|
البعد الحضاري لحسن توزيع الثروة أو سوئها وكيفية فهم النص
محمد شفيق رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4168 - 2013 / 7 / 29 - 05:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
البعد الحضاري لسوء توزيع الثروة أو حسنه وكيقية فهم النص
أحمد تعالى حمدا كثيرا وأصلي وأسلم على خير خلقه وبعد :
في الوقت الذي نرى هذه الملايين من الناس تجوع وتعرى ويعيش معظمهم بلا مأوى لصالح قلة قليلة منهم ما يؤثر سلبا على التكوين النفسي والعقلي للفرد ثم ينعكس تأثيره بشكل مضطرد على عملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية فالسياسية للمجتمع بأسره فضلا عن الفوارق الهائلة بين الدول في هذا العالم ( الصومال وسويسرا ) ، فإنك تجد أيضا من يشرع لهذا الفساد وهذا السوء في التوزيع ويتم إسقاطه على الله تعالى إسقاطا تعسفيا تحكميا لأن الله حسب ثقافتهم هو الذي يوزع الأرزاق على الناس وهو الفاعل الحقيقي لهذا التوزيع وهو الفاعل الحقيقي لهذا التفاوت البشع بين البشر والمجتمعات وهو الفاعل الحقيقي لفقر هذه الملايين التي لا تجد قوت يومها وتنام شبه عارية بلا مأوى بعد أن يتنافس الكثيرون منهم على حاوية القمامة بحثا عن فضلات طعام تلك القلة ليسدوا بها رمق صغارهم .
ناهيك عن العلاقة العاطفية بينهم وبين الفايروسات والجراثيم والميكروبات التي تُقبّلهم وصغارهم صباح مساء فضلا عن الكبت النفسي والإحباط اليومي الذي يلازمهم حتى يصل يبعضهم أن يبيع إحدى كليتيه أو يتمنى أن يبيع بعض أبناءه حتى يعيش الباقي حياة كريمة إلى أن تعج المقابر بهم من سوء التغذية والمرض والقهر . فهذه المعاناة لتلك الأغلبية الساحقة من البشر التي تعيش على الفتات وتعانق القهر والمرض صباح مساء ، وما يقابلها من غنى فاجر وفاحش لتلك القلة التي ينفق بعض أفرادها في حفلة واحدة ما يطعم مدينة تعج بالبشر ويكسي مثلهم ، هي من قضاء الله وتوزيعه ولا يمكن الفرار منه ويجب الرضا به .!!!!
وحتى يكتمل التناقض بهاء وأبهة تراهم يهاجمون الفاسدين ليل نهار ويعلنون أن إساءة توزيع الثروة لصالح فئة قليلة من البشر إنما هي فكرة رأسمالية غربية وعلينا اجتثاثها ليحل محلها الاقتصاد الإسلامي كي يعمّ العدل والخير على الجميع . فإذا كان التوزيع في كلا الحالتين ( النظام الرأسمالي والنظام الإسلامي ) من الله وهو الفاعل الحقيقي لهما فما الذي جعلكم تدافعون عن هذا النظام وتهاجمون غيره ؟ أوليس كلا النظامين من توزيع الله وقضاءه ولابد أن نرضى به ؟!!! ويضاف إلى هذا التناقض تناقض آخر وهو أنكم تقولون إن الله تعالى أمرنا أن نقيم العدل في كل شي ء وأن نأمر بالعدل والإحسان وننهى عن الفحشاء والمنكر ...الخ ، ومن العدل والإحسان حسن توزيع الثروة ليحيى البشر حياة كريمة ويتحسن مستوى التعليم وتقل البطالة وتصبح الدولة منتجة على كافة الصعد والمجالات فيزيد دخل الفرد وتقل الرشوة والإحتكار وتوضع عقوبات صارمة بحق الفاسدين فيقل تأثيرهم ويقل استغلالهم لوظائفهم ويعم الخير على الجميع من الكبير إلى المقمط في السرير ويأخذ كل ذي حق حقه بالعدل وأن لا يطغى أحد على أحد ...الخ
هذا القول وإن كان صحيحا ولكنه حسب الثقافة السائدة في الإسقاط، وأن الله تعالى هو الفاعل الحقيقي لتوزيع الرزق يعتبر متناقضا لأن الله تعالى عدل حكيم لا يفعل القبيح ولا يصنع مشاكل وأزمات اقتصادية هنا أو هناك وليس هو من فعل الإحتكار ولا أساء التوزيع ولا فعل الغش والرشوة ولم يزوّر العطاءات أو العملة ولم يغسل الأموال ولم يفرض الضرائب التي تثقل كاهل الفرد ولم يرفع الأسعار فوق قدرة الفرد وليس هو من أفقر هذه الملايين من البشر وجوّعهم وحرمهم وعرّاهم ، وليس هو من حاصر غزة والعراق وغيرها اقتصاديا ، كما انه لم يفعل جشع تلك الفئة القليلة من الناس التي تعيث في الأرض فسادا وظلما وبطرا ، بمعنى أن الله تعالى لم يفعل الطبقية المقيتة بين البشر وإنما هي من صنع البشر أنفسهم . ثم يضاف إلى هذه الثقافة تناقضا رابعا : فمن المعلوم لكل ذي عقل أن نتائج الفقر والحرمان وخيمة كتدني مستوى التعليم فالبطالة فانتشار السرقة والقتل والغش والربا والرشوة والكذب والزنا ...الخ فإذا كان الله هو المتسبب في ذلك الفحش والمنكر فكيف ينهى عنه ؟
فهل رأيتم عاقلا ينهى عن فعل ثم يأتيه ويأمر بضده ؟ أليست هذه نقيصة بحق فاعلها ؟ ومن باب أولى أن ننزه الله تعالى عنها ؟ . لا تنه عن خلق وتأت مثله .......عار عليك إذا فعلت عظيم .
