|
كعب أخيل والأصل المصرى
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4167 - 2013 / 7 / 28 - 00:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتب هوميروس فى الالياذة عن شخصية أخيل (أخيلوس) باليونانى وخلده فى تلك الملحمة، رغم أنّ النقاد لايعرفون إنْ كان (أخيل) شخصية حقيقية أم خيالية. وقد وصفه هوميورس بأنه ((أشجع الإغريق الذين غزوا طرواده)) وقع أخيل فى حب فتاة جميلة طروادية. تصنـّعتْ حبه حتى تعرف سر قوته. أخبرها بأنّ سر قوته فى كعب ساقه. أبلغتْ العشيقة أهلها ، فكان السهم الذى دخل كعبه فيه القضاء عليه. بعد أسطورة (كعب أخيل) جاءتْ أسطورة (شعر شمشون) كما وردتْ فى العهد القديم (سفر قضاة) وتحكى الأسطورة أنّ شمشون اليهودى أحب امرأة فلسطينية اسمها دليلة. طلب منها أقطاب الفلسطينيين أنْ تتملقه حتى تعرف سر قوته، لأنه كان يقتل ألف رجل ((بلَحْى حمار)) {مكتوبة هكذا ، ولعلّ كاتب الأسطورة يقصد لحية الحمار كما جاء فى شرح كلمة (لحى) فى قواميس اللغة العربية} كما أنه خلع باب المدينة والقائمتيْن مع العارضة ووضعها على كتفيه وصعد بها إلى رأس الجبل. إلى آخر التفاصيل التى تؤكد قوته الخارقة. ظلتْ دليلة تلح عليه لتعرف سر قوته فأخبرها. وكما جاء فى النص العبرى ((كشف لها كل قلبه وقال لها لم يعلُ موسى رأسى لإنى نذير الله من بطن أمى فإنْ حُلقتُ تـفارقنى قوتى وأضعف وأصير كأحد الناس. ولما رأت دليلة أنه قد أخبرها بكل ما بقلبه أرسلتْ فدعتْ أقطاب الفلسطينيين وقالت اصعدوا هذه المرة فإنه كشف لى عن سر قوته وأنامته على ركبتيها ودعتْ رجلا وحلقتْ سبع خصل من رأس شمشون وأذلته وفارقته قوته ... فأخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه.. إلخ )) ذاك ما ورد فى أسطورة (كعب أخيل) اليونانية وأسطورة (شعر شمشون) العبرية. أما الأسطورة المصرية السابقة على هاتيْن الأسطورتيْن وتناولتْ حكاية (الكشف عن سر القوة) فقد وردتْ ضمن مجموعة البرديات المصرية، التى ترجمها عن اللغة المصرية القديمة أكثر من عالم متخصص فى علم المصريات من بينهم العالم (مارش) فى كتابه (حكايات الزمن القديم) و(بروكسبانك) فى كتابه (أساطير الفراعنة) والعالم المصرى (سليم حسن) فى كتابه (تراجم الأدب فى الدولة القديمة) تبدأ الأسطورة المصرية بتصوير جزيرة نائية بها عملاق ضخم بشع المنظر. تيار النهر العاتى قذف بقارب صغير على الجزيرة . بالقارب فتاة جميلة اسمها (ضياء الشمس) وكان يجرى وراءها تمساح ليبتلعها. العملاق الضخم كان يُتابع المشهد . تقدّم العملاق الضخم ورفع التمساح بيديه. حاول التمساح مهاجمته والدفاع عن نفسه. قبض العملاق على فكىْ التمساح وفصلهما بيديه وحطـّمهما. ثم تقدّم من الفتاة التى أعربتْ له عن شكرها لأنه أنقذ حياتها. فقال لها إنه هو الذى يشكر الآلهة لأنها أتاحتْ له التعرف على فتاة جميلة مثلها وتمنى أنْ تقبل الزواج منه. هنا يأخذنا كاتب الأسطورة إلى درجة من درجات التوتر الدرامى الذى أخذ شكل الصراع داخل وجدان الفتاة ، بين عرفانها للعملاق الذى أنقذ حياتها ، وبين نفورها من وجهه الدميم القبيح. فماذا تفعل ؟ (وهذا التوتر الدرامى الذى صنعه خيال كاتب الأسطورة المصرية لا وجود له فى الأسطورتيْن اليونانية والعبرية) بكتْ الفتاة ورجته أنْ يتراجع عن رغبته. أصرّ العملاق على طلبه وهدّدها بأنْ يلقى بها إلى التماسيح لتأكلها (درجة ثانية من التوتر الدرامى) تصنـّعتْ الفتاة التودد إليه ووافقتْ على الزواج منه. ولكنها اشترطتْ عليه الانتظار حتى تأتى موافقة الآلهة وعدم اعتراضها على زواجها منه. رضخ العملاق لرغبتها فى تأجيل الزواج حتى تأتى موافقة الآلهة. بعد ذلك انتقل كاتب الأسطورة إلى موقف الفتاة وكيف تتخلص من هذا المأزق. بدأتْ تتودد إليه أكثر حتى يطمئن إليها. إتبعتْ أسلوب مديحه واعجابها بقوته. كان يفرح كالأطفال بهذا الثناء على قوته. ضاعفتْ الفتاة من جرعات الثناء وتضخيم غروره (كأنما كاتب الأسطورة يعى دلالة ذلك فى علم النفس الحديث) بعد ذلك بدأتْ خطة الهجوم . قالت له : إذا كان شكلك يفتقد للجمال (لاحظ أنها تعمّدتْ عدم الاشارة إلى قبح وجهه) فإنّ الآلهة وهبتنى (تميمة) حتحور وبها سر جمالى . وسوف أبوح لك بهذا السر لأنك أقوى وأشجع الرجال فى المدينة. فرح العملاق بهذا الثناء وهذه الثقة ، ولكنها فاجأته بقولها : ولكن بشرط أنْ تـُخبرنى أنت بسر قوتك . انخدع العملاق بكلامها ، فرح كما الأطفال وقال لها ((سر قوتى هو قلبى الكبير.. ونظرًا لكبر حجمه وضخامته فإننى لا أحتفظ به داخل جسدى)) صاحتْ الفتاة (ضياء الشمس) : إذا كان قلبك كبيرًا.. ولا تستطيع أنْ تحتفظ به داخل جسدك.. ففى أى مكان تحتفظ بقلبك العظيم المُدهش؟)) قال لها العملاق وهو سعيد بحديثها وتملقها ((طالما أنك ستـُصبحين زوجتى وشريكة حياتى ، سأخبرك بالمكان الذى أحفظ فيه قلبى الكبير. لقد أخفيته بين غصون قمة السنديانة الكبيرة التى تـُظلل الشاطىء الجنوبى للجزيرة . وطالما بقى فى ذلك المكان الآمن المُحصّن فلا يستطيع أى إنسان أو حيوان أو أى وحش أنْ يُواجهنى أو يتحدّانى)) تصنـّعتْ الفتاة السذاجة وسألته ((ولكن افترض أنّ أحدًا عرف المكان وسرق قلبك ، فماذا تفعل؟)) فردّ عليها بثقة ((لا يمكن أنْ يقترب أحد من الشجرة.. والسبب أنّ تلك الشجرة يحرسها ثعبان ضخم له رأس كرأس الثور.. يعلوه قرنان ملتويان.. وله عينان لامعتان لونهما أحمر مثل اللهب.. ويلتف بجسمه الفضى حول جذع السنديانة ولا يُفارقها طوال الليل والنهار)) انتظرتْ الفتاة حتى موعد الفيضان وارتفاع مياه النهر.. تسبّب إغراق أرض الجزيرة فى أنّ الماء غمر جذع السنديانة ، فابتعد الثعبان الذى يحرسها. وبعد عدة تفاصيل مُشوّقة ذكرها كاتب الأسطورة، تمكنـّتْ الفتاة من الوصول إلى مكان قلب العملاق. ولكى تتأكد من أنه فقد قوته طلبتْ منه أنْ يُحضر لها فرعًا من فروع شجر الدوم الضخم.. راقبته وقد فشل فى تحريك فرع الشجرة فتأكدتْ من أنه فقد قوته. فى اليوم التالى ذهبتْ إلى النهر لتستحم . تصنـّعتْ الخوف وصاحتْ تستنجد بالعملاق ليُنقذها من التمساح الذى يُهاجمها. جرى العملاق إليها ولم يجد التمساح، ولكنها أشارتْ إلى تمساح بعيد وطلبتْ منه أنْ يذهب إليه ويقتله وهى تمتدح قوته. جرى العملاق نحو التمساح الذى تغلب على العملاق بأنْ أطبق فكيه على ساق العملاق وسحبه داخل المياه واختفى