائدهم في ذلك المضمارحتى لقب بأبي اليتامى .بعد هذا كله إلا يحق لنا ان نتساءل لماذا يتلاشى نشاط هؤلاء الشيوخ في مثل هذا الشهر اتجاه ملفات أهل البؤس والشقاء والفاقة والعناء لماذا لا نشهد لهم وقعا ملموسا وأثرا معلوما داخل المحيط الاجتماعي العام وكأن الأرض قد ابتلعتهم أو ألقت الأقدار بهم من شاهق . الحق أقول لكم يا أخوتي ان هؤلاء الشيوخ مشغولون اليوم بما هو أخطر شأنا وأعظم أثرا واعم نفعا من الفقراء وملفاتهم والمحتاجين وهمومهم فقد شغلتهم مسالة (الخمس )عما سواها من الهموم والمشاغل تلك المسالة التي ما انفكوا عن الخوض بمشروعيتها والإسهاب في تبيان وجوه من يستحقها إذ إنها حق معلوم وسهم مرسوم أوجبه الله في أقوات الفقراء يسلمونه عن طيب نفس ورضا قلب لمن يستحقه من هؤلاء الشيوخ ليزداد الفقراء فقرا ويزداد الشيوخ وفرا . روي لي أحد الأصدقاء الذين يصدقون القول ويوفون بالوعد انه قبل أشهر كان جالسا عند أحد هؤلاء الشيوخ وقد استلم الأخير للتو مبلغا ضخما من المال من سهم الخمس وإذا هم كذلك وإذا بامرأة بائسة تطرق الباب فلما أذن لها أخذت تسأل المساعدة وتلحف في المطالبة وهي تنظر بعينين مفتحتين الى الشيخ إلا انه قال لها وبالحرف الواحد (والله ليس تحت يدي شيء )فما كان من صاحبي إلا قام وأعطاها مبلغا زهيدا من المال حتى إذا ما رجع وقد استغرب مقالة الشيخ سأله قائلا (يا شيخ كيف أقسمت ليس تحت يدك شيء وقد استلمت للتو مبلغا من مال الخمس )عندها تبسم الشيخ قائلا ( يا هذا أنا لم اكذب قط فليس تحت يدي سوى مقبض ذلك السرير الذي اتكأ عليه )يمكن القول ان الكثير من شيوخنا اليوم هم على هذه الشاكلة ولا شك ان وجود هكذا شيوخ يلتفون على طلب الفقراء والمحتاجين بطرق ملتوية وأساليب معوجة سوف لن يبدد عنا ظلمات الفقر وغيوم العوز حتى يرفعوا أيديهم عن مقبض تلك الكراسي التي يتكئون عليها منذ زمن بعيد .
#احمد_عبدول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديقة الدار
-
دماء العراقيين هل تحتاج إلى فتوى لتحريمها ؟
-
رجل دين ، رجل سياسة
-
هل تقف امريكا وراء تقسيم العراق؟
-
هل من معجزة؟
-
وماذا عن المرجعية ؟
-
ما الذي يجري في العراق واقعا ؟
-
هل تعيد المصافحة للعراقيين قتلاهم؟
-
مزامير الاغنياء
-
الصحابة في ميزان علي ( عليه السلام )
-
الشعوب ليست قطيعا
-
البعث مرة اخرى
-
شعب الله الثرثار
-
الطائفية السياسية ..بين الواقع والشعار
-
علي بن ابي طالب رائد المصالحة التاريخية
-
ثنائية الخوف والطمع
-
موتانا وموتاهم
-
النص والمرأة
-
مطر السوء
-
القوم الكافرون
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|