ثم كيف يُعاقب الله الناس على جريمة اقتصادية أو غسيل أموال أصولها من زراعة الحشيش وسائر المخدرات ، والله نفسه من تسبب بها ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . هل رأيتم عاقلا حكيما يتسبب في مشكلة أو بحادث سير أو بانتشار مرض معد عبر تجارب على الفقراء أو نشر جرثومة في المجتمع أو حرق مزارع أو زراعة الحشيش المخدر أو التلاعب بسعر صرف العملة أو تزويرها أو أو أو ، وتخيل أن يأتي هذا المتسبب بكل وقاحة ليعاقب من لحق بهم الأذى والمعاناة ؟؟ أم إن العقلاء يحكمون باستحقاق الذم و العقاب لهذا المتسبب لا العكس . فكيف اذن تسرب مثل هذا التناقض في التفكير إلى عقول الأمة ؟
للإجابة عن هذا السؤال نحتاج أن نفرد له مقالة خاصة ولكن على الجملة أقول : إن عوامل كثيرة ساعدت بانتشار هكذا ثقافة أهمها تحالف السلطة مع المتدينين فتزاوجت المصالح فإذا بالمولود يخرج جبريا مشوها ثم أصبح ذلك الجبر والتشوه دينا ووحيا . نعود للمسألة وكيف يمكن لنا أن نفكر تفكيرا يتسق مع الواقع والخبر . سنأتي بأمثلة من الخبر ( النص ) الذي يخبرنا عن واقع معين ثم نرى كيف يمكن للبشر أن يفهموه : قال الله تبارك وتعالى : " هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين " يونس 22 .
في هذا النص أُسند الفعل ( يسيركم ) إلى الله تعالى بمعنى أن الله تعالى في ظاهر هذا الخبر هو الذي يسيرنا إن كنا في البر أو في البحر ، ولكن إذا نظر العاقل إلى الواقع الذي يعيش فيه فإنه يجد نفسه يسير على قدميه ويذهب إلى أي مكان يريد ولا يجد من نفسه أن أحدا ما يسيره وكذا الحال إن ركب سيارته وسار بها حيث يريد فإنه لا يجد أحدا يقود سيارته بالنيابة عن نفسه وهذا الحال ينطبق على البحر فإن خاض بعضه سباحة فإنه لا يجد أحدا يسبح عنه أو يسيّره وكذا الحال إذا ركب قاربا ...الخ فأصبح هنا ثمة تعارض بين ظاهر النص وبين الواقع وما يعقله الناس كل الناس من أنفسهم ، وهنا لا يمكن لأي عاقل أن يكذب المشاهدة الضرورية التي يشاهدها كل الناس من أجل أن يقنع نفسه قسرا بخلاف ما يشاهده الناس بشكل مضطرد بناء على ظاهر النص !!