الإثنان فى قاع النهر. جلستْ ضياء الشمس فى ظل السنديانة الكبيرة. أخذتْ فرعًا من فروعها ونزعتْ خصلة من شعرها الأسود الطويل الذى تميّزت به جميلات مدينة طيبة. ربطتْ الخصلة بفرع السنديانة. ألقتْ بفرع السنديانة المربوط به خصلة من شعرها إلى النهر. جرف النهر فرع الشجرة إلى أقرب شواطىء مدينة طيبة. التقطه أحد الصيادين بشباكه. ذهب بالفرع إلى أمير طيبة. استدعى الأمير عرّاف معبد آمون ليُخبره عن صاحبة خصلة الشعر. أخبره العرّاف أنّ خصلة الشعر تلك من ضفائر فتاة من جميلات طيبة التى تحمل تميمة الإلهة حتحور.. وأنها لاتزال حية. ذهب الأمير ومعه حراسه إلى المكان الذى حدّده العرّاف. كانت ضياء الشمس تجلس فى مكانها كل ليلة فوق قمة السنديانة تـُراقب حركة القوارب. وإذا بها تلمح قاربًا يتجه نحو الجزيرة مباشرة. وعندما اقترب القارب منها قفزتْ داخله. احتضنها الأمير وجفف دموعها ، وأخذها إلى طيبة وتزوجها. 000 إذا كانت الأساطير الثلاثة (المصرية ثم اليونانية ثم العبرية) تدور حول اكتشاف (سر القوة) فالمُلاحظ أنّ الأسطورتيْن اليونانية والعبرية ركزتا على أنّ الهدف من الإيقاع بأخيل ثم شمشون هو الإنتقام منهما، أى أنّ رغبة الانتقام سيطرتْ على كاتب الأسطورة اليونانية وكاتب الأسطورة العبرية ، مع استبعاد أى أسباب إنسانية داخل النفس البشرية ، بينما كان الهدف فى الأسطورة المصرية مجرد التخلص من العملاق الذى تصوّر أنه يستطيع إجبار الإرداة الإنسانية لرغباته. كما أنّ الأسطورة المصرية ترمز (بشكل أدبى بديع يعتمد على الإيحاء أكثر من الافصاح والمُباشرة) إلى أنه إذا كانت القوة المادية القاهرة تستطيع التغلب على قوة مادية أعتى وأعنف منها ، فإنّ عقل الإنسان يستطيع أنْ يتغلب على تلك القوة العاتية المُدمّرة التى تـُريد فرض سيطرتها ورغباتها ضد إرادة الإنسان الحرة المجبولة على حرية الاختيار. كما أنّ الأسطورتيْن اليونانية والعبرية تفتقدان الخيال الإنسانى البديع الذى تمتع به كاتب الأسطورة المصرية ، عندما وضع القارىء مكان الفتاة التى تعرّضتْ لأقصى أنواع الصراع النفسى : بين تقديرها وعرفانها بجميل العملاق الذى أنقذ حياتها ، وبين رفضها الزواج منه بالقوة الجبرية عندما هدّدها بأنْ يلقى بها إلى التماسيح إنْ لم ترضخ لرغبته. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عذرية الإنسان (نص لا يدّعى الشعر)
-
الانتقال إلى العالم الآخر والأصل المصرى
-
مصطلح ( متأسلمين ) ومغزاه
-
قصص أبطالها حيوانات والأصل المصرى
-
سيناء ضحية بين حماس وإسرائيل
-
تحولات المستشار طارق البشرى
-
إدوارد سعيد : داعية إسلامى
-
المثقف بين الولاء للسلطة والولاء لشعبه
-
لمصلحة من القتل والارهاب ؟
-
الأحزاب الدينية والحداثة
-
بورتريه ل ( ع . ف )
-
السيسى حفيد حور- إم - حب
-
الحداثة والإسلام نقيضان لا يلتقيان
-
نص عبرى / حداثى
-
اعتذار للأستاذ أحمد الخميسى
-
الحضارة المصرية وأصل الموسيقى
-
العلاقة بين الآثار والسياحة
-
أحمد الخميسى يفتح كنوز أوراقه الروسية
-
وعد بالفور بالمصرى
-
العرق والدين آفتان للتعصب
المزيد.....
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|