من المعلوم في أصول الفقه أن ظاهر النص هو أحد المعاني المحتملة وليس جميعها والقرينة تحدد هذا الوجه أو غيره ، وهذا معروف عند كل عربي فعندما يقول العربي : بنى الملك المدينة وهزم الأمير الجند ، فهم لا يقصدون من هذا الإسناد ظاهره لأن الجميع يعلم أن الملك لم يقم بنفسه ببناء بيوت وشوارع وأبنية المدينة أو العاصمة وإنما أمر ببنائها وكذلك الحال في قولنا : هزم الأمير الجند فإنه عند العقلاء فعلا لجنده . مع إن لفظة ( أمر ) و (جند) ، لم تكن موجودة داخل النص ، ولكن ما يشاهده الناس في واقعهم هو الذي جعلهم يعدلون عن ظاهر النص إلى أحد المعاني الأخرى التي يحتملها النص . فكون هذا الإسناد جاء بحق القادر المختار من البشر ولم يُصرف إلى ظاهره ، فكيف إذا جاء بحق غير القادر المختار كقولنا : أنبت الربيع البقل ، جرى النهر ، وتحركت الشجرة ، سال الدم ..الخ ؟ فهي أبعد وينقلب الفاعل في هذا الخبر إلى مفعول فليس هو المؤثر في الفعل بل هو متأثر به .( طبعا هناك ضوابط وأمثله كثيرة ولكني اقتصرت هنا على مسألة الفاعل في الخبر وهل هو بالضرورة فاعل حقيقي ؟ ) . فالناس يعلمون أن ظاهر النص هنا ( وهو أحد احتمالات المعنى ) غير مقصود فيعدلون عن ظاهره بدلالة العقل والواقع إلى معنى أخر يحتمله النص ويتوافق مع العقل والواقع . وأكثر من ذلك فربما تجد نصوصا لا علاقة لظاهر ألفاظها بالمعنى ، كأن يقول أحد المتخاصمين للآخر أمام جمع غفير : كنت تتصيد في الماء العكر . فلا يخطر ببال أحد الحاضرين أن سبب غضب القائل أن فلانا قد ذهب إلى بركة ماء غير صافية ويريد أن يصطاد سمكة ، وإنما يفهم الجمع الغفير أن القائل يقصد أن ينبهه إلى أفعاله ومواقفه السيئة . وعليه فإن العقل والواقع هما الأصل لفهم ظاهر النص وليس العكس فإما أن يصادق العقل والواقع على ظاهر النص ويثبته وإما أن يعدل عن ظاهره إلى معنى أخر تحتمله اللغة ويتوافق مع العقل والواقع ، وبغير هذا سنرى التناقض يحيط بنا من كل جانب فلا العقلاء سيقبلوننا ولا حتى المجانيين .
كذلك قول الله عز وجل على لسان يوسف عليه السلام : "فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم " . فظاهر النص أسند فعل إخراج يوسف عليه السلام من السجن لله تعالى ولكن الواقع المشاهد آنذاك يثبت أن الذي أخرجه من السجن هو حارس السجن تنفيذا لأمر قائد السجن الذي قام بدوره بتنفيذ أمر الملك عندما علم بأنه يحسن تعبير الرؤيا وما حدث بعدها من تعبيره لحلم الملك ثم أفرج عنه الملك ليعينه في تنفيذ هذا التعبير .
كذلك قوله تعالى : " هو الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون " النحل . فظاهر النص هنا أسند فعل إخراج الأطفال من بطون أمهاتهم لله تعالى ، ولكن الناس يعلمون من حياتهم وواقعهم أن الطبيب أو الطبيبة أو القابلة هم من يخرجون الأطفال من بطون أمهاتهم بمعنى أنهم هم الفاعلون لذلك على الحقيقة . وهناك الكثير من النصوص في كتاب الله تعالى على هذا المنوال ، فالفاعل النحوي ليس بالضرورة أن يكون الفاعل الحقيقي الذي يباشر الفعل . فالعقل والواقع هو الحَكَم على النص وليس العكس . وتخيل لو جاء شخص وقال للطبيبة التي أخرجت ابنه من بطن زوجته بعملية قيصرية أو بدون عملية : الله لا يخلف عليكِ ، والله لا يعطيكِ العافية فوق تعبِك لأن الله هو الذي ولّد زوجتي وأخرج أبني من بطنها . فماذا سيكون موقف من حضر من العقلاء ؟ إن سوء توزيع الثروة وما يتبعه من نتائج كارثية على الفرد والمجتمع هو من فعل البشر أنفسهم تماما كما هو حال حسن توزيع الثروة ، هذا ما يشاهده كل الناس مؤمنهم وملحدهم ، فلم يشاهد الناس ربهم يوزع الرزق ( الأموال والأطعمة والمتاع ...الخ ) على هذا أو ذاك ، فالناس في كل بقاع العالم تغضب ثم تخرج مظاهرات وتقيم الإعتصامات والإضرابات ...الخ عندما ترفع تلك الحكومة سعر الخبز أو تزيد الضرائب على هذه السلعة أو تلك ، فهذه الجموع الغاضبة لم تغضب من الله ولم تخرج عليه مظاهرات ، لماذا ؟ لأنها تعلم أنه لم يفعل هذا الغلاء وتلك الضرائب ...الخ
كذلك الحال في النصوص المتعلقة بالرزق وأنا هنا سأنقل أقوى ما يعتمده أصحاب هذه الثقافة كقوله تعالى : " و لا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم " وقوله تعالى : " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون " الزخرف . وأشباهها .
فظاهر النص الأول يسند فعل الرزق لله ، و ظاهر النص الثاني هو إسناد فعل تقسيم معيشة الناس بين بعضهم البعض لله ، كما أسند فعل رفع الناس فوق بعضهم البعض لله . ولكن هل يشاهد الناس ربهم يوزع عليهم أرزاقهم ورواتبهم ؟؟ وهل يشاهد الناس الملائكة تقوم بهذا الفعل ؟ لا لم يشاهد الناس ربهم ولا ملائكته يوزعون عليهم أرزاقهم ورواتبهم وإنما يشاهد الناس أن البشر هم الذين يوزعون على بعضهم البعض طعاما ورواتب وأ موالا و شققا سكنية أو خيما للاجئين أو أدوات منزلية أو فرشات ....الخ بثمنها أو بدون ثمن كصدقة مثلا .وكذا الحال في النص الثاني .
فهل يشاهد الناس ربهم قد رفع رواتب هذه الفئة وخفّض رواتب تلك ؟ ولم يشاهد الناس ربهم قد قسم لهم أموالهم وطعامهم فأعطى هذه الفئة من الناس عطاء جزيلا ومنع تلك ؟ وإنما شاهدوا البشر أنفسهم يفعلون كل ذلك . وعليه فيمكن أن نفهم النص أن الله تعالى هو الخالق لقوانين هذه الحياة لتكون صالحة للحياة والعيش والتكليف وأزال كل العلل المانعة منه وخلق الإنسان قادرا على الفعل أو الترك والناس لهم كامل الحرية في التصرف بالمال والتجارة والصناعة والزراعة ...فيفعلون ضمن هذا الإطار بمعنى أن الإسناد في الخبر ليس حقيقيا لله تعالى في مباشرة الفعل والإنسان هو الفاعل الحقيقي للتوزيع ، فبإرادته واختياره يأكل العنب وبإرادته هو واختياره يجعل من العنب خمرا ويشربه ، كقوله تعالى : "قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا " . يونس لذلك أوقع الله تعالى عقوبة على من يكنز الأموال والذهب ولا ينفقها على الفقراء، وذلك لحفظ توازن المجتمع . قال الله عز وجل : " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ماكنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " . التوبة. وكثيرة هي النصوص التي أوجبت عقابا شديدا على حيازة المال وغيره دون حق ، كالسارق ومغتصب الأرض وآكل مال اليتامى ظلما وآكل الربا ...الخ فإذا كان الله حسب الثقافة السائدة هو من أعطى ذلك المال للسارق ولآكل مال اليتامى و لمغتصب الأرض الزراعية أو ما جناه المقامر أو ما جنته الراقصة في النوادي الليلية أو المال العائد من تجارة المخدرات والحشيش أو المال العائد من تزوير العملة أو المال السياسي...فإذا كان الله هو من أعطى لهؤلاء تلك الأموال كما أعطى لمن حاز ماله بالعدل والحلال فلمَ أوجب العقوبة على هذا دون ذاك ؟ !!!!
والأغرب من ذلك أن الله عندكم هو الفاعل الحقيقي لأفعال القمار وأكل أموال اليتامى والسرقة وتجارة المخدرات ....الخ والأكثر غرابة قول بعضهم أن الإنسان يقوم بعملية تجارة المخدرات وهو الذي يقوم بفعل القمار ولكن الربح الحاصل من هذه التجارة أو من فعل القمار هو من فعل الله لأن النتيجة حسب ثقافة هؤلاء هي قضاء من الله وفعله . فهؤلاء فصلوا أفعال البشر عن نتائجها واعتبروا أن الإنسان له فعله ولا علاقة له بما يتولد عن فعله أو بما ينتج عن فعله فالنتائج هي من فعل الله وقضاءه !!!!. ولا يخفى على العقلاء مدى التناقض في هذا القول إذ كيف يمكن لعاقل أن يفصل الفعل عن نتيجته ؟ فلو جاء فلان لأحد هؤلاء وصفعه على وجهه أو اغتصب ابنته أو سرق ماله أو هدم بيته أو رشّ مواد كيماوية على محصوله فأفسده أو أغرق السوق بعملة مزورة أو قام أحدهم بوضع مناهج للتعليم تخالف القيم والأخلاق أو هذا الفقر والجوع والحرمان الناتج عن تطبيق أشخاص للفكر الرأسمالي أو قيام دولة الكيان الصهيوني كنتيجة لأفعال أشخاص ...الخ . فالألم الناتج عن الضرب والإغتصاب عندهم هو فعل لله وإفساد المحاصيل هو من الله وإفساد الحياة الإقتصادية وكل ما نتج عن تطبيق الفكر الرأسمالي من فقر وحرمان وجوع وذل هو فعل لله وقضاءه وقيام الكيان الصهيوني كنتيجة هو من فعل الله وقضاؤه .!!! هل يقبل عاقل هذا القول ؟
ولكن كيف قطع هؤلاء أن النتائج وما يتولد عن أفعال البشر هي من فعل الله وقضاؤه مع أنهم يقرون أن السبب ينتج المسبب حتما ؟ إنه الخلط الواضح بين الفاعل في الخبر وبين الفاعل الحقيقي في الواقع ثم فكرة الجبر المتأصلة في ذاكرة الأمة ، وإلا فالناس كل الناس يعلمون أن الألم الناتج من تلك الصفعة أو فعل الإغتصاب هو نتيجة لفعل الإنسان نفسه وأن الحرمان والجوع والفقر والذل الناتج من أفعال أشخاص طبقوا تلك القوانين الرأسمالية هو من فعل الإنسان وأن تلك الدولة الصهيونية هي من نتاج فعل لبعض البشر وهم المسؤولون الحقيقيون عن أفعالهم وأن الطبيب الذي أعطى مريضه ذلك الدواء والذي نتج عنه مضاعفات أو موت أو مرض آخر ، هو المسؤول عن فعله وما نتج عنه . فإذا تشاجر شخصان مع اثنين أخرين فقاما بطعنهما نفس الطعنة وفي نفس المكان ( في البطن مثلا ) والأول قد فارق الحياة و نجا الثاني ، فإن العقلاء تطلق على الأول أنه قاتل وعلى الثاني أنه قام بإيذاء الآخر . مع أنهما قاما بنفس الفعل وهو الطعن ولكن العقلاء وصفوا الأول أنه قاتل بناء على ما نتج عن فعله فيحكم القاضي عليه على أساس أنه قاتل ، ولم يصفوا الثاني أنه قاتل لأن المطعون الثاني لم يمت ، فيحكم القاضي على الثاني بخلاف ما يحكم على الأول بناءا على نتيجة الفعل و الذي يخالف في هذا فليس من زمرة العقلاء .
ثم إن هناك نصوصا أسندت فعل الرزق للإنسان كقوله تعالى " وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا " النساء. وقوله " وهو خير الرازقين " ، المؤمنون ، فالنصوص المتعلقة بالرزق يجب فهمها على هذا الأساس ( العقل والواقع ) حتى تنضبط أمور الناس ويجتهدوا لتطوير واقعهم وتحسين ظروفهم المعيشية بكل الوسائل العلمية المفيدة لهم حتى تسير قافلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية فالسياسية إلى بر الأمان فالدولة سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية فلابد لها من وزير للزراعة ووزير للتمنية ووزير للمالية ووزير للصحة ووزير للأمن الإجتماعي وزير للطاقة وكل وزارة تعج بالموظفين ....الخ وكل هؤلاء يسعون لتطوير مجتمعاتهم وتفادي الأخطاء هنا أو هناك ، والفرق بين النظام الإسلامي وغيره أن النظام الإسلامي قد أُخذت قوانينه الكلية من الله تعالى وأنه مصلحة للناس ولكن الله تعالى جعل تطبيقها بأيدي الناس ( التكليف ) ، فالبشر لهم الحرية والإرادة الكاملة في تطبيقه أو عدم تطبيقه فإن أحسنوا تطبيقه باختيارهم وإرادتهم فلهم المدح والثواب وإن أساؤوا تطبيقه وخالفوه لهم الذم والعقاب . وللناس أيضا أن يجتهدوا في تطويره وإيجاد مشاريع تنموية جديدة تكون مبنية على الأصل الكلي حتى ترسو سفينة الأمة نحو الأفضل والحياة الكريمة . وينسحب هذا الكلام على مسائل الهدى والضلال وجميع المسائل المتعلقة بأفعال البشر .
والحمد لله رب العالمين .
محمد شفيق رمضان
#محمد_شفيق_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجه الحكمة في خلقنا وتكليفنا
-
يجب إعادة فرز النخب بكل الدوائر
-
نحو إعادة تشكيل ثقافة جامعة لغد أفضل
